بسم الله الرحمن الرحيم 

أتقدّم إليكم أيّها الأخوة والأخوات الأعزاء والعلماء الكرام وأئمة الجمعة المحترمون وجماهير حزب الله المؤمنون الذين شرفتم من مسافات بعيدة بأحر التعازي بهذه المناسبة العظيمة الأليمة. 
إنّ تاريخ ثورتنا القصير زاخر بالحوادث الجسام التي تدعو كل واحدة منها شعبنا إلى التفكّر والتأمّل. إنّ من يتأمل تلك الحوادث والظواهر لا بدّ وأن يلاحظ نقطتين واضحتين: الأولى خبث العدو، والثانية المقاومة والإيمان العميق والذي قلّ نظيره لشعبنا المسلم والمخلص. 
فمنذ انتصار الثورة وحتى الآن، وفي كل عام وشهر وأسبوع نشهد وقوع حادثة قد لا يقع نظيرها عادة لدى شعب آخر، ومن هنا فإنّ شعبنا بلحاظ المعارف الثورية هو شعب غني، لأنه قد واجهت ثورتنا شتى التحديات التي تُعلّم، وخاضت التجارب فتعلم شعبنا منها الكثير، وهذا من لطف الله سبحانه. 
إنّ إحدى تلك الحوادث استشهاد المرحوم آية الله صدوقي، ذلك العالم الكبير والذي كان من طلائع الثورة والنصير المحب القديم لإمام الأمة ومن السبّاقين في الثورة، واللسان الناطق والسند القيّم للثورة، وشخصية النظام البارزة المميزة، إنّ شهادة شهيد المحراب الثالث في عصرنا درس وعبرة لنا، وهي تعكس بوضوح دناءة العدو وخبثه. 

إنّ أعداءنا أفراد حاقدون على كل إنسان مرتبط بالله والدين وكل فرد نوراني لديه صفاء وطهارة، ولا يشاهد لهؤلاء الأعداء نظير في التاريخ سوى أمثال الخوارج، تلك الزمر التي خرجت عن الدين وعلى أمير المؤمنين فكانوا يمارسون العداوة بوحشية وسبُعية لرجال الله وللمؤمنين والمخلصين الصادقين. 
لقد سلّطت حوادث الاغتيالات التي رافقت ثورتنا الضوء على الوجه الحقيقي للعدو وفضحته أمام الشعب الإيراني والدنيا بأسرها. من الذي كان يتصوّر هذا المدى من القسوة والخشونة والحقد والخبث التي أبداها المنافقون والفصائل الإرهابية الأخرى؟! وهل هناك من كان يدرك إلى أيّ مدى كانت صورة نفاقهم بشعة قذرة وهم يتحدّثون زورًا باسم الله والشعب ويُقدِمون بأفعال جبانة ضد الله والشعب؟! 
نحمد الله المنّان الذي فضح هؤلاء المنافقين وأهدر ماء وجههم وفضح حماتهم، والآن أدرك العالم أنّ مدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان والمؤسسات التي تسعى في الدنيا بهذا الاسم فيبذّرون الأموال في ضجيج إعلامي خبيث، أي أهداف يرومون ومن وراء هذا الغطاء أية نوايا سيئة لديهم. 

إنّ البعد الآخر للحوادث والذي لا يقل شأنًا عن افتضاح العدو، هو بروز عمق إيمان وإخلاص واستقامة شعبنا؛ إنّ تلك الحوادث التي جرت لم تزلزل قلوب شعبنا ولم تحرفه عن صحة أهدافه ولم تجعل عنده ترديدًا، بل على العكس عملت كل حادثة من الحوادث التي جرت على تعميق الإيمان لدى الناس وازدياد وضوح الأهداف في قلب شعبنا وزادته سكينة في صحة الطريق التي يمشي بها.
إنّ القرآن الكريم قد تحدّث مرارًا وتكرارًا عن هذه السكينة نفسها وعن الهدوء والإطمئنان القلبيين، فعندما يواجه المؤمنون الحوادث المرّة وضغوط العدو ويشاهدون الوجه القذر للمعارضين يتعمّق إيمانهم وتطمئن قلوبهم بالله أكثر، فيخاطبون أنفسهم: إنّ الله ورسوله قالوا لنا ستعترضكم المشكلات والمصاعب والاغتيالات والضغوط والعداء،{قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله}. 
ولقد أشار إمامنا العزيز ــ ذلك القلب النوراني وذلك اللسان الناطق بالحق ــ إلى وجود صعوبات وإرهاب وضغوط وعداء ودعايات معادية في طريق الحق هذا، ولقد شهدنا وقوع كل ما تنبّأ به الإمام ذلك الحكيم الإلهي والمنير قلبه، ومن هنا فإنّ طريقنا كان طريقًا قويمًا؛ لأن إيمان شعبنا يصبح أعمق يومًا بعد يوم. 
والحادثة الأخرى التي وصلت ذروة الدناءة وسجّلت رذالة العدو هي إسقاط الطائرة الإيرانية عن طريق عملاء أمريكا، ولقد كان الأمريكيون يعرفون تمامًا أن طائرتنا كانت طائرة مدنية عزلاء وغير عسكرية ولا دفاعات لها، ولكنّهم وبكل وقاحة أسقطوها وأرسلوها إلى قعر البحر؛ ترى كيف تصرّف العالم إزاء هذه الجريمة؟ وهنا ندرك مدى اتساع العداء المضمَر للإسلام؛ إنّ عظمة العداء عندهم يشير إلى عظمة رسالتنا. 

