بسم الله الرحمن الرحيم
أشكر الله تعالى على توفيقه لهذه الحكومة الناشطة المثابرة و هؤلاء الإخوة الأعزاء، لكي يتمكنوا من تحمّل هذه المسؤولية الجسيمة على كواهلهم على مدى عامين في إحدى أكثر المراحل حساسية في تاريخنا ما بعد الثورة. أتمنى أن نواصل هذا الطريق - كما أشار سماحة السيد خاتمي - بنفس تلك الخصائص التي تجسّدت في شخصية إمامنا العزيز بقوة و اقتدار و أمل و ثقة بالعون الإلهي.
ربّما يمكن القول إن مناسبة أسبوع الحكومة لدينا تعتبر واحدة من المصادفات ذات المعنى العميق. لأن أسبوع حكومة البلد، يأتي في ذكرى استشهاد شخصيتين بارزتين من رجال الحكومة. أعزائي! ليس كل أنواع القتل شهادة. إنما الشهادة هي القتل في سبيل الله بإخلاص و شجاعة و سعي. الشهيد هو من يبذل الجهد - أي يسعى - و يبدي الشجاعة و يتحرك في سبيل الله، و إذا لم يبد الشهامة، فلا يوفّق للشهادة. لعلكم جميعاً كنتم على معرفة وثيقة بهذين الرجلين (1) و الكثير منكم عمل معهما. نحن نراهما مصداقاً تامّاً لهذه الخصائص. ذكرى استشهادهما يمثل أسبوع الحكومة.
في بلدنا لا يمثل أسبوع الحكومة أسبوع ولادة الحكومة. في الدول الأخرى، إذا أرادوا اتخاذ مثل هذا اليوم أو مثل هذه المناسبة، فإنهم عادة ما يأخذون بنظر الاعتبار ولادة الحكومة و تأسيسها، أو على سبيل المثال عملاً بارزاً أنجزته تلك الحكومة و يعينونه كأسبوع للحكومة، لكننا جعلنا ذكرى الشهادة أسبوعاً للحكومة، و هذا أمر مهم و له مغزى عميق. و معناه أن سبيلنا هو سبيل هذه الخصائص و الصفات. أمّا هل لنا نحن نصيب من نيل ثواب الشهادة أم لا؟ فهذا بحث آخر. أنا شخصياً لا أمل لي بنفسي. لعله يوجد بينكم من تكون - إن شاء الله - عاقبة أمره الشهادة في سبيل الله، و هذا شرف عظيم. سواء نلنا هذا الشرف أم لاا، فهذا هو سبيلنا. سبيل العمل لله بإخلاص و شجاعة و إقدام في مواجهة المشاكل.
إذن أصبحت هناك ثلاثة خصائص: أوّلاً أن نعمل و نبذل مساعينا. ثانياً أن نقوم بهذا العمل بإخلاص و شجاعة. ثالثاً: أن نجعل اتجاهنا إلهياً. لو تحقّقت هذه الخصائص الثلاثة، فإنكم ستحرزون إنجازات تفوق أضعافاً مضاعفة ما أنجزتموه خلال العامين الماضيين. و الحمد لله فالإنجازات ليست قليلة. لكن بما أنكم قليلاً ما تتحدثون مع أبناء الشعب، فلعل الكثير منهم لا يعلمون إنجازاتكم في المجالات المختلفة، لكنني أنا و الأشخاص المعنيين بالأمور نعلم أنكم قمتم بأعمال كثيرة مفيدة و جيدة. إذن إنجازاتكم ستزداد يوماً بعد يوم من خلال وجود هذه الميّزات الثلاث، و لا شك في أن أية مشكلة لا تستطيع المقاومة أمام هذه المجموعة البشرية التي تتحرك بهذه الخصائص الثلاثة، بل تنزاح أمامها جميع المعضلات و المشكلات الإنسانية و السياسية و المالية، و هذا وعد إلهي.
من الآثار التي تترتب على التقوى، هي أن الله يبارك لنا في أعمالنا. لو لاحظ الإنسان الآثار المترتبة على التقوى في القرآن الكريم - الكلام الإلهي - فستلاحظون أن جميع الأسئلة و الهواجس التي تختلج في ذهنه قد وردت الإجابة عنها ( إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً)(2). أي إننا لن يشتبه علينا طريق الحق و الباطل، و إنّما سيتجلّي الطريق أمامنا بكل وضوح. حينما يميّز الإنسان الحق من الباطل، فسيتحرك بشجاعة أكبر (و من يتق الله يجعل له مخرجاً)(3) و (يرزقه من حيث لا يحتسب)(4).
