بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً أبارك أيام ولادة‌ سيدة العالمين و سيدة نساء أهل الجنة الصديقة الزهراء (سلام الله عليها). هذه الجلسة و الحمد لله جلسة جدّ مهمة و قيّمة. أولاً الحضور المحترمون سيدات بارزات في مختلف قطاعات الحياة الاجتماعية و العلمية، و هنّ من النخبة الحقيقية في المجتمع، سواء منهن الأستاذات المحترمات و المميزات في شتى الميادين العلمية و التقنية و سواها، أو عوائل الشهداء المحترمة.. زوجة الشهيد المحترمة هذه و أمّ الشهداء الأربعة من النماذج على ذروة مسيرة السيدات نحو الكمال و التعالي. الحمد لله على أن هذه الجلسة‌ جلسة‌ مميزة و جيدة من كل النواحي. الأهمية‌ الأخرى لهذه الجلسة هو طابعها الرمزي. لا شك أن هناك في كل أرجاء البلاد سيدات محترمات أخريات أحرزن مراتب مميزة، و أبدين لياقات، و يعتبرن أرصدة لتقدم البلاد و مستقبلها. هذه الجلسة رمز لمجمل المسيرة العظيمة للسيدات في البلاد.
الأفكار التي طرحتها السيدات هنا اشتملت تقريباً على كافة الجوانب المتعلقة بالمرأة من الزاوية التي يجب أن ينظر منها النظام الإسلامي و الجمهورية الإسلامية‌ لهذه القضية و يتابعها. لقد أصغيتُ للكلمات بدقة، و وجدتّ أنها تضمنت جميع الأمور التي يمكن في الوقت الراهن أن تمثل عناوين البحث و التحقيق و الدراسات حول قضايا المرأة، و تكون أساساً للبرمجة في البلاد. و هذا ملفت و مريح جداً بالنسبة لي.
حسناً، لو أردنا إصدار حكم إلى هذا الحدّ من القضية فسوف يكون هذا الحكم أو التقييم أن نظام الجمهورية الإسلامية استطاع الوصول إلى قمة هي عبارة عن تربية و إعداد نسوة واعيات عالمات صاحبات أفكار و آراء و نظرات بشأن أدق قضايا المجتمع و أكثرها حساسية، و سوف أذكر هذا الجانب. قضية المرأة - و التي يجب تسميتها في العالم اليوم بأزمة المرأة - من أكثر القضايا حساسية‌ في كل حضارة و مجتمع و بلد. و قد استطعتنّ في هذا الخصوص الوصول إلى دقائق و عناوين مهمة‌ و التفكير في هذه القضية. و بالتالي فإن هذا التقييم هو أن الجمهورية الإسلامية‌ استطاعت الوصول إلى قمّة ربما لم تبلغها الكثير من بلدان العالم.
و أذكر هنا نقطة هي أن قضية المرأة و العائلة رغم كل الجهود المبذولة - التي بذلتموها أنتم أو الآخرون - لا تزال قضية مهمة و جديرة بالبحث و التوسع في التفكير. و هذا الموضوع أحد موضوعات ملتقيات الأفكار الاستراتيجية التي سنقيمها في المستقبل إن شاء الله. ملتقيات الأفكار الاستراتيجية التي أقيم منها لحد الآن ملتقيان اثنان، و التي تتولى القيام بالمهام الفكرية و من بعد ذلك إن شاء الله البرمجة و العمل، تدرس أهم القضايا الفكرية في المجتمع و أكثرها استراتيجية. و من هذه القضايا قضية المرأة‌ و العائلة التي قررت ضمن لائحة هذه القضايا، و سوف يقام لها ملتقى في المستقبل. و أنا أطلب هنا من السيدات المحترمات و المفكرات - اللواتي شاهدنا نماذج منهن هنا اليوم و الحمد لله -أن يشاركن في هذا المشروع مشاركة‌ جادة و يبحثن و يفكرن و يدرسن العناوين و الفصول المتعلقة بقضايا المرأة بنحو منفصل و تخصصي و بشكل علمي و بالاعتماد على المصادر الإسلامية و الفكر الثوري الأصيل - و هو متوفر فيكن و الحمد لله - استعداداً للملتقى الخاص بهذا الموضوع، لتطرحن أفكاركن هناك و تناقشنها، كي يُستفاد منها إن شاء الله في البرمجة و العمل.
