بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً، أرحب بكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء الذين طويتهم هذا الطريق الطويل و ملأتهم في هذا اليوم المبارك و العيد السعيد أجواء‌ الحسينية بإيمانكم و عواطفكم و مشاعركم.
كما أبارك يوم عيد الأضحى لكم جميعاً أيها الحضور المحترمون، و لأهالي إصفهان الأعزاء، و لكافة‌ الشعب الإيراني، و لجميع المسلمين في العالم. و هذه المناسبة مواتية جداً فيوم الخامس و العشرين من آبان من رموز تضحية أهالي إصفهان و إيثارهم، و قد صادف هذا العام مع عيد الأضحى المبارك.
لو جرى التنبّه للحكمة التي ينطوي عليها عيد الأضحى لانفتحت لنا الكثير من السبل و الطرق. في عيد الأضحى‌ ثمة تقدير و تثمين من الله عزّ و جلّ لرسول مختار هو النبي إبراهيم (عليه السلام) الذي ضحى في ذلك اليوم. و التضحية بالأحباء هي أحياناً فوق التضحية بالروح. كان يجب على النبي إبراهيم (ع) أن يضحي بيديه بحبيبه و عزيزه في سبيل الله، و هذا الحبيب هو ابنه الشاب الذي منحه الله له على كبر سنه بعد عمر طويل من الانتظار، حيث يقول تعالى: «الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل و إسحاق» (1). لقد وهب الله تعالى هذين الولدين لهذا الأب و هو في سن كبير، و بعد عمر من الانتظار و الشوق حسب الظاهر. و لم يكن له أمل في أن يرزق ذرية بعد ذلك. يذكر سيد شهداء العالم كله الإمام أبو عبد الله الحسين (عليه الصلاة و السلام) - و هو مظهر الإيثار و الشهادة - هذه الحادثة في دعاء‌ عرفة‌ الشريف فيقول: «و ممسك يدي إبراهيم عن ذبح ابنه بعد كبر سنّه و فناء عمره». هذا ما ورد في دعاء‌ الإمام الحسين المبارك في يوم عرفة الذي وفق المؤمنون يوم أمس لقراءته.
هذا الإيثار و هذا التجاوز هو رمز للمؤمنين الذين يرومون السير في طريق الحقيقة و التعالي و العروج إلى المدارج العليا. الأمر غير ممكن من دون تضحية. هذه هي في الواقع النقطة الرئيسية في كل الامتحانات التي نمرّ بها.. القضية قضية إيثار و تضحية. و التضحية‌ تكون أحياناً بالروح و أحياناً بالمال و قد تكون أحياناً تراجعاً عن كلام تفوّه به شخص و يريد أن يبقى عليه بكل إصرار و لجاجة. و التضحية في بعض الأحيان هي تضحية بالأعزاء و الأحبة و الأبناء و الأقارب. الامتحان معناه اجتياز وادي المحنة. تعرض محنة أو شدة أمام الإنسان أو الشعب و يكون اجتيازها و عبورها هو الامتحان. إذا استطاع ذلك الممتحَن عبورها فسيصل إلى هدفه و مقصده. و إن لم يستطع - إي لم يستطع تفجير المواهب الكامنة‌ في وجوده و التغلب على هوى نفسه - فسوف يبقى يراوح مكانه.. هذا هو الامتحان. ليس الامتحان الإلهي من أجل أن يعرفنا الله و يرى ما هي أوزاننا و حدود قدراتنا. إنما الامتحان نفسه خطوة نحو الهدف و الغاية. حينما نمتحن أنا و أنتم فمعنى ذلك أننا إذا استطعنا اجتياز الشدة و المحنة فسوف نعيش واقعاً جديداً و حياة جديدة و مرحلة جديدة. و لا فرق بين الفرد و الأمة في هذا المجال.
في العام الماضي مرّ الشعب الإيراني بامتحان و فتنة. و ليس معنى هذا مجرد أن الجميع أدركوا أن الشعب الإيراني قوي، إنما المعنى الأهم لذلك هو أن الشعب الإيراني بتحركه هذا و بقدرته على اجتياز الفتنة و المحنة اكتسب وضعاً جديداً و توفر على قدرة جديدة. حياة الإنسان مليئة في كل خطوة بالامتحانات. إذا استطعنا الانتصار على هوى أنفسنا، و استخدام بصيرتنا، و معرفة الظروف، و إدراك ما هي العمل الواجب اللازم و القيام به، فسوف يوفر هذا لنا مرتبة جديدة من مراتب الحياة، فهو إذن سمو و رقي. و بالتالي فيوم الخامس و العشرين من آبان و هو يوم مميز و رمزي له مثل هذا المعنى بالنسبة لأهالي إصفهان.
