• لعلّه من الأفضل أن نتطرّق في بداية الحوار إلى تاريخ لواء «الفاطميّون». من أين نشأت فكرة تأسيس لواء «الفاطميّون» وكيف تشكّل هذا اللواء؟

    تزامناً مع بدء الاضطرابات في سوريا والعراق، اجتمعت القوات الإرهابيّة متعددة الجنسيّات من مختلف البلدان في هذه الأراضي وكان هدفهم وهن الإسلام والإهانة لمقدّسات الشيعة والسنّة وهتك حرمة الأماكن المقدّسة في هذه الدول والبلاد الإسلاميّة في نهاية المطاف. كان الأفغان أيضاً جزءاً من هذه الصرخة الدوليّة الهادرة.

كان عشرات الآلاف من الأفغان قد هاجروا منذ زمن بعيد إلى بلاد الشام لينشغلوا هناك بالعيش والعمل. ومع بدء الصراع في سوريا شكّلوا بقرار من الفريق الحاج قاسم سليماني وتدبير منه حلقة الدفاع الأولى عن حرم السيّدة زينب سلام الله عليها ضمن إطار قوات التعبئة الشعبيّة.

وإنّنا بفضل توجيهات قائد الثورة الإسلاميّة وإرشاداته الحكيمة، شهدنا استعداد رجال أحرار من أرجاء البلدان الإسلاميّة خوض الميدان من أجل الدفاع عن الإسلام المحمّدي الأصيل وحقوق الناس والدفاع أيضاً عن المقامات المقدّسة الشريفة لآل الله. ثمّ تطوّع رويداً رويداً الأفغان الأعزّاء المقيمون في إيران وبعض الأفغان من داخل أفغانستان أيضاً ومع إحاطتهم بالظروف الدوليّة المستجدّة في سوريا، خاضوا الميدان وشكّلوا الحلقة الأولى لتأسيس «الفاطميّون».
كما إنّ جمهوريّة إيران الإسلاميّة، التي كانت حاضرة في الميدان ضمن الإطار الاستشاري، وكانت تتولّى دور تقديم الاستشارات ودعم القوات المدافعة عن حريم الإنسانيّة، لعبت هذا الدور بما يرتبط مع القوى الأفغانية أيضاً وحلّت بعض مشاكل هؤلاء الأعزّاء.

ومع تقدّم المعارك في سوريا، واتّضاح وجود يد لأمريكا والصهاينة ومن ناحية أخرى أيضاً، انطلاقاً من النظرة الإنسانيّة والدينية والشهمة للأفغان، شهدنا أنّ أعداد المجاهدين الأفغان الذين كانوا يعلنون عن استعدادهم للحضور في ميادين صراع الحقّ ضدّ الباطل في سوريا في ازدياد مضطرد، وتحوّل هذا التشكيل بشكل تدريجي إلى قوّة مكوّنة من عدّة آلاف لم تقتصر بركاتها على الشعب السوري، بل أهالي المنطقة والعالم بأسره. لا شكّ في أنّ قوّات «فاطميّون» الأفغانيّة هذه كانت من العوامل الأساسيّة لإلحاق الهزيمة بإرهاب داعش الدولي في سوريا والمنطقة.
 

  • لاحظنا مرّات عديدة أنّ الشهيد الحاج قاسم سليماني – بصفته القائد الميداني لمحور المقاومة – كان يعرب عن محبّته الشديدة لقوّات «فاطميّون». حبّذا لو تحدّثوننا عن هذه المحبّة والمودّة لدى سماحته تجاه قوّات «فاطميّون».
     
    لعلّ هذا الاعتقاد كان سائداً في البداية بأنّ مشاركة عدد من الإخوة الأفغان على الساحة السوريّة إنّما هو من أجل بثّ المعنويّات لدى سائر المجاهدين فقط، دون أن تكون هناك رؤية استراتيجيّة لهذا الحضور. لكن في غضون الأسابيع الأولى لحضور هؤلاء الأعزّاء انقلبت الأمور في الميدان، وشهدنا تحقيق انتصارات متعدّدة في شتى الميادين الصعبة بفضل مثابرة وإصرار وقناعة وشجاعة وشهامة وذكاء هذه القوات الأفغانيّة وقدرتهم على تعلّم مختلف الاختصاصات العسكريّة، ممّا جعل لواء «الفاطميّون» يتحوّل إلى إحدى الأذرع الأساسيّة لمحور وتيّار المقاومة.
    والشهيد الحاج قاسم سليماني بصفته القائد الميداني لمحور المقاومة، كانت لديه نظرة خاصّة تجاه الأعزّاء في لواء «الفاطميّون». وهؤلاء الأعزّاء انضووا سريعاً أيضاً ضمن مدار القيادة لمحور المقاومة وتحوّلوا إلى إحدى الأذرع الرئيسيّة على المستويين الاستشاري والعملياتي للشهيد سليماني.
    كان الحاج قاسم يشرك قادة لواء «الفاطميّون» في التخطيط لغالبيّة العمليّات في ميدان المقاومة، ويستفيد من قدرات هذه القوة الجديدة في محور المقاومة. ومن الناحية الروحانيّة أيضاً تعلّق الحاج قاسم بشكل مذهل وعجيب بالقادة والعناصر الأفغان، وكان عند حضوره في الميدان يخصّص بشكل حتمي وقتاً خاصّاً لتفقّد مجاهدي «الفاطميّون» واللقاء بهم.

