بسم الله الرحمن الرحيم

21/04/1368

11/07/1989

رضا الإمام:

أتقدم بدوري إلى كل الأخوة الأعزاء المخلصين الاستثنائيين الذين طووا المسافات وشرّفوا هذا المكان بأحرّ التعازي بهذا المصاب الجلل.

طالما تكلم إمامنا العزيز ذلك القلب الحكيم والروح الطاهر حول وفاء الشعب الإيراني وإخلاصه ومحبته وأعطى شهادته الواضحة فيه، ولعلّ في هذا فخر غير عادي للشعب الإيراني وهو يرى إمامًا وقائدًا كإمامنا العزيز راضيًا عنه ويتكلم عنه بلسان المدح.

وها أنتم اليوم تطوون المسافات سيرًا على الأقدام في هذا الطقس الحار لتجسّدوا حبّكم وتعربوا عن وفائكم للثورة والإمام ولتقطعوا ألسنة الأعداء وتجعلوا قلوب الأصدقاء ثابتة وتبعثوا الأمل في قلوب الشعوب الإسلامية في أرجاء العالم.

إنّ ما قام به الشعب الإيراني العظيم خلال الأربعين يومًا الماضية سيكون درسًا خالدًا يسجله التاريخ، وإنّني أنا العبد أجد من الضروري أن أعرب عن شكري الوفير وتقديري العميق لكم أيّها الأخوة والأعزاء، ومن بينكم أسر الشهداء الأعزاء والجرحى والأسرى والمفقودين وكل جنود الإسلام والمدافعين عن حريم حدود الجمهورية الإسلامية والعلماء الأعلام وأئمة الجمعة الكرام وسائر طبقات الشعب، والذين شدّهم عشق الإمام والثورة فجاءوا يطوون المسافات الطويلة سيرًا على الأقدام من مختلف أرجاء البلاد. إنّ هؤلاء الذين يتمتعون بتلك الروحية سيحظون حتمًا بلطف الله ورضا ولي العصر (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) وهم يمثّلون كرامة الإسلام والثورة.

الوجه الحقيقي للإسلام:

من المهم أن نعرف أنّه كلما تجلّى الإسلام بوجهه الحقيقي في أية فترة من الفترات وخلال تاريخه الطويل الذي يمتد إلى أكثر من ألف وأربعمائة عام، كلما اشتدّ العداء وظهرت الأحقاد الدفينة له واصطفّت الأحقاد العميقة مع الخبث العجيب والغريب في مواجهته، وكلما خرج الإسلام عن وجهه الحقيقي واختفى بريقه ولمعانه والداعون إليه المميزون كلما انحسر العداء عنه.

لاحظوا الإسلام الذي ظهر في مكّة أية عداوة وخباثة قد واجه، لقد اصطفّ كل الناس السيئين وأصحاب الصفات الحيوانية والشرسة في مقابل الإسلام والرسول الأكرم، واستمر التآمر الدموي الخبيث ضد النبي حتى بعد هجرته إلى المدينة من قبل أولئك الأشرار القذرة، وتحوّل الصراع إلى صراع دموي، وتوجد في القرآن سورة باسم الأحزاب تشرح تلك الحوادث، حيث وقفت الأحزاب بمختلف أجنحتها لتشكل جبهة واحدة ضد الإسلام وقائده العظيم، واتّحد المشركون من قريش وثقيف واليهود والنصارى وأهل الكتاب البعيدون عن الكتاب والمنافقون للقضاء على رسالة الإسلام. 

وفي العهود الطويلة لملوك بني أمية وبني العباس عانى دعاة الإسلام المحمدي الأصيل مختلف ألوان الضغوط والتعذيب والاضطهاد وأنواع المؤامرات، ويكفي في هذا المضمار أن نتأمل في حياة الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) وسائر الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) والعلماء والمحدّثين الكبار في تلك العهود لنكتشف كم عانوا من ظلم خلفاء الجور وسجنوا وقتلوا وواجهوا نفس تلك المشكلات.  

وعلى هذا فكلما نهض الإسلام الأصيل والحقيقي كلما ثارت قوى الشر والفساد في وجهه وحاربوه بكل قوتهم، أمّا الإسلام الخاوي من شعاراته الأصلية الذي لا روح فيه ولا حياة، والإسلام الذي لم يواجه الظلم والذي يتعايش مع أنواع وأقسام الفساد الأخلاقي وينسجم معه والذي يتغاضى عن أصوله ويكتفي ببعض الشعائر فإن القوى لا تقوم بمحاربته والأشرار لا يصطفّون ضده، وهذا التاريخ حافل بالشواهد على هذه الحقيقة حيث يمكنكم أن تقرؤوا الكتب وترون مثل هذه الأحداث التي جرت في العهود المظلمة الطافحة بالفساد واستعراض المباهاة لدى النظام البائد وسائر الأنظمة التي توالت على حكم إيران.

حب الإمام نابع من حب الإسلام:

وفي هذا اليوم حيث يغرق العالم الإسلامي في الفساد والظلم، يجب على هذا الإسلام أن يكون متوقعًا لعداوة القوى الكبرى وأمريكا وإسرائيل وشركات النهب وذيولهم من السلاطين الفاسدين والرؤساء المفسدين.

 إنّنا أدركنا تمامًا منذ اليوم الذي سرنا فيه خلف الإمام العزيز وطرحنا شعارات لواء الإسلام الأصيل ما سنعانيه من العدو والقوى الكبرى والمستكبرة في مواجهتنا، وهذا ما حدث في صدر الإسلام عندما حاصر المشركون واليهود والمنافقون والكفار والمشركون أطراف المدينة وقاموا بحرب واقعة الأحزاب وحرب الخندق، فقال المؤمنون الحقيقيون: {هذا ما وعدنا الله ورسوله}، فهذا ليس شيئًا جديدًا بل وعدنا إياه الله والرسول وقالوا بأنّ الأشرار والسيئين والمفسدين سيتّحدون ضدنا، لذا عندما رؤوا صدق الوعد الإلهي زادهم إيمانًا وتسليمًا.

          في كل مكان يظهر فيه الإسلام الواقعي فإنّ القوى المستكبرة الخبيثة الظالمة سوف تقف في وجهه، أمّا الناس الطاهرون أصحاب القلوب المطهّرة والأرواح الصافية والفطرة النظيفة غير الملوثة فقد وقفوا إلى جانب الإسلام وحافظوا عليه ودعموه بكل وجودهم. ما الذي دفع عشرة ملايين إنسان لتشييع جثمان الإمام الطاهر ذلك التشييع المهيب ويلطمون صدورهم بهذا الشكل؟ وما الذي جعل مئات الملايين من المسلمين في العالم بأسره يعيشون في حداد بمناسبة رحيل هذا الإنسان؟ محبة الإمام ما هي سببها؟ الجواب في كلمة واحدة، لقد كانت محبته من أجل الإسلام. وهذا ما صرّح به الإمام نفسه وأكّد عليه وعلّمنا إياه وهو: أنّ الله سبحانه عطف هذه القلوب نحو الثورة والقائد والشعب الإيراني لأجل الإسلام.

إنّ الشيء الذي بعث القوة في القلوب والأقدام لطي كل هذه المسافات والحضور إلى هذا المكان هو الإسلام الأصيل والصادق والواقعي غير الخائن والإسلام المدافع عن المظلومين والذي لا يساوم الظالمين. هذا هو الإسلام الذي اجتذب القلوب وألّف بينها وأوجد هذه القوة العظيمة التي لا تقهر، وهنا يكمن السرّ والذي ينبغي أن ندركه جيدًا ويبقى في أذهاننا دائمًا.

محور الإسلام:

ما دامت الثورة الإسلامية تتحرك بدقّة في خط الإسلام الأصيل وهو خط الإمام وما دام الشعب لا يفضّل على دينه وإسلامه أي شيء آخر، وما دام هذا الحماس في الدفاع عن الإسلام والقيم الإسلامية يتأجج في نفوسكم والتفتم إلى الشعارات الإسلامية المصدر، فلا أمريكا ولا الشرق والغرب ولا الرجعية ولا أية قوى أخرى بقادرة على عرقلة مسيرة الجمهورية الإسلامية والشعب الإيراني والنظام نحو الأهداف المنشودة.

إنّ على أبناء الشعب الإيراني أن يستوعبوا هذا الدرس العميق من الإمام ولا ينسوا وحدة الكلمة على محور الإسلام {واعتصموا بحبل الله جميعًا} ويتحدوا على محور الإسلام، وهذا الاعتصام والاتحاد هو العلاج لجميع الآلام، والسلاح ضد الأعداء كلهم، وإنّ الإكسير الأعظم في انتصار الشعب الإيراني هو هذه النقطة عينها وهي اتحاد الكلمة على أساس الإسلام.

وبالطبع فإنّ الإسلام الذي نعنيه ليس متعدد المعاني، إنّه الإسلام الذي هو محط نظرنا هو الذي جاهد في سبيله الإمام طوال حياته وأعطى كل وجوده له في السنوات العشرة الأخيرة من عمره الشريف، الإسلام الذي علّمنا إيّاه وسار في طريقه وهو الإسلام الذي يتوجب علينا جميعنا أن نلتفّ حول محوره وحول خط الإمام ونتّحد من أجله، ونتعاون في سبيله كي لا تبقى أية مشكلة تعترض سبيلنا.

العمل:

لدينا الكثير من الأعمال التي يجب القيام بها، لقد شغلنا الاستكبار طوال ثمانية أعوام بالحرب المفروضة، وحتى قبل هذه الحرب كنا نخوض حربًا أخرى ولكنها حرب غير معلنة. يجب أن نعمل بسرعة لتعويض ما فاتنا خلال السنوات الثماني، علينا أن نسعى من أجل رفاه البلاد واستقرارها وتوفير العدالة الاجتماعية واستقرار القيم الإسلامية وإعطاء العمق للدوافع الثورية وسدّ ما يحتاجه هذا الشعب من حاجات مادية.

إنّها أعمال هامّة، وأهمية هذه الأعمال لا تتوقف فقط على إنجاز المسؤولين بمفردهم، إنّ تعاون الشعب مع المسؤولين والاعتصام بحبل الله والاتحاد من أجل الإسلام وفي محوره وعلى خط الإمام هو الكفيل بإنجاز تلك الأعمال، وكونوا واثقين بأنّ الله كان مع هذا الشعب وسيبقى معه وإنّ دعاء ولي العصر (أرواحنا فداه) قد ساعد هذا الشعب وسوف يساعده إن شاء الله.

أشكركم مرّة أخرى لأنكم قد تحملتم عناء السفر في هذا الطقس الحارّ وتحملتم الحر والتعب والعطش وقطعتم المسافات الطويلة للحضور في هذا المكان، على أنّي أصغر من أن أشكر لكم كل هذا الحب والصفاء، ولهذا أسأله تعالى أن يجزل لكم الثواب والأجر.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته