وفي ما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها الإمام الخامنئي أثناء لقائه رئيس وأعضاء مجلس خبراء القيادة في الجمهورية الإسلامية في إيران:

 

بسم الله الرحمن الرحيم (1)

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، سيما بقية الله في الأرضين.

مرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة الأعزاء والسادة المحترمون. إن اللقاء بكم أيها السادة الخبراء من اللقاءات المحببة والطيبة بالنسبة لنا. التأثير الذي تتركونه في المناخ الاجتماعي الذي تعيشون فيه، والتأثير الذي يتركه هذا الاجتماع الشريف العزيز في مجمل هيكلية النظام، كلها نقاط مهمة ونتمنى أن يكون ما فكّرتم وتأمّلتم فيه وما قلتموه وما أردتموه وما بادرتم من أجله، نتمنى أن يكون إن شاء الله مشمولاً باللطف والمدد الإلهيين، وأن يبلغ نتائجه إن شاء الله.

نشكر سماحة الشيخ جنتي وسماحة السيد الشاهرودي كثيراً على كلمتيهما، فقد قدّما كلمتين مفيدتين، وعرّفانا في هذه الجلسة على أجواء المجلس خلال أيام الاجتماع. بالطبع كنت قد اطلعت سابقاً على تقرير في هذا الخصوص. تطرَّق السادة لمواضيع وقضايا مهمة جديرة بالاهتمام حقاً. ولنذكر المرحوم الشيخ معصومي، سماحة الحاج الشيخ علي أصغر معصومي رحمة الله عليه، فقد كان من أصدقائنا القدامى، وكان عضو مجلس خبراء القيادة لعدة دورات. ولم يشأ هو نفسه أن ينضم للمجلس في دورته الأخيرة هذه، فقد كان مريضاً وغير قادر على العمل، وانتقل إلى رحمة الله قبل أيام (2)، ونتمنى أن تشمله الرحمة واللطف الإلهيان إن شاء الله.

 

محرم شهر الإمام الحسين؛ شهر الجهاد، وشهر الإخلاص، وشهر الوفاء، وشهر التضحية، وشهر الاهتمام بحفظ الدين. إنه شهر كل تلك القيم التي تجلت وتبلورت في وجود سيد الشهداء سلام الله عليه.

 

أشار السيدان سماحة الشيخ جنتي وسماحة السيد الشاهرودي إلى مناسبة محرم، وهي مناسبة على جانب كبير من الأهمية. محرم شهر الإمام الحسين، إنه شهر حسيني. إنه شهر كل تلك القيم التي تجلت وتبلورت في وجود سيد الشهداء سلام الله عليه. شهر الجهاد، وشهر الإخلاص، وشهر الوفاء، وشهر التضحية، وشهر الاهتمام بحفظ الدين، دين الله، والمقاومة بوجه القوى المعارضة للدين. إنه تجسيد لكل هذه الأمور. الوجود المبارك لسيد الشهداء وأحداث عاشوراء ومحرم وما شاكل، وحقاً إن هذا الاعتقاد صحيح بأن ثورة سيد الشهداء هي التي حفظت الإسلام. كما أن هذه الحادثة ازدادت حيوية وعظمة يوماً بعد يوم على مرّ القرون. لقد ازدادت مراسم إحياء هذه الحادثة في الوقت الراهن بالمقارنة إلى ما قبل مائة سنة ـ حيث لم يكن في الماضي معارضون لتديّن الناس كما هم اليوم ـ ازدادت اليوم حرارة وجاذبية وحماساً وسعة. هذا كله له معناه. هذا كله يدل على حقائق. إنه تيار يسير في العالم بقيادة الحسين بن علي سلام الله عليه، وسوف يتقدم أكثر إن شاء الله، وسوف يُكتب له الفتح والتوفيق إن شاء الله، وسوف يحل عقد الشعوب ومشكلاتهم.

أريد الإشارة إلى نقطتين أو ثلاث. إحدى النقاط تتعلق بهذا المجلس المحترم، مجلس خبراء القيادة. والنقطة الأخرى ـ وهي نقطة تكررت تقريباً ـ حول شؤون البلاد. ونقطة أخرى حول أوضاع المنطقة والعالم وعلاقتها بنا وبالجمهورية الإسلامية.