ولا ينبغي نسيان هذه النقطة أيضاً بأنّ الشهيد سليماني كان يتابع شخصيّاً المواضيع ذات الصّلة بالـ«الفاطميّون»، إن كان في الميدان أو في الخطوط الخلفيّة، وكان يسعى بمنتهى الحساسية في سبيل حلّ مشكلات هؤلاء الأعزّاء. بعد استشهاد الحاج قاسم أيضاً، يواصل العميد قاآني نفس المسار ويولي اهتماماً ومحبّة خاصّة لعناصر هذا اللواء.

 

  • ما هي العمليّات البارزة في سوريا والعراق التي شارك فيها مجاهدو «الفاطميون» ضمن محور المقاومة؟

 

إنّ مجاهدي «الفاطميّون» هم اليوم أحد الأعضاء والتيارات الأصيلة والأساسيّة في محور المقاومة، وهم يرفعون معنويّات سائر الفئات والحركات المقاومة في المنطقة ويساندونهم. إنّ ذكر عدد العمليّات التي شارك فيها الفاطميّون لا يتسع لهذا الحوار حتماً، فانطلاقاً من الغوطة الشرقيّة والغربيّة حتى الفروسيّة ومليحة وتل قرين والبصري وسهل الغاب وحماة وحلب وتدمر وديرالزور والميادين وبادية الشام حتى عمليّات البوكمال والقضاء على حكومة داعش والتغلّب على أمريكا والكيان الصهيوني، كلّ هذه المناطق شهدت عمليّات ناجحة للواء «الفاطميّون».

من الأفضل أن نقول أنّ «الفاطميّون» من القوات الأساسيّة التي ألحقت الهزيمة بالإرهاب الدولي في سوريا والعراق، لذلك فإنّ مجاهدي «الفاطميّون» الشامخين شاركوا في هذا الجهاد المقدّس، أي الدفاع عن الحرم والإسلام وقدّموا شهداء معروفين ومجهولين في سبيل الإسلام المحمّدي الأصيل، وإنّ اللواء الشجاع والقائد رفيع المقام الشهيد أبوحامد ورفاقه الأوفياء والقادة الشهداء: فاتح، السيد حكيم، رؤوف خاوري، ذوالفقاري، شيخ رضائي، سجادي والسيد جعفر كان لهم أدوار أساسيّة في التخطيط واتخاذ القرار وشاركوا كتفاً إلى كتف مع مجاهدي «الفاطميّون» في العمليّات الهجوميّة ضدّ أعداء الله وبذلوا أرواحهم في سبيل الدفاع عن الإسلام المحمدي الأصيل والبشريّة وأضرحة أهل بيت رسول الله (ص).

 

  • لم يقتصر شغف الأفغان بالإسلام والحقيقة على حضورهم في ميدان الدفاع عن المقدّسات، وقد أثبت هؤلاء الأعزّاء خلال مرحلة الدفاع المقدّس أيضاً أنّهم سيخوضون الميدان دفاعاً عن الإسلام أينما استدعت الحاجة ذلك. ما هي الخصوصيّة التي يتميّز بها هؤلاء الرجال وتنبع منها هذه الروحيّة؟
     
    لدى أهالي أفغانستان ميزات وخصائص حوّلتهم إلى شعبٍ مقاوم. وهذه المقاومة التي هي مقاومة إسلاميّة بالمعنى الحقيقي للكلمة، والصمود بوجه القوى العظمى في أفغانستان ومكافحة أمريكا على وجه الخصوص إنّما ينمّ عن روحيّة مقاومة تناهض الاحتلال والإرهاب لدى الأفغان. وما أنجزه الأفغان في مرحلة الدفاع المقدّس وسوريا إنّما هو استكمالٌ لهذه الروحيّة في أراضٍ تتخطى حدود أفغانستان. لا شكّ في أنّ ما حصل في ما يرتبط بطرد المحتلّين من أفغانستان وما نشهده من حضور الأفغان في مرحلة الدفاع المقدس في إيران وأحداث مكافحة الإرهاب في سوريا والعراق، كلّه يجتمع في نقطة هدف واحدة وهي نقطة الدفاع عن الإسلام والدفاع عن حدود الإسلام الأصيل ولا فرق هنا بين مختلف القوميّات الأفغانيّة.

 

  • منذ متى تعرفون الشهيد توسّلي (أبوحامد)، أوّل قائد للواء «الفاطميّون» وما هي الصفة التي برزت في شخصيّته؟

 

التقيت الشهيد توسلي العزيز للمرّة الأولى في سوريا وفي خضمّ المعارك القاسية التي شهدتها تلك الأيام. كان يتولّى القيادة الميدانيّة لـ«الفاطميّون»، ولهذا السبب انعقدت في ما بيننا لقاءات وجلسات مشتركة متعددة وكثيرة حوّلتنا بشكل تدريجي إلى إخوة يتكلمون لغة واحدة بعيداً عن حدود بلدينا. وهذا الموضوع عمّق أخوّتنا وصداقتنا وشهدنا حتى اللحظات الأخيرة من استشهاد هذا القائد الشجاع والفخور بالإسلام والمنتصر والشهيد الفاتح، مقاومة وشجاعة استثنائيّة لهؤلاء الشهداء الأعزاء والمجاهدين في لواء «الفاطميّون» في تل قرين الذين ردعوا هجمات العدوّ القاسية وحلّقوا في السماوات على هذا الطريق. وسيكون عليّ أن أتحدّث لساعات طويلة إذا أردت أن أذكر صفاته البارزة.

لكن دعوني أختصر وأقول أنّ الشهيد توسلي كان مسلماً بالمعنى الحقيقي للكلمة، وكان حساساً جدّاً بخصوص الحلال والحرام وبيت المال. لقد كان يملك شخصيّة متفكّرة وشجاعة ومصممة وعمليّاتيّة، لكن في الوقت عينه، كانت القناعة من الصفات الأساسيّة لدى الشهيد توسّلي وهذا الأمر كان يؤدي إلى أن نشهد ربّما أقلّ التكاليف والخسائر الماديّة في الميدان الذي تحضر فيه القوات التي تأتمر بأمره وتنجز عمليّة معيّنة.

كان الشهيد أبوحامد حساسا جدّاً تجاه كلّ واحد من عناصره، وكان بنحوٍ من الأنحاء يلعب دوراً أبويّاً في تعامله مع قوّات «الفاطميّون». وفي ذروة المعارك العسكريّة كان يعمل على حلّ مشكلات قوّاته ويبذل من روحه وماله وماء وجهه من أجل الحفاظ على قوّاته وكان عزيزاً لدى الـ«فاطميون».
 

  • لطالما كانت عائلات الشهداء الداعم الأساسي للمجاهدين في أيام المعارك والمواجهة، وبطبيعة الحال كانت عوائل «الفاطميّون» في إيران تواجه الكثير من القضايا لكونها مهاجرة. ما هي المشاريع التي كانت على لائحة العمل من أجل دعم هؤلاء الأعزاء طيلة أعوام المواجهة مع الإرهابيّين؟
    لطالما استضافت جمهوريّة إيران الإسلاميّة المهاجرين الأفغان، لكنّ حضور «الفاطميّون» في ميادين الصراع التي خاضتها المقاومة والدفاع عن المقدسات في مقابل الحركات الإرهابيّة والتكفيريّة المتمثّلة في داعش والنصرة والتابعين، أدى إلى إحداث تحوّل في رؤية الشعب الإيراني المسلم وعمله تجاه المهاجرين، وكما قال الحاج قاسم، لقد أزاح شهداء «الفاطميّون» الأعزاء في المعارك ومن خلال دفاعهم عن الحرم غبار المظلوميّة عن وجوه المهاجرين الأفغان وأوجدوا في الهيكليّة الشعبيّة وبين المسؤولين الحكوميّين لجمهوريّة إيران الإسلاميّة نظرة خاصّة حيال المهاجرين الأفغان.

 

  • خلال الأعوام التي تلت تأسيس «الفاطميّون»، التقت عائلات شهداء هذا اللواء مع الإمام الخامنئي مرّات عديدة. ما هي النقاط التي تذكرونها من هذه اللقاءات؟
    لم أوفّق – أنا العبد – لحضور هذه اللقاءات، لكن ما سمعته من الإخوة الذين حضروها هو أنّ الإمام الخامنئي يخصّص عند زيارته مدينة مشهد المقدّسة – عدا أيام كورونا – وقتاً خاصّاً للقاء مع عائلات شهداء لواء «الفاطميّون». هذا في حدّ ذاته يدلّ على الاهتمام الخاصّ لسماحته بالـ«فاطميّون». هذه اللقاءات تشكّل دفعاً معنويّاً كبيراً لعائلات «الفاطميّون» الأعزّاء. إنّ متابعة الإمام الخامنئي شؤونهم من كثب وكون قضايا هؤلاء الأعزاء أحد هواجسه، هي نقطة قوّة ودعم لمجاهدي «الفاطميّون» وتضخّ فيهم دوافع مضاعفة لخوض ميدان الصراع الأخير أي إزالة الكيان الصهيوني من خارطة الوجود.

يدرك الشعب الإيراني المسلم العزيز وسائر المسلمين حول العالم أنّ «الفاطميّون» تخلّوا عن راحتهم وحياتهم وأرواحهم من أجل الدفاع عن الإسلام والمسلمين والشيعة والشعب الإيراني المسلم ودول المنطقة، ويتوجّب علينا اليوم أن نجلّهم ونحترمهم ونكرمهم ونتباهى بكلّ هذا القدر من جهادهم وجهودهم.