لقد قلت مرارًا إنّ النظام المتجبّر كان قبل انتصار الثورة يتحسّس من أية كلمة ترد على لسان المنادين بالنهضة الإسلامية في أنحاء البلاد وكان يوجّه الضغوط لخنقها؛ في الوقت الذي كان يتظاهر بالأعمال التي يحمل ظاهرها الإسلام (مثل المواعظ الدينية وتلاوة القرآن وقراءة التعزية وغيرها من هذا القبيل). لقد كانوا يتحسّسون بشدة من أعمال المجاهدين وكانت ردود فعلهم العنيفة في ذلك الزمان دليلًا على أنّ عملنا وكلامنا ورسالتنا وإقدامنا تشكّل خطرًا عليه.
خذوا بعين الاعتبار أنّ هذه الجموع وهي تتدفّق من كل حدب وصوب إلى حج بيت الله الحرام، لا تشكّل أي تحسّس لأمريكا إسرائيل والدول الرجعية، ولكنّا نرى الحاج الإيراني وعندما يذهب لزيارة البيت العتيق ويهتف هناك بالبراءة من المشركين ويجسّد المعنى الحقيقي للحج ورسالته، نرى أوثان العصر تهتز رعبًا وتتحد جميعها لخنق ذلك الصوت المؤمن، ثم تآمر الجميع لذبح الحجاج الإيرانيين لبيت الله في البلد الحرام في تلك الفاجعة العظيمة في مكة، لذا فإن العدو يقوم بردّة فعله العنيفة في لحظة رعبه. 
إنّ رسالة الإسلام التي جاء بها نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) لا بدّ وأنها واجهت أعداءً مثل أبي جهل وأبي لهب، فإذا ما رأيتم أمثال أبي جهل وأبي لهب وسائر طواغيت الكفر العالمي لا يوجد لديهم اختلاف مع رسالة الإسلام، فاعلموا أنّ هذا الإسلام ليس هو الإسلام الذي جاء به النبي الأكرم في الصدر الأول من تاريخه، ولا توجد فيه الروح الحقيقية للإسلام. إنّ الإسلام المحمدي الأصيل إنما هو الذي يخيف أقطاب الجاهلية وصناديد الظلم وقوى الكفر العالمي في كل الدنيا. 
لقد وصل بهم الأمر إلى أن تسقط أمريكا طائرة مسافرين تابعة لنا أمام أعين خلائق الدنيا كلها وبمرأى من راداراتها ومناظيرها الموجودة على متن بوارجها مع كل المزاعم الكبرى التي تدعيها وتتظاهر بها في حماية القوانين العالمية وذلك فقط لأن الطائرة متعلقة بإيران الإسلامية!
إنّ وقاحة أمريكا وتکبّرها وعملها الظالم يشير إلى أنّ الإسلام يخيف قواعد الكفر والاستكبار العالمي، ورموز تلك الدول يستشعرون الخطر من الإسلام الذي رُفعت رايته اليوم بيد الجمهورية الإسلامية وشعب إيران وردود الفعل غير المتعقلة من قبل العدو تعبّر بوضوح عن قدرة نظام الجمهورية الإسلامية. 

