بسم الله الرحمن الرحيم
مرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء الشرائح المختلفة من أهالي گيلان الأعزاء الأودّاء. أرحب بكم جميعاً خصوصاً بعوائل الشهداء و المقاتلين المحترمة و الشباب الأطهار.
بذلتم همّة و حضرتم بجمعكم الكبير المتراكم هذا من گيلان و من مدينة رشت إلى هذه الجلسة. لقد شهدنا الهمّة‌ من أهالي گيلان في مناسبات عديدة‌ على مرّ التاريخ، سواء‌ التاريخ الماضي و البعيد أو التاريخ المعاصر. أعتقد أن أعظم ما قام به أهالي گيلان هو أنهم على الرغم من الدعايات الكلامية‌ و العملية للنظام الطاغوتي الرامية‌ لتبديد و إفساد عقيدة الناس في تلك المنطقة على امتداد سنوات طويلة، فقد بلغ أهالي تلك المنطقة بالإيمان و الإخلاص و التواجد في الساحة و الجهاد درجة‌ أضحوا معها من المحافظات المميزة في البلاد، هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. الأجهزة الضارة و المفسدة لنظام الطاغوت حاولت بكل عناصرها جرّ الناس إلى الفساد و إفساد الأجواء‌ لكن الناس حافظوا على دينهم و إيمانهم و عقيدتهم و عزيمتهم و عرضوها في مواطن الضرورة. من جهة كانت هناك أجهزة الطاغوت، و من جهة كانت هناك عناصر و عملاء الزمر الملحدة و المعادية للدين.
في بدايات الثورة زرت مدينة‌ رشت و دار بي الشهيد عضدي حول الساحة الكبيرة‌ في المدينة. كانت الزمر المتنوعة‌ قد ملأت الأجواء‌ بلوحاتها و شعاراتها و سيطرت على الجامعة و تصوروا أن گيلان لهم. لكن أهالي گيلان المؤمنين.. هؤلاء الشباب المؤمنين الثوريين نزلوا إلى الساحة من دون أية‌ مساعدة من أية أجهزة أو مؤسسات و رفعوا راية‌ الإسلام و التوحيد و الثورة هناك، و طردوا كل تلك الزمر من الساحة. هذا هو إيمان الناس.
صحيح أن رمز شجاعة أهالي گيلان و جهادهم هو الشهيد الجليل الميرزا كوچك جنگلي الذي ثار خلال فترة‌ غربة من أجل الإسلام و القرآن و إقامة الدين و مجابهة الأجانب و المعتدين، و ذكراه يجب أن لا تنسى أبداً، و لكن خلال فترة الثورة‌ الإسلامية لم يكونوا قلائل أولئك الذين استطاعوا تقديم رموز و نماذج متنوعة في مختلف المجالات في گيلان. لواء القدس من گيلان و التعبويون من گيلان و هؤلاء الشباب المؤمن و الطلبة و المفكرون من گيلان و الجامعيون الگيلانيون و العلماء الأجلاء مارسوا خلال العهود المختلفة أدواراً مميزة، و لهذه الحالة مؤشراتها و خطوطها المتعددة، و إذا أراد الإنسان فهرسة‌ هذه المؤشرات - سواء‌ تلك التي كانت خلال فترة الدفاع المقدس أو في فترة مجابهة أعداء‌ الثورة أو في فترة‌ ما بعد الحرب - لكان الفهرس طويلاً. و لكن هناك مؤشر و علامة‌ واضحة و بارزة في قضية التاسع من دي حيث نزل الشعب الإيراني ككتلة واحدة‌ و بصورة‌ تلقائية‌ عفوية إلى الساحة، و كان أهالي رشت من المدن القليلة في البلاد التي نزل أهاليها إلى الساحة قبل يوم من ذلك التاريخ. في يوم الثامن من دي - و الذي يصادف مثل هذا اليوم - أبدى أهالي گيلان هذا الوعي و هذه البصيرة و هذه العزيمة‌ و هذا الشعور بالحاجة للتواجد في الساحة قبل الآخرين. هذا ما ينبغي الحفاظ عليه. الأرصدة الرئيسية للشعب هي هذه الأمور الدالة‌ على البصيرة و العزيمة و اليقظة و الوعي. هذا ما ينبغي الحفاظ عليه.
