عبّر رئيس وزراء الکیان الصهيوني صراحةً في خطاباته عن مساعي النظام إلى تنفيذ خطة "إسرائيل الكبرى". ويبدو أن العدوان على غزة ولبنان وسوريا نُفّذ أيضًا للهدف نفسه. في رأيكم، هل يُهدّد خطر قيام "إسرائيل الكبرى" الدول المذكورة آنفًا فقط، أم أن شبحه سيُلقي بظلاله الثقيلة أيضًا على دول أخرى في المنطقة؟

رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، كما يذكر في مذكراته وفي كثير من تصريحاته، يعدّ زئيف جابوتنسكي ملهمه في الأفكار والرؤى. جابوتنسكي (صاحب مقال الجدار الحديدي) كان يهاجم وينستون تشرتشل، وزير المستعمرات البريطاني في مطلع عشرينات القرن الماضي، لأنه منع الحركة الصهيونية من البناء الاستيطاني شرق نهر الأردن (المملكة الأردنية الهاشمية اليوم)، لأنّه كان يعرى أن «من حق» اليهود التوسّع والاستيطان في كل أرض يرد في توراتهم وتلمودهم أن اليهود سكنوا فيها. لذلك، مشروع "إسرائيل الكبرى" الذي يؤمن نتنياهو بالمسؤولية لتحقيقه وإنجازه، له أسس وجذور في أصل عقيدة من يُسمّون بـ "الصهيونيين التصحيحيين"، الذين استمروا بمحاولة الوصول للسلطة في كيان العدو لتنفيذ رؤيتهم التلمودية التوسعية. عندما شكّل نتنياهو حكومته الحالية في أواخر 2022، شكّلها على أساس ضم الأحزاب التي ورثت أفكار جابوتنسكي والصهيونية الدينية التي تؤمن بحتمية تنفيذ مشروع "إسرائيل الكبرى". حكومة العدو اليوم جادة في طروحاتها عن مشروع التوسع هذا، والخريطة التي يتناقلونها عن المشروع تقضم أجزاء من مصر والسعودية والعراق وتركيا والجزء الأكبر من الأردن وسوريا والكويت ولبنان كله. دولتهم الكبرى المزعومة هي كما كنا نسمع دائماً: من النيل إلى الفرات. لقد شاهدت قبل عام تصريحاً لأحد قادة الحركة الاستيطانية التوسعية اسمه هاغاي بن أرتزي، هو شقيق سارة نتنياهو، زوجة بنيامين نتنياهو، يقول: «نحن لسنا طمّاعين، لا نريد شبراً واحداً بعد نهر الفرات. ما هو من حقّنا كما أعطانا إياه الله، سنغزوه».

 

في ظلّ مساعي الکیان الصهيوني إلى توسيع نطاق اتفاقيات إبراهيم وتطوير تطبيع العلاقات مع دول المنطقة، هل يُمكن لسياسة «تطبيع العلاقات» أن تضع حدًا لطموحات الکیان الصهيوني التي لا تشبع؟

طبعاً ما يسمى «اتفاقات أبراهام» التطبيعية التي بدأت في 2020 والمساعي مستمرة حالياً إلى توسيعها تختلف في شكلها وشروطها عن اتفاقات التطبيع مع مصر في 1979 والسلطة الفلسطينية في 1993 والأردن في 1994، وذلك لأنّ من يحكم اليوم في الكيان الصهيوني يرى أنّ ظروف توقيع اتفاقات التطبيع تختلف عن تلك الظروف. آنذاك، كان لدى العرب بعض أوراق القوة التي استعملوها للحصول على أراضيهم المحتلة كما حدث مع مصر عندما استعادت سيناء، ولكن اليوم الأنظمة العربية التي تهرول للتطبيع تذهب من موقع الضعف، لذلك يرى القادة الصهاينة أن من يفرض الشروط ويملي نصوص الاتفاقيات ومضامينها الآن هو الكيان وليس الأنظمة العربية. هذا ما هو حاصل مع النظام السوري الجديد، الذي يذهب للتطبيع مجرداً من ترسانته العسكرية التي دمرها الصهاينة، وفي ظل احتلال لأراضٍ جديدة، وأمر واقع فرضه العدو في الجنوب السوري، وكل ذلك في ظل ضعف السلطة الجديدة. لذلك الكيان الصهيوني لن يتوقف عند هذه الأنظمة التي ستطبّع بالمجان، وعندما سيفرض الاتفاق الذي يناسبه في سوريا سيذهب إلى الحدود السورية العراقية لكي ينفّذ أطماعه حيال العراق، وأيضاً ليس هناك أي ضمانات بأن لا يحاول غزو لبنان مجدداً لاحتلاله سوى المقاومة وسلاحها، ولذلك يحاول الأميركيون عبر عملائهم وأدواتهم أن يسحبوا هذا السلاح، ولكن سيفشلون، إن شاء الله.