حول قضية‌ المرأة في المجتمع تعود المشكلة في أساسها إلى أمرين. هناك نقطتان أساسيتان إذا أمكن التفكير فيهما، و إطلاق مشروع جديد لهما، و العمل لهما بنحو دؤوب و مستمر لأمكن التفاؤل بحلّ الشيء الذي يمكن اعتباره أزمة قضية المرأة في العالم على مرّ الزمن، أي على المدى المتوسط أو البعيد. و هذان الأمران أحدهما النظرة المغلوطة و السيئة لمكانة‌ المرأة و شأنها في المجتمع، و هي نظرة و سوء‌ فهم بدأ من الغرب و ليسبالقديم و المتجذر جداً. إدعى البعض أن هذه الحالة موجودة‌ في بروتوكولات المفكرين الصهاينة و يمكن تخمين أن هذا الأمر ليس بخلاف الواقع. بمعنى أننا لو نظرنا لوجدنا هذه النظرة الخاطئة و هذا الفهم المعوجّ و السيئ بخصوص منزلة المرأة‌ في المجتمع ربما ليس له من الماضي في الغرب أكثر من مائة‌ أو مائة‌ و خمسين سنة، و قد انحدر من الغرب إلى المجتمعات الأخرى بما في ذلك المجتمعات الإسلامية. هذه نقطة.
و النقطة‌ الثانية و هي أساس المشكلة تتمثل في سوء فهم قضية العائلة و سوء‌ التصرف داخل العائلة. هاتان هما المشكلتان التان يبدو لنا أنهما أوجدتا أزمة قضية المرأة، و هي مشكلة أساسية في العالم اليوم. ربما كان تعبير «أزمة المرأة» تعبيراً مثيراً للاستغراب. تطرح في الوقت الراهن أزمة المناخ، و أزمة المياه، و أزمة الطاقة، و أزمة ارتفاع درجة حرارة الأرض باعتبارها القضايا الرئيسية التي تواجه الإنسانية، لكن أياً من هذه ليست قضية أصلية للإنسانية. معظم الأمور التي تمثل المشكلات الرئيسية للبشرية تعود إلى قضايا ترتبط بمعنوية الإنسان و أخلاقه و السلوك الاجتماعي بين أفراد البشر، و منها قضية المرأة و الرجل و مكانة‌ المرأة و منزلة المرأة في المجتمع، و هي حقاً أزمة لكنهم يتكتمون عليها،و السياسات المهيمنة على العالم لا ترى من صالحها، بل ربما ترى بخلاف استراتيجياتها الأصلية، أن تطرح هذه القضية.
بخصوص القضية الأولى و هي مكانة المرأة في الحياة و المجتمع - و يمكن تسميتها بأية‌ تسمية تشاؤون - تكمن المشكلة في أنهم أوجدوا تدريجياً «لامعادلة» يقف في أحد طرفيها الجانب المنتفع و في الطرف الآخر الجانب المعرَّض للاستغلال. هكذا قسّموا البشرية. الطرف المنتفع هو الرجل و الطرف المعرض للاستغلال هو المرأة. هذه حالة تفشّت بشكل هادئ و تدريجي و بأساليب شتى و بمختلف الطرق الإعلامية و على امتداد عشرات الأعوام، و ربما يصل الأمر إلى مائة عام أو مائة‌ و خمسين عاماً، و لا أستطيع القطع في ذلك بنحو دقيق، إنما هي قضية قابلة للبحث و التحقيق.. تفشت هذه الحالة في المجتمعات الغربية أولاً ثم تسربت إلى المجتمعات الأخرى. هكذا عرّفوا المكانة الاجتماعية للمرأة: المرأة مخلوق يجب أن ينتفع منه الرجل. لذلك إذا أرادت المرأة في الثقافة‌ الغربية أن تظهر و تكتسب شخصيتها فلا بد لها أن تعرض شيئاً من جاذبياتها الجنسية. حتى في المجالس و المحافل الرسمية يجب أن تكون ثياب المرأة بشكل جذاب للطرف المنتفع أي الرجل.