من الطبيعي أن رزقكم لا يعتبر رزقاً خاصّاً بكم، لأن كل واحد منكم يمثّل قطاعاً واسعاً من أبناء هذه الأمة و هذا البلد. رزقكم هو الذي ييسّر لكم عملكم و يوفّر أمامكم الإمكانيات. إن الله تعالى يتفضّل ببركته أحياناً بالمال القليل. و قد تُسلب البركة أحياناً من الأموال الكثيرة و من الدخل الوفير. لكن حينما يكون الإنسان تقيّاً و يعمل لله بإخلاص، يبارك له الله في عمله. أنظروا كم أنجزت في فترة الحرب - التي كان بعضكم يتحمّل مسؤوليات حساسة - من أعمال كبيرة! بالرغم من صعوبة تلك الظروف، و مع ما كنّا نتعرّض له من قصف معاد في فترة الحرب المفروضة. في مدينة طهران و في مثل هذه الغرفة لم يكن باستطاعة المرء أن يكون مطمئن البال في أي ساعة من ساعات الليل و النهار إلى عدم سقوط قذيفة على هذه الغرفة. لكن في مثل هذه الظروف جاءت حكومة و منظومة خدومة - و هم أنتم - و حققت إنجازات عظيمة بفضل سعيها و عزمها و إيمانها و توكلها على الله، و بدخول ضئيلة جداً حتى أقل مما كانت عليه في العام الماضي. طبعاً كانت هناك مشكلات كثيرة، و لم يكن يتوقع أبداً أن تعالج هذه المشكلات بهذا الشكل في تلك المراحل، لكن تمت معالجتها و تمّت إدارة هذا البلد و تقدم إلى الأمام إلى أن وصل إلى مرحلة الإعمار. مجرد أن استطاعت حكومة و شعب الوصول إلى مرحلة البناء من خلال تلك التجربة الصعبة، يعتبر ذلك بحد ذاته عملاً مهماً للغاية.
في مرحلة الإعمار، كانت هناك مشكلات كثيرة. و لا تزال هناك مشاكل في الوقت الحاضر و بوسعكم إزالتها. فطاقاتكم طاقات عظيمة. طاقاتكم مصدرها التوكل على الله و الاعتماد عليه من جانبه. إذا جعلنا الله نصب أعيننا و عملنا بدافع أداء الواجب حقيقة، فإن الله تعالى سيمنّ علينا بلطفه و تفضّله و دعمه و عونه من حيث لا نحتسب. لاحظوا أنتم الآن، أثناء ظروف العمل العادية، أحياناً تتفتح أمامنا منافذ لم تك في الحسبان، و لم نتحمّل نحن التعب من أجلها. و نحن نعلم ذلك و قد يتصور البعض لأنّهم بعيدون عن الموقف، أننا نحن الذين حققنا هذا الإنجاز العالمي الفلاني أو الإنجاز الإقليمي الفلاني أو الإنجاز القومي الفلاني. لكننا حينما نجلس حول بعضنا نعلم أنه كان عوناً إلهياً.
علينا أن نصدق بوجود هذه العون الإلهي الذي يأتينا من حيث لا نحتسب (5). و مصدر ذلك هو التوكل و الإيمان الذي يراه الله في هؤلاء المعنيين و الحمد لله. الإخلاص الذي يراه الله لدى الشعب و المنظومة الخدومة العاملة سيساعد كثيراً تلك المنظومة و الشعب و سيعينهما.
أعزائي! أعتقد أن طريق الالتزام بالدين هو طريق التوكل على الله و الثقة بالوعد الإلهي. (و لو أن أهل القرى آمنوا و اتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السّماء و الأرض)(6). فالإيمان و التقوى يفتحان السبل الطبيعة و يعالجان المشكلات الطبيعية كما يعالجان المشكلات العالمية أيضاً، و يزيلان المخاطر الكبرى، و يحققان الفتوحات الكثيرة. هذا هو أحد طرفي القضية، و طرفها الآخر هو الشعب. رصيدكم المعنوي، يتمثّل في التوكل على الله و الاعتماد على هذا الشعب المؤمن الصادق المضحّي المحب للمسؤولين و الحريص على الإسلام و المحب لنظام الجمهورية الإسلامية و العارف لقدره، حيث أن مسؤولي النظام متى ما استعانوا بالشعب، قدّموا لنا كل ما لديهم و أتمّوا الحجة علينا و عليهم.
أريد أن أقدّم بعض التوصيات فيما يتعلق بقضايا الحكومة. طبعاً من حسن الحظ أن هذه المواضيع ذاتها وردت في كلمة السيد الخاتمي. هذه المواضيع التي أريد أن أذكر بعضها، وردت في تقرير سماحته. و الحمد لله أنتم منهمكون في العمل و تبذلون مساعيكم و تعملون، لكن كلما ازدادت جهودنا حصلنا على منفعة أكثر.
النقطة الأولى هي قضية التنسيق و الانسجام بين أجهزة الحكومة مع اجتناب ظاهرة إضعاف بعض قطاعات الحكومة للبعض الآخر. ينبغي أن تكون منظومتكم هذه واحدة. عليكم أن تتعاونوا بالمعنى الحقيقي للكلمة. إنني لا أقول بأنه يجب عدم وجود توقعات من قطاع خاص، فقد قلت ذات مرة لأحد السادة الذي كان يتوقع مني بعض الأمور تتعلّق بقطاعه هو، قلت له أنني لا ألبّي طلبكم - إذ لا يمكن ذلك - إلّا أنني أثني على هذا السعي. لذا فإنني لا أرفض الجهود التي تصب لصالح قطاع معين، لكن هذه الجهود يجب أن لا يكون كل واحد منها على حدة بحيث تلحق الضرر بالجانب الشمولي للحكومة، أي إن القطاعات المختلفة يجب أن تراعي هذا الجانب. برأيي المسؤولية الرئيسية في هذا المجال تقع على الأقسام المركزية في الحكومة، و هي عبارة عن مؤسسة التخطيط و الميزانية و مؤسسة شؤون الإدارة و التوظيف و الأقسام المركزية التي تتمركز بشكل أساسي في شخص رئيس الجمهورية.
يجب أن يكون رئيس الجمهورية محوراً في عمل الحكومة. إنني كثيراً ما قلت بأن الحكومة تشبه مفترق طرق و رئيس الجمهورية هو القائد هناك. فإذا ما أشار بيده إلى قطاع من قطاعات الحكومة بالوقوف، يجب على ذلك القطاع الوقوف ليمكن لسائر القطاعات أن تأتي و تتحرك. و حينما يشير إليها بالحركة يجب أن تتحرك، دون أن تتقدم أو تتأخر. ينبغي مراعاة ما يراه رئيس الجمهورية من خلال التشاور و من خلال ملاحظة جوانب القضية و ملاحظة الأمور التي تطرحها عليه القطاعات كاحتياجاتها المختلفة و من خلال النظرة الشمولية. يجب مراعاة الأولويات التي يشخّصها.
لحسن الحظ فأن سماحة سيد الخاتمي - رئيس جمهوريتنا العزيز و المحترم - يتحلى بالقدرة و الاستعداد للعمل و الكفاءة اللازمة للقيام بهذا العمل. و أنا أشكر الله لذلك و كثيراً ما أدعو له. في وسط ميدان الحكومة يجب أن تكون الأنظار ملتفتة لإشارة رئيس الجمهورية. إنني لا أريد التنكّر لمسؤولياتكم في القطاعات المختلفة- كل واحد منكم مسؤول أمام المجلس و أمام الشعب عن قطاعه - لكن هناك قضية أكبر من قطاعاتكم و هي منظومة الحكومة و إمكانات الحكومة. يجب أن تتمكّنوا من التقدّم بعمل الحكومة الصحيح ،و ذلك بأخذ هذه المحورية و هذا التنسيق بنظر الاعتبار، حيث يأتي حينها دور النقطة الثالثة التي تترتب على هذا و هو رعاية الأولويات.
برأيي يجب أن تراعوا الأولويات على صعيدين: الأول على صعيد البرامج الخاصة بكل قطاع، و الثاني على صعيد برامج قطاع إزاء القطاع الآخر. أحياناً مصادرنا المالية ثرية - حسناً - نتصرف كشخص ثري إذا احتاج طفله إلى شراء لعبة معينة حيث يقدم المال لشراء اللعب بسخاء. لكن مصادرنا الآن ليست وفيرة جدّاً. نحن نعاني من نقص كبير في مصادر دخلنا. أعتقد أن انخفاض عائداتنا النفطية إن كانت فيه ضربة موجعة لنا و ضغط شديد علينا، لكنه كان بمثابة فوز لنا من جهة أخرى. انخفاض العائدات الداخلية يتسبّب لنا تلك الضغوط من جهة و لا يعود علينا بذلك النجاح و الفلاح و الفوز من جهة أخرى. أي إن هذا الانخفاض في العائدات الداخلية ليس فيه سوى المرارة و الصعوبة. و علينا أن نزيد من عائداتنا الداخلية. ينبغي علينا العمل من أجل تنشيط هذا البلد الكبير الزاخر بالبركات، و الذي يتمتع بكل هذه المصادر و توجد فيه كل هذه الأراضي المؤهلة للاستفادة، و كل هذه الطاقات البشرية الكفوءة و كل هذه الطاقات العاملة الناشطة الشابة و هذا الكم الهائل من الناس المؤمنين مضافاً إلى ما يتمتّع به من موقع جغرافي و سياسي و اقتصادي.
عليكم أن تلاحظوا ما هي الأوليات، و عندئذ تحدد الأوليات خطنا و ما ينبغي علينا أن نقوم به. فالأولويات الموجودة هي قضية فرص العمل و قيمة العملة الوطنية، و إيقاف التضخّم أو خفضه إلى أدنى حد ممكن، و معالجة الركود الاقتصادي و تنشيط اقتصاد البلد. و أول ما يتبادر الى الذهن طبعاً، هو أن جميع هذه الأمور بحاجة للمال. من أين نأتي بالعائدات. هذه الأمور كلها متشابكة مع بعضها. هذا واضح أن هذه الأمور كلها متشابكة مع بعضها، لكنها لا تنتهي إلى طريق مسدود. إذا ألقينا نظرة على نقائصنا العملية - النقائص و حالات الخلل الموجودة في العديد من برامجنا - فسنلاحظ من أين يأتينا الضرر. لو أننا اقتصدنا بعض الشيء و أبدت الأيدي العاملة مزيداً من الحرص و الدقة، ستحل الكثير من هذه المشاكل تدريجياً. عملية رفع هذه المشكلات تشبه عملية وجودها و ظهورها. كما أن أية مشكلة - سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو غيرها - تحدث، تجر من ورائها مشكلات أخرى، كذلك هو الحال فيما يتعلق بحل المشاكل. إذا ما نجحتم في حل عقدة واحدة، فستلاحظون إمكانية حل خمس عقد أخرى من ورائها. أية واحدة من الأيدي العاملة التي تبدأ بأعمل صغيرة و ضئيلة، إنني أتصور بأنها ستصل إلى مراحل جيدة. هذا ما يوجب عليكم رعاية الأولويات في إنفاق الأموال و في اختيار البرامج، و في تقديم قطاع على قطاع آخر، أو تقديم خطة على خطة أخرى في داخل كل القطاع. إنني ألاحظ عدم رعاية هذه الأولويات في بعض المجالات. برأيي لو أخذت هذه القضية بنظر الاعتبار لتمت معالجة الكثير من المشاكل. و هذا ما لا يتم حلّه و معالجته إلا في الحكومة. معالجتها في الحكومة فحسب. أي ينبغي القول أحياناً أن! المحاسن التي ذكرتها - يا سيّدي - كلّها موجودة حقّاً في هذه الخطة - و لا ننكر أيّاً منها - إلّا أنها غير مرتّبة حسب الأولويات، و هناك خطة أخرى فيها خمس حسنات و إيجابيات إضافية على ما في خطتكم، أو أن الخلل الموجود في برنامجكم لا يوجد في ذلك البرنامج. هكذا يجب أن تدخلوا في أجواء العمل. اعتقد أن القضايا الإنسانية و قضايا التربية و التعليم و القضايا الاقتصادية و القضايا الاجتماعية و ما يتعلق بقطاع الخدمات يجب النظر إليه بهذا الشكل. هذا ما يجعل مهمة مؤسسة التخطيط و الميزانية و بعض القطاعات المركزية - كما قلت - مهمة ثقيلة حقاً. عليها العمل بجد و صدق و إخلاص و سعي دؤوب حقيقة لكي تتيح لرئيس الجمهورية اتخاذ القرار حسب صلاحياته، و حينما يشير رئيس الجمهورية لهذا القطاع بالتوقف، يجب أن يتوقف و لا تكون هناك أية شكوى أو تذمّر. هذا يعني أن محورية رئيس الجمهورية هي أساس القضية.