حول النقطة الأولى يجب القول إن هذا المجلس مجلس استثنائي ومنقطع النظير حقاً من حيث التركيب ومن حيث الوظائف ومن حيث الأداء خلال هذه الأعوام الماضية وإلى اليوم. أعتقد أنه يمكن عقد الآمال على هذا المجلس لغرض مهم آخر إلى جانب الأعمال ومهام التي قام بها لحد الآن ولا يزال. وهو عبارة عن النظرة العامة الاستراتيجية للثورة ومسار الثورة. ليس لدينا بين أجهزتنا جهاز يقوم بهذه المهمة. وهي طبعاً من جملة واجبات القيادة، وقد جرت المحاولة للنهوض بهذه المهمة في حدود الإمكان، رغم النواقص الموجودة فيّ. ولكننا لا نمتلك جهازاً لهذه المهمة. السلطات الثلاث مكلفة بإدارة البلاد، ويجب عليها إدارة البلاد، كل واحدة في قطاع ما وبشكل ما. طبعاً هم يجب أن يديروا الثورة، ولا شكَّ في هذا، بيد أن نظرتهم بشكل طبيعي مركزة على الدرب الذي يسيرون فيه، وهي على العموم ليست نظرة عامة واستراتيجية لمجمل الثورة طوال هذه الأعوام الثمانية والثلاثين أو الأربعين الماضية، وعلى مدى عشرات السنين القادمة.

لا بدّ من وجود مركز تكون له هذه النظرة. فما معنى هذا؟ لأوضح المسألة أكثر بعض الشيء. يمكن تصور هيئة تفكير في مجلس خبراء القيادة هذا ـ والحمد لله على أن أصحاب الفكر في هذه الجماعة المكوّنة من سبعين أو ثمانين شخصاً ليسوا بالقلائل ـ ولتكن وظيفة هذه الهيئة المفكرة أن تلقي نظرة عامة على مسار الثورة منذ بدايتها وإلى اليوم. لقد كان لهذه الثورة أهدافها وكانت هناك حركة انطلقت نحو أهداف ما. لينظروا ويروا كم اقتربنا من هذه الأهداف. من أيها اقتربنا. وبخصوص أي الأهداف عانينا من المراوحة والتوقف. وبخصوص أي الأهداف تقدمنا إلى الأمام. وقد تكون هناك حالات سجلنا فيها تقدماً نحو هدف ما في بدايات الثورة لكننا بعد مدة لا أننا شهدنا مراوحة وتوقفاً وحسب بل وربما عدنا إلى الوراء. يجب أن نعرف هذه الأمور.

 

معنى لا غربية؛ أنْ لا ننجذب إلى الغرب ولا نقع تحت تأثيره ولا نتقبل الثقافة الغربية، ويجب أن نشذب البلاد والثقافة من الامتزاج بالثقافة الغربية المنحطة وأن لا نخضع لتأثير الغرب من الناحية السياسية ولا نكون تابعين لهم