إن هذا في رأيي يمثل أشد ضربة و أكبر إهانة و أعظم غمط للحقوقٍ حصل في مجال قضية المرأة. أن تتكون في البيئة الاجتماعية ثقافة‌ يجري فيها الانتفاع من المرأة‌ لصالح طرف آخر منتفع. هذا ما هو موجود اليوم للأسف في الثقافة الغربية. و قد قلدهم الآخرون و سعوا في هذا السبيل و تفشت هذه الحالة في العالم. و إذا نادى مناد بخلاف هذا فسوف يثيرون الضجيج ضده. مثلاً إذا أدينت في مجتمع من المجتمعات حالة‌ تبرج النساء و إبدائهن زينتهن في الأماكن العامة فسوف يثار الضجيج ضد هذا النداء. و إذا حصل العكس - أي إذا جرى الترويج لتعرّي النساء‌ في مجتمع من المجتمعات - فسوف لن يثار أي ضجيج ضد ذلك في العالم. أما حينما ينادي مناد بحشمة المرأة و عدم تبرجها و عدم إبدائها زينتها في المجتمع تستيقظ الأجهزة الإعلامية المهيمنة‌ في العالم و تثير الضجيج. هذا دليل على وجود ثقافة و سياسة‌ و استراتيجية تتابع منذ سنوات عديدة،و أساسها تكريس هذا الموقع و هذه المكانة و هذا الشأن المغلوط و المُهين للمرأة، و للأسف فإنهم فعلوا ذلك.
لذلك تلاحظون أنهم راحوا يعارضون الحجاب في الغرب بصورة علنية. و العنوان الذي يذكرونه لهذه المعارضة هو قولهم إن الحجاب رمز لحركة دينية، و نحن لا نريد في مجتمعاتنا - و هي مجتمعات علمانية - طرح الرموز الدينية. و أعتقد أن هذه كذبة، و القضية ليست قضية دين و غير دين، إنما القضية هي أن السياسة الاستراتيجية الأساسية الجذرية للغرب قائمة على استعراض المرأة‌ و ابتذالها و على معارضة الحجاب. حتى لو لم يكن الحجاب ناتجاً عن دوافع إيمانية و دينية فإنهم يعارضونه. هذه هي المشكلة‌ الأساسية.
و لهذه الحالة‌ تبعاتها و لوازمها المؤلمة جداً في المجتمعات البشرية. و منها حالة تضعضع أسس العائلة حسب التقارير التي أشارت إحدى السيدات المحترمات إلى نموذج منها، و حالة المتاجرة بالمرأة المؤسفة الباعثة على البكاء. في العالم اليوم و حسب الإحصائيات المعلنة - و أحسب أن هذا التقرير هو من تقارير الأمم المتحدة، فهو تقرير لمركز رسمي -فإن أسرع أنواع التجارة‌ تنامياً في العالم هي المتاجرة بالنساء و تهريب النساء. و أسوء البلدان في هذا المجال هي عدة بلدان منها الكيان الصهيوني. يجمعون النساء و الفتيات بذريعة العمل و الزواج و ما إلى ذلك من البلدان الفقيرة و من أمريكا اللاتينية‌ و من بعض البلدان الآسيوية و من بعض البلدان الفقيرة في أوربا و يأخذونهن و يسلمونهن في ظروف جد عصيبة إلى مراكز ترتعد فرائص الإنسان لتصوّرها و ذكر أسمائها. كل هذا قائم على نظرة خاطئة‌ و على لامعادلة ظالمة بخصوص مكانة المرأة في المجتمع. ظاهرة الأطفال غير الشرعيين - و أعلى رقم للأطفال غير الشرعيين هو في أمريكا - و ظاهرة الحيوات المشتركة من دون زواج، و هي في الحقيقة تدمير للعائلة و أجوائها الصميمية و بركاتها و حرمان البشر من هذه البركات و الخيرات. هذه كلها ناجمة‌ عن المشكلة الأولى. و يجب التفكير بحل لهذه المشكلة. يجب تعريف مكانة المرأة و الوقوف بكل جدّ بوجه المنطق الغربي الشقي.
