المفاهيم القرآنيّة المكوّنة للحضارة في فكر الإمام الخامنئي

ما هو المعنى الحقيقي «للمستضعفين» من وجهة نظر القرآن؟

طرح الإمام الخامنئي في كلمته بتاريخ 11/6/2023 خلال لقاء مع العلماء والمتخصصين والخبراء والمسؤولين في الصناعة النووية مفهوماً آخر من المفاهيم القرآنيّة المكوّنة للحضارة. ولفت إلى دخول مفردة «مستضعف»  و«استضعاف» إلى الأدبيّات السياسيّة لإيران مع انتصار الثورة الإسلاميّة وفسّرها. عليه، يتطرّق موقع KHAMENEI.IR الإعلامي في هذه المقالة إلى شرح مفهوم «المستضعف» القرآني وعلاقته مع «المقاومة» وتحقيق النصر النهائي و«وراثة الأرض».
 
 

تُعدّ مفردة الاستضعاف، واحدة من المفردات المستخدمة كثيراً في الثورة الإسلاميّة ولها جذورٌ في آيات القرآن الكريم. وحيث إنّ هذه المفردة عبارةٌ عن اشتراك لفظي، فإنّ لها معانٍ عديدة ينبغي أن يتمّ تعيين حدّ وتعريف كلٍّ منها. كما جرى استخدامها في العُرف القديم والحالي ضمن إطار معانٍ خاصّة. لكن حيث إنّ هذه المفردة مفردةٌ قرآنيّة، فإنّه من الضروري تحليلها من منظار آيات القرآن وعرض المعنى الصحيح لها.

أورد القرآن الكريم هذا المصطلح ضمن إطار كلمات متعدّدة من قبيل «استُضعفوا، يستضعف ومستضعفين». وإنّ المشتقّات الأخرى كلمة «ضعف» من قبيل «أضعاف، ضعف، ضعفاء، ضعفين و...» لا صلة لها بمعنى مفردة «استضعاف».

تم استخدام هذا المصطلح في القرآن الكريم بمعنيَين: 1. المستضعف على المستويين السياسي والاجتماعي 2. المستضعف على المستويين المالي والاقتصادي. وفي ما يلي سوف نتطرّق إلى شرح كلّ منهما.
 

الف) المستضعف على المستويين السياسي والاجتماعي
 

إنّ أوّل وأهمّ معنى لمفردة «مستضعف» في القرآن الكريم، هو المستضعف على المستويين السياسي والاجتماعي. بمعنى أنّ بعض الناس يرزحون تحت وطأة الضغوط، وأنواع الظلم والحظر التي يفرضها الآخرون ويُنظر إليهم على أنّهم ضعاف.(1) والقرآن الكريم أطلق في أدبيّاته السياسيّة اسم «المستضعف» على المظلومين و«المستكبر» على الظالمين. على سبيل المثال، يتطرّق القرآن الكريم في الآيات 31 إلى 33 من سورة سّبأ المباركة إلى الحوار بين هاتين الفئتين: {يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا... قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا... وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} (2).

وحيث إنّ هذا المعنى للمستضعف ومصاديقه القرآنيّة، له صبغة ثوريّة ويوحي بمناهضة الظلم، دخل هذا المصطلح الأدبيات السياسيّة للعالم بعد انتصار الثورة الإسلاميّة استلهاماً من هذا المعنى القرآني. لأنّ أيّ ثورة – وخاصّة الثورة الإسلاميّة في إيران التي كانت ثورة ثقافيّة ودينيّة – تحتاج إلى صياغة مفردات تتناسب مع الفكر الإسلامي الأصيل لكي يتمّ وضع الحدود وفصلها عن المصطلحات في سائر الدول في الشرق والغرب التي يحمل كلّ منها معنى ومفهوماً خاصّاً. وإنّ الإمام الخامنئي يقول حول الاستفادة من هاتين المفردتين القرآنيّتين: «نحن طرحنا مصطلحات «الاستکبار» و«الاستضعاف» و«الشعبيّة» وجئنا بها»(3).
 

وسماحته يوضح أهميّة وسبب هذه القضيّة مع ذكر نموذج «السيادة الشعبيّة» بهذا النحو: «نحن نؤيّد السيادة الشعبيّة، ونؤيّد الحريّة أيضاً، لكنّنا نرفض الليبراليّة الديمقراطيّة. على الرّغم من أنّ المعنى اللغوي «لليبراليّة الديمقراطيّة» هو نفسه الحريّة وهذه السيادة الشعبيّة، لكنّ مفردة الليبراليّة الديمقراطيّة كما هو شائعٌ بين شعوب العالم وفي معرفتهم وتصوّرهم، ينسجم مع مفاهيم منبوذة لدينا، ولا نرغب في وضع ذاك الاسم على مفهومنا الطاهر والسليم والصالح والنقيّ، لذلك، إنّنا نجعل اسماً جديداً لنظامنا الذي ننشده، ونقول السيادة الشعبيّة الإسلاميّة أو الجمهوريّة الإسلاميّة(4).
لذلك، يتمّ إطلاق كلمة «مستضعفين» بهذا المعنى على «المؤمنين» الذين يقفون بوجه المستكبرين ويقاومونهم رغم أنّهم يتعرّضون للظلم من قِبلهم حتّى يحقّقوا النصر النهائي. ويُمكن ملاحظة هذا المعنى بوضوح في الآية {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ}(5). تقول الآية أنّ الرؤساء المستكبرين من قوم صالح الذين رفضوا رسالته قالوا للمستضعفين في المجتمع الذين كانوا قد آمنوا: هل تعلمون أنّ صالح بُعث برسالة من قبل بارئه؟ قالوا: بلا شكّ، نحن نؤمن بما بُعث به. وفي المقابل قال المستكبرون: لا تتردّدوا بأنّنا كافرون بما آمنتم به».
يقسّم الله في هذه الآية المجتمعات إلى فئتين: مستكبرة ومستضعفة، ويطلق تسمية «المؤمنين» على المستضعفين واسم «الكافرين» على المستكبرين. إنّ المستضعفين هم في الحقيقة أولئك الذين آمنوا بقائدهم الديني ويقاومون المتغطرسين والمستكبرين، حتى يتغلّبوا في نهاية المطاف على المستكبرين.

ب) المستضعف على المستويين المالي والاقتصادي
إنّ المعنى القرآني الآخر لـ«الاستضعاف»، هو الاستضعاف على المستويين المالي والاقتصادي. على سبيل المثال يُعرب الله عن رأيه حول النساء في الآية {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ}(6)، يتمّ إيصال هذا المعنى في ما يرتبط بالبنات اليتيمات اللواتي ترغبون بالزواج منهنّ وأيضاً الأطفال الذين يُعدّون عاجزين.
 ثمّ يستخدم الإمام الخامنئي هذا المصطلح عندما يتحدث عن متابعة المسؤولين الأوضاع المعيشيّة للناس وما يقصده سماحته هو نفس هذا المعنى الاقتصادي والمالي. لهذا السّبب استخدم في غالبيّة خطاباته هذه المفردة إلى جانب المعنى المرادف لها، أي مفردة «المحروم» و«الفقير». «إنّ أهمّ قضيّة لجهازنا ونظام الجمهوريّة الإسلاميّة هي عبارة عن السعي من أجل إزالة الفقر والحرمان في المجتمع، وتقديم الدعم للطبقات المستضعفة والمحرومة والدفاع عنها.»(7) كذلك «إنّ إزالة الفقر من حياة الفقراء والمستضعفين أمورٌ تحظى برضا الله.»(8) وهناك نماذج أخرى.

 

الاستنتاج الدّلالي
اتّضح ممّا قلناه أنّ القرآن الكريم استخدم هذا المصطلح بمعنيَين. وإذا ألقينا نظرة على كلمات الإمام الخامنئي، سنجد أنّ سماحته أيضاً استخدم هذه المفردة في مختلف المناسبات بناء على آيات القرآن الكريم في مناسبات متعدّدة بمعناها التي يتناسب معها. لذلك فإنّه حين يتحدّث عن أنواع الحظر والضغوط والغطرسة للأعداء وأمريكا بحقّ الشعوب المسلمة والمجتمعات الإسلاميّة، يقصد الاستضعاف السياسي، أي هذه المواجهة بين الاستكبار والاستضعاف. لكن حين يخاطب سماحته المسؤولين ويوصيهم بماتبعة المشكلات المعيشيّة للناس، فإنّه يقصد المستضعف على المستوى المالي. لهذا السبب، يستخدم مصطلحي المستضعف والمحروم ويؤكّد على أن «ليس لدينا مستضعف على المستوى السياسي، وهذا ما كرّرته مراراً، لكن لدينا مستضعفاً على المستوى المالي(9).»
والدليل على عدم وجود مستضعف على المستوى السياسي في المجتمع الإسلامي هو أنّ الاستضعاف على المستوى السياسيّ مرتبط بنظام الطاغوت ولا معنى في الأساس لهذا النوع من الاستضعاف في هيكليّة النظام الإسلامي. لأنّ الحكومة الإسلاميّة والنظام السياسيّ الإسلامي ليس مستكبراً في الأساس حتى يكون فيه مستضعفين، وإنّ هذا الأمر له معنى في مقابل الاستكبار العالمي فقط. كما إنّ سماحة الإمام الخميني (قده) يُشير إلى هذا المعنى للاستضعاف فيقول: «نحن جميعاً من المستضعفين، أي إنّنا كنا أشخاصاً تعدّهم القوى العظمى ضعافاً، كانوا يعتبروننا عدماً ونحن نريد الخروج من هذه الحالة(10).»
لذلك فإنّنا حين نستخدم مصطلح المستضعف أو تعبئة المستضعفين، نقصد المستضعف على المستوى السياسيّ مقابل الضغوط وأنواع الحظر والعداوات التي يفرضها الاستكبار العالمي ضدّ الشعب الإيراني. لذلك يقول سماحته في إحدى كلماته: «نحن عندما نتكلّم عن الكفاح والتصدّي للاستكبار العالمي والجبابرة والناهبين للعالم، نتوجّه بخطابنا إلى جميع المستضعفين حول العالم. هذه طبيعة رسالتنا. والاستكبار العالمي يُدرك هذا الأمر أيضاً. وإنّ معاداته لنا وللإمام الخميني (قده) وللثورة الإسلاميّة مردّه هذه النقطة(11).»