وإذا شاهدنا مثل هذه الحالات في بعض الأمور، فيجب أن نطرح مطالباتنا في هذا الخصوص وينبغي أن يطرح هذا المجلس مطالباته على هذا الأساس. وطالما جرى الحديث عن مطالبات، كانت هناك في كلمات السادة، وأشار السادة هنا، وسبق أن قلت أنا: نعم يجب أن يكون لمجلس الخبراء مطالباته من الأجهزة والمؤسسات المختلفة. يمكن تنظيم هذه المطالبات على أساس هذه الدراسة، يجب أن ندرس، ولنفترض مثلاً بشأن الأمور الموجودة. لنفترض أن من عناوين هذه الثورة لا شرقية ولا غربية. ولا يوجد اليوم شرق، ويوجد غرب بكل قوة وقدرة. فما معنى لا غربية؟ معناها أنْ لا ننجذب إلى الغرب ولا نقع تحت تأثير الغرب ولا نتقبل الثقافة الغربية، ويجب أن نشذب البلاد والثقافة من الامتزاج بالثقافة الغربية المنحطة. هذا هو معناها بالتالي. معناها أن لا نخضع لتأثير الغرب من الناحية السياسية. لا نكون تابعين للغرب. لا نكون مطيعين منقادين للغرب. هذا هو معناها عموماً. معنى لا غربية ـ وكذلك الحال بالنسبة لشعار: لا شرقية، بيد أنه لا يوجد اليوم شرق ـ هذا هو معنى لا غربية بالتالي. أين هو الغرب؟ الغرب هو طبعاً أمريكا وأوربا. للحكومات الأوربية ثقافة وسياسة وخارطة طريق طويلة وعامة. نحن باعتبارنا جمهورية إسلامية يجب أن ننقذ أنفسنا من السقوط في الدرب الذي يريده الغرب. هذا أحد الواجبات. فهل قمنا بهذا الواجب لحد الآن أم لا؟ بأية نسبة قمنا به؟ وفي أي المواضع والمواطن قمنا به؟ وإذا لم نقم به في مواطن معينة فأين تكمن المشكلة؟ طبقاً لتشخيص تلك المشكلة يمكن طرح المطالبات في هذا المجلس. وقد تكون هذه المطالبة مطلوبة منّي، وقد تكون مطلوبة من الحكومة، وقد تكون السلطة القضائية مطالبة بها. وقد يكون الحرس الثوري مطالباً بها، وقد يكون مجلس الشورى مطالباً بها. يمكن طرح مطالبات على هذا الأساس. كان هذا مثالاً.

أو لنفترض على الصعيد الاقتصادي. الاقتدار الاقتصادي من أركان اقتدار البلاد. و قوة العملة الوطنية من العناصر الأساسية التي تشكل الاقتدار الاقتصادي، بمعنى أن تكون للعملة الوطنية قوّتها، وأن توفر المال والثروة للمواطنين ولمن يمتلكون هذه العملة. إذا وصلنا بناء على سياسات خاطئة ـ سياسات تنفيذية خاطئة وقرارات خاطئة وحالات عدم الاهتمام وعدم الاكتراث على اختلاف أنواعها ـ إلى وضع يهبط بقيمة العملة الوطنية يوماً بعد يوم، فهذا رجوع إلى الوراء. يجب أن نُشخّص هذه الحالة. ونطرح على أساسها مطالبات. ويمكن أن تكون هذه المطالبة من الحكومة وقد تكون من مجلس الشورى، وهلمّ جراً.

من الأمور التي كانت مطروحة منذ مطلع الثورة قضية العدالة. العدالة معناها تقليل المسافات الفاصلة بين الفقير والغني في البلاد، ومكافحة الفقر، وتوزيع الثروة بشكل صحيح في البلد. وهذه تختلف عن الأفكار الماركسية، وهي غير المساواة التي يطرحها الاشتراكيون أو الشيوعيون. هذا هو رأي الإسلام. والمصادر والوثائق الإسلامية تؤيد وتؤكد كلها هذا المعنى. لا بمعنى أن نسيطر على ثروة الأثرياء ونريد أن نسلبهم هذه الثروة، لا، بل ينبغي إدارة البلاد بحيث تقل الفوارق والمسافات بين الفقير والغني. حسنٌ، هذه قضية على جانب كبير من الأهمية، وهي قضية تطرح اليوم في العالم. وهذا هو المعامل الجيني الذي يطرح في العالم ويعد اليوم من المعايير والمؤشرات الاقتصادية. إنه في الواقع وبمعنى من المعاني المسافة الفاصلة بين الفقير والغني. يجب أن ننظر لنرى كم تقدمنا إلى الإمام من هذه الناحية من وجهة نظر الإسلام، وكم سِرنا وتحركنا، ولماذا الوضع على هذا النحو. يجب أن نحسب هذه الأمور وندرسها.