لاحظوا يا إخوتي و أخواتي و يا أعزائي، تعرض شعبنا للضغوط سنين طوالاً من ناحية على يد الحكام الفاسدين الذين تسلطوا على البلاد، و من ناحية‌ أخرى على يد القوى المستكبرة التي تروم الهيمنة‌ على العالم، و فرضوا علينا التأخر. إننا من حيث التراث التاريخي و العلمي لسنا شعباً نقف في آخر الجدول إذا عدّ العلماء و المفكرون و المفاخر و الإبداعات العلمية، بل يجب أن نكون في أول الجدول. هذه هي سوابقنا و هذه هي مواهبنا. الذين تسببوا في تأخر إيران الكبيرة المتحضرة المتحلية بالروح الإسلامية في ساحات العلم و التقدم المادي و المعنوي إنما مارسوا الخيانة‌ خلال فترات طويلة ضد هذا الشعب و جنوا عليه، و جاءت الثورة لتقصّر أيديهم.
علينا طي هذا الطريق، و علينا بذل الهمم و تغيير العلاقات الخاطئة المفضية إلى تخلف الشعوب و منها شعبنا. و علينا تعويض حالات التخلف الماضية‌. و كل هذا بحاجة إلى الهمّة و العزم و الأمل. إذا فقد الشعب أمله بالمستقبل أو ضعفت همّته في فتح الطرق و الدروب و التقدم نحو الأهداف فسوف يتأخر و لن يتقدم، و سوف يتسلط عليه المهيمنون العالميون و سوف يخسر عزته. الشعب الإيراني بحاجة إلى الحفاظ على هذه الهمّة في عمله بصورة مستمرة، و لا بد له من المحافظة على هذه العزيمة‌ و الإرادة و مضاعفة هذا الأمل يوماً بعد يوم. و هذه حالة‌ متوفرة في بلادنا. الحمد لله على أن شعبنا يتوفر على هذه الأحوال و قد أثبت ذلك و أبداه. لذلك تقدمنا في هذه الأعوام الثلاثين أكثر بكثير من ما يستطيع شعب أن يفعله خلال ثلاثين سنة. و هذا ما يعترف به حتى أعداؤنا. لكن شعاراتنا شعارات عالمية. شعاراتنا شعارات للإنسانية. شعاراتنا تتعلق بقطع يد المستكبرين عن بلادنا و شعبنا بالكامل. و المستكبرون لا يطيقون هذا. لذلك يتآمرون.
فتنة العام الماضي كانت تجلياً و ظهوراً لمؤامرات الأعداء.. كانت فتنة.. الفتنة معناها أن يطرح البعض شعارات حق بمحتوى و مضمون باطل مائة‌ بالمائة من أجل خداع الناس. لكنهم أخفقوا. الغاية ‌من إيجاد الفتنة هو تضليل الناس. لاحظوا أن شعبنا هو الذي نهض بنفسه لمواجهة الفتنة. التاسع من دي وجّه صفعة‌ قوية لمثيري الفتن في كل أنحاء البلاد. هذا ما فعله أبناء الشعب أنفسهم. كان هذا التحرك - كما قال الخطباء و الشخصيات البارزة و الجميع مراراً - تحركاً تلقائياً و لهذا الأمر معناه و مغزاه العميق. و هو دليل على أن هذا الشعب يقظ و واع و على أعدائنا تلقي هذه الرسالة. الذين يتصورون أن بمقدورهم الفصل بين النظام و الشعب ليروا و ليفهموا أن هذا النظام هو نظام الشعب نفسه و هو ملك للشعب. و ميزة نظامنا هي أنه ملك للشعب. الذين يحافظون بكل كيانهم على نظام الجمهورية الإسلامية و على الإسلام و على هذه الراية المرفوعة في هذا البلد هم بالدرجة الأولى أبناء الشعب أنفسهم. ليفهم أعداؤنا هذا. زعماء الدول المستكبرة - و على رأسها أمريكا - يصرحون ضد شعبنا و يتآمرون ضده و يرفعون الشعارات أحياناً و يطلقون تصريحات كاذبة مزوِّرة في بعض الأحيان و يطلقون أحياناً تصريحات عدوانية علنية، و أحياناً يطلقونها بنحو مغلف مبطن، كل هذا بسبب أنهم يفتقرون لتحليل صائب لقضايا إيران و لمعرفة صحيحة بالشعب الإيراني. شعبنا شعب يقظ و واع.
أريد أن أوصي و أوكد بأن على الشعب الحفاظ على هذه الهمم. طرحنا في هذا العام شعار الهمّة المضاعفة، و لحسن الحظ تلاحظ مؤشرات الهمّة المضاعفة‌ في شتى الأعمال في كافة أنحاء البلاد. يقوم مسؤولو البلاد و الشخصيات الكبيرة و المدراء رفيعو المستوى في مختلف القطاعات بأعمال جيدة. حسناً، هذه الهمّة المضاعفة حالة ضرورية، لكنها ليست لهذا العام و حسب. يجب أن تتوفر الهمّة المضاعفة بشكل مستمر. و على شعبنا العزيز أن يسير و يتحرك و يفتح القمم بحيث ييأس الأعداء‌ تمام اليأس من الاستيلاء على مصير هذا الشعب. يجب فرض اليأس على العدو. و حينما ييأس العدو فسوف يتخلص الشعب من شروره.
