بسم‌ الله ‌الرّحمن‌ الرّحيم‌
الحمد لله ربّ العالمين و الصّلاة و السّلام على سيّدنا محمّد و آله الطّاهرين‌ سيّما بقيّة الله في الأرضين‌.
نحمد الله تعالى على ما وفّقنا إليه من حضور هذا اللقاء البهي الرائع.. أرجو من الإخوة و الأخوات الواقفين في أطراف الساحة، أن يجسلوا ليتسنى لنا البحث.
يصادف هذا اليوم مع الأوّل من شهر محرّم. و هناك تناسب بين هوية و حقيقة قوات التعبئة و بين هوية محرّم و عاشوراء. إنها لمفخرة بالنسبة لقوات التعبئة أن تسير على خُطی مدرسة عاشوراء. إن عاشوراء يمثل طبعاً ذروة الفداء و الإيثار. و كل التاريخ، و العالم كله عرف قضية عاشوراء و الحسين بن علي (علیه السلام) و أصحابه الأوفياء، بهذه الخصوصية. إن الفداء هو الإيثار في سبيل الله، و على طريق تحقيق الأهداف الإلهية. غير أن قضية عاشوراء لا تتلخص بهذا الجانب وحده، بل إن أبرز و أجلى سِمة في عاشوراء هي التضحية و الشهادة. و لكن هناك في قضية عاشوراء حقائق أُخرى. فمنذ بداية الحركة من المدينة غرست بذور المعرفة ـ هذه واحدة من خصائص واقعة عاشوراء ـ غُرست بذور البصيرة. فإن كان هناك شعب لا بصيرة له أو أمة لا بصيرة لها، فإنّ الحقائق المختلفة لن تُصلح أمرها، و لا تحلّ عقدة من عقد معضلاتها. و في ضوء ذلك يتبيّن أن السمات المهمة لعاشوراء هي الإخلاص، و معرفة الظروف، و غرس بذور حركة تاريخية متصاعدة. هذه الواقعة لم تنته عند ظهر يوم عاشوراء، بل في الواقع إن مساراً في التاريخ بدأ منذ ظهيرة يوم عاشوراء، و ما برح في ازدياد و اتّساع. و هكذا سيكون الحال من بعد هذا. لقد جاء الإمام الحسين (علیه السلام) بكل ما عنده من أجل إعلاء كلمة الحق و في سبيل نجاة الخلق. هذه بعض الخصوصيات التي يستطيع المرء مشاهدتها و بيانها بشكل عام في واقعة عاشوراء.
إن قوات التعبئة على النهج ذاته، و هذه الحركة ذاتها، و ذات الأهداف، و الأدوات و الوسائل ذاتها. و قوات التعبئة حشد مضحٍ من الناس و إلى الناس، و تشكيل لثلّة ضمن حركة هائلة لشعب مجاهد. إن الحضور في حياض الدفاع، و في ميادين العلم، و في حقول الفن، و في سوح البناء، و في حقل السياسة، و في مجال الثقافة، و الحضور في ميادين تقديم العون للمستضعفين، و مساعدة البائسين، و في الإنتاج، و في التقنية، و في مجال النهوض بمختلف مناحي الحياة في البلاد، و في حقل الرياضة، و في مجالات التألّق على الصعيد الدولي، و في كل عمل خيري، هناك هذه الحركة التعبوية، و هذه الحركة الشعبية، لأجل الناس، و في قلوب الناس، و من بين الناس، و من مختلف الشرائح، نساءً، و رجالاً، و شباباً، و شيوخاً، و يافعين، و من شتّى الطبقات، و هو ما يعني تشكيل مجموعة واقعية من حزب الله.
إن قوات التعبئة تشكيل سياسي، و لكنها غير مسيّسة، و لا طبيعتها السياسة، و لیست جهوية أو فئویة. إن الفرد التعبوي مجاهد و لكنه غير خارج عن الانضباط، و لا متطرّف. و هو متديّن و متعبّد بعمق و لكنه غير متحجّر، و لا منساق وراء الخرافات. و هو ذو بصيرة، بيده أنه ليس مغروراً، و هو من أهل الجذب ـ قلنا الجذب كحد أقصى ـ و لكنه ليس من ذوي التسامح في المبادئ. إن الفرد التعبوي غيور يذود عن حمى الخطوط الفاصلة؛ و هو من مناصري العلم و لكنه ليس منقاداً له. و هو متخلّق بأخلاق الإسلام، و لكنه ليس مرائياً، و يعمل لإعمار الدنيا غير أنه ليس من عبيدها. هذه هي ثقافة التعبوي.
الثقافة التعبوية تعني تلك المجموعة من المعارف و الأساليب و الأنماط التي تستطيع إيجاد مكوّنات عظمى في صفوف ذلك الشعب بحيث تضمن له حركة إسلامية قويمة و ثابتة. هذا نوع من التفكير، و هو ليس ذهنياً و إنّما له وجود عيني في الواقع الخارجي. الحركة التعبوية غيّرت و رسمت مصير إيران، بل حتى ما وراء إيران. فمنذ اليوم الأوّل انطلق تعبويّو إمامنا الخميني في شتّى ميادين الثورة إلى أن انتصرت، و من بعد الثورة قاموا بعمل أصبح عملاً مخلّداً، و غدا مثالاً، و غدا تذكاراً للشعب الإيراني في ميدان التاريخ. إن شبّان نيويورك و كاليفورنيا يكررون اليوم ذات الشعارات التي هتف بها الشعب المصري و الشعب التونسي، و يستلهمون منهم. ثم إن شباب مصر و تونس استلهموا من حزب الله و حماس و الجهاد الإسلامي و تعلموا منهم و لم يكتموا ذلك. و كان المعلم الأوّل في العصر الجديد هو تعبويّ إمامنا الكبير، حيث تعلّم الجميع من تعبويّ الإمام، و من معاقي هذه الثورة و من جنودها و فدائيّيها، تعلّموا كيف يمكن تحطيم أسطورة القوّة المادية، و كيف يمكن تحطيم الأصنام بإسم الله، و كيف يمكن الصمود، و كيف تكون المقاومة.
هذه حقائق نتعرّف عليها اليوم من خلال وجود التعبئة، و عينية التعبئة، و حركة التعبئة، و أهداف التعبئة. لقد استطاعت ثورتنا الإسلامية و شعبنا الثوري بمثل هذه الثقافة؛ و بمثل هذه التعاليم، و بمثل هذه الروح أن تجعل الكثير من الأمور المتعذرة ممكنة، و أن تحققها على أرض الواقع. و سوف تستمر هذه الحركة. و عداء الأعداء غير قادر على التأثير فيها. إن العدو يمارس عداءه طبعاً ـ و هذا مما لا ينبغي الشك فيه، بل و لا يرتجى من العدو موقف آخر سوى هذا ـ غير أننا حينما ننظر إلى الحركة العظيمة للشعب الإيراني و وثبته العارمة منذ بداية الثورة، نلاحظ أنها تسير على خط معيّن. الشعب الإيراني يسير إلى الأمام، و يتّجه نحو العُلا، و يتغلّب على التحدّيات المختلفة التي يواجهها في شتّى الميادين، و الأعداء يتراجعون في هذه المنازلة و يقدّمون التنازلات، و لا مناص لهم من ذلك. إن مصير الشعب الإيراني في حركته هذه هو النصر المحتّم.
اليوم تُشاهد في كل المنطقة الإسلامية و المنطقة العربية حركات إسلامية، و إرهاصات إسلامية. و هذا هو ما كان يتوقّعه منذ ثلاثين سنة كل من كان عارفاً بحقيقة الثورة، و كان أعداء الثورة منذ ثلاثين سنة يرتعدون من تصور مثل هذا الشيء، و كانت تراودهم خشية و رهبة الأحداث التي تجري اليوم. إذ كان أصحاب المخططات التآمرية ضد الجمهورية الإسلامية يتوقعون أن مثل هذه الأحداث سوف تقع، و قد وقعت و سوف تتواصل و لن تتوقّف.
