بسم الله الرحمن الرحيم
أرحب بكم أيها الحضور المحترمون، و المسؤولون الأعزاء في السلطة القضائية و العوائل المحترمة لشهداء السابع من تير العظام.
أريد أن أتحدث قليلاً حول السابع من تير. إن أهم شيء یلفت الأنظار و یؤثر في القلوب في هذه الحادثة، هو أنه كلما كانت ضربات العدو البغيضة الموجهة إلى بنیة الثورة أشد ضراوة، كلما ازداد إيمان و صلابة و صبر و استقامة الجماهير. سلب العدو من النظام الإسلامي أكثر من سبعين شخصاً من مدرائه البارزين و من بينهم شخصية كالشهيد بهشتي دفعة واحدة، بهذا الشكل المفجع و المؤلم. فماذا كان رد فعل هذه الثورة و هذا الشعب؟ استطاع الشعب بفضل إيمانه و صلابته و صبره و استقامته و عوائل الشهداء الكريمة بحلمهم و صبرهم الراسخ، أن يردوا على العدو بما لا یمكن تصوره في المحاسبات المادية و لا في أي ظرف. فقد حققوا الضمان للثورة، و طردوا العدو و رفعوا اسم الشعب الإيراني عالياً في الآفاق. هكذا هو الحال دوماً. فما دام إيمان الشعب و صبره و يقظته و حلمه ذخيرة ثمينة لهذه الثورة و هذا النظام، فإن العدو سيعجز عن توجيه ضرباته لهما و لن يجني ثماراً و ستظل الثورة أشد قوة و رسوخاً. إن شهيدنا العظيم - أعني المرحوم آية الله بهشتي - كان شخصية نموذجية و ممتازة في النظام الإسلامي و قد سلبوه منّا في هذه الحادثة، لكن ذكراه لا تزال حية كما أن دمه و دماء أصحابه خلدت الثورة و بات درساً عظیماً للثورة.
إن تسمية هذا الأسبوع باسم السلطة القضائية هو بادرة مناسبة، لأن المؤسسات القضائية الجديدة و النظام القضائي الإسلامي الجديد تكوّن و تشكل بفضل أفكار و إبداعات الشهيد المظلوم بهشتي و بفضل مساعیه. طبعاً لو كان حياً، لتحرك هذا النظام نحو الكمال و التخلص من العيوب و استقطاب العناصر القوية و الراجحة، بشكل أسرع. لقد بذلت من بعده أيضاً العديد من المساعي المشكورة، و نسأل الله تعالى أن يقبل جهود الأعزاء الذين بذلوا مساعيهم في هذه السنوات الأخيرة في كل مستوى من مستويات السلطة القضائية سواء على الصعيد الإداري أو الأصعدة الأخرى.
إن الذي يهمنا اليوم، هو أن السلطة القضائية في بلدنا تحتل مكاناً بارزاً و ممتازاً و تقوم بدور لا مثیل له. كما أوضح سماحة السيد هاشمي شاهرودي، أن السلطة القضائية من الأركان التي إذا سلم و استقام و صلح لغابت كافة العيوب التي توجد في الأجهزة التنفيذية و في القطاعات المختلفة لإدارة و تنظيم أمور البلد و في مستوى المجتمع على مر الزمان. هذا هو الدور الذي حدده الدستور للسلطة القضائية. إشراف السلطة القضائية، و الحد من الجرائم، و توفير العدالة، و استتباب الأمن، و كلها من العناوين الضخمة جداً التي تعتبر من المقومات المهمة لإدارة البلد المطلوبة. إن السلطة القضائية بوسعها أن تكون مظهر العدالة في النظام الإسلامي. إن السلطة القضائية، لو اتصفت بالصلابة و الاقتدار و اتخاذ القرار الصحيح في الوقت المناسب، فإنها ستستطيع الحدّ من ظهور و نمو الجرائم و من اتساع دائرة الخلاف في الأجهزة المختلفة، و بإمكانها إزالة الظلم عن المظلومين و المستضعفين، و الوقوف بوجه من يستعرضون قوتهم بفضل المال و السلاح.
إن آفة المجتمع البشري هو أن هناك من يتجاهل الحقوق العامة بفضل ما يمتلكه من الثروات أو ما يتمتع به من مساندة، و دعم قومي أو قبلي - سواء القوم و القبيلة بأشكالها القديمة أو بصورتها الجديدة و المعاصرة المتمثلة في لعبة الأحزاب و الجماعات - و يضيع حقوق الجماهير و يستغل الفرص لصالحه و يقف في وجه العدالة. إن السلطة القضائية القوية و المقتدرة و الواعية و العالمة تستطيع صدّ هؤلاء.