لقد استمروا في إعلامهم المعادي ضد الجمهورية الإسلامية طوال العقد الماضي بأن الجمهورية الإسلامية متزلزلة وآيلة إلى الزوال، غير أنّهم أثبتوا بذلك حقيقة أنّ نظامنا كلمة وشجرة طيبة، {أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها}. ولقد أثبت الإمام العظيم بقلبه النوراني وبذهنه المتوقد تلك القدرة مكررًا، بل حتى في رحيله الملكوتي وهو سليل الأنبياء والسائر على نهج الأنبياء الإلهيين قد أثبت وأوضح أصالة واستحكام هذا النظام. 
اعلموا أيها الأخوة والأخوات أنّ أهدافنا المشخّصة تُختصر في الإسلام، والإسلام ليس مجرد اعتقاد بل هو حياة إنسانية طيبة، إنّنا وعندما نتحدث عن الحياة الإسلامية  والنظام الإسلامي فإنّنا نقصد النظام والحياة الطيبة التي بداخلها جميع الخيرات التي يطمح لها  الإنسان، حيث ظهر فيها كل من الرفاه المادّي والأمن الاجتماعي والروحي والطمأنينة والصفاء المعنوي والعلمي والبصیرة والتحقيق والعبادة والإخلاص والتوجه إلى الله؛ إنّ الإسلام يقدّم لنا هذه الهبات، وهذا الإسلام هو الذي يستطيع أن يدافع عن الناس الذين يؤمنون به ويعيشون في ظل تعاليمه. 
صحيح أنّ عداء القوى العالمية لنا هو بسبب عقيدتنا الإسلامية {وما نقموا منهم إلاّ أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد}، لكن الوتد المحكم والخندق العظيم الذي نستطيع أن نعيش فيه وأن ندافع فيه عن حيثيتنا (كرامتنا) وشخصيتنا وهويتنا ویؤمّن لنا الحياة الطيبة إنما هو الإسلام. إنّ هدفنا واضح ومشخّص ولا ينقصنا في سلوك هذا الطريق أي شيء؛ بما أنه قد وجد الإيمان والتحرك والعمل اللازم من أجل الوصول إلى الهدف، فقد أضاء الله تعالى قلوبنا بنور الإيمان به، وقد وفّق شعبنا للنهوض والتحرّك وتحمل الصعاب واجتياز الموانع. 

إنّ المنطقة التي نعيش فيها هي في طليعة المناطق الحساسة في العالم سواء رضي العدو أم لم يرضَ، وإنّ أي شعب يعيش في هذه المنطقة لا بدّ وأن يستفيد من امتيازاتها، ولقد أنعم الله علينا بهذا الموقع الهام ومنحنا هذه المقدّرات الطبيعية الكبرى ووضَعها في اختيارنا، ولذا يتوجب علينا أن نحافظ على عاملَين مهمَين هما إيماننا العميق ومواقفنا الحازمة التي جعلتنا نتطوّر حتى الآن وقرّبتنا من أهدافنا. 
والحمد للّه فإنّنا نعيش تضامنًا شعبيًا يعبّر عن وحدة الأمّة وتماسكها، ولذا يتوجب الحفاظ على هذه الجوهرة الغالية وتقويتها. وهناك وظيفة أصعب ملقاة على عاتق كل من له دور وتأثير في تعزيز وحدة الشعب ويؤثّر على أذهان وقلوب وأرواح الناس أن لا يتردد في الإقدام من أجل تعزيز الإيمان والتحفيز للعمل وحفظ الوحدة والتماسك الشعبي العام. 
وإنّني لطالما قلت لشعبنا العزيز: أن املؤوا قلوبكم بالإيمان والتفاؤل وقلت لهم إنّني غير قلق أو مضطرب إزاء المستقبل، وإنّ شعبنا وبفضل الله قد استطاع أن يحيا حياة طيبة في ظل الإسلام جَمَعَ فيها الدنيا والآخرة والماديات والمعنويات والعلم والعبادة والرفاهية، فإن استطعنا أن نشكّل مجتمعًا ونظامًا كهذا فإننا نكون قد أوجدنا يوم الانهزام الواقعي لأعداء الإسلام في العالم. 
أسأله تعالى أن يوفّقكم جميعًا لما فيه الخير، وأن يجعلنا ثابتين في طريق الهدى والرشاد، وأن يعرّفنا قدر الهداية والإرشادات التي وضعها لهنا إمامنا العزيز سليل الأنبياء وبقية الأولياء الإلهيين وأن ويوفّقنا في التحرك نحو تلك الأهداف.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته