بسم الله الرحمن الرحيم
أرحّب بجميع الإخوة و الأخوات الأعزاء، و عوائل شهداء السابع من تير الكريمة و مسؤولي السلطة القضائية و مدرائها. هذه المناسبة زاخرة بالمعاني. يوم السابع من تير يوم مهم و تاريخي. و يبين لنا هذا اليوم الدوافع الإجرامية لأعداء الثورة و أيديهم المجرمة و مدى استعدادهم لمواصلة هذه الجنايات من جهة؛ و من جهة أخرى يبين لنا ثبات دعائم نظام الجمهورية الإسلامية و مدی قدرته على الصمود و المقاومة إزاء الحوادث المذهلة و الأزمات.
إن الذين استشهدوا في السابع من تير، لم يکن ذنبهم إلا أنهم كانوا من النخبة و من الأكفاء. إن سياسة الأعداء القذرة الخبيثة تجاه الجمهورية الإسلامية تتمثل في انتزاع هذه النخب من الثورة. يعرف الجميع الشخصيات المشهورة كشهيدنا العظيم الفريد المرحوم آية الله بهشتي ( رضوان الله عليه ) و عدد من الشخصيات المعروفة الأخرى؛ و لکن علي أن أقول: إننا کنا نعرف تقريباًً كل واحد من هؤلاء الرجال الصالحين الخدومين، إذ نستطيع أن نقول و نشهد بأن كل واحد منهم كان بمثابة قاعدة راسخة لمستقبل الدولة و لإقامة نظام الجمهورية الإسلامية في البلاد؛ و هم من الشخصيات البارزة و الصالحة و ذوي الخبرات و المواهب العظيمة. فأرادوا سلب الجمهورية الإسلامية هؤلاء الرجال الصالحين الذين كان عددهم اثنين و سبعين رجلاً. و لو كان عددهم سبعمائة شخص، لارتکبت الأيدي المجرمة للمنافقين الخبثاء هذا العمل أيضاًً؛ أي إنهم ما كانوا سيترددون لحظة واحدة عن القتل و الإبادة و سفك الدماء؛ ليتمکنوا من إخضاع نظام الجمهورية الإسلامية.
هذا هو الحال دائماًً علی مدی هذه السنين. و هکذا هو اليوم. لم يتردد أعداء الجمهورية الإسلامية عن أية حركة إجرامية مائة بالمائة و معادية للإنسانية و العدل و الإنصاف من أجل توجيه الضربات للجمهورية الإسلامية. و إذا لم تتحقق أية نتيجة لهم فهذا سببه عدم قدرتهم من جهة و من جهة أخرى يدل علی صلابة النظام الجهوري الإسلامي. و ليس من الهزل؟! أن ينتزعوا خلال ساعة واحدة نحو سبعين شخصاً من الشخصيات البارزة من النظام - و فيهم شخصية بارزة كالشهيد بهشتي؛ و الوزراء الأكفاء، و نواب المجلس الأكفاء ، و النشطاء السياسيون الأكفاء - و مثل هذه الضربة لا تؤثر على هوية النظام و صلابته و صموده، بل و تؤدي إلی تصعيد حوافز الجماهير و إيمانهم و صلابة النظام. هذه هي الأبعاد البالغة الأهمية للسابع من تير. و اختارت سلطتنا القضائية هذا اليوم کذروة لأسبوع القضاء و التذكير بأهمية السلطة القضائية. و کل هذه الأمور تتعلق ببعضها البعض.
و معنی السلطة القضائية هو ذلك الجهاز الذي يرتبط بكفاءته و أدائه جزء كبير من أهداف نظام الجمهورية الإسلامية. إن قضية العدالة، و إحقاق الحق، و الاهتمام بالقانون، و الصمود أمام المتغطرسين و المعتدين و الانتهازيين ، و کذلک قضية منح الشعب الشعور بالأمن و الهدوء و الطمأنينة في الحياة ليست أموراً يمكن النظر إليها نظرةً سطحيةً في حكومة الجمهورية الإسلامية. هذه هي واجبات السلطة القضائية؛ و السلطة القضائية هي المسؤولة عن هذه الأعمال و الملتزمة بها.
مسؤولية منح الجماهير الشعور بالأمن يقع قسمها المهم على عاتق السلطة القضائية. سواء الأمن الاقتصادي أو الأخلاقي، أو الذاتي. صحيح أن الأجهزة التنفيذية المتنوّعة تساهم في هذه الأمور مع السلطة القضائية بنحو من الأنحاء - على سبيل المثال في الأمن الاجتماعي، حيث تساهم الأجهزة الأمنية مع السلطة القضائية و عليها إحلال الأمن - و لكن ما هو دور السلطة القضائية في هذا المجال؟ دورها هو التعامل مع المعتدي بشکل يصبح عبرة للآخرين. و على صعيد الأمن الاقتصادي؛ صحيح أن غالبية مسؤولي الأمن الاقتصادي هم من الأجهزة التنفيذية - كالوزارات الاقتصادية و الأجهزة المالية و المصرفية - و هؤلاء هم المسؤولون؛ لكن دور السلطة القضائية هو التعامل مع المفسد الاقتصادي في مجموعة هذه الأعمال و تعامل هذه الأجهزة مع الناس، بشكل يصبح عبرة لهؤلاء الذين يروّجون الفساد في الجهاز الإقتصادي.
يظن البعض - أو يتظاهرون بأنهم يظنون - أن محاربة المفاسد الاقتصادية تخل بالأمن الاقتصادي. هذا هو الاتجاه المعاكس للقضية و الحقيقة. فمحاربة المفسد الاقتصادي تؤدي إلى ضمان الأمن الاقتصادي لغير المفسدين. من هو غير المفسد؟ هم غالبية الجماهير. هناك عدد من المفسدين الاقتصاديين؛ أعني الانتهازيين. و يجب محاربة هؤلاء بکل جدٍ لتشعر غالبية الناس و العاملين في المجالات الاجتماعية و الذين يعملون في الشؤون الاقتصادية بالأمن فيشعروا بأن الطريق الصحيح هو ما ينهجوه.
و هکذا هو الحال أيضاًً بالنسبة إلی الأمن الأخلاقي، و الأمن الثقافي، و الأمن الذاتي في المجتمع. يجب أن لا تکون کرامة الإنسان لعبة بأيدي هؤلاء الذين لا يشعرون بالمسؤولية في المجتمع الإسلامي. و على الأجهزة المعنیة محاربة مثل هذه الظاهرة. فإراقة ماء وجه الناس و توجيه الاتهام للأشخاص و إثارة الشبهات و الشائعات حول الآخرين من غير سبب - سواء المسؤولين أو غيرهم - هي من الأمور التي تتعارض مع الأحكام الإسلامية و الشرع و المنهج الإسلامي. افترضوا أن شخصاًً إتـُّهم بالاستغلال المالي، فإنه يحتاج لوقت طويل حتی تثبت براءته. هذه الأمور؛ أعني الأمن الذاتي و الحفاظ على السمعة و ماء الوجه في المجتمع الإسلامي من القضايا المهمة التي ينبغي أخذها بنظر الاعتبار. فللسلطة القضائية دورها في هذا الصعيد و في إحلال الأمن.
دور السلطة القضائية في كل مكان هو محاربة المخالف في إطار القانون. و عندما يخالف أحد القانون يجب إيقافه عند حدّه بشکل قانوني، و لکل هذه الأمور آثار مهمة للغاية في هيكلية النظام الإسلامي و الحياة الصحيحة و في بلوغ أهداف الجمهورية الإسلامية.
عليّ أن أشكر منظومة السلطة القضائية و العاملين فيها و خاصة رئيس السلطة القضائية المحترم - و هو و الحمد لله يتمتع بالمستوى الفقهي العالي و العلم و البصيرة - للجهود التي تم بذلها. و كما ذكروا في التقرير - و لقد وصلني أيضاً هذا التقرير - تم تنفيذ نشاطات واسعة في القطاعات المختلفة. إن ما أوصيکم به و ما أتوقعه - سواء من سماحة الرئيس أو مسؤولي السلطة القضائية - هو عليكم أن تنظروا إلى نتائج أعمال السلطة. يمكن أن نقوم بأعمال كثيرة، و لکن لا نحصل على نتائج كبيرة. فما معنى هذا؟ معناه هو أن عملنا هذا كبير من حيث الكمية لكنه قليل من حيث الكمية النسبية؛ فينبغي بذل الكثير من الجهد. إذا قال شخص إنني أعمل مائة ساعة في الأسبوع، فهذا كثير بالنسبة لشخص واحد؛ لكن المائة ساعة قليلة بالنسبة لبعض الأعمال و الأشخاص. و ينبغي أخذ الكمية النسبية بنظر الاعتبار. و السبيل إلى ذلك هو الاهتمام بالنتائج. انظروا هل استطاعت النتائج تأمين الشيء الذي ذکرته أکثر من مرة في السنوات الماضية. و هو أن تصبح السلطة القضائية ملجأً و ملاذاً للجماهير؛ و لتشهد قلوب الناس على ذلك. أن يقول كل من کان مظلوماًً أو أحس بالظلم، لنفسه و لقلبه، و للآخرين سأذهب إلى السلطة القضائية لحل مشكلتي؛ يجب تعميم هذه الرؤية المتفائلة بالسلطة القضائية في كل المجتمع. إذا صار الأمر هكذا فقد تمكّنتم من بلوغ أهدافكم؛ و إلّا فيجب عليكم بذل من الجهد. أنظروا إلى النتائج. إعملوا بشكل تصبح السلطة القضائية ملجأ و ملاذاً للجميع؛ الضعيف منهم و القوي .
لا شك أن هناك أشخاصاً يشعرون دائماًً بعدم الرضا من السلطة القضائية. ( و إن لم يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين ). يقول القرآن: إذا كان لهم الحق في حكم الرسول فإنهم يقبلون ذلك الحكم، و إن لم يكن لهم الحق فإنهم يعترضون! و لا يخضعون! هذه هي الحالة دوماً. لكن الناس في المجتمع برمته، يشعرون بالرضا و يعتمدون على مثل هذه السلطة القضائية التي تراعي القانون و تعمل بواجباتها و تتعامل مع المخالفين بجد - خاصة إذا كان هذا المخالف من ضمن منظومة السلطة القضائية، فإنها تتعامل معه بشدة - يجب الحصول على هذا الأمر و ينبغي تحقيقه. طبعاً هذا بحاجة إلى إجراءات منوعة، و إلى هذه النقاط التي أشاروا إليها في التقرير؛ و إلى تعزيزها و تقدمها. التقنية الجديدة التي جرى ذكرها يجب تعميمها في کل مکان؛ و ينبغي تحديد الأعمال؛ و يجب أن تكون المعلومات في متناول أيدي المسؤولين الكبار في السلطة القضائية دائماًً. و يجب أن يكون هناك إشراف کالذي أکدّت عليه في اللقاءات الماضية؛ أعني الإشراف على أعمال السلطة القضائية و أدائها. و فوق كل هذا، هناك العمل المنظم و المبرمج في السلطة القضائية، و يجب أن تكون الإدارة وفق النظام و البرنامج.
و من حسن الحظ تم تنفيذ أعمال جيدة منذ بداية هذه الخطة الخمسية. أنا أصرّ على استمرار هذه الأمور بوتيرة أسرع خلال هذين العامين الباقيين من الخطة الخمسية الحالية. يجب أن لا تختلف حركتنا في نهاية هذه المرحلة عن حركتنا في بداية هذه المرحلة أبداً. أنا أوصي الحكومات بهذا دوماً.
يجب على السلطة القضائية شأنها شأن الكائن الحي أن تهتم بنفسها دائماً و تتقدم إلى الأمام و تتحرك. فأمامكم وقت مناسب و جيد و لديكم فرص جيدة. و يعتبر هذا التنسيق بين السلطات الثلاث نعمة كبيرة لم تتحقق بسهولة. فهناک من کان يرغب - و ربما لا يزال يرغب - أن يكون هناك سجالاً و تحدياً و عداوة مستمرة بين سلطات الحكومة. و الحمد لله هناك اليوم انسجام و تعاون. و لا يمنع هذا أن تعمل کل السلطات بواجباتها. فالسلطة التنفيذية تعمل جنباًً إلی جنب السلطة التشريعية. و على السلطة التشريعية أن تعمل بواجباتها بحزم جنباً إلى جنب السلطة القضائية و السلطة التنفيذية. على الجميع أن يعملوا بواجباتهم إلى جانب مراعاة التآلف و التعاون فيما بينهم. هذه فرصة كبيرة. على مسؤولي السلطة القضائية المحترمين و مدرائها الكفوئين، الاستفادة من هذه الفرصة على قدر استطاعتهم إن شاء الله، لكي نتمكّن بفضل من الله من التطبيق الكامل و الصحيح لنموذج القضاء الإسلامي - الذي لا يشمل المحكمة الإسلامية فحسب بل يشمل منظومة السلطة القضائية التي تشمل المحاكم و المنظمات التابعة لها كالسجون و غيرها - وفقاً للرؤية الإسلامية التي تتمثل في دستورنا و قوانينا الحالية.
نسأل الله تعالى أن يجزيکم على جهودكم و ينزل أفضل التحيات على أرواح شهدائنا الأعزاء الطاهرة، خاصة شهداء السابع من تير، و الشهيد العزيز الشهيد بهشتي ( رضوان الله تعالى عليه ) الذي كان من مؤسسي القضاء و العدل الإسلاميين و يرضي عنا جميعاً القلب المقدس للإمام المهدي المنتظر و يشملنا بأدعيته المباركة إن شاء الله.
و السلام عليكم و رحمة الله