1. أظهر الاستكبار العالمي، وعلى رأسه الأمريكيون، أنهم ضد مبدأ سعي الشعب الإيراني في الاستقلال، حتى لو لم يكن النظام الإسلامي في السلطة. كان لهم دور في انقلاب «28 مرداد» (1953) ضد حكومة مصدّق جرّاء غضبهم بسبب تأميم النفط، وهي خطوة أثبتت معارضة واشنطن مبدأ استقلال الشعب. في رأيكم، ما أسباب معارضة الأمريكيين منهج استقلال الشعب الإيراني؟

إن نظام الاستكبار العالمي الذي تمثّله أميركا ينطلق من طبائع تقوم على استغلال الشعوب وثرواتها ونهبها ومنع أي تحرّك من شأنه أن يحفظ حقوقها واستقلالها، وإذا نظرنا بداية إلى الأسس التي قامت عليها الإمبراطورية الأميركية، فسنجد أنها منذ ما قبل تأسيسها رسمياً في أواخر القرن الثامن عشر قامت على إحلال شعب مكان شعب أصلي (من يسمونهم الهنود الحمر) ونهب ثرواته وأراضيه وحتى حقّه في الوجود. لقد مارس مؤسسو الولايات المتحدة أبشع الأنواع لجرائم الإبادة في البلاد التي قامت عليها هذه الدولة، وعندما استتبّ لهم الأمر داخلياً، انطلقوا لممارسة الهيمنة على الشعوب في مختلف أنحاء العالم، وبعد الحرب العالمية الثانية كانت هذه الإمبراطورية قد شرعت في تنفيذ سياسة التمدّد والهيمنة على الدول ذات الثروات والمقدّرات، وخاصة إذا كانت تطمح إلى التحرّر من الاستعمار بكل أشكاله. ما حدث مع حكومة السيد مصدّق مثال حي على التفاف أميركا ومعها بريطانيا على سعي الشعب الإيراني للتحرّر من سطوة الاستعمار، والانقلاب الذي قادته واشنطن على إرادة الشعب الإيراني كان لضمان الاستمرار في نهب النفط الإيراني عبر الشاه الذي كان يضمن مصالح الاستعمار.

 

2. الاستكبار العالمي ليس معارضاً لاستقلال إيران فقط، بل هو ضد استقلال الشعوب الأخرى أيضاً. إن تدخلاتهم في بعض دول المنطقة، مثل العراق وسوريا ولبنان وغيرها، التي أخذت تسلك طريق الاستقلال، تدل على هذه المسألة. في الأساس، كيف عرّضت الدول المستقلة منافع الأمريكيين للخطر ومصالحهم على مستوى المنطقة والعالم ووضعتها على محك التحديات؟

إن أهم مصلحة للاستعمار الغربي في منطقتنا ضمان الاستمرار لقوة الكيان الصهيوني الذي زرعه الاستعمار في منطقتنا لقمع النزعات التحرّرية والاستقلالية، والغرب المستعمر لم يكتفِ بتسليح هذا الكيان وتوفير الحماية القانونية له، بل عمل أيضاً على تقويض حركات وتوجّهات التحرر والاستقلال كافة في البلدان المحيطة بفلسطين المحتلة. إن تدخّل أميركا وتنفيذها الانقلابات والحروب في المشرق العربي، خاصة على شعوب كل من العراق وسوريا ولبنان، كان بالدرجة الأولى لقمع التحركات الاستقلالية وتوجّهات بناء القوة والاقتدار في مواجهة الكيان الصهيوني ومصالح نظام الهيمنة المتمثّل في الولايات المتحدة، ولذلك، كانت شعوب هذه البلدان ولا تزال تواجه أنواع الحرب، سواءً الخشنة والمباشرة، أو الناعمة والنفسية، وكل أنواع الحصار والعقوبات والتجويع.

 

3. لا تقتصر الهجمة الأمریكية على الحكومات والدول الساعية إلى الاستقلال في غربي آسيا وشمالي أفريقيا، ويمكن كذلك الإشارة إلى كوبا وفنزويلا. عام 2002، أطلق الأمريكيون انقلاباً ضد الرئيس الفنزويلي الراحل، هوغو تشافيز، وعام 2019، وبدعمهم خوان غوايدو، بدؤوا مشروع الإطاحة بحكومة نيكولاس مادورو. هل يمكن أن يكون هذا الحل فعالاً في جعل الدول معتمدةً على أمريكا وإبعادها عن السعي للاستقلال؟ 

إذا عدنا إلى بدايات المعاداة لنظام الهيمنة الأميركي للأنظمة الثورية في أميركا اللاتينية وفحصنا الأسباب لهذا العداء، فسنكتشف أن الأسباب عينها التي عادت واشنطن شعوب منطقتنا من أجلها هي نفسها التي على أساسها عادت كلّاً من كوبا وفنزويلا وغيرها من الدول اللاتينية التي تبنّت توجّهات ثورية مقاومة للهيمنة. لقد عملت الولايات المتحدة على محاولة إحباط الثورة الكوبية منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي، مباشرة بعد انتصار هذه الثورة من أجل تحقيق هدف المتمثل في إعادة إلحاق الكوبيين بنظام الهيمنة والاستغلال. ولكن لأن الشعب الكوبي بغالبه أصرّ على الالتفاف حول القيادة الثورية التي كانت وفيّة لتوجّهات الشعب برفض الهيمنة والاستعمار، كانت واشنطن عدائية في استهداف هذا الشعب ومعاداته، ففرضت حصاراً مستمرّاً عليه منذ نحو 60 عاماً. وكذلك الأمر عندما نجح الرئيس الراحل هوغو تشافيز في إسقاط نظام التبعية لواشنطن في فنزويلا، فأعلن الأميركيون الحرب على فنزويلا وشعبها وخططوا وحاولوا تنفيذ انقلابات وفرضوا الحصار والعقوبات، وكلما كانت الجمهورية الإسلامية في إيران تقترب أكثر من فنزويلا، كان الأميركيون يزخّمون هجومهم وعداءهم للشعب الفنزويلي، وهذه السياسة استمرت مع الرئيس الحالي نيكولاس مادورو، فحاولوا إسقاط شرعية نظام الحكم في كراكاس عبر تنصيب دمية من صنيعتهم رئيساً، وحشدوا دعم الحكومات التابعة لهم لكي تعترف بذلك الدمية (غوايدو)، لكن لأن الشعب الفنزويلي أصرّ على موقفه المقاوم لواشنطن ونظام هيمنتها، نجح النظام الشرعي في فنزويلا في نهاية المطاف في إسقاط كل المحاولات الفاشلة للأميركيين بتغيير وتزوير إرادة الفنزويليين. هذا ديدن واشنطن وسيبقى كذلك مع كل الشعوب التي تقرّر أنها يجب أن تتحرّر من الهيمنة والاستعمار، والأمر الذي يبعث على التفاؤل هو أن الحالة الثورية انتقلت إلى كثير من دول أميركا اللاتينية وباقي أرجاء العالم، واليوم تفقد واشنطن السيطرة وتتراجع وتضعف أمام إرادة الشعوب.

 

4. بالإضافة إلى إيران، فرض الأمريكيون حتى الآن حظراً على دول كثيرة في المنطقة والعالم تعارض سياساتهم. في مثال، يمكننا أن نذكر الصين وروسيا وفنزويلا وسوريا وبيلاروسيا... ما القابليات والفرص التي يمكن للدول المحظورة استخدامها بالتعاون مع بعضها بعضاً من أجل التخلص من هذه «الحربة» الأمريكية، أيْ سلاح الحظر؟

إن سلاح العقوبات والحظر الذي ذهبت الولايات المتحدة بعيداً في اللجوء إليه واستعماله كبديل عن الحرب العسكرية والغزو المباشر هو أولاً وقبل كل شيء مؤشر على ضعف أميركا وتراجع قدرتها على تنفيذ مخططاتها الخبيثة مباشرة، وما لجوؤها إلى العقوبات إلا دليل على الضعف. كثيرون من المنظّرين الاقتصاديين والسياسيين، بمن فيهم الغربيون، باتوا يحذّرون أخيراً من الإفراط في استعمال سلاح العقوبات، وذلك لأن تكاثر عدد الدول والأمم التي تتعرّض لعقوبات أميركا وحصارها، مستفيدة من تعاظم قدراتها الردعية المقاومة للهيمنة، سوف يدفعها إلى التكتّل والتعاون بينها لكي تعكس في نهاية المطاف رفضها لنظام الهيمنة الغربية إلى تفاهمات وتكتلات وأطر حتى في الاقتصاد إلى جانب السياسة، وهو ما سيعني تشكيل نظام اقتصادي مستقل لا تملك أميركا ومن معها منع تشكّله، ولا شك أن القوى المستقلة الكبيرة كالصين وروسيا والجمهورية الإسلامية، ومعهم باقي الدول الأخرى التي باتت ترفض الهيمنة الغربية، كلها صارت قادرة على تهيئة الأرضية لنشوء نظام عالمي جديد لا تكون فيه لأميركا القدرة على ممارسة الهيمنة وقهر الشعوب. العالم يتغيّر والمستقبل هو للشعوب الحرّة الناهضة التي عما قريب ستوجّه ضربة قاصمة إلى نظام الهيمنة الذي تزعّمته أميركا عقوداً.