بسم الله الرحمن الرحيم (1)

مرحباً بكم كثيراً أيها الأعزاء الشباب الأبطال. أنا مسرور للقائكم. لو استطيع فأنا راغب للقاء كل واحد منكم عن قرب و تقديم الشكر له، لكن عددكم ما شاء الله كبير، و هذا غير ممكن. أسأل الله تعالى أن يشملكم جميعاً أيها الإخوة و الأخوات و مدرّبيكم و مدرائكم بلطفه و هدايته.
بعد أن يحرز شبابنا فوزاً في أية مباريات أو مجال أتقدم لهم بالشكر على نحو خاص، لأن فوزكم و بطولتكم يبعثان في الشعب الشعور بالفخر و الاعتزاز، و هذا شيء مهم بالنسبة لشعب من الشعوب. حاول أعداء الشعوب دوماً أن يهينوا الشعوب. و ليست الإهانة مجرد أن يسيئوا لهم القول أو يشتموهم، بل أكبر إهانة هي أن يبثوا في قلوبهم الشعور بالمهانة و الدونية. عندما يغفل الشعب عن امتيازاته و قيمه و ما يجعله شعباً مبرزاً، و حينما يرى نفسه صغيراً و حقيراً فإنه لن يصل إلى أية محطة، و سوف يتسلط عليه أي إنسان تافه. على الشعوب أن تعرف مفاخرها و أمجادها. و ترون أن الشعوب التي ليس لها تاريخ مشرق و ماض ذو بال يصطنعون لأنفسهم الماضي و التاريخ و يختلقون الشخصيات لأنفسهم في الأفلام السينمائية و ما إلى ذلك. و شعب مثل شعبنا بذلك التاريخ المشرق و بتلك القمم الشامخة على مرّ التاريخ في ميادين التحضر و الثقافة و العلم و الإنسانية حاولوا أن يبثوا في قلوب أبنائه و على مدى سنين طويلة الشعور بالحقارة. و أنتم تسمعون و ترون ما يقال و كيف يجري تجاهل المفاخر الوطنية. أن يشعر الشعب بالفخر فهذا بحدّ ذاته خطوة نحو الأمجاد و المفاخر الكبرى. إنني استمتع حين أرى شبابنا يفوزون في المجالات الرياضية و يهدون فوزهم هذا لشعبهم، فهم يرضون شعبهم بألسنتهم و أعمالهم، و يشيعون في قلوب أبناء شعبه الشعور بالفخر. هذه نعمة كبيرة بالنسبة لي، لذلك أبعث النداءات و أقدم التشكرات. و ما أقوله قليل و صغير جداً بالقياس إلى ما أشعر به. و عليه فنحن نتقدم لكم بالشكر.
ثمة نقطة مهمة هي أنكم حين ترتقون منصّة البطولة فستكونون على أي حال محط أنظار مئات الملايين من البشر في العالم، و طبعكم و أسلوبكم سيشي بشعبكم و يعرّف ثقافتكم و يعرّف شخصيتكم الوطنية. و من المهم جداً كيف تتصرفون. تلك السيدة الشابة التي ترتقي منصّة البطولة بشادرها تشير إلى أنها مقاومة أمام الهجمات المرئية و غير المرئية التي تشنّ ضد مثل هذا العمل في العالم من قبل المراكز المعادية للثقافة و المناهضة للدين و المضادة للاحتشام و الطهر. هذه السيدة تبرز عن نفسها شخصية معينة، أي إنها في الواقع تعرّف شعبها. و ذلك الشاب الذي يسجد سجدة الشكر بعد فوزه، أو يهتف بأسماء عظماء الدين، أو يرتدي ثياباً عليها اسم فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) أو اسم أبي الفضل العباس (عليه السلام) إنما يعرّف شعبه و معنويات شعبه، و يعرض مقاومة شعبه و استقامته إلى جانب تعريفه معنوية هذا الشعب.
تنصب كل مساعي الأجهزة الإعلامية الدولية و العالمية اليوم على نبذ المعنوية و استبعاد الدين و رفض العفة و الاحتشام و صيانة النفس. هذه من البرامج الحتمية للصهيونية في كل أنحاء العالم و هم يتقدمون في هذا المسار و يسيئون الأداء يوماً بعد آخر. انظروا للأفلام و القصص و ما إلى ذلك، و قارنوا أزياء النساء الغربيات قبل خمسين سنة أو مائة سنة بما هي عليه اليوم. قارنوا الأخلاق الجنسية للغربيين و الأوربيين قبل خمسين سنة و مائة سنة بما هي عليه اليوم، و لاحظوا كم هو الفرق و الاختلاف. لقد وصل أمر الانحطاط الأخلاقي إلى درجة لو أعلنتم معها أنكم ترفضون المثلية الجنسية فسيهاجموكم! شيء عجيب جداً. يتفاخرون بالتعرّي و عدم العفاف، و يفخرون بعدم مراعاة الأخلاق الجنسية، و هذا ما ورد في رواياتنا من أن المعروف يغدو منكراً و المنكر يصبح معروفاً. هذا ما تحقق و وقع اليوم في العالم الغربي. و الامبراطورية الإخبارية و الإعلامية - التي صار حجمها في الوقت الحاضر أضخم بآلاف الأضعاف مما كانت عليه قبل خمسة عشر عاماً و عشرين عاماً، بما لها من شبكات اجتماعية و بهذه الأساليب الأنترنتية و ما إلى ذلك - تعمل بكل قدراتها و بما لها من إمكانيات هائلة لإشاعة مناهضة المعنوية و معاداة الأخلاق، و إذا بالشاب الإيراني في مثل هذه الأجواء يبرز مظاهر المعنوية، فما معنى ذلك؟ معنى ذلك أن هذا القلب و هذه الروح و هذه الروحية قادرة على الصمود مقابل هذه الموجة الهائلة من الانحراف. هذا ما يعرفكم و يعبر عنكم. صحيح أنكم تعانون الصعاب في ساحات الرياضة إلى أن تحرزوا البطولة - سواء على اسفنج المصارعة، أو في رفع الأثقال، أو في الألعاب الجماعية و ما شابه - و تصبرون على المشاق و تضغطون على أنفسكم و تبدون الصبر و الاستقامة، بيد أن استقامتكم المعنوية هذه ليست بأقل من استقامتكم الجسمانية تلك في أنظار ذوي البصائر في العالم، بل هي أكبر في بعض الأحيان، و تدلّ على أن هذا الشعب شعب قادر على المقاومة و الصمود أمام الضغوط الإعلامية للأجهزة المخرّبة المضرة.
في عالم يرتاحون فيه للمرأة بتلك الصورة و يفخرون بذلك - قبل أربعة أو خمسة أو ستة أعوام من الآن شاهدت مجلة أمريكية تذكر أن مطعماً يستخدم نساء شابات يعملن هناك عرايا أو أنصاف عرايا، و صاحب المطعم يفخر بذلك، و قد نشر في المجلة صورته و صورة مطعمه و تلك الفتيات - في مثل هذا العالم يروّج للعري المنحرف و الخاطئ و المضرّ و القاتل، تأتي المرأة الإيرانية الشابة و تقف هناك، أو الشاب الإيراني الذي لا يصافح السيدة التي تريد تعليق الميدالية على رقبته، هذه أمور لها قيمة كبيرة. إننا لا نروم الترويج عن عصبية دينية لشخص يقوم بعمل جيد، إنما هذه علامة استقامة و صمود و مؤشر المعدن الصلب لشعب إيران. هذه هي الأمور التي تمنح القيمة لشعب من الشعوب. اعرفوا قدر هذه الأمور، و أشيعوها ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً. المعنويات في الرياضة تساعد الرياضة نفسها، و تساعد السمعة الوطنية أيضاً. و الحمد لله على أن شبابنا شباب متدينون.
كما ينبغي اجتناب المخالفات القانونية بشدة، سواء المخالفات الدولية أو المخالفات القانونية المتعلقة بداخل البلاد. لا يكن معنى محورية الأبطال في الرياضة تجاهل كل المخالفات التي تحصل، لا، المخالفة مخالفة، من أعلى المستويات إلى أدناها، و سواء صدرت عن المسؤولين أو غير المسؤولين، و عن النخبة أو غير النخبة، و عن الأبطال العلميين أو أبطال الرياضة أو أبطال الصناعة أو الأبطال السياسيين، أيّ منهم عندما يرتكب مخالفة فيجب التعامل معه كمرتكب مخالفة. ليس من الصلاح أبداً التساهل و التقاعس في قضايا الرياضة.
طيّب نتقدم بالشكر لكم، و خصوصاً في ما يتعلق بهذه المسابقات الآسيوية - سواء مسابقات المعاقين الأعزاء أو المسابقات الأخرى - التي أقيمت، و عدتم منها و الحمد لله بوفير من الزاد. و كنت أتابع المسابقات و أشاهدها. إنني لستُ من الذين يشاهدون التقارير التلفزيونية بكثرة، أي إنني لا أمتلك الوقت لذلك، و لكن عندما تطرح الأخبار و تذاع أشاهد بشوق و رغبة، و أشكر الله على أنكم عدتم و الحمد لله ناجحين فائزين. و اشكروا الله أنتم أيضاً، اشكروا الله. عندما تحرزون فخراً و فوزاً فإنه من الله «وَ ما بِكم مِن نِعمَةٍ فَمِنَ الله» (۲). القدرات الجسمانية التي تمتلكونها هي من عند الله و الله هو الذي منحكم إياها، و قدرة الإرادة و التصميم التي تحتل المرتبة الأولى في الرياضة و البطولة هي أيضاً مما منحكم الله. الله هو الذي منحكم القدرة على التصميم و اتخاذ القرارات هذه. و هذا الفوز أيضاً مما منحكم الله، فاشكروا الله تعالى. و شكر الله له لوازمه.
طيّب، أنتم الشباب الذين تحرزون الفوز في الميادين الرياضية بشكل أو بآخر تكسبون شعبية و مودة بين الناس. و للشعبية لوازمها و لها بالتالي متاعبها التي يجب الصبر عليها و تحملها.
أولاً عندما تكسبون الشعبية حاولوا أن لا تكون هذه الشعبية في الأرض فقط. نقرأ في زيارة أمين الله: « مَحبوبَةً في اَرضِك وَ سَمائِك» (3). هذه الشعبية و المحبوبية جيدة، فكونوا محبوبين في الأرض و في السماء أيضاً. ليكن ملائكة الله في الملأ الأعلى من محبيكم أيضاً. و لتحبكم أيضاً أرواح الأولياء الطيبة.
ثانياً عندما تصبحون محبوبين بين شباب البلاد فإنهم سينظرون لكم و يتعلمون منكم و تكونون بذلك نموذجاً لهم. أية خطوة أو فعل جيد منكم يستتبع أحياناً ملايين الأفعال الحسنة بين الشباب، لاحظوا كم له قيمة هذا الفعل. عمل صالح تفعلونه و خلق حسن يصدر عنكم و سلوك جيد و كلام طيب و نية حسنة تظهر عنكم - و لأنكم نموذج يقتدى - ستنتشر و تتوالد بالملايين. هذا شيء له قيمة كبيرة، و من شأنه ترويج الخير في المجتمع. الأمر بالمعروف يعني أن نفعل ما من شأنه انتشار شيء حسن، و أنتم بفعلكم هذا تقومون بالأمر بالمعروف عملياً. و كذا الحال إذا حصل العكس لا سمح الله. إذا قام هذا النموذج في موضع ما و في قطاع ما و في تصرف ما بفعل غير متطابق مع الأخلاق و الورع و العفاف فسيكون هذا أيضاً نموذجاً و قدوة - إذا علم الناس به - احذروا من هذا أيضاً فهو بدوره ينتشر. و عليه فإحراز البطولة و المحبوبية و التألق في قلوب الناس سيف ذو حدين. إنه جيد جداً إذا استطعنا الالتزام بلوازمه و مقتضياته، و خطير إذا لم نستطيع لا سمح الله الالتزام بمتطلباته. هذا هو ما نريد أن نقوله لكم.
و النقاط التي ذكرها وزير الرياضة المحترم (4) كانت بدورها جيدة. هذه المحطات و النقاط جيدة. ما أشار إليه كان في بالي أيضاً أن أذكره و هو رسم الأولويات و إشاعة الرياضة العامة فالرياضة العامة تعني الصحة العامة. أنا طبعاً دافعت منذ السابق عن الرياضة البطولية حينما كان البعض يشكلون عليها و لديهم بعض التحفظات بشأنها، و ذلك لأسباب متعددة ذكرنا بعضها و هي واضحة، بيد أن الرياضة العامة تعني السلامة الجسمانية لدى عامة الشعب، و هي حالة للأسف غير متوفرة في الوقت الحاضر كما ينبغي. تلاحظون الحياة المدينية بالتالي، و عدم الحركة، و الأغذية غير المناسبة و الأطعمة المستعارة التي يقدمونها للناس في بعض المحلات و المطاعم و يقبل الناس عليها، و عدم التحرك بالدرجة الأولى، هذه ظروف تصيب أجسام أبناء الشعب بالضعف، بينما الأجسام يجب أن تكون قوية و سليمة، و هذا ما يحصل و يتحقق بالرياضة العامة، فيجب الاهتمام بها بكل تأكيد.
أضف إلى ذلك أن الشباب الرياضيين الصالحين و المتدينين الذين يشيعون الأعمال الصالحة في المجتمع يجب أن لا يخافوا الضجيج الذي يثار حولهم أبداً، ينبغي أن لا يهتموا لذلك على الإطلاق. ما إن تقوموا بفعل حسن صالح حتى يهبّ المتربصون للنيل من أيّ فعل حسن فيشنوا هجماتهم في الصحافة الصفراء و الشبكات الاجتماعي و ما إلى ذلك؛ لا تهتموا لهذه الأمور على الإطلاق، و انظروا و لاحظوا ما هو الواقع و ما هي القيم و ما الذي تفهمه و تريده القلوب الواعية. اهتموا لهذه المعايير.
على كل حال نشكر الله تعالى على وجودكم و نحن مسرورون لأن بلدنا و الحمد لله منجب للأبطال، لا في ساحات الرياضة فقط - و أنتم أبطال هذه الساحات - بل في كلّ الساحات و الميادين ينجب بلدنا الأبطال، فهو منجب للأبطال في ساحة العلم، أننا نصنع الأبطال. المجتمع الإيراني و الثورة الإسلامية و نظام الجمهورية الإسلامية المقدس يخرّج الأبطال في ميدان العلم أيضاً، و في ميدان الأخلاق، و في مختلف الميادين و الساحات. طبعاً هناك من يحاول تخريب هذه الحقيقة دوماً و تصغيرها و الحط من قيمتها، لكن الواقع هو ما ذكرته، فصناعة الأبطال في هذا البلد سياق دائم و الحمد لله، و هذا ما ينبغي زيادته و مضاعفته يوماً بعد يوم. و هذا شيء يرجع إليكم و هو في أيديكم و أيدي المسؤولين و في أيدي كل الذين لهم تأثيرهم على ذهنيات المجتمع.
أشكركم مرة ثانية و أستودعكم الله العظيم جميعاً و سأدعو لكم جميعاً.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - قبل كلمة الإمام الخامنئي ألقى الدكتور محمود گودرزي وزير الرياضة و الشباب كلمة في هذا اللقاء.
2 - سورة النحل، شطر من الآية 53 .
3 - إقبال الإعمال، ص 470 .
4 - السيد محمود گودرزي وزير الرياضة و الشباب الإيراني.