و أرى لزاماً علي أن أتحدث في هذا المجال - أي حول مناقب إصفهان و خصال أهلها - ببعض الكلمات، فهذه هي هوية هؤلاء الأهالي المؤمنين الغيارى الواقفين عند واجباتهم و مهامهم. شيّع أهالي إصفهان في يوم واحد 370 شهيداً، و لم ينل ذلك من عزيمتهم أبداً، ناهيك عن أنهم بعثوا إلى الجبهات في نفس اليوم عدداً كبيراً من المقاتلين، و كان لهم إسنادهم و تحركهم الإيجابي، و هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. و مثلما تفضلوا بالقول (2) فقد أثنى الإمام الخميني على حركة أهالي إصفهان هذه. في آبان من عام 61 [ 1982 م] تم تشييع 370 شهيداً في إصفهان، و كان عدد شهداء‌ إصفهان في نفس هذا الشهر أكثر من ألف شهيد. ألف و نيّف من الشهداء في شهر واحد.
من الذي يرزق الشهادة؟ الشخص الذي يخوض غمار الساحة و يتواجد في ميادين الخطر و يكون رائداً فيها.
كان لإصفهان قبل الثورة مشاركتها الواضحة في مختلف الأحداث، و هكذا كان حالها في أحداث الثورة، و بعد ذلك في الحرب المفروضة. الوحدات العسكرية المتواجدة في إصفهان سواء منها التابعة لحرس الثورة الإسلامية، لواء الإمام الحسين بمركزية إصفهان، و لواء النجف بمركزية نجف آباد، و لواء قمر بني هاشم، أو التابعة للجيش، المقر الثامن الذي كان قطباً لتحركات مهمة جداً، و كنت قد شاهدت عن قرب ما يقوم به هذا المقر في إصفهان - رحمة الله على الشهيد بابائي - أو مركز المدفعية في إصفهان، و مجموعة هذه النقاط لها معان كبيرة جداً. و النتيجة هي أن الإصفهانيين كانوا بعد الثورة‌ و طوال الحرب المفروضة و بعد الحرب في مختلف‌ الميادين الحساسة نظير تنمية البلاد و رشدها و قضاياها العلمية من الرواد و السباقين. بعض العقد المستعصية التي واجهتنا في القوات المسلحة تم حلها في المراكز العلمية و البحثية في إصفهان. هذه مفاخر و هي ليست للتباهي و إنما لأجل معرفة الهوية الذاتية و المواهب الذاتية، و التحرك على أساسها و التقدم إلى الأمام.
يعلم الجميع - و قد أشير إلى ذلك - أن الإصفهانيين بوحداتهم المتنوعة هذه كانوا يعملون في الخطوط الأمامية في حرب الأعوام الثمانية. هذا شيء معلوم و معروف للجميع. و ما هو غير معلوم للكثيرين هو دور الأفراد المجهولين و غير المتبجحين الذين عملوا و نشطوا طوال هذه الأعوام في مجال الإسناد، النساء اللواتي كن في العوائل، و الكسبة و التجار، و الذين عملوا في الأجهزة الإدارية، و المجاهدون الذين قدموا أنواع الخدمات للجبهات، و منهم بعض الشهداء، الذين استشهدوا أو استشهد ذووهم، و لم يعلنوا شيئاً، و لم يذكروا شيئاً، و لم تسجل أسماؤهم في مكان ما، لكنهم معروفون في السماوات و في الملأ الأعلى، إذ لا تضيع في الحساب الإلهي حتى أصغر الأعمال. كل هذه القوافل المحملة بالمساعدات التي انطلقت من إصفهان، و كل هذه الهمم و الدوافع و عوائل الشهداء.. يعيش الشهداء‌ لحظة صعبة واحدة ثم يعرجون إلى السماء و تنتهي أوجاعهم و آلامهم.. «لا خوف عليهم و لا هم يحزنون» (3).. إنما القضية قضية عوائل الشهداء.. قضية الآباء و الأمهات و الزوجات و الأبناء و الإخوة و الأخوات و المفجوعين. هؤلاء‌ هم الذين صبروا و فخروا بشهدائهم. ثمة في إصفهان عوائل أعطت ثلاثة شهداء، و هناك عوائل كان لها ولد واحد فأعطته شهيداً. هؤلاء‌ هم إبراهيم العصر الذين يصنعون هوية الشعب و يمنحونه العزة و الكرامة.
ما من شعب يصل إلى غاياته بالقعود و الأكل و النوم و الاعتماد على الأجانب و تسويد الأهواء و النزوات في الحياة. الذين يطلقون الكلام و الآراء السلبية عند الحديث عن الدفاع المقدس، و يغمزون و يلمزون عند الحديث عن الشهادة، و يقطبون وجوههم إذا جرى الكلام عن المعاقين و المضحين، و يبتسمون استهزاءً عند الحديث عن التقدم العلمي و تحطيم حدود العلم، ويهزون رؤوسهم عند الكلام عن أجهزة الطرد المركزي في مراكز التخصيب النووي و يقولون هذا أمر غير ممكن، هؤلاء لا يفهمون شيئاً عن حركة الشعب. الذين تربّوا على التربية الخاطئة و الأخلاق الفاسدة الطاغوتية لا يدركون شيئاً عن تأثير الإيمان و التحرك و الجهاد.
حينما يؤمن الشعب بالجهاد فسوف يتقدم على كافة الأصعدة. و ليس الجهاد مجرد حمل البنادق، إنما الجهاد هو أن يرى الإنسان نفسه دوماً في ساحة النشاط و الحركة و الكفاح ضد العقبات و الموانع و العراقيل، و يشعر بالواجب و الالتزام. هذا هو الجهاد الإسلامي. الجهاد أحياناً بالنفس و أحياناً بالمال و أحياناً بالفكر و أحياناً برفع الشعارات و أحياناً بالنزول إلى الشوارع و أحياناً بالحضور عند صناديق الاقتراع.. هذا هو الجهاد في سبيل الله و هو ما يحقق الرشد و النمو للشعب، و يمنحه الطراوة و التوثب و الحركية و الأمل، و يتقدم به إلى الأمام.
حسناً، و الآن كيف يمكن الكفاح و العمل ضد هذا الشعب؟ الجبهة المعادية للإسلام و الثورة الإسلامية و النظام الإسلامي التي تكونت في العالم تريد العمل ضد مثل هذه الظاهرة العظيمة. فكيف تستطيع العمل ضدها؟ الأمر غير ممكن بالحرب - و قد جرّبوا ذلك و وجدوا أنه غير ممكن - و هو غير متاح بالتهديد بالحرب و التهديدات العسكرية، و غير ممكن بالحظر الاقتصادي. الذين يتصورون أن بوسعهم إخضاع الشعب الإيراني بالحظر الاقتصادي إنما يعملون عبثاً. الشعب الذي يحمل الأمل و الإيمان يعلم ما الذي يفعله و لا يمكن فرض التراجع عليه بالتهديدات.
من أجل مجابهة مثل هذا الشعب فإنهم يركزون على نفس النقطة التي تركزون عليها (4) - و هذا ما يدل على يقظتكم يا أهالي إصفهان - و أعني بذلك خلق التصدعات و التباعد بين أبناء الشعب و زرع الشقاق و الصراع بينهم و الفصل بين كتل الشعب العظيمة و بين المسؤولين و بث سوء الظن و الجدل على الأمور التافهة. هذه من أهم أدوات العدو في عدائه للثورة الإسلامية. لذلك ينبغي الحذر.
طبعاً كان أهالي إصفهان حذرين، و قد تصرفوا بنحو جيد في الأحداث الماضية. في مقابل فتنة سنة 88، و في يوم التاسع من دي العظيم، و في تلك الحركة الشعبية التلقائية كان لهم أداء متألق. على الجميع الحذر من التصدعات و التنافر و الفتنة و سوء الظن بالأجهزة المسؤولة. الذين تلاحظونهم يتهمون النظام الإسلامي و أجهزته من دون أية قيود أو ملاحظات و يقذفونه بكل ما يمكن قوله إنما يتحدثون بالنيابة عن العدو، فهم يريدون ردم الفراغ إذا لم تصل أصوات الأجهزة الإعلامية للجبهة المعادية للإسلام و جبهة الصهاينة و الأمريكيين إلى أسماع البعض، و إيصال أصواتهم و كلامهم لأسماع الناس.. هؤلاء يخونون الشعب، و هذه في الحقيقة خيانة واضحة. بث سوء الظن بين أبناء الشعب، و بين الشعب و المسؤولين، و نشر اليأس في الأجواء و النفوس إنما هو من تلك السبل و الأدوات.