الذنب الكبير الذي يرتكبه بعض مثيري الفتن في البلاد هو بث الأمل في نفوس الأعداء. يبثون الأمل في نفوس الأعداء ليتغلغلوا بين أبناء‌ الشعب و يفتحوا طريقهم بين العناصر المختلفة و بين مسؤولي النظام. اكتسب العدو الأمل في العام الماضي بأعمال هؤلاء. و الحال أن تلك الانتخابات العظيمة و تلك المشاركة الهائلة للشعب في الانتخابات كان بوسعها التقدم بالأمور إلى الأمام كثيراً و تحقيق النجاح للشعب الإيراني في الكثير من الميادين السياسية. لكن هؤلاء أشعلوا الفتنة، لذلك عاود الأملُ الأعداءَ الذين كان قد استولى عليهم اليأس بسبب التحرك الشعبي العظيم، و تأملوا بأن يستطيعوا توجيه ضربة للثورة.
كان تحدياً كبيراً. العدو يدعم من ناحية و يساعد سياسياً و يذكر الأسماء - ذكر العدو أسماء مثيري الفتن - و الشعب الإيراني من ناحية‌ ثانية يتواجد بمنتهى القوة في الساحة. كما أبدى الشعب الإيراني مبادراته و إبداعاته و شجاعته و تضحياته في الحرب المفروضة‌ طوال ثمانية أعوام، و سجّل حضوره في جميع الميادين، فقد أبدى في هذه الحرب الناعمة عن نفسه مهارة حقيقية طوال ثمانية‌ أشهر. حينما ينظر المرء إلى الأمور و يريد دراستها من أفق بعيد فوقي تستولي عليه الحيرة، أية يد قدرة إلهية هذه التي تأخذ بقلوبنا و أرواحنا هكذا نحو أهدافها؟ أنه فعل الله و الله معكم. أنه الله الذي يهديكم و الله هو الذي يوجّه قلوبنا أنا و أنتم نحو الصراط المستقيم.
علينا تعزيز صلتنا بالله و توثيقها. هذه هي خصوصية‌ الحركة الإلهية. همم الناس و أعمال الناس و عزم الناس و إرادتهم و تواجدهم في الميادين إلى جانب التوجّه إلى الله و إلى جانب القلوب المستعدة للتضرع.. هذه أحوال على جانب كبير من الأهمية. لنوثق ارتباطنا بالله. لا نسمح لقلوبنا بأن تميل إلى جهات تبعدنا عن طريق الله. «ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا و هب لنا من لدنك رحمة» (1). هذا دعاء يعلمنا إياه القرآن الكريم.
لحسن الحظ فإن شبابنا بقلوبهم الطاهرة النورانية، و تواجدهم في المراسم المختلفة يستجلبون الرحمة الإلهية. و من نماذج استجلاب الرحمة الإلهية يوم التاسع من دي. نزلت جماهير الشعب إلى الساحة ببركة‌ ذكر الحسين بن علي سيد الشهداء (سلام الله عليه) و بددت ما حاكه مثيرو الفتن.
علينا أن نكون اليوم يقظين واعين و لا ننتقص من هممنا حتى ذرة‌ واحدة. مسؤولو البلاد يتحملون الواجبات، و الشرائح الواعية اليقظة العارفة بقضايا المجتمع تتحمل واجبات أكبر. الشباب يتحملون واجبات و الشرائح المختلفة‌ و الجميع تقع عليهم واجبات. اعتمدوا على ألطاف الله، و ثقوا بهدايته، و أعلموا أن الله تعالى قدَّر لهذا الشعب العزيز مصيراً حسناً، و علينا نحن أن نبذل مساعينا و نوصل إنفسنا إن شاء الله إلى ذلك المصير.
ربنا، بمحمد و آل محمد أنزل ألطافك و فضلك على هذا الشعب باستمرار. اللهم احشر الأرواح الطيبة لشهدائنا الأبرار و الروح المباركة لإمامنا الجليل الذي فتح لنا هذا الطريق مع أوليائك. اللهم منّ بالأجر على الجهود و الخدمات التي يقدمها خدّام هذا الشعب، و أبلغ سلامنا لإمامنا المهدي المنتظر (سلام الله عليه).
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - سورة آل عمران، الآية 8 .