 

هل تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي وأفعاله الأخيرة، المنسجمة مع تنفيذ المخطط التوسعي لما يُسمى "إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات"، مجرد ادعاء عابر، أم أنها سياسة وإستراتيجية تؤدي إلى انتهاك السيادة الوطنية وسلامة أراضي دول المنطقة المستقلة وأمنها؟

إذا كانت الأنظمة العربية الراغبة في التطبيع مع الكيان الصهيوني وسط إعلانه الصريح عن "إسرائيل الكبرى" في الوقت نفسه، فهذا يعني أن الأنظمة العربية لا يستفزها الخطاب التوسّعي الصهيوني، وهذا يعني أنّ هذه الأنظمة ربما لن تمانع التفريط بأجزاء من أرضها مقابل سلامة نظام الحكم. إن أشنع ما يمكن أن يحدث هو أن يذهب أي نظام عربي للتطبيع من موقع الضعف، بما يعني التفريط باستقلال الدولة وسيادتها على أراضيها، فقط من أجل حفظ كرسي الحكم الخاص بزعيم هذه الدولة العربية أو تلك. إن مشروع الصهاينة الذين يحكمون اليوم في الكيان المسمى "إسرائيل الكبرى" هو إستراتيجية متكاملة ومشروع هم جادون بتحقيقه، ويرون أن الظروف باتت مناسبة ولن تتكرر، لذلك يندفعون على هذا النحو في غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان وجنوب سوريا.

 

يرى الخبراء والمراقبون السياسيون أن الإعلان الصريح عن تنفيذ مخطط "إسرائيل الكبرى" يُعدّ انتهاكًا واضحًا لميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي، ويكشف بوضوح نوايا تل أبيب العدوانية للهيمنة على العالم الإسلامي بأسره. ما رأيكم في هذا؟

طبعاً من يحكم في كيان الصهاينة اليوم لا يكترث لشيء اسمه مواثيق دولية وقانون دولي، والدليل ما نراه في قطاع غزة من حرب إبادة وتطهير عرقي ضد الفلسطينيين. في اعتقادي، الصهاينة الذين يحظون بدعم ترامب وتأييده وحمايته بصورة كاملة يرون أنّ مجريات الحرب المستمرة منذ 23 شهراً وكذلك الحماية السياسية والقانونية والدعم اللوجستي والتسليحي والاستخباري الأميركي يجعل من الظروف مؤاتية لمحاول تنفيذ مشروع "إسرائيل الكبرى". في النهاية إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لحماية الكيان الصهيوني في رؤاه كلها وما ينوي فعله، سيستمر الكيان في مشروعه ولن يوقفه أحد، إلا المقاومة المسلّحة التي أثبتت سابقاً وحالياً، وستبقى تثبت أنّ هذا العدو لا يفهم إلا لغة القوة، ولا شيء غير القوة قادر على إجهاض مخططاته وإحباطها، والتعويل على القانون الدولي وما يسمى «الشرعية الدولية» لحماية سيادة الدول العربية والإسلامية التي يهددها هذا الكيان، ما هو إلا سراب.