عاشا في بيت بالإيجار لسنوات طويلة، لأن شراء البيت ليس سهلًا. كان على الزوجين الشابين الادّخار لبضع سنوات من دخلهما لتحقيق حلمهما، وقد تمكّنا من ذلك، ونتيجة جهدهما، اشتريا شقة سكنية صغيرة في مدينة بردیس، التي تقع في ضواحي طهران، وكانت شقة جديدة. ربما كانا مشغولين بترتيبات الانتقال عندما اندلعت نيران الحرب في لبنان، وصدر أمر قائد الثورة الإسلامية: «يجب على جميع المسلمين أن يقفوا إلى جانب الشعب اللبناني وحزب الله الشامخ بالإمكانات المتاحة». كان بإمكانهما التبرع ببعض الآلاف من التومانات، أو حتى تخصيص مبلغ كبير لمساعدة المظلومين في لبنان. لكنهما نزلا إلى الميدان بـ«كل وجودهم». قاما بوضع استثمار حياتهم، الذي كان ثمرة سنوات من جهدهما، أي تلك الشقة، في طبق الإخلاص هديةً للمظلومين في لبنان. عَرَضَ ربّ هذه الأسرة، علی رضا جلولي، تلك الشقة التي لم تُستخدم بعد في مزاد. كانت الأسعار تبدأ من 3.5 مليار تومان (ما يقارب 51 ألف دولار). وقال إن على المشتري إيداع المبلغ في الحساب المعلن لمساعدة الشعب اللبناني، ثم يستلم مفتاح المنزل. يعدّ علي رضا واحدًا من آلاف الأشخاص الذين يقدّمون أثمن ممتلكاتهم لجبهة المقاومة ولشعبي لبنان وفلسطين في هذه الأيام.
في اليوم الذي أُعلن فيه خبر استشهاد الأمين العام الراحل لحزب الله، السيد حسن نصر الله؛ أعلن الإمام الخامنئي في بيانٍ أنّ الوقوف إلى جانب الشعب اللبناني وحزب الله الشامخ واجبٌ على جميع المسلمين. شكّلت هذه الرسالة في إيران موجةً من التعاطف والتضامن مع الشعبين المظلومين في لبنان وفلسطين. تضافرت الجهود في المساجد والحسينيات، وفي المؤسسات الشعبية والعامة، لتقديم المساعدة بالقدر بالمستطاع إلى أعزّائهم في لبنان وفلسطين. أعلن مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئي بسرعةٍ عن المرحلة الرابعة من حملة «إيران المتضامنة»، وهي حملة إغاثة شكّلت في السنوات السابقة وسيلةً لدعم الشعب الإيراني المتضرر جرّاء الفيضانات وجائحة كورونا. أُقيمت محطات في أرجاء المدن الكبيرة لجمع التبرعات الشعبية، وخُصّصت حسابات إلكترونيّة لإيداع المساعدات، وشاركت مختلف فئات المجتمع والنخب بالعمل ضمن هذه الحملة الوطنية.
برز من بين الشخصيات المشهورة في إيران، الأستاذ داريوش أرجمند (الممثّل الذي جسّد دور مالك الأشتر في مسلسل «الإمام علي (ع)») وكان واحدًا من أوائل الذين اقتدوا بمبادئ مالك الأشتر وانضمّ إلى صفوف «إيران المتضامنة»، كذلك انضمّ أيضًا فريق إنتاج مسلسل «طوبي»، الذي يُعرض على القناة الأولى في التلفزيون الإيراني، ويعدّ من المسلسلات ذات الشعبية في إيران، إلى صفوف الناس المساهمين في هذه الحملة. كما أعلن المسؤولون الإيرانيون عن دعمهم لهذه الحملة من خلال نشر فيديوهات، وكان من بينهم رئيس مجلس الشورى الإسلامي، محمد باقر قاليباف، الذي قاد طائرةً من طهران إلى بيروت قبل أسابيع، وذكّر العالم بتضامن إيران ولبنان من خلال حضوره في المكان الذي تعرّض للقصف من قبل الكيان الصهيوني. شارك في الحملة أيضًا رئيس السلطة القضائية، الشيخ غلام حسين محسني إجئي، وعدد من الوزراء والمسؤولين البارزين. كذلك انضمّ شعراء ومدّاحو أهل البيت (ع) وفنانون كثر إلى هذه الحملة، لتزداد صفوف النخب الإيرانية الداعمة للشعب اللبناني يومًا بعد يوم.
لم تقتصر حملة «إيران المتضامنة» على الشخصيات المشهورة في إيران فقط؛ بل امتدّت إلى مختلف فئات الشعب، فالأمر الذي جعل من هذه الحملة حدثًا بارزًا هو الاستقبال غير المسبوق من عموم الشعب الإيراني، إذْ تُنشر يوميًّا روايات مؤثرة عن تضحيات الناس في إيران لتقديم المساعدة المالية لجبهة المقاومة.
على سبيل المثال، أقدمت مجموعة من النساء في بوشهر (محافظة جنوبية تقع على ضفاف الخليج الفارسي) على بيع مجوهراتهن من أجل هذه الحملة، ونجحن حتى لحظة إعداد هذا التقرير في جمع نحو ملياري تومان (حوالي 30 ألف دولار) لدعم جبهة المقاومة، وقد شاركت أيضًا النساء في محافظة قم، كما أهالي بوشهر، بتقديم مجوهراتهن في هذه الحملة. من جهة أخرى، قدّمت امرأة مسنّة إيرانية، تعتاش من خلال نسج الليف، دَخْلَ شهرين من عملها لهذه الحملة، وهو مبلغ يقارب 35 دولارًا، والذي يعدّ كلّ ما تملك!
لم تقف قصص حملة «إيران المتضامنة» عند هذه الحالات فقط، فقد قدّم فلاحٌ مسنّ من مدينة بهار في محافظة همدان مبلغ 2 مليار تومان (حوالي 30 ألف دولار) لشعب لبنان المقاوم. وفي حالة أخرى، تبرّعت سيدةٌ من تبريز بطقم مجوهرات ذهبية كامل تقدر قيمتها بمليار و750 مليون تومان (حوالي 29.5 ألف دولار)، إلى حملة «إيران المتضامنة». إن مظاهر مشاركة الشعب الإيراني في التضامن مع معاناة أهالي لبنان مذهلة، ولا تقتصر على الحالات التي ذكرناها في هذا التقرير. تعدّ حملة «إيران المتضامنة» علامة بارزة على عمق إنسانية الشعب الإيراني، واهتمامهم بقضايا المقاومة، ودعم جبهة المقاومة.
بدأ الإيرانيون، منذ صدور أمر قائد الثورة الإسلامية بمساعدة أهالي لبنان المظلومين، في التوجه بكل طاقتهم إلى العمل، وسطّروا مشاهد غير مسبوقة من التضامن بين أبناء «جغرافيا المقاومة التي لا تقيّدها الحدود». أبناء أولئك الأشخاص الذين ضحّوا في الثمانينيات بأموالهم وممتلكاتهم لدعم جبهة الحرب ضد جيش صدّام البعثي، يعيدون إحياء ذكرى ذلك الجهاد بطريقة جديدة، ليثبتوا للعالم أن إيران والإيرانيين مستعدون للتضحية بأثمن ممتلكاتهم المادية من أجل تعزيز «المقاومة» ودعم المظلومين، لأن أثمن الممتلكات المعنوية لهذه الجبهة هو جوهر «المقاومة» هذا.