قلت ذات مرة إنهم سألوني: ما هو دفاعكم حيال ما يقوله الغربيون بخصوص قضايا المرأة‌ في البلاد؟ فقلت لهم:‌ لا دفاع لنا، إنما لنا هجومنا! إننا في ما يتعلق بقضايا المرأة ندين الغرب و نداعيه، فالغربيون هم الذين يظلمون المرأة و يهينونها و يهبطون بمنزلتها باسم الحرية و العمل و منحها المسؤوليات.. يضغطون عليها نفسياً و عاطفياً و يهينون شخصيتها و مكانتها. هم الذين يجب أن يجيبوا. و الجمهورية الإسلامية‌ لها مسؤوليتها في هذا الخصوص. على الجمهورية الإسلامية في ما يتعلق بقضية المرأة أن تطرح آراءها بصراحة‌ و من دون أية مجاملة و هي آراء‌ في معظمها اعتراض على النظرة الغربية و اللامعادلة الغربية الظالمة. وفق هذه الرؤية تكتسب قضية الحجاب و قضية نوع العلاقة بين المرأة‌ و الرجل معناها. هذه مسألة.
المسألة الأخرى - و هي المشكلة الثانية في قضية المرأة - هي مسألة العائلة. نظرة الإسلام للعائلة و مكانة المرأة في العائلة نظرة جلية جداً. «المرأة‌ سيدة بيتها» (1). إنها كبيرة‌ البيت و ربّته. هذا عن الرسول الأكرم (ص). مكانة المرأة في العائلة هي ما ورد في أقوال متعددة للأئمة الأطهار (عليهم السلام): «المرأة ريحانة و ليست بقهرمانة» (2). و القهرمان في اللغة العربية هو العامل و المساعد و الخادم المحترم. يقول إن المرأة في البيت ليست بقهرمانة بل هي ريحانة أي زهرة البيت. و يخاطب الرجال قائلاً: خيركم خيركم معاملة لنسائهم. هذه هي آراء الإسلام، و هناك أحاديث من هذا القبيل إلى ما شاء الله. و مع ذلك فإن تحقق ما يريده الإسلام في العائلة أمر لا ينتهي و يحلّ عند هذه الأقوال و الأحاديث، إنما يحتاج إلى دعامة قانونية و سند تنفيذي و ضمانة تنفذية، و هذا ما يجب أن يحصل. و لم يحصل طوال الأعوام الماضية. العوائل المتدينة و الرجال الذين يتمتعون بأخلاق حسنة و الملتزمون بالشرع كانوا يلاحظون هذه الأمور، و لكن في الحالات التي لم تتوفر فيها هذه الخصوصيات و لم تجر ملاحظة هذه الأمور جرى ظلم المرأة داخل العائلة.
و لا نعتقد أن الغربيين متقدمون علينا في هذا المجال، أبداً. لدي الكثير من الإحصائيات، و قد ذكرت هذه السيدة المحترمة إحصائيات تشير إلى أن الوضع الداخلي للعوائل الغربية من حيث الظلم الذي تتعرض له المرأة و عدم مراعاة حقوقها أسوء يقيناً من الوضع في العوائل الإسلامية و الإيرانية و الشرقية، و ليس بأفضل منه إن لم يكن أسوء منه. و هو في بعض الأحيان أسوء‌ منه بالتأكيد. نحن لا ننظر إلى أولئك و هم ليسوا نموذجنا. لدينا في البيئات العائلية الكثير من النواقص تحتاج إلى دعامات قانونية و ضمانات قانونية و ضمانات تنفيذية و هذا ما يجب أن يتحقق. هذه المسألة من جملة المجالات و الميادين التي قلما جرى العمل لها داخل البلاد و ينبغي أن تزداد الأعمال فيها.
