في ما يلى النص الكامل لخطبة الإمام الخامنئي التي ألقاها سماحتة في 22/6/1984 على أعتاب يوم القدس العالمي:

بسم الله الرحمن الرحیم

أيها المؤمنون في جميع أنحاء العالم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يمرُّ علينا العقد الأخير من الشهر الكريم بأيامه ولياليه العظيمة؛ لياليه التي يُحتمل كثيراً أن يكون بينها ليلة القدر، أسأل الله سبحانه أن يبارك على أمتنا في هذه الليلة ويُقدِّر لها ما فيه عزها وسؤددها وأن يوفق كل المؤمنين والمؤمنات لمزيد من الذكر والدعاء والتقرب من رب العالمين.
كما تحمل هذه الأيام ذكرى استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام؛ هذا الإمام الذي جسَّد في حياته الإسلام بكل أبعاده الفردية والاجتماعية منذ أن ولد في الكعبة وحتى تضمُّخه في المحراب بدم الشهادة.
ونحن على موعد في آخر جمعة من هذه الأيام المباركة مع يوم القدس؛ يوم قضية هامة تحتاج إلى مزيد من التوعية والتوضيح والتأكيد.
قبل أن أتحدث عن هذا اليوم لابُدَّ أن أعرب عن ارتياحي لأن أرى إعلان يوم القدس العالمي قد آتى والحمد لله أكله وبدا أثره في بعض الأوساط التي أعلنت إقامة أسبوع القدس، وهذا يدل على أن الدعوة إلى الإحياء الدائم لذكرى القدس في الأفكار والنفوس؛ هذه الدعوة التي طرحت من قبل إمام الأمة بشكل إعلان يوم القدس العالمي كان لها صدًى عميق بين المسلمين.
من الضروري التأكيد على عدم الإكتفاء بالشكليات في إحياء ذكرى القدس والتركيز على المعنى الحقيقي لهذا الإعلان. فإعلان يوم القدس يعني التحسيس المستمر للأمة باغتصاب أرضها الإسلامية على يد الصهاينة، ويعني التعبئة المستمرة للجماهير لإزالة هذه البقعة السوداء من خارطة العالم الإسلامي.
إحياء ذكرى القدس لا يتناسب إطلاقاً مع الإعتراف بالكيان الصهيوني أو السكوت على جرائمه. لا يستطيع أن يعلن الدعوة إلى مثل هذا الإحياء إلا أولئك الذين يُعدُّون أنفسهم بجدٍّ لمكافحة السرطان الصهيوني. أولئك الذين هادنوا الكيان الصهيوني الغاصب للقدس بأي شكل من الأشكال وتركوا خطَّ الجهاد الدامي لهذا العدو المتغطرس واتجهوا نحو استرضاء أمريكا في هذا المجال لا يستطيعون دون شكٍّ أن يرفعوا عقيرتهم باسم القدس وفلسطين، عرباً كانوا أم غير عرب بل حتى ولو كانوا فلسطينيين.
مسألة فلسطين لا زالت إحدى أهم مسائل العالم الإسلامي؛ لأنها ليست مسألة اقتطاع جزءٍ من أراضي المسلمين فحسب، بل مسألة الحضور السياسي والعسكري الأمريكي بل السيطرة السياسية الأمريكية على جميع المنطقة. طبعاً أن سيطرة سياسية استكبارية في أي بقعة من بقاع العالم تستتبع لأسباب عديدة سيطرة بقية القوى التسلطية فيها.
إن رأينا الحكومات العربية لا تستطيع أن تلبي حاجة الشعوب العربية الملحة إلى الوحدة، وإن رأينا ما بين بعض هذه الحكومات من تكتل يتجه لخدمة مصالح أمريكا ولا يُسبِّب ضرراً لأعداء الإسلام والمسلمين، فذلك يعود إلى سيطرة سياسية لأمريكا والغرب على هذه المنطقة.
إنطلاقاً من مبادئنا الجهادية وضعنا قضية فلسطين ومواجهة العدو الصهيوني في مطلع سياستنا الخارجية وهذا هو سرُّ كل ما نشاهده من مواقف عدائية تتخذها ضدنا القوى الاستكبارية وأذنابها في المنطقة.
نحن واثقون أن مشاكل العالم الإسلامي لا تُحلُّ إلا بحل مسألة فلسطين، فهذه المسألة مقدمة واجبة لحل مشاكل المسلمين عامة والعرب خاصة.
ولا نتوقع طبعاً أن ينهض بعبء التحرير الحكام المهادنون الخاضعون لأمريكا، بل الحكومات القادرة على أداء هذه المهمة هي تلك الصامدة أمام الضغوط الأمريكية والمستندة إلى قواها الجماهيرية.
نُهيب مرة أخرى بكافة الشعوب المسلمة لأن تُكرِم يوم القدس وتحييه ليكون مظهراً لإرادة عامة المسلمين في تحرير القدس، فالقدس رمز جهاد أمتنا للسيطرة الأمريكية في المنطقة. ونُهيب بالحكومات الإسلامية أن تهتم بهذا اليوم الجماهيري وتضمَّ أصواتها إلى أصوات شعوبها.
ويجب أن يكون يوم القدس هذا العام بإذن الله ضربة سياسية إعلامية كبرى موجهة لجسد الصهاينة الغاصبين.

بسم الله الرحمن الرحيم "قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد" وصدق الله العلي العظيم
والسلام عليكم ورحمة الله