العدالة معناها تقليل المسافات الفاصلة بين الفقير والغني في البلاد، ومكافحة الفقر، وتوزيع الثروة بشكل صحيح

أو لنفترض مثلاً حماية وحراسة الدوافع الثورية. شرط استمرار حياة الجمهورية الإسلامية وجود الدوافع والمحفزات الثورية ووجود الروح الثورية. إذا لم تكن الروح الثورية فلن تكون الجمهورية الإسلامية. نعم، ستكون هناك دولة تتولى الأمور لكن تلك الدولة لن تكون جمهورية إسلامية. تحركات الشعب هذه، وهذه الدماء التي بذلوها وهذه الجهود والمشاق التي تحملوها لإحياء الإسلام وإحياء الشريعة الإسلامية، كلها كانت لهذا الغرض، وسوف تزول وتنسحق إذا زالت الدوافع الثورية. إذن، لا بدّ من الدوافع الثورية لصيانة الجمهورية الإسلامية. ما هو حال هذه الدوافع الثورية؟ هل انخفضت؟ هل ازدادت؟ هل استمرت؟ ما هي حالات مواجهة ومكافحة هذه الدوافع؟ وما هو السبيل لمواجهة هذه الحرب التي تُشنُّ ضد هذه الدوافع الثورية؟ ندرس هذا ونُعدُّ مطاليبنا على ضوء دراستنا. لنفترض مثلاً أنني أقول في كلماتي المختلفة يجب أن تساعدوا الشباب الثوري والمتدين، فهذا هو معنى هذا الكلام. أي إن هذا مطلب قائم على نظرة للمسيرة الثورية في البلاد. وطبعاً لحسن الحظ لا لم يتراجع البلد في هذا المجال وحسب بل وتقدم إلى الأمام. هذا شيء أكيد وممكن الإثبات.

أو لنفترض قضية تديّن الناس. نحن نريد أن يكون الناس متدينين. تتكرر هذه العبارة أحياناً «إننا لا نريد أن نُدخلَ الناس إلى الجنة بالقوة». هذه العبارة في رأينا عبارة غير صحيحة، إنما هي تعبير فيه مغالطة. لا يريد أحد إدخال أحد إلى الجنة بالقوة، ولكن علينا أن نفتح طريق الجنة أمام الناس ونشجعهم. بل إن الأنبياء جاءوا لهذا الغرض. جاءوا ليأخذوا الناس إلى الجنة ولا يدعوهم يدخلون النار. بل إنَّ كل إرسال الرسل وإنزال الكتب وكل هذه الجهود والمجاهدات كانت من أجل أن لا يسمحوا بدخول الناس إلى جهنم. هذا واجبنا ويجب أن نقوم  وننهض به، ويجب أن يكون الناس متدينين. هذا مما لا شكَّ فيه. طبعاً بالطريق الصحيح وبالشكل الصائب. وأنْ يقول قائل «ليس في الإسلام قوة (واجبار) في هذا المجال» فهذا ليس بالكلام الصحيح. فما هي هذه الحدود الشرعية إذن؟ ما هي إذن هذه الـ «فاجلدوا .... مائة جلدة» (3) أو «فاجلدوهم ثمانين جلدة» (4) ؟ هذه كلها قوة.

إذن، هذه دراسات استراتيجية. أي عندما تجتمع هيئتكم المفكرة وتلقي نظرة على مسيرة الثورة وعلى هذه المجموعة طوال هذه السنين التسعة والثلاثين، وتسجل كل واحدة من هذه الحالات ـ وعشر حالات أو خمس عشرة حالة مهمة أخرى يمكن تعدادها ـ وتجد أننا حققنا تقدماً في هذا الجانب فسيكون هذا التقدم مبعث تشجيع وينبغي القيام بأعمال من أجل أن نواصل هذا التقدم ونحافظ عليه، فمن المؤكد أن لهذا التقدم من يعارضونه ويخالفونه. أو إننا عانينا من المراوحة في مواطن معينة، وكان لنا تراجعنا في بعض المواطن. يجب أن ننظر ما الذي ينبغي فعله حيال هذه الحالات. وهذا ما يفرز مطاليب، بمعنى أن المطاليب اللازمة أكبر بكثير من المطاليب الجزئية والتنفيذية، من قبيل أن المحافظة الفلانية أو المدينة الفلانية تعاني من هذه المشكلة أو تلك. وتلك أيضاً مشكلات بالطبع ولا نريد تجاهلها، بيد أن موقع مجلس خبراء القيادة موقع متابعة تلك القضايا. هذه برأيي من المهام الأساسية والمهمة التي يمكن لهذا المجلس أن يقوم بها.