و لا يوجد أي نقص من حيث النظرة الإسلامية‌ و النصوص الإسلامية في هذا المجال. نرى الذين ينتقدون الأفكار الإسلامية يشكلون أحياناً على قضايا الميراث و الديات و ما إلى ذلك، و الحال أن إشكالاتهم غير واردة، و توجد لها إجابات قوية و منطقية. أما بخصوص السلوك داخل العائلة فهناك حالات غفلة للأسف، و الحال أن نظرة‌ الإسلام واضحة جداً. البيئة العائلية يجب أن تكون آمنة‌ تماماً للمرأة و توفر لها العزة‌ و الهدوء و الطمأنينة لتستطيع المرأة النهوض بواجباتها الأساسية - و هي الحفاظ على العائلة و صيانتها - على أفضل وجه.
هناك الكثير من البحوث و النقاشات حول نظرة الإسلام للمرأة، و قد ذكرنا هذه الأمور مراراً. و قد قلتُ كراراً إن المرأة في القرآن الكريم هي نموذج الإنسان المؤمن المرضي من قبل الله، و كذلك نموذج الإنسان الكافر والمرفوض من قبل الله. و هذا شيء ملفت للنظر. حينما يريد القرآن أن يذكر نموذجاً للإنسان الصالح و الإنسان الطالح يختار المرأة لهاتين الفئتين: «ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح و امرأة لوط» (3). يذكر القرآن هاتين المرأتين كمثل أي كنموذج و رمز للنساء السيئات.. زوجة نوح و زوجة لوط. و في المقابل: «و ضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون» (4). يذكر كنموذج للمرأة الصالحة المؤمنة الأفضل شخصيتين إحداهما زوجة فرعون و الثانية السيدة مريم: «و مريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها» (5). و اللافت هو أن صلاح و سوء‌ كل هاته النساء الأربع يعود إلى البيئة العائلية. يقول حول تلكم المرأتين الطالحتين «امرأة نوح و امرأة لوط»: «كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما» (6). خانت هاتان المرأتان زوجيهما و هما نبيّان كبيران رفيعا المنزلة. القضية قضية العائلة. و موضوع المرأتين الصالحتين أيضاً يتعلق بالعائلة، الأولى زوجة فرعون و أهميتها و شأنها في تربيتها لرسول من أولي العزم هو موسى كليم الله و إيمانها به و مساعدتها له، لذلك انتقم منها فرعون. القضية قضية عائلية داخلية بما لها من مديات واسعة في التأثير، حيث قامت بتربية النبي موسى. و كذا الحال بالنسبة للسيدة مريم: «التي أحصنت فرجها»، أي صانت عرضها و حافظت على عفافها. و هذا دليل على أن في البيئة الحياتية التي عاشت فيها السيدة مريم (سلام الله عليها) كانت هناك عوامل يمكن أن تعتبر خطيرة على عفاف و عرضالمرأة العفيفة، لكن السيدة مريم كافحت ضدها. و بالتالي فإن كل الحالات تختص بهذه الجوانب التي ذكرت، أي جوانب العائلة و منزلة المرأة في المجتمع. و عليه فالمسألة مسألة مهمة.
طبعاً حققنا في الجمهورية الإسلامية تقدماً. نظرتي نظرة متفائلة. لقد شهدنا ما قبل الثورة عن كثب. الوضع الذي كانت بلادنا و مجتمعنا و نساؤنا تسرع إليه كان وضعاً مهولاً و خطيراً جداً. و بسبب الطابع التقليدي و الاستعاري للوضع هنا كان ظاهر النساء هنا أحياناً أسوء مما شاهدناه أو قرأناه في الصور و الأحاديث و التقارير عن المرأة الأوربية! كانوا يروجون لمثل هذا الوضع. طبعاً استطاعت المرأة‌ الإيرانية‌ بما لها من جوهر إيماني في صميم ذاتها التغلب على هذه الموجة المخرّبة و أن يكون لها إسهامها الأساسي في الثورة، سواء بمشاركتها المباشرة أو بتشجيعها الرجال لتكون بالتالي من الأركان الأساسية لانتصار الثورة. و بعد الثورة كان تحرك النساء تحركاً ممتازاً.