إنني أحمد الله تعالى على أن هذه السلطة التي تأسست على يد عالم بصير فاضل، تدور أمورها الآن أيضاً على يد عالم بصير، فاضل، واع و مجدد. إن ما يجعلني أشكر الله من أعماقي هو أن رئيس السلطة القضائية اليوم يدير السلطة بعلم و نظرة علمية للقضايا و استناد إلى معلومات فقهية واسعة، و رغبة في استخدام الأساليب الجديدة و العلمية لتقدم الأمور، إضافة إلى النظرة الشاملة إلى قضايا السلطة القضائية العامة - و هذا أمر مهم للغاية أن ننظر إلى السلطة القضائية كركن و عنصر أساسي في مجموعة النظام و علینا أن نأخذ تأثيرها على إدارة النظام الشاملة بنظر الاعتبار - كما أنه يدير السلطة بشجاعة و حزم و إنني أری بعيني آثار هذا التنصيب الحكيم المناسب المبارك رغم مضي أقل من سنة واحدة على هذا التنصيب.
و هذا لا یعني طبعاً بأننا نرى اليوم في السلطة القضائية كل ما نتوقعه من القضاء الإسلامي، كلّا، فإن ما نتوقعه کثیر جداً. و ما أطالب به طبعاً كطالب علم بسيط یشعر بمسؤولیة عظیمة على عاتقه مقابل کل حکم و بادرة و حرکة و أمام الله تعالى هو أن لا یکون هناک خطأ أمام متطلبات التیارات و الجماعات و العناصر السیاسیة، فالتيارات السیاسیة تتابع مسیرتها. بعض التيارات السياسية تستهدف سلب قدرة السلطة القضائية و صلابتها لتصبح هذه السلطة عاجزة عن العمل. إن البعض يسعون لإرعاب مسؤولي السلطة القضائية لتحقيق أهداف تلك التيارات. و إنهم إذا أثاروا ضجة أو وجهوا انتقاداً فإن الإنسان قليلاً ما يلاحظ آثار الخير في هذه الممارسات. طبعاً هذه المسؤولية الجسيمة و هذا العمل الكبير و هذه المهمة الإلهية التي تقع على عاتق مسؤولي السلطة القضائية، و يجب أن تجعلهم مستعدين لمثل هذه المعارضات و إثارة الضجيج و إطلاق شتى التوقعات. و هذا ليس خلاف المتوقع. على كل حال هناك البعض يعانون من العقد النفسیة و من الحسد، و هناك البعض يهدفون إلى تحقيق الأهداف السياسية و يقومون عبر أساليبهم السياسية بأعمال أو یجرون علی ألسنتهم الأحادیث المختلفة و يخلطون بين الانتقادات الصحيحة و غير الصحيحة. و هذه المطالبات بحث آخر. ما أتوقعه من السلطة القضائية كطالب حوزوي مسؤول، هو ما نشاهد صورته الجميلة المشرقة في التاریخ من قضاء أمير المؤمنين سلام الله الملك الحق المبين علیه: أعني تلك العدالة الصارمة، تلك العدالة غیر المتحیّزة، تلك العدالة الشاملة، تلك العدالة الباعثة على الأمل، العدالة التي یکون فیها الضعیف و العامة من أبناء المجتمع سواسیة أمام القانون و القضاء مع الأقوياء و المقتدرين. هذا هو شأن الإسلام، و شأن ما عندنا في الدستور.
في الدستور ليس هناك فرق بين القائد و رئيس الجمهورية و رئيس السلطة القضائية و سائر مسؤولي البلد و بين أفراد الشعب أمام القانون. لیس هناک من هو فوق القانون. إن الدستور يمنح صلاحيات للبعض. الدستور هو الذي يأمر القاضي بأن يدين هذا أو يبرئه، أو أن يصدر حكماً قضائياً. و یقول الدستور للقیادة أن تعفو أيضاً مع ملاحظة هذه الجوانب. و هذا لا يعني التحرك فوق القانون، بل إنه نص القانون و روحه. فالقانون واحد للجميع. هناك مسؤوليات تقع على عاتق أولئك القادرین علی الحل و العقد و تمهيد السبل و معالجة المشاكل. و لكن الجميع سواسیة أمام القانون. و هذا أمر مهم في الإسلام. هناك آخرون أيضاً يدعون مثل هذا الشيء، لكن الإسلام أثبت ذلك على الصعيد العملي. و هو ما نبحث عنه، لأن هذه الصورة الجميلة تتجسد في أذهاننا.