النقطة الثانية التي يجب رعايتها ضمن رعاية الأولويات، هي القضايا العامة للمجتمع. لاحظوا، قد تكون هناك أحياناً، قضية تمثّل قضيتنا الرئيسية لكنها تفرض علينا قضية فرعية، و تصبح تلك القضية الفرعية قضيتنا الأساسية. كما أنكم لاحظتم أن مسلسل الاغتيالات(7). أصبحت القضية الأساسية في البلد. فهل حوادث الاغتيالات هي القضية الأساسية للبلاد حقيقة؟! عندنا وزارة الأمن و الأجهزة الأخرى و المسؤولون الذين يعالجونها. هل هذه هي القضية الأساسية للبلد حقيقة؟! إننا نعاني من مشاكل كثيرة، و هناك قضايا الناس و مشكلاتهم. كل هذه الأمور ذهبت إلى جانباً و في فترة من الفترات، و انصبت غالبية النقاشات أو الهمم، على أحداث القتل و الاغتيال! لا يمكن مواصلة العمل و تقدمه إلى الأمام بهذا الشكل. أنظروا بدقة و لاحظوا ما هي القضية الرئيسية للبلد. إنني لا أظن بأن من يلقي نظرة سليمة على شؤون البلد، سيبقى متردّداً في ماهية القضية الأساسية للبلد. لماذا نشغل أنفسنا بقضايا فرعية و من الدرجة الثانية؟! يمكن أن تكون هناك قضايا مهمة في قائمة قضايا الشعب - على سبيل المثال يمكن إدراج عشرة قضايا مهمة في هذه القائمة- لكن ينبغي اختيار أكثرها أهمية. هنا يجب أن تلاحظوا الأولويات، و هنا انتقل للتحدّث حول النقطة الرابعة.
من أكثر القضايا أهمية هي القضية الاقتصادية. كان مشروع (الإصلاح الاقتصادي) هذا، الذي طرحته حكومتكم، إنجازاً عظيماً. لماذا تتجاهلونه؟ و لماذا لا تهتمون به بصورة جادة؟ لقد كان هذا ما أرجوه منذ البداية، و قد ازداد رجائي و توقّعي الآن. فقد غرس مشروع (الإصلاح الاقتصادي) الأمل في نفوس أبناء الشعب، و للحق و الإنصاف تم تحقيق عمل جيد. لاحظوا كم تكرّر اسم هذا المشروع و جرى التحدث حوله في وسائل الإعلام. لقد تحدّث رئيس الجمهورية شخصياً حول هذا المشروع و وعد و أعلنا نحن عن دعمنا له حسبما اقتضت الضرورة، كما تحدث عنه المسؤولون المعنيون أنفسهم. كان من المتوقع أن يتابع هذا المشروع بصورة جادة. ينبغي متابعة مشروع (الإصلاح الاقتصادي). إنني أتصور بأن النقاط الرئيسية التي تضمّنها هذا المشروع هي النقاط الأساسية التي نحتاج إليها اليوم.
لقد تضمّن هذا المشروع قضية فرص العمل. و قضية فرص العمل قضية كبرى و مهمة. و الحق لا بد أن يحظي هذا القطاع من الحكومة، بدعم قوي و تعاون حقيقي من الجميع. و ليس قطاعاً واحداً فقط، و لا هي وزارة العمل لوحدها، بل أن جميع القطاعات الاقتصادية تقريباً معنية بقضية العمل بشكل من الأشكال، و على الجميع تقديم العون. قضية توفير سبعمائة ألف فرصة عمل سنوياً ليست شيئاً قليلاً. قد صدق رئيس الجمهورية في قوله، أن هذا الرقم، أكبر بكثير من الرقم الذي جرّبناه في الماضي، لكنني أعتقد بإمكانية هذا المشروع. هذا هو اعتقادي. طبعاً يمكن أن لا نتمكن من توفير هذا العدد في السنة الأولى، و لنفترض أننا نستطيع أن نوفر فرص عمل لنصف هذا الرقم، لكن بتوفير نصف هذا العدد في السنة الأولى، سيتضاعف لدينا العدد في السنة الثانية و في السنة الثالثة يتضاعف العدد أيضاً، و هكذا يسير هذا العدد بوتيرة تصاعدية. سنحصل على هذا الرقم - و ربّما أكثر منه - لكن بشرط أن نتابعه و نبذل مساعينا.
الموضوع المتعلق بالقرويين موضوع مهم أيضاً، فالآن حدث هذا الزلزال و السيول و الجفاف الشديد. و خطر الهجرة الآن خطر كبير حقيقة. و لهذه الهجرة تبعات لا تحمد عقباها و تتلوها مشاكل أخرى. فالقرى تعيش أوضاعاً مأساوية. برأيي يجب الاهتمام الجاد بشؤون القرى و معضلات الناس. إحدى الأمور التي أريد أن أوصي بها الإخوة بصورة جادة في هذا المجال، هي أن عليكم الذهاب إلى المناطق المحرومة بأنفسكم و أن تلتقوا بأهاليها مباشرة و تطلعوا على شؤونهم. هذه الجولات التي يقومون بها - خاصة في المناطق النائية و المحرومة - ذات قيمة و بركة كبيرة، لأنها تضع المرء وجهاً لوجه أمام الحقائق التي سمع بها فحسب في السابق. فإننا نقرأ الكثير من التقارير، لكن التقرير الذي يلمسه المرء عن كثب، له تأثير آخر حقيقة. لذلك برأيي، لا بد من مزيد من الاهتمام بالقضية الاقتصادية - حيث أن مشاكل الشعب تتمحور اليوم على القضايا الاقتصادية - يجب على بعض القطاعات العمل أكثر في هذا المجال.
طبعاً واجبي هو أن أدافع عن شخص سيد الخاتمي بصفته رئيساً للجمهورية و عن الحكومة بشكل عام و اعلموا أنني سأدافع. هذا الدفاع لا يقتصر على الدفاع أمام الأعداء، بل حتى أمام الانتقادات غير الصائبة من الأصدقاء - أعني العناصر الداخلية و المؤمنة و الصديقة، غير أن هذا لا يعني أن لا تقوم الحكومة من داخلها بنقد عملها. يجب عليكم أن تهتموا بنقد الأعمال بقدر ما. إخوتي الأعزاء! لقد مضى حتى اليوم عامين من السنوات الأربع المحددة لكل حكومة، أعني خمسين بالمائة. هذه الخمسون بالمائة التي مضت تعتبر - لبعض الأساليب - الفصل الوضاء من عمر الحكومة. لأن السنتين الأوليين، عادة ما يكون فيهما النشاط أكبر، و آمال الشعب أكبر، و تعاونهم أكثر و اندفاعهم أكبر. طبعاً، السنتان الأخيرتان، تتميزان بمزيد من التجارب، لكنني أشك بإمكانية ترجيح السنتين الأخيرتين على الأوليين. لقد مضت سنتين، و يجب عليكم أن تبذلوا مساعيكم في السنتين المتبقيتين لتحقيق آمالكم بصفتكم مسؤولين مخلصين - طبعاً نحن نعتبركم مسؤولين مخلصين - فعليكم وضع البرامج و الخطط، و ادخلوا بصورة جادة لتنفيذها.
الخطة الثالثة مهمة بدورها. إنني على علم بأن الحكومة تعقد اجتماعات زاخرة بالجهد و العمل من أجل رسم الخطة. النقطة التي أشار إليها السيد خاتمي بشأن السياسات صحيحة تماماً. و لقد قلت أنا أيضاً بهذه النقطة في الرسالة التي وجّهتها إلى مجمع تشخيص مصلحة النظام، و كذلك في الرسالة التي وجهتها إلى السيد خاتمي نفسه.
تنطلق خطط التنمية من صميم السياسات العامة. قد اتخذت قضية السياسات العامة و التخطيط و النقاشات في الحكومة، ثم بعد ذلك في مجمع تشخيص مصلحة النظام مع ملاحظة الانتقادات المختلفة، و تعيين السياسات من ثم التخطيط وفقاً لتلك السياسات، اتخذت كلّها مسارها الطبيعي و المنطقي - لكن يجب أن تأخذوا بعين الاعتبار وجوب مراعاة تلك السياسات أثناء عملية التخطيط.
حينما يجري التأكيد على انطلاق البرامج و الخطط من صميم السياسات، فيجب أن تكون الخطط نابعة من صميم هذه السياسات بالمعنى الحقيقي للكلمة، بحيث أن الخطة إذا نجحت في مرحلة ما، يدرك المرء أن تلك السياسة كانت صائبة، و إذا أخفقت الخطّة، يدرك المرء أن تلك السياسة كانت خاطئة أعني يجب معرفة هذا التلازم. فإذا نفذت الخطة في موطن ما على نحو لا تراعى فيها تلك السياسات، عندئذ سيُفهم السبب في خطأ تلك الخطة. هذا شيء آخر عدا ما يتعلق بعمل المنفذين. لأن نسبة معينة من ذلك يعود إلى طريقة عمل المنفذين و لا دخل للسياسات فيه. لذلك لا يستطيع المرء أن يعلم فيما إذا كانت تلك السياسات صحيحة أم غير صحيحة، بالرغم مما سبقها من مقدمات و من جهود مبذولة من قبل مجمع تشخيص المصلحة، و قبل ذلك من قبل الحكومة، ناهيك عن آلاف الساعات من الجهود المبذولة من قبل السادة العاملين في دائرة التخطيط لتنظيم تلك السياسات، ثم تأتي بعد ذلك إلينا و نقوم نحن أيضاً ببعض الأعمال. يجب أن تكون الأمور بالنحو الذي يجعل تلك السياسات واضحة للعيان في كل واحدة من تلك البرامج. يعلم المرء أن هذه الخطة منطلقة من تلك السياسة. أعني أن يكون بينهما ارتباط طبيعي و منطقي.
النقطة الأخيرة التي أريد ذكرها في هذا الاجتماع ثم أريد أن أذكر عدة نقاط للإخوة و الأخوات بشكل خاص، هي إن على الإخوة و الأخوات أن يسعوا للحفاظ على انسجام الحكومة و النظام على أعلى المستويات. و اعلموا أننا إذا نجحنا في التغلّب على هذه المشكلات -و سننجح طبعاً بعون الله و فضله - فإن نجاحنا يكمن فقط في السير ضمن إرادة جماعية واحدة، و في ظل الانسجام و الوحدة على أعلى المستويات في النظام، و في القضايا العامة، و هذا ما يؤدي إلى الوحدة العامة بالمعنى المستمر للكلمة. فإذا كان هنا أو هناك البعض يفكرون بعملهم و كلامهم فقط و هناك بعض آخر يفكّرون بآرائهم و أعمالهم فقط، فلا يمكن تحقيق شيء. إن التقسيم و التجزئة في النظام على أرفع مستويات النظام، ينتهي بضرر النظام و لا يعود بالمصلحة على أحد. طبعاَ ينتهي لصالح العدو. و لو كان لنا عدو فطن و انتهازي، فإنه سرعان ما يستغل الفرصة.
لحسن الحظ شعبنا متّحد. و الحمد لله على أن الجماهير متحدة، كما لاحظتم مراراً و أثبتته التجربة. إنما يترسخ و يتعمق و يتجذّر هذا الاتحاد إذا لم يكن هناك اختلاف و انفصام و أحياناً نزاع و جدل لا سمح الله. إذا أردتم أن تنجحوا في عملكم، فعليكم مراعاة هذا الأمر. نسأل الله أن يوفقنا و إيّاكم لنتمكّن من السير على هذا الصراط المستقيم و نتمتع بالفيض و العون الإلهي.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
1- المقصود هو رئيس الجمهور الشهيد محمد علي رجائي و رئيس وزرائه الشيخ الشهيد محمد جواد با هنر.
الهوامش:
2- سورة الإنفال، الآية 29.
3- سورة الطلاق، الآية 2.
4- سورة الطلاق، الآية 3.
5- سورة الطلاق، الآية 3.
6- سورة الأعراف، الآية 96.
7- أحداث القتل التي عرفت باسم مسلسل الاغتيالات.