بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للَّه ربّ العالمين. نحمده و نستعينه و نستغفره و نؤمن به و نتوكّل عليه و نصلّى و نسلّم على حبيبه و نجيبه، سيّد الأنبياء و المرسلين، أبىالقاسم المصطفى محمّد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، الهداة المعصومين، سيّما عليّ أمير المؤمنين و الصّدّيقة الطّاهرة سيّدة نساء العالمين و الحسن و الحسين سيّدى شباب أهل الجنّة و علي بن الحسين سيّد العابدين و محمّد بن عليّ باقر علم النّبيّين و جعفر بن محمّد الصّادق و موسى بن جعفر الكاظم و عليّ بن موسى الرّضا و محمّد بن علي الجواد و عليّ بن محمّد الهادي و الحسن بن علي الزكي العسكري و الحجّة بن الحسن القائم المهدي صلوات اللَّه عليهم أجمعين. أوصيكم عباد اللَّه بتقوى اللَّه.
أوصيكم إخوتي و أخواتي بتقوى الله و طاعته، راجياً منه سبحانه في هذا اليوم الشريف أن يدرء عن الأمّة الإسلامية كل سوء و يصرف عنها كل بلاء.
نريد من خلال هذه الخطبة أن نلقي نظرة على واقع العالم الإسلامي. فالعالم الإسلامي اليوم يعاني من معضلات كبيرة. و المسلمون جميعاً مسؤولون إزاء هذا الواقع. فالدول الإسلامية، بعلمائها و مفكريها و مثقفيها و طلابها و فنانيها، و كل من لكلمته وقع و تأثير، يتحمّلون المسؤولية.
إنّ بعض الدول الكبرى اليوم، تسير وفق أجندة الشر و الفساد، و قد تجاوزت حدودها كثيراً، و هي تستخدم كل وسائل العنف و القوّة لتحقيق مآربها. فهي تلجأ لممارسة كافة الضغوط، سياسية و اقتصادية و إعلامية، لإخضاع كل دولة تريد العيش بسلام و حرية، و تروم قطع الأيادي الغاصبة و المنتهكة لثرواتها الوطنية.
فما يرتكب بحق فلسطين اليوم من فجائع، يمثل قمّة البشاعة و الدناءة. فالذنب الوحيد الذي ارتكبه الشعب الفلسطيني ليتّهم بالإرهاب هو أنّه أراد العيش بسلام و أمان في بلاده! و هذه من أشد صور الظلم التي شهدها و يشهدها التأريخ. فالشعب الفلسطيني يشاهد المغتصبين قد استحوذوا على أرضه و صادروا داره و سلبوا حياته و هيمنوا على مصادر ثروته، ليس ذلك فحسب بل و يمارسون بحقه أبشع صور الإهانة و التحقير. فإذا عزم الشاب الفلسطيني المسلم على أداء فريضة الجمعة، تعرّض للتفتيش من رأسه إلى أخمص قدمه، و من ثمّ يهان و يذلّ و يمنع من الصلاة. و لو أشتبه العدو بشاب أو رجل أو امرأة فلسطينية تسير في الشارع، فسيعرضهم لكل أشكال الإهانة و التحقير. فإذا نطقوا بشيء أو امتعضوا من ذلك، فلن يمنعه شيء من جرّ الآليات العسكرية إلى الشوارع الآهلة بالسكّان و هدم الدور على رؤوس قاطنيها.
و عندما يريد هذا الشعب المسكين الدفاع عن نفسه، أو إطلاق صرخات الاستغاثة بأحد أو بالعالم الإسلامي، فإنّه سيتهم بالإرهاب و العنف؟! في الوقت الذي يصرّ الكيان الصهيوني على التصعيد من إجرامه بكل وقاحة و بشاعة، مغضياً الطرف عن أفعاله الشنيعة، و متهماً الشعب الفلسطيني المظلوم بالإرهاب! و هذا هو أبشع أنواع الظلم. على العالم الإسلامي أنْ يعي المرحلة و أنْ يتحمّل مسؤوليته تجاه ذلك.