الشعوب الإسلامية في المنطقة العربية رفعت رأسها اليوم، و استيقظت و وعت. و لا يستطيع الأعداء قمعها و لا يستطيعون حرف مسيرتها. فالحركة قد انطلقت و جعلت العالم تحت تأثيرها. و هذه الحركات التي تشاهدونها اليوم في العالم العربي، في أمريكا و في أوربا مؤشّرات على تغييرات عظمى سيشهدها العالم مستقبلاً.
نحن لا نعجب من رد فعل العدو. و لا نعجب من التهديدات التي يطلقها، و لا من الحصار الذي يفرضه علينا، و لا مما تقوم به الدول الاستكبارية في مواجهتها لنظام الجمهورية الإسلامية في هذا الدور. فهم يعلمون أن بؤرة انطلاق هذه الحركة هي الجمهورية الإسلامية، و أن صمود الشعب الإيراني هو الذي أجّج في المنطقة نزعة الشعور بالقدرة على الوقوف ضد الاستكبار. إن الاستكبار يحقّق تقدّمه على الدوام عن طريق بثّ الرعب؛ إرعاب الشعوب، و إرعاب زعماء الدول. فإذا كُسِر حاجز الرعب هذا، و أدركت الشعوب أن هذه الهيمنة صورية و زائفة و لا حقيقة لها و لا واقع، فسينتزع هذا السلاح من يد الاستكبار. و هذا هو ما حصل اليوم. و لذلك فهم حانقون و غاضبون، و يمارسون الضغوط ضد الجمهورية الإسلامية.
إن اتهامهم للجمهورية الإسلامية في أنها هي التي أطلقت هذه الحركات إتهام مغلوط طبعاً، و هذه التهمة زائفة و لا صحة لها، و لا حاجة إلى مثل هذا العمل. إن النظام الإسلامي ببقائه و ثباته، و بصدقه على هذا الطريق ـ حيث أثبت الشعب الإيراني أنه صادق على هذا الطريق ـ كان مدعاة لاستلهام تجربته. و هذا الإلهام موجود. فاستيقظت الشعوب و شقّت طريقها. و أما العدو فيواصل ممارسته العدائية. و من الطبيعي أن هذا العداء يخلق تحدّيات. و قد اعتاد الشعب الإيراني على مواجهة هذه التحدّيات. و سنتغلّب بعون الله على جميع التحدّيات التي يثيرها العدو، و سننتصر، و قد يسّر الله العلي القدير هذا النصر للشعب الإيراني ثم في النهاية للأمة الإسلامية، و إقامة حقائق الإسلام النيّرة.
عسى أن يمن الله تعالى على شعبنا العزيز، و على شبابنا الأعزاء من قوات التعبئة، و على جميع شباب هذا البلد، و على جميع مسؤوليه بتوفيق الاستمرار على هذا الطريق. و ليعلم الجميع أنهم كلّهم مسؤولون في هذه المجالات؛ مسؤولوا البلاد و الشرائح المختلفة. إن الشعب حاضر في الساحة. و الشعب على أهبة الاستعداد في جميع القضايا. و على المسؤولين أن يعرفوا قدر هذا الشعب و هذا الاستعداد، ليقوموا بالواجبات الملقاة على عاتقهم، في السلطات الثلاث، على أحسن وجه، و أن يسير الشعب قُدُماً بانسجام.
هذه الحركات الإسلامية التي تنطلق في شتّى بقاع العالم الإسلامي حركات خالدة و باقية من غير شك، و حركات وثّابة، ها هي الشعوب تصحو الواحد تلو الآخر. و ها هم عملاء الاستكبار يتهاوون الواحد تلو الآخر، و يُزاحون من الساحة تباعاً. و ستتعاظم قوّة الإسلام و شوكة الإسلام يوماً بعد يوم إن شاء الله.
اللهم اجعلنا أهلاً لهذه النِعم الكبرى، اللهم و اجعلنا من الشاكرين لها. اللهم نوّر قلوبنا بنور معرفتك و محبّتك، و معرفة و محبّة أوليائك. اللهم اجعلنا ممن تشملهم أدعیة إمام العصر و الزمان (أرواحنا فداه).
و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته.