القرآن الكريم أو بالأحرى الثقافة القرآنية، كيف وإلى أي مدى كانا مؤثرين في الحياة العملية لقائد الثورة الإسلامية في مختلف الأبعاد السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وغيرها؟

للإجابة عن هذا السؤال ينبغي القول إن الإمام الخامنئي (حفظه الله) قد تشرب الثقافة القرآنية منذ طفولته ومنذ نعومة أظفاره. إذا راجعنا كتاب ذكرياته الذي طُبع تحت عنوان «إن مع الصبر نصراً»، نلاحظ كيف يتحدث عن تجربته في أيام الطفولة مع أمه التي كانت تقرأ «القرآن» بصوت جميل كما يعبّر هو، وهذا كان له وقعه في ذهن ذلك الطفل. حضوره في تعلم «القرآن» في الكتاتيب والذكريات التي يذكرها وبعد ذلك الدراسة الحوزوية وتأسيس جلسات تفسير القرآن في مشهد، التي انتقلت إلى عدد من الأماكن إثر ضغط نظام الشاه البائد في ذلك الزمن، ذلك كله يدل على أنه كان يتخذ منحى سياسياً واجتماعياً في بيانه التفسيري لـ«القرآن»، إذ لم يكن نظام الشاه يرتضي.

بناء على ترجمته لكتاب «في ظلال القرآن» للمرحوم السيد قطب، وجلساته القرآنية والمبادرات والخطوات المهمة التي فعلها في تأسيس المؤسسات القرآنية المختلفة في بناء الحياة الاجتماعية والسياسية في ما بعد انتصار الثورة على أساس الثقافة القرآنية، يمكن القول إن سماحته يطمح دائماً إلى أن تكون الحياة في إيران والعالم حياة قرآنية، لأن القرآن والدين الإسلامي جاءا ليكون لهما القول الفصل في مناحي الحياة كلها في الاجتماع وفي السياسة وفي الثقافة وفي الاقتصاد وحتى في العلاقات الدولية وفي القضايا العسكرية والإستراتيجية.

بالإضافة إلى ذلك، نلاحظ نظرته الإستراتيجية البعيدية الاستشرافية والحضارية أيضاً، فيرى في «القرآن» مشروعاً حضارياً للبشرية وليس فقط لأبناء الأمة الإسلامية. هذا كله يعبر عن ثقافته القرآنية التي تملأ وجوده، ولذلك نرى هذه البركات التي أتت عبر هذه النظرة القرآنية للمجتمع والسياسية.

 

لقد أكد قائد الثورة الإسلامية دائماً ضرورة التمسك بالثقافة القرآنية. بالنظر إلى التطورات الراهنة في العالم الإسلامي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو أنه ما مدى تأثير تمسك أهل غزة المظلومين بهذه الثقافة، أي الثقافة القرآنية، في مقاومتهم تجاه جرائم النظام الصهيوني غير المسبوقة منذ أكثر من السبعة أشهر الماضية؟

الثقافة القرآنية هي العامل الأساسي في صمود الشعب الفلسطيني في غزة. المجاهدون الفلسطينيون في «حركة حماس» و«حركة الجهاد الإسلامي» كثير منهم من حفاظ «القرآن» الكريم. العمل في قطاع غزة على تحفيظ «القرآن» وعلى تعلمه وعلومه وتفسيره وعلى أن تكون الحياة حياة قرآنية، هذا أتصور أنه كان العامل الأساسي لهذا الصمود الذي شهدناه. من هنا نشهد آثار ذلك كله على المجتمعات الأخرى. يقال الميل إلى اعتناق الإسلام ازداد خمسة أضعاف في المدة الأخيرة في المجتمعات الأوروبية. ذلك كله ناتج من سؤال يُطرح في أذهان هؤلاء: ما الذي يؤدي إلى هذا الصمود كله لدى الشعب الغزاوي والشعب الفلسطيني؟ وهذا يؤدي إلى اكتشاف حقيقة الإسلام واعتناقه. لو لا هذه الثقافة الإسلامية والثقافة القرآنية، لما تحقق هذا الصمود كله، ناهيك بالعملية البطولية التاريخية الحاسمة التي فعلتها المقاومة الإسلامية في فلسطين في 7 أكتوبر وما تلى ذلك. ذلك كله كان على أساس هذه الثقافة القرآنية التي يشير إليها الإمام القائد في كثير من أحاديثه، وأنا عبر منبركم هذا أدعو إلى إعداد كتاب عن المقاومة في الثقافة القرآنية من وجهة نظر الإمام الخامنئي، إذ أتصور أنه سيكون كتاباً مؤثراً جداً.