و إنّي و من على هذا المنبر أتوجّه من صميم قلبي بالشكر الجزيل لشعبنا الكريم على مشاركته الواسعة بيوم القدس. و إنّي على علم بأنّ شعوب العالم مستاءة من هذا الواقع و متألّمة، و هي تعلن عن ذلك بالحد الذي يسمح لها به، لكنّ المطلوب هو أن يتحوّل ذلك الاستياء إلى قرارات تتخذها الدول. على الدول الإسلامية أن تشعر بأنّها مسؤولة تجاه هذه القضية.
و على الرأي العام الإسلامي أن يعلم: بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية و غيرها من دول الاستكبار العالمي لن تدخل يوماً كطرف للنوايا الحسنة يسعى للصلح أو السلام بالنسبة لقضايانا، إنّما موقفها تجاهنا ـ على الدوام ـ هو موقف العداوة و الدفاع عن الظالم و المحتل.
إنّنا مسؤولون إزاء ذلك، و مسؤوليتنا لن تقف عند هذا الحد، إنّها مسؤولية مستمرة تقع على عاتق الجميع. على الجميع أن يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، أن يمدّ له يد العون و الدعم و الإسناد و المواساة ليتمكّن من مواصلة جهاده ضد المحتل.
و أودّ أن أخبركم: بإنّ الشعب الفلسطيني اليوم قد أثبت بمقاومته و ثباته و شجاعته منقطعة النظير أنّ بإمكان الدم أن يصمد أمام السيف، و سيثبت إن شاء الله، بأنّ الدم سينتصر على السيف.
أمّا بالنسبة للقضية الأفغانية فنحن قلقون إزائها أيضاً. فالظروف التي تمرّ بها أفغانستان التي نشترك معها في الجوار و الإسلام و الثقافة، هي ظروف غاية في الخطورة.
إن الواقع الأفغاني الحالي المستقر نسبياً ـ الذي حاز تأييدنا أيضاً ـ يمكنه أن ينهار إذا ما حصلت تدخّلات للقوى الكبرى و النفوذ الأجنبي. فالاستقرار النسبي الذي حصل مؤخراً بعد سنوات طوال من الحروب و النزاع، سيتعرّض للانهيار بتدخّل الدول الأجنبية التي تسعى لضمان مصالحها ـ و ليس المصالح الأفغانية ـ و ستذهب كل صفحات الجهاد التي سطّرها الشعب الأفغاني، و كل العذابات و الآلام التي تجرعها أدراج الرياح.
فلا بدّ أن يتم تشكيل الحكومة الأفغانية بعيداً عن مساومات الأطراف الدولية. و لا بدّ أن يتولّى زمان الحكم في أفغانستان أناس عاشوا المحنة الأفغانية بكل تفاصيلها، أناس شهدوا و تحمّلوا ما شهد الشعب و ما تحمّله.
أمّا أن يأتوا بأشخاص من الطرف الآخر للكرة الأرضية، أشخاص لم يعرفوا ما هي أفغانستان و ما هي معاناتها، عشرات السنين و هم بعيدون عن هذه الدولة، و بينما كان الشعب يمر بأصعب محنه، كان هؤلاء يعيشون حياة مترفة في أوربا و غيرها من الدول، فما الذي يعرفه هؤلاء عن أفغانستان و عن آلامها؟!
على من يتولّى زمام الحكم في أفغانستان أن يعيش الهمّ، أن يشعر بالمعاناة، أن يتحرّق من أجل الشعب الأفغاني، أن يتلمّس آلام الشعب و معاناته بجلده و بلحمه و بعظمه.
إنّ كل ما تجرّعته أفغانستان من غصص طيلة الخمس و العشرين عاماً المنصرمة كان سببها التدخّل الأجنبي. و إذا تسنّى لهذا الشعب أن يتولّى أموره بيده، فستجد المعاناة طريقها إلى الزوال إن شاء الله.
نسأل الله تعالى أن يمنّ على الشعب الأفغاني المسلم بالسعادة و الخير و البركة.
اللهم! بحقّ محمد و آل محمد، منّ على الشعب الأفغاني، و الشعب الفلسطيني، و سائر الشعوب المسلمة برحمتك و فضلك، و اجعل النصر حليفهم، و اقطع دابر الظلمة عنهم، يا أرحم الراحمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
و العصر. إنّ الإنسان لفي خسر. إلّا الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات. و تواصوا بالحقّ و تواصوا بالصّبر.(3)
و السّلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته
الهوامش:
1) البقره: 45
2) التوحيد: 4 - 1
3) العصر: 3 - 1