و من السبل الأخرى نشر الفساد الأخلاقي في المجتمع. و على الجميع و خصوصاً الشباب الحذر. الفساد و الانحطاط الأخلاقي يستخدم للأسف كأداة لخدمة‌ الأهداف السياسية الاستكبارية. و في العديد من مناطق العالم يستخدمون المخدرات كوسيلة لخدمة الأهداف السياسية - و من أجل ملء الجيوب أيضاً - في سبيل تحطيم الشعوب و القضاء عليها و تدميرها. على شعبنا و شبابنا و مسؤولينا الحذر من هذه الأمور بكل جد.
لأصفهان أمكانيات واسعة جداً و قد كان الأمر كذلك في الماضي أيضاً فاعرفوا قدر هذه الأمكانيات و المواهب. إصفهان مركز علمي - علوم الدين و العلوم المتنوعة الأخرى - و قد كانت كذلك في الماضي أيضاً و هي كذلك اليوم أيضاً. لأصفهان اليوم حوزة علمية جيدة جداً و الحمد لله. و فيها عدة جامعات معتبرة على مستوى البلاد. و بالطبع فإن السوابق العلمية لأصفهان أكثر من هذا. من المناسب أن تمتد نظرات العلماء و الباحثين و المفكرين في إصفهان إلى الآفاق الواسعة التي كانت في القرون الماضية. كانت إصفهان ذات يوم قطباً للإشعاع العلمي إلى كافة أنحاء البلاد بل لكافة مناطق العالم الإسلامي، و يتعين عليكم السعي لاستعادة مثل هذه المكانة. و إصفهان إلى ذلك مبرزة في مجالات الفنون و الصناعات الظريفة و الصناعات اليدوية. و كل واحدة من هذه النقاط هي في الواقع مآثر لإصفهان. و العقيدة الدينية و الإيمانية لأهالي إصفهان تقف سنداً لكل هذه المآثر. و هذا ما كان مشهوداً في السلوك الذي أبداه أهالي إصفهان قبل الثورة، لكن كل شيء اكتسب بعد الثورة‌ أبعاداً أوسع. في ذلك الحين كنت كثير التردد و الذهاب إلى إصفهان، و كنت أشاهد تدين الناس و التزامهم بالشعائر الدينية. و بالطبع فقد تضاعف الوضع عشرات المرات بل مئات المرات في الوقت الراهن عمّا كان عليه يومذاك، و هذا سند عظيم. عليكم أن تعرفوا قدر هذه التوسلات بالله و التوجه إلى الله فهي دعامة و سند لكل حالات التقدم الدنيوي و الأخروي.
حينما يتحلى الشعب بالإيمان فسيشعر أن لن يضيع له أي عمل و لن يذهب سدى. كل أعمال الإنسان تكتسب المعاني بفضل الإيمان، و يتوجب الحفاظ على هذا الإيمان. لقد استطاع شعب إيران في الوقت الحاضر و بتوفيق من الله فرض الإخفاق على شتى أنواع العداوات. أساس عداء الجبهة المناوئة للإسلام و الجمهورية الإسلامية هو إيمان هذا النظام و هذه الجمهورية الإسلامية و هذا الشعب بالقيم الإلهية، فالساسة الماديون لا يطيقون هذا الشيء. العداوات ضدنا سببها الالتزام بالمبادئ و القيم الإلهية. هذا جانب من القضية.
و الجانب الآخر من القضية هو أن المسيرة التقدمية للشعب الإيراني طوال هذه الأعوام الأثنين و الثلاثين إنما كانت ببركة الإيمان بالله و الاعتقاد بهذه القيم، فحافظوا على هذا الالتزام بكل قوة. و اعلموا أن هذا التقدم سوف يستمر و أن تلك العداوات لن تصل بتوفيق من الله و بحول الله و قوته إلى أية نتائج، و سيكون الشعب في إيران المنتصر في جميع هذه الأحداث.
اللهم إنزل فضلك و نصرك و رحمتك على هذا الشعب و على أهالي إصفهان الأعزاء. اللهم أرض عنا القلب المقدس لإمامنا المهدي المنتظر و اشملنا بأدعيته.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - سورة إبراهيم، الآية 39.
2 - حجة الإسلام و المسلمين طباطبائي نجاد ممثل الولي الفقيه و أمام الجمعة في إصفهان.
3 - سورة يونس، الآية 62.
4 - إشارة إلى شعارات الحضور: الموت للمنافقين مثيري الفتن.