والنقطة الثانية التي أشرت إلى أنها تتعلق بمشكلات البلاد وهي كلام مكرر قيل مرات عديدة ونريد أن نطرحه مرة أخرى، خلاصته أننا نريد القول: ليعلم مسؤولو البلاد وكل أبناء الشعب أن حل مشكلات البلاد غير متاح إلّا على أيدي أبناء البلاد أنفسهم، سواء المشكلات الاقتصادية أو المشكلات الثقافية. كل أنواع المشكلات يمكن لهذا الشعب نفسه أن يعالجها.

ليعلم مسؤولو البلاد وكل أبناء الشعب أن حل مشكلات البلاد غير متاح إلّا على أيدي أبناء البلاد أنفسهم

ولأذكر شيئاً حول ذلك الموضوع السابق يصدق أيضاً على هذه القضية، وهو أنكم عندما تصلون إلى نتيجة ما بخصوص عنوان من العناوين المهمة الأساسية للثورة، فيجب أن تحوّلوه إلى خطاب، كأنْ تنشروه مثلاً في الصحف والمجلات. إنكم عدد كبير من الأفراد، عدد كبير من السادة من أئمة الجمعة أو الشخصيات البارزة في المحافظات أو في العاصمة، ولهم منابرهم ويستطيعون التحدث مع الناس ومخاطبتهم، فكرروا وقولوا إلى أن تصبح الفكرة خطاباً. والخطاب هو تلك الفكرة الشائعة بين الناس والتي تمثل مطالبة عامة من قبل الشعب. عندما يتحول الشيء إلى مطالبة عامة وخطاب عام فسيقترب بشكل طبيعي من التطبيق العملي. وكذا الحال بالنسبة لهذه القضية أيضاً. قضية التأكيد على الأيدي الداخلية لحل مشكلات البلاد يجب أن تتحول إلى واحدة من الواضحات والبينات الفكرية لدى الشعب. يجب أن تقال هذه الفكرة وتكرر ويستدل عليها وتبيّن إلى أن تغدو خطاباً قطعياً.

لدينا شباب متحفز وأفراد متخصصون ومنتجون جيدون وصناع فرص عمل جيدون، ولدينا عمال جيدون ومزارعون صالحون ومعلمون جيدون وأساتذة جيدون. يجب إصلاح الأمور على يد أفراد من هذا القبيل، وهؤلاء هم الذين ينبغي أن يعالجوا مشكلات البلاد. وهؤلاء هم من ينبغي أن يعالجوا المشكلة الاقتصادية أيضاً والمشكلات العملية المتنوعة الأخرى. فالأجانب لا يستطيعون فعل شيء.

لا أقول يجب أن نقطع علاقاتنا بالعالم، فهذه ليست رؤيتي أبداً. منذ بداية الثورة كنت من الأشخاص الذين أصروا على الارتباط بأطراف العالم، والآن أيضاً لديّ نفس هذه العقيدة، لكن ما أقوله هو أن لا نبدل أرجلنا القوية الطبيعية بعصا الأجانب. من الخطأ أن نتوكأ على عصا الأجنبي بدل الوقوف على أرجلنا والاعتماد عليها. طبعاً لا إشكال في المفاوضات في العلاقات العالمية. الإشكال الذي كان لدي حول المفاوضات النووية ولا يزال وطرحته على المسؤولين أنفسهم مراراً في جلسات خاصة وعامة هو: أقول لم يكن ثمة مشكلة في أن نتفاوض، لا إشكال في التفاوض، ولكن كان ينبغي التدقيق والحذر اللازم في هذه المفاوضات حتى لا يتمكن الطرف المقابل من ارتكاب أية حماقة يريدها من دون أن يُعتبر ذلك انتهاكاً للاتفاق النووي، بينما بمجرد أن نتزحزح قليلاً يُعدّ ذلك انتهاكاً لهذا الاتفاق! هذا خطأ، وما كان يجب أن يحدث. هذا ما يحدث بسبب عدم الاعتماد والاهتمام للقوة الداخلية، وبسبب الاعتماد على الطرف المقابل والعنصر الخارجي.