 وسماحته يفصل في شرحٍ جميلٍ معاني هذه المفردة بعضها عن بعض ويقول: «إنّ نفسانيّات أيّ فئة ظالمة توجد الظلم. والفئة المستكبرة توجد الاستضعاف. والفئة التي تروم السيطرة على كلّ شيء والطامعة وعديمة الرحمة، توجد الجوع والفقر. إنّ النفسانيّات هي السبب في وجود كلّ هذه المفاسد في العالم منذ بداية التاريخ حتى اليوم(12).» يعتبر سماحته الظّلم نتيجة للظالمين والاستضعاف نتيجة للمستكبرين والفقر نتيجة للدنيويّين.

معنى الاستضعاف على المستوى السياسي

إنّ النقطة المهمّة في خطاب الإمام الخامنئي أنّ سماحته لا يرى المستضعف إنساناً «عديم القدرة، هشّ، ذليل وحقير». «يُفسّرون معنى المستضعفين بشكل سيّء. [يُفسّرون] المستضعفين بأنّهم أشخاص حقراء أو يقولون مؤخّراً – أي بات رائجاً خلال هذه الأعوام القليلة الأخيرة – أنّهم فئات هشّة، أي الهشّين. لا، ليس هذا المستضعف بنظر القرآن(13)».

من الواضح أنّ المظلومين من الناس ليسوا بالضرورة أشخاصاً هشّين أو حقراء. فالعديد من المستضعفين ليسوا حقراء وأذلّاء وهشّين. كذلك، لو ألقينا نظرة إلى خطابات الإمام الخميني (قده)، نجد أنّ المعنى الذي يرفضه الإمام الخامنئي اليوم، لم يكن الإمام الخميني (قده) يوافق عليه أيضاً، وهذا المعنى مستبعدٌ عن كونه معنى قرآنيّاً وإسلاميّاً. والإمام الخميني (قده) يقول حول استخدام القرآن مفردة مستضعف واختلافها عن مفردة ضعيف ما يلي: «هذه هي قضيّة الاستضعاف. لا أن الله يقول ضعاف. لا يقول الضعاف، بل المستضعفين. أي أولئك الذين يملكون القوّة، لديهم قوّة الإيمان وهم [المستكبرون] لا يدركون هذا الأمر ويجعلونهم في عداد المستضعفين. يقولون أن هؤلاء ضعاف (14)». من جهة أخرى، فإنّ هؤلاء المستضعفين الأٌقوياء أنفسهم استطاعوا إيجاد الثورة الإسلاميّة ومقاومة 40 سنة من غطرسة المستكبرين.

والقرآن الكريم يقسّم أيضاً المستضعفين إلى فئتين: 1. المستضعفون الذين وقفوا بوجه المستكبرين وأصرّوا على إيمانهم واستقاموا 2. المستضعفون الذين تراجعوا أمام المستكبرين وجعلوا هم بأيديهم أنفسهم مستضعفة.

يقول الله جلّ وعلا في إحدى الآيات أنّ الملائكة حين تقبض أرواح بعض الناس الذين لم يؤمنوا ولم ينصروا دين الله ولم يطبّقوا تعليماته، يسألونهم، لماذا كنتم كذلك؟ فيجيبون: {قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ}(15). ثمّ توبّخهم الملائكة بسبب هذا التقصير والتذرّع في إقامة الدين الإلهي ويعتبر الله أن مكانهم هو جهنّم.

إذاً، إنّ المستضعف الحقيقي هو ذاك الذي يقف في وجه المستكبرين ويكافحهم حتى يحقق النصر. إنّ الخطأ المهمّ للأعداء المستكبرين والمنافقين في الحسابات هو اعتبارهم «المستضعف» ضعيفاً. نعم، بعض الدول المستضعفة ضعيفة لأنّها لا تهبّ لمواجهة الاستكبار. وفي اللغة العربيّة أيضاً، يفسّر معنى المستضعف على أنّه «من يُعتبر ضعيفاً» وكذلك بمعنى «من يُنظر إليه على أنّه ضعيف»(16). بينما قد لا يكون ضعيفاً في واقع الأمر.
 
الاستضعاف ووراثة الأرض

بناء على ما قيل حول المعنى الحقيقي للمستضعف، فإنّ المستضعفين وإن كانوا يتعرّضون للظلم، إلا أنّهم يقفون في وجه المستكبرين ويكافحون حتى يحقّقوا النصر. لهذا السبب، طرح الإمام الخامنئي مرّات عدّة ثلاثيّة «الاقتدار، المظلوميّة، النصر» وهو لا يعتبر بالضرورة الشعب المظلوم والمستضعف شعباً ضعيفاً ومنهزماً. يقول الإمام الخامنئي حول توصيف أمير المؤمنين (عليه السّلام) ما يلي: «إنّ الإنسان قويٌّ ومقتدر، وهذا الإنسان نفسه قويٌّ ومظلومٌ في الوقت عينه... عندما ينظر الإنسان إلى القضايا بشكل عامّ، يلاحظ أنّ النصر خلال هذا الصراع حليف أمير المؤمنين (ع) (17).» وهم يذعنون بأنّ عصر حكم الإمام، «كان عصر حكومة مقتدرة ومظلومة في الوقت عينه ومنتصرة(18).»  يُعرّف سماحته الإمام الخميني (قده) أيضاً بهذه الصفات الثلاثة(19) ويعتبر الشعب الإيراني «شعباً مظلوماً ومقتدراً في الوقت عينه ومنتصراً في نهاية المطاف»(20). إنّ السبب وراء مظلوميّة الشعب الإيراني هو أنواع العداء للاستكبار وإنّ سبب اقتداره هو الإسلام.(21) كما إنّ سماحته يدعو للشعب الإيراني بهذا النّحو: «إلهي! حقّق النصر لهذا الشعب المقتدر والمظلوم في وجه أعدائه.»(22) والله عزّ وجل وعد أيضاً في آيتين من القرآن الكريم المستضعفين بـ«وراثة الأرض».
 

الآية الأولى:

  • وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا... بِمَا صَبَرُوا}(23). أي لقد جعلنا الشعوب التي كانت مستضعفة أمام الفراعنة المستكبرين ترث شرقي الأرض وغربها... بسبب مقاومتها.

وفق هذه الآية، تُعدّ المفاهيم الثلاثة: «الاستضعاف»، «وراثة الأرض» و«المقاومة» مفاهيم مترابطة مع بعضها، وتوحي بهذا المعنى، أنّ نهاية التاريخ والحكم على الأرض هي للمستضعفين حتماً والسبب وراء هذا الحكم والانتصار الأخير والنهائي هو صبر المستضعفين ومقاومتهم. كما إنّ الإمام الخامنئي بعد أن يوصي التعبويّين بالمقاومة في كلمته معهم خلال اللقاء بهم في تاريخ (27/11/2019) يتطرّق إلى مفهوم «المستضعفين» ليشرح العلاقة بين المقاومة والاستضعاف ومن ثمّ وراثة الأرض.
 
الآية الثانية:

  • وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}(24). نعم، كان فرعون يسعى لإبادة المؤمنين، بينما كنا نروم إعطاء من استُضعفوا في الأرض نعمة ثمينة وكبيرة ونجعلهم أئمّة يُتّبعون ونجعل الهبات التي وهبناها للفراعنة ملكاً لهم.

