أكّد الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، في كلمة له الإثنين 25/08/2025 خلال الحفل التأبيني للعالم الراحل السيد عباس علي الموسوي (رض) أن سلاح المقاومة هو «روحها وشرفها وكرامتها»، محذراً من أن أي محاولة لنزعه ستواجه ببأس شديد. وفي الوقت نفسه، طرح الشيخ قاسم ما اعتبره خارطة طريق لحل الأزمات في لبنان، تبدأ بمطلب واحد وأساسي: استعادة السيادة الوطنية الكاملة.

وتطرق الشيخ قاسم في كلمته إلى آخر المستجدات السياسية والأمنية، وعلى رأسها القرار الحكومي الأخير المتعلق بسلاح المقاومة، والتدخلات الأميركية في الشأن اللبناني، بالإضافة إلى رؤية الحزب للمرحلة المقبلة.

السلاح روحنا... ومن يريد نزعه سيندم

وحول موضوع سلاح المقاومة النقطة المحورية في كلمة الشيخ قاسم، رفض سماحته بشكل قاطع أي مساومة أو تنازل في هذا الملف. واعتبر أن القرار الحكومي الأخير بتجريد المقاومة من سلاحها هو «قرار خطيئة وغير ميثاقي»، مشدداً على أنه اتُّخِذ تحت «الإملاءات الأميركية والإسرائيلية». وحذر من أنه «إذا استمرت الحكومة بهذه الصيغة، فهي ليست أمينة على سيادة لبنان»، داعياً إياها إلى التراجع عن قرارها، فـ«التراجع فضيلة».

وخاطب الشيخ قاسم من يسعى لنزع السلاح قائلاً: «من أراد نزع السلاح فهو يريد نزع روحنا، وعندها سيرى العالم بأسنا». وأضاف أن «السلاح الذي أعزّنا، والذي يحمينا من عدونا، لن نتخلّى عنه. لن نترك "إسرائيل" تسرح وتمرح في بلدنا وتقتل المقاومين وتصادر الجنوب». وأكد أن المقاومة وأنصارها، الذين يزيدون عن نصف الشعب اللبناني، سيقفون صفاً واحداً لحماية هذا السلاح الذي يحمي لبنان وعزته، مردداً شعار «هيهات منا الذلة».

خارطة طريق تبدأ بالسيادة.. لا «خطوة مقابل خطوة»

في مقابل رفضه المطلق لنزع السلاح، قدّم الشيخ قاسم للحكومة ما وصفه بـ«خارطة طريق واضحة»، مؤكداً أن حل كل المشاكل التي يعاني منها لبنان يبدأ باستعادة السيادة الوطنية. ودعا الحكومة إلى وضع خطة سياسية وإعلامية وعسكرية وتعبوية لتحقيق هذا الهدف، معتبراً أن «السيادة هي الأولوية المطلقة على كل ما عداها».

واقترح الشيخ قاسم إطلاق حملة وطنية لمدة أسبوع تحت شعار «نطالب حكومة لبنان باستعادة السيادة الوطنية»، داعياً الأحزاب والنخب والمؤثرين إلى «إغراق وسائل التواصل الاجتماعي والفضاء الإعلامي» بمقترحات عملية للحكومة حول كيفية تحقيق ذلك، سواء عبر الدبلوماسية، أو تسليح الجيش، أو إقرار استراتيجية دفاعية وطنية.

كما رفض بشكل قاطع منطق «خطوة مقابل خطوة» الذي يطرحه البعض، والذي يبدأ بتنازلات من جانب المقاومة. وحدد مساراً واضحاً يبدأ من الطرف الآخر: «تبدأ بإخراج العدو من أرضنا، وإيقاف العدوان، والإفراج عن الأسرى، والبدء بالإعمار، ثم بعد ذلك تعالوا إلى الاستراتيجية الدفاعية». وتوجه للحكومة بالقول: «التزموا بما اتفقنا عليه، ونحن نلتزم بما عهدتمونا. ألزموا "إسرائيل"... كونوا شجعاناً وقفوا، ونحن نشدُّ على أياديكم بهذا الموقف العزيز، وسنكون معكم لنعمّر وطننا معاً».

واشنطن رأس الفتنة... والانهيار برعاية أميركية

ووجّه الأمين العام لحزب الله اتهامات مباشرة للولايات المتحدة، معتبراً أن «الحركة الأميركية التي نراها هي حركة لتخريب لبنان ودعوة للفتنة». وأوضح أن واشنطن لا تزال تفرض عقوبات على لبنان، وتمنع إعادة الإعمار ومجيء المساعدات من دول أبدت استعدادها لدعم لبنان، كما تحرم الجيش اللبناني من امتلاك السلاح النوعي الذي يمكنه من مواجهة "إسرائيل"، وتقتصر مساعداتها العسكرية على أسلحة تصلح للمواجهات الداخلية فقط.

وحمّل الشيخ قاسم الولايات المتحدة مسؤولية الانهيار الاقتصادي والمالي الذي شهده لبنان منذ عام 2019، مؤكداً أن «كل المفاسد والخلخلة والانهيار الذي حصل كان برعاية أميركية وبإشرافها». وخلص إلى أن «أميركا التي تعبث بلبنان ليست موثوقة، بل هي خطر عليه».

المقاومة نصير للجيش.. والبديل هو الاستسلام

وأعاد الشيخ قاسم تعريف دور المقاومة، مؤكداً أنها «ليست جيشاً لدولة، وليست بديلاً عن الجيش الوطني، بل هي نصير له وتساند وتساعد». وشدد على وجوب تسليح الجيش اللبناني وتحميله المسؤولية الأولى في الدفاع عن الوطن، فالمقاومة تبقى «عاملاً مساعداً نشأ لمواجهة العدوان».

وأوضح أن المقاومة، ورغم أنها لا تمنع العدوان إذا قرر المعتدي أن يعتدي، إلا أنها تهزم العدو وتعيق أهدافه وتمنعه من الاستقرار وتحقيق مشروعه التوسعي. وذكّر بأن ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة» استطاعت ردع "إسرائيل" لمدة 17 عاماً، من 2006 إلى 2023، وهو ما اعتبره «إنجازاً استثنائياً». وتساءل: «ما البديل إن لم تستمر المقاومة؟ إنه الاستسلام لـ"إسرائيل" والتخلي عن إمكاناتكم وقدراتكم».

«فجر الجرود» نموذج للاستراتيجية الدفاعية

وفي سياق كلمته، استذكر الشيخ قاسم مناسبات مهمّة، حيث شدّد على «أهمية أنْ يهتم العالم الإسلامي بذكرى مولد النبي الأكرم محمد (ص)»، كما توقّف سماحته عند ذكرى تغييب الإمام السيد موسى الصدر، مذكّرًا بأنّ «الإمام الصدر أحدث تغييرًا جذريًّا في لبنان وهو إمام المقاومين».

وأضاف: «الإمام الصدر كان حريصًا على الوحدة الوطنية في وطن هو لنا جميعًا، وهو القائل بأنّ الجنوب تصدَّى نيابة عن كل لبنان والعرب. نعاهد الإمام الصدر أنّنا تحت لواء المقاومة».

كما تطرق إلى معركة «فجر الجرود» في 28 آب 2017، التي حررت جرود لبنان من التنظيمات التكفيرية، واصفاً إياها بـ«نموذج من نماذج الاستراتيجية الدفاعية التي تجعل المقاومة سنداً للجيش اللبناني في التحرير». وأشاد بالدور الحازم والشجاع للرئيس السابق ميشال عون الذي اتخذ قرار المعركة رغم الضغوط الأميركية، وبالتنسيق الكامل الذي حصل بين المقاومة وقيادة الجيش اللبناني المتمثلة يومها بالعماد جوزاف عون.

إقليمياً، أشار الشيخ قاسم للعدوان الإسرائيلي على اليمن، معتبراً أن «إسرائيل هي رأس الإجرام»، ومسجلاً لليمن «موقفاً بطولياً استثنائياً ونادراً سيُسجَّل له في التاريخ» لوقوفه الصلب إلى جانب غزة وفلسطين.

الشيخ قاسم تحدّث في كلمته عن سيرة السيد عباس الموسوي، مبيّنًا أنّه «كان عضوًا في الهيئة الشرعية للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وعضوًا في تَجمُّع العلماء المسلمين»، مضيفًا: «السيد عباس علي الموسوي كان وحدويًّا على مستوى لبنان والمنطقة، وكان داعمًا في خدمة المقاومة».