كان ينبغي التدقيق والحذر اللازم في المفاوضات حتى لا يتمكن الطرف المقابل من ارتكاب أية حماقة يريدها من دون أن يُعتبر ذلك انتهاكاً للاتفاق النووي

أقولها: يجب عدم تعليق الآمال على الأجانب. يجب أن نتعامل مع العالم، لا مشكلة لدينا في ذلك، والتعامل مع العالم له التزاماته حتمياً، ونحن نتقبل تلك الالتزامات ونتحملها على عاتقنا، لكننا لا نعتمد على الخارج (الأجانب). فالأعداء كثيرون في خارج بيئة مجتمعنا وبلادنا، وهناك جبهة من الأعداء في مقابلنا. الحمد لله على أننا وجهنا ضرباتنا لهذه الجبهة إلى اليوم، وفرضنا عليها الهزيمة والتراجع، وهذا ما سيكون بعد الآن أيضاً، ولكن لنعلم أن ما هو مقابلنا ليس نقطة عداء واحدة بل جبهة واسعة من الأعداء.

وأما قضية أوضاع العالم والمنطقة. يجب أن أقول باختصار بأننا في خصوص القضايا العالمية في حال تقدم والحمد لله. لا أننا لم نتراجع وحسب، بل ولم نتوقف، بل ونحن في حال تقدم إلى الأمام. بعكس ما يروم البعض إظهاره من «أننا فقدنا سمعتنا في العالم وأصبحنا طرفاً صغيراً في العالم» لا، الجمهورية الإسلامية في إيران بحول الله وقوّته عزيزة بالعزة الإلهية، وقد ازدادت عزة إلى اليوم باستمرار وتضاعف اقتدارها. وهذا ما يغيظ الأعداء.

كلام الرئيس الأمريكي كلام مضطرب يدلُّ على أنهم غاضبون وخائبون ويعانون من الناحية الفكرية من مشكلة وتخلف وخفة عقل

 

سمعتم كلمة الرئيس الأمريكي البلهاء (5) في منظة الأمم المتحدة ـ يفترض أنكم سمعتم هذا الكلام بشكل مباشر أو غير مباشر ـ وقد استخدم عبارات جد قبيحة وسخيفة، عبارات رجال العصابات، عبارات الكاوبوي (رعاة البقر) والتهديدات عديمة المعنى والخاطئة والتحليلات الأكثر خطأ مائة بالمائة. كلمةٌ مليئة بالأخطاء والأكاذيب! ربما كان في هذه الكلمة عشرون كذبة واضحة. كلام مضطرب يدلُّ على أنهم غاضبون وخائبون ويعانون من الناحية الفكرية من مشكلة وتخلف وخفة عقل. أي إن هذه الكلمة عبرت عن جميع الأشياء الثلاثة، كشفت عن الغضب، وكشفت عن الخيبة واليأس ـ حيث لا يعلمون ما الذي يجب أن يفعلوه مقابل هذا الواقع الموجود ـ وعبَّرت أيضاً عن خفة عقل. لم يكن الكلام الذي قيل مبعث فخر لشعب مثل الشعب الأمريكي. وأعتقد أن النخبة الأمريكيين يجب أن يشعروا بالخجل ـ وهم يشعرون بالخجل ـ من أن يكون لهم رئيسٌ كهذا يتكلم بهذا الكلام. ولا شأن لي الآن بما قاله وكيف قاله. ما أريد قوله يتعلق بسبب غضبهم. السبب هو تقدمنا إلى الأمام. قضية الغضب هذه قضية مهمة. ما كان بادياً في هذه الكلمة أكثر من أيّ شيء آخر وبوضوح هو الغضب. لماذا هم غاضبون؟