يقول الإمام الخامنئي وفق هذه الآية: «المستضعفون هم أئمّة عالم البشريّة بالقوّة، هذا ما تعنيه [مفردة] المستضعفين. أولئك الذين سيكونون الورثة للأرض وكلّ مخزون الأرض، هذا ما تعنيه تعبئة المستضعفين. المستضعف هو صاحب وراثة العالم بالقوّة، وهو خليفة الله على الأرض بالقوّة، وهو إمام عالم البشريّة بالقوّة.»(25) ويتابع سماحته كلامه بالقول إنّ النصر النهائي حليف مثل هؤلاء الناس: «دعوني أقول لكم أنّ انتصار الشعب الإيراني والتعبئة وهذا التيار الثوري العظيم أمرٌ محسوم (26).»
والنقطة الأهمّ هي أنّ ثلاثيّة «الاستضعاف، المقاومة، النصر» تحققت مرات عدّة على مرّ التاريخ. ونحن نلاحظ المثال القرآني عليها في قصّة بني إسرائيل، إذ إنّ غالبيّة آيات الاستضعاف مرتبطة بهم وإنّ النموذج التاريخي الملموس لها، انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران ومقاومة الشعب الإيراني المستضعف في وجه الاستكبار طوال أكثر من أربعين عام. ويلفت الإمام الخامنئي أنظارنا مع الاستناد إلى آية {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ}(27) إلى هذه النقطة: «أين كنّا نحن وإلى أين وصلنا... يجب ألّا ننسى ذاك اليوم الذي كنا مستضعفين فيه وقلّة، كنّا مهمّشين. واليوم فقد أحكم الله المتعالي بفضل الله سواعدهم(28).»

عليه، إنّ رؤية سماحة الإمام الخامنئي تقول بأنّ مفهوم «تعبئة المستضعفين» مفهوم مكوّنٌ للحضارة. تعبئة المستضعفين تعني أنّ المظلومين والمؤمنين والمقتدرين في آن الذين يقفون بكلّ ما أوتوا من قوّة في وجه أنواع الظلم والضغوط التي يفرضها الأعداء المستكبرون  إلى أن يمنّ الله عليهم بالنصر النهائي ووراثة الأرض.

الهوامش:
1. وردت في كتب اللغة بمعنى اعتبار الآخرين ضعافاً والنظر إليهم على أنّهم ضعاف.
2. سورة سبأ، الآيات 31 إلى 33
3. كلمة الإمام الخامنئي في لقاء مع التعبويّين في محافظة كرمانشاه، 14/10/2011
4. المصدر نفسه
5. سورة الأعراف، الآية 75
6. سورة النساء، الآية 127
7. الإمام الخامنئي في لقاء مع رئيس الجمهوريّة وأعضاء الحكومة بمناسبة حلول أسبوع الحكومة، 25/8/1991
8. كلمة الإمام الخامنئي في لقاء مع العلماء، طلاب الحوزات ومختلف الفئات الشعبيّة من محافظة قم بمناسبة حلول الذكرى السنويّة لانتفاضة 19 دي، 8/1/1997
9. كلام الإمام الخامنئي في خطبتي صلاة الجمعة في طهران، 4/6/1982
10.. صحيفة النور، ج7، ص369.
11. كلمة الإمام الخامنئي في مراسم بيعة جمع غفير من أئمة الجمعة وعلماء الدين في محافظتي مازندران وأصفهان والعلماء وطلاب الحوزات من الدول الإسلاميّة المقيمين في إيران، 25/6/1989
12. كلمة الإمام الخامنئي في لقاء مع المشاركي في ملتقى الصلاة السابع عشر، 19/11/2008
13. كلمة في لقاء مع التعبويّين، 27/11/2019

14. صحيفة النور، ج10، ص121
15. سورة النساء، الآية 97
16. المصباح المنير، ج2، ص361
17. كلمة الإمام الخامنئي في مراسم الذكرى التاسعة والعشرين لرحيل الإمام الخميني (قده)، 4/6/2018
18. كلام الإمام الخامنئي في خطبتي صلاة الجمعة، 8/1/1999
19. كلمة الإمام الخامنئي في مراسم الذكرى التاسعة والعشرين لرحيل الإمام الخميني (قده)، 4/6/2018
20. كلام الإمام الخامنئي في لقاء مع رئيس ومسؤولي السلطة القضائيّة، 26/6/2019
21. كلمة الإمام الخامنئي في لقاء مع القيّمين على شؤون الحج، 5/11/2008
22. كلام الإمام الخامنئي في خطبتي صلاة الجمعة في طهران، 19/6/2009
23. سورة الأعراف، الآية 137

24. سورة القصص، الآية 5
25. كلمة في لقاء مع التعبويّين، 27/11/2019
26. المصدر نفسه
27. سورة الأنفال، الآية 26
28. كلمة الإمام الخامنئي في لقاء مع أعضاء مجلس خبراء القيادة، 6/3/2014