لقد قلت للإخوة الأعزاء في السلطة القضائية ذات يوم إن شأن السلطة القضائية هو أن يبعث نور الأمل في قلب المظلوم في أي مكان في هذا البلد لكي يراجع السلطة القضائية و يأخذ حقه. و اليوم الذي نصل فيه لهذه النقطة، هو يوم تحقق القضاء الإسلامي. على الجميع أن يشعروا بأن إحقاق الحق و إبطال الباطل يتحقق بلا تحیّز. إن الشرط الأول هو صلابة و استقلال السلطة القضائية و استقلال القاضي و عدم تغلغل التيارات السياسية و عدم تدخل الأجهزة الأخرى في عمل السلطة القضائية. لقد تحقق اليوم هذا المعنى و الحمد لله و نحن نلاحظ أن رئيس السلطة القضائية يتعامل مع قضايا السلطة القضائية بمعرفته في على الفقه و المضامين الدينية و النظرة العلمية مع مراعاة الأطر الشرعية.
فالأجهزة القضائية في الإسلام من أكثر الأجهزة کفاءة. و نحن لسنا بحاجة إلی استعارة المواد القضائية أو القوانين الضرورية لإدارة الأجهزة القضائية أو أسلوب تطبيق العدالة من أي نظام أو بلد أو حضارة أخرى. لقد أخذ الإسلام كل شي بنظر الاعتبار. فلا بد أن تسن القوانين وفقاً للأحكام الإسلامية و التعامل مع الجرائم بالشكل المطلوب.
من الخطأ أن نغض النظر عن المجرم إذا كان ينتمي لمنظمة سياسية معينة، و نبرر ذلك تبريراً غير مقبول قضائياً فنقول إن السلطة القضائية إذا أثبتت جريمته و أكدتها، فسوف يثير الضجيج! يقول القرآن الكريم (و إن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين)(2) الحكم الذي يصدر لو كان ضدهم، فإنهم يثيرون الضجيج، و لو كان الحق معهم، فإنهم يقبلونه. ثم يقول: (أفي قلوبهم مرض)(3) هذا هو القضاء القرآني.
إن الجهاز القضائي يجب أن يكسب ثقة عامة الجماهير. لا أن يكون هناك ما يمس صلاحيته أو اقتداره و صلابته. طبعاً بلوغ هذا الهدف بحاجة إلى المتابعة، و السعي المتواصل إضافة إلى الشجاعة و التوكل على الله، و هو ما يلاحظ الإنسان آثاره و الحمد لله.
إن السلطة القضائية لا تعاني من قلة العناصر الصالحة فيها لإدارة أمورها. و الحمد لله هناك عناصر مؤمنة و سليمة و كفوءة و نشطة و شابة في السلطة القضائية لا سيما في السنوات العشرين الماضية حيث بوسعها إدارة هذه السلطة بشكل جيد، و بإمكانها أن تكون أياد و سواعد و أنامل كفوءة لإدارة السلطة و تنظيم الأمور. ينبغي الاستفادة من العناصر الشابة و المؤمنة و الفعالة و المتوثبة و الملتزمة بالإسلام إن شاء الله.
إنني أرى مستقبل السلطة القضائية مشرقاً. طبعاً أسأل الله تعالى دوماً أن يمنح الصبر و القوة لرئيس السلطة القضائية المحترم و المسؤولين الكبار، و القضاة المحترمين و مسؤولي القطاعات المختلفة الذين تقع على عاتقهم مسؤوليات جسيمة و نراهم أحياناً يتعرضون للحملات الدعائية غير العادلة و غير المنصفة و أن يساعدهم ليتسنی لهم حمل هذا العبء الثقيل و كسب رضا الله.
إن أساس القضية هو أن نكسب الرضا الإلهي. لو تابعنا الرضا الإلهي، لكان من السهل تحقيق مصالح الجماهير و توفير الخير لهم و إقرار العدالة. لكن إذا لم نكن نتطلع إلى كسب الرضا الإلهي - أعني إذا كان هدفنا نيل رضا الآخرين - فإن الأمور ستتعقد و لا تتحقق معالجة الأمور.
نسأل الله تعالى أن تشملكم جميعاً الأدعية الزاكية للإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) و أن يشملكم العون و التوفيق الإلهي و أن نلاحظ يوماً بعد يوم المزيد من التقدم و التحسن في جميع مجالات السلطة القضائية. بهذا الشكل ستحل الكثير من المشاكل و ستصلح المفاسد.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الهوامش:
1) يشير إلى آية الله السيد محمود الهاشمي الشاهرودي رئيس السلطة القضائية.
2) سورة نور: الآية 49.
3) سورة نور: الآية 50.