الغضب سببه أن أمريكا كان لها مخططها لمنطقة غرب آسيا هذه التي يسمونها الشرق الأوسط، منذ خمس عشرة سنة أو ست عشرة سنة ماضية ـ وربما منذ فترة أسبق من هذه، ربما كان المخطط عائداً إلى فترة أسبق، لكنه ظهر منذ نحو خمسة عشر أو ستة عشر عاماً ـ وقد طرحوا على أساسه لفترة من الزمن عنوان «الشرق الأوسط الجديد»، وطرحوا لفترة من الوقت اسم «الشرق الأوسط الكبير». كان لهم مخططهم لهذه المنطقة. وكان المحور الأصلي لهذا المخطط وقلب هذا المخطط هو سوريا ولبنان والعراق. كانت هذه البلدان الثلاثة ثلاثة محاور وثلاثة مراكز يجب أن تطبق الخطة فيها. فكيف تطبق؟ بأن تتولى السلطة في هذه البلدان الثلاثة حكومات مستسلمة وخادمة لأمريكا تماماً، فتطيع أمريكا في كل ما تريده، وتعمل لها. وما ستكون النتيجة؟ ستكون النتيجة أن تصبح هذه المنطقة كلها ساحة لصولات الكيان الصهيوني، ويجري بنحو من الأنحاء تأمين من النيل إلى الفرات الذي نادوا به في هذه المنطقة، حتى وإن لم يكن على شكل سياسة ظاهرية بل على شكل سلطة ونفوذ وهيمنة معنوية وواقعية. هذا ما أرادوا القيام به. أرادوا أن يكون العراق، هذا البلد التاريخي العظيم، بكل هذه المفاخر، تحت هيمنة الصهاينة والأمريكيين. وأرادوا أن تكون سوريا وهي مركز مهم للغاية من مراكز المقاومة ضد الكيان الصهيوني، في قبضة الكيان الصهيوني. والوضع بالنسبة للبنان واضح. هذا ما أرادوه وهذا هو العمل الذي أرادوا القيام به.

 

سوريا ولبنان والعراق كانت المحور الأصلي لمخطط  "الشرق الأوسط الكبير" (الأمريكي)

ولكم أن تنظروا الآن إلى الواقع، لتروا كم يختلف الواقع عمّا أراده هؤلاء! لاحظوا أنهم لم يستطيعوا القيام بأية حماقة في لبنان. ولاحظوا في العراق حصل العكس تماماً مما أرادوه. ولاحظوا سوريا، وبالطبع فقد ارتكبت أمريكا وحلفاؤها الكثير من الجرائم في سوريا، وأيديهم ملوثة بدماء الشعب السوري إلى المرافق، هذا مما لا شك فيه. أطلقوا داعش، وأطلقوا التكفيريين مثل جبهة النصرة وما شابه، وارتكبوا ضد الناس مذابح جماعية بمعنى من المعاني. فعلوا هذا لكنهم لم يستطيعوا تمرير مخططهم. لاحظوا اليوم أن قضية داعش آخذة بالانتهاء في الواقع، والتكفيريون في عزلة تامة. وقد تكرس الوضع الذي أرادوا إزالته من أجل الإتيان بوضع آخر، وتحقق ما هو على الضد تماماً مما أرادته أمريكا. وحين ينظر الأمريكييون يجدون إيران مؤثرة ومذنبة، لذلك يغضبون. وعلى حد تعبير المرحوم السيد بهشتي «إغضب ومت من غضبك»! فليكونوا غاضبين، هذه هي القضية وهذه هي المعركة. يجب أن لا يخطئ أحد ويتصور أن قوة لها كيت وكيت تقف بوجه إيران، لا، ردود الأفعال التي يبدونها تدل على الضعف والتخلف وعلى الغضب الناجم عن هزيمتهم، فقد تمرغ أنفهم بالوحل، لذلك فهم غاضبون ويطلقون هذا الكلام ويلقون هذه الكلمات السخيفة ويقومون بهذه الأعمال.