من الضروري أن أقول إن زوجات المجاهدين في سبيل الحق و المناضلين و القادة و أمهاتهم هنّ حقاً آيات في الصبر و المقاومة. حينما يقرأ المرء سيرهن و ما تحمّلنه من آلام و مرارات - طبعاً السيدات زوجات المجاهدين قبل الثورة تحمّلن صعوبات معينة لكن النماذج المتكاملة كانت في فترة الدفاع المقدس -يشعر بما تجرعته هؤلاء الزوجات و الأمهات. بعثن أبناءهن للجبهات و استشهد الكثير منهم أو تعوقوا و بقيت أسوات الصبر و المقاومة هذه شامخات كالجبال. هذا على صعيد الأمور المعنوية و الإنسانية. و على صعيد الشؤون السياسية و في ميدان القضايا العلمية حقق البلد و الحمد الله تقدماً ممتازاً. كل هؤلاء النسوة العالمات و الأستاذات في مختلف الفروع العلمية و في العلوم الحوزوية و العلوم الجامعية - و نموذج منهن أنتن الحاضرات المحترمات هنا - كلهن دلائل على نجاح الجمهورية الإسلامية. هذه هي نظرتي. و هي نظرة تجعل القلب متفائلاً بالمستقبل. إذا سرنا بهذا الاتجاه و بهذه السرعة إن شاء الله سنستطيع بالتأكيد التغلب على الثقافة الغربية الخاطئة الشائعة في العالم. ينبغي الجدّ و العمل و السعي و المتابعة. النظرة نظرة متفائلة، بيد أن هذه النظرة المتفائلة يجب أن لا تمنعنا من مشاهدة نقاط الضعف. لقد تقدمنا بعض الدرجات و لكن ربما كان بالإمكان التقدم عشرات الأضعاف. ما جعلنا لا نتقدم بتلك الدرجات هو هذه المواطن من الضعف و المشكلات الموجودة التي أشرتم إلى بعضها، و ثمة مشكلات أخرى يجب أن تعالج و ترتفع.
ما أروم ذكره في ختام كلامي هو أن المهمة الأصلية الأكبر مهمة ينبغي للسيدات أنفسهن أن ينهضن بها. أنتن اللواتي تستطعن أن تفكرن و تتعمقن و تدرسن و تعالجن المشكلات على المستوى النظري و الفكري و تقدمن الحلول التنفيذية على المستوى العملي. و هذا ما سوف يسهل الأعمال و يقرّب نتائجها كثيراً. قدمت السيدات المحترمات في هذا الاجتماع بعض المقترحات، و بعض هذه المقترحات عملية و ممكنة تماماً و سهلة و يمكن تنفيذها و المبادرة إليها، و بعضها يمكن التمهيد لها.
على كل حال أتمنى أن يكون مجتمعنا النسوي إن شاء الله من أكثر المجتمعات توفيقاً و نجاحاً، و أن تستطيع فتياتنا الشابات أن يقطعن خطوات أوسع على هذه الصعد التي تمهدونها، و أن نقترب يوماً بعد يوم إن شاء من الأهداف الإسلامية العليا. و سوف تترك هذه الجلسة إن شاء الله بركاتها في هذا المجال.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - نهج الفصاحة، ص 614 .
2 - نهج البلاغة، الكتاب رقم 31 .
3 - سورة التحريم، الآية 10 .
4 - سورة التحريم، الآية 11 .
5 - سورة التحريم، الآية 12 .
6 - سورة التحريم، الآية 10 .