 

ردود الأفعال التي يبدونها تدل على الضعف والتخلف وعلى الغضب الناجم عن هزيمتهم، فقد تمرغ أنفهم بالوحل

لذلك فإن ما أروم قوله هو أنه في خصوص نوعية تواجد الجمهورية الإسلامية في العالم المعاصر، الحمد لله على أن الجمهورية الإسلامية حققت نجاحات «وَلِله العِزَّةُ وَلِرَسولِه وَلِلمُؤمِنين» (6). نحمد الله على أن الجمهورية الإسلامية المؤمنة شملتها هذه الآية القرآنية الشريفة وتتحلى بهذه العزة، نشكر الله على ذلك، ويجب أن نحافظ عليه. يجب أن نحافظ على هذه العزة ونضاعفها إن شاء الله بالعقل والأفكار الصحيحة والخطط الصائبة وعدم الوقوع في الأخطاء في نوعية العلاقات وفي نوعية اتخاذ القرارات وفي نوعية إطلاق الكلمات.

وهذه العزة توفرت وتحققت بفضل الجهاد. وهذا أحد نماذج ما قلناه من إن دوافع الجهاد اليوم أفضل من السابق. لاحظوا الشهيد العزيز محسن حُجَجَي (7)، هذا نموذج واحد، وليسوا قلائل الشباب من أمثال محسن حججي. لقد أظهر الله تعالى هذا النموذج لأسباب، وجعله واضحاً ليكون أمام أنظار الجميع ويراه الجميع ويُسلِّموا لهذه الحقيقة الشريفة العزيزة بأنّ هذه الدوافع الثورية تزداد لدى الشباب بفضل من الله وتوفيقه. هناك من يكتبون لنا الرسائل ويتوسلون، يتوسلون حقاً بأن اسمحوا لنا بالذهاب. هذا بالنسبة للذين يمكنهم أن يتصلوا هاتفياً هنا ويكتبوا الرسائل، ولا بدّ أن هناك عدة أضعاف منهم لا تتوفر لهم هذه الإمكانية. يتوسلون بأن أرسلونا إلى هناك لنذهب ونحارب العدو ونجاهده. هذه هي دوافع شبابنا ومحفزاتهم. وهذه معجزة في ضوء العوامل الموجودة على الضد من هذا. وأحد هذه العوامل هو الفضاء الافتراضي الذي أشار له سماحة الشيخ جنتي، وقوله وتحذيره طبعاً صحيح، ونحن نتابع القضية بشكل جاد، ولكن رغم وجود هذا الفضاء الافتراضي ورغم هذه المؤامرات ورغم وجود هذه الوساوس، ترون أن الجمهورية الإسلامية تشهد وجود مثل هؤلاء الشباب ومثل هذه الدوافع والمحفزات، فهذا لطف إلهي.

نتمنى أن يديم الله تعالى هذا اللطف على هذا البلد وعلى هذا الشعب. وأن يشمل بلطفه ورحمته الذين أوجدوا هذا الوضع للبلاد، الإمام الخميني الجليل والشهداء الأعزاء ومجاهدي طريق الحق.

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الهوامش:

1 ـ في بداية هذا اللقاء ـ الذي انعقد في نهاية الاجتماع الثالث من الدورة الخامسة لمجلس خبراء القيادة ـ تحدث آية الله الشيخ أحمد جنتي (رئيس مجلس خبراء القيادة)، وآية الله السيد محمود الهاشمي الشاهرودي (نائب رئيس مجلس خبراء القيادة).

2 ـ آية الله علي أصغر معصومي (النائب في مجلس خبراء القيادة لأربع دورات ومسؤول ممثلية الولي الفقيه في الجامعة الإسلامية الحرة بمحافظة خراسان الرضوية) الذي توفي بتاريخ 18/09/2017 م.

3 ـ سورة النور، شطر من الآية 2 .

4 ـ سورة النور، شطر من الآية 4 .

5 ـ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

6 ـ سورة المنافقون، شطر من الآية 8 .

7 ـ الشهيد محسن حُجَجَي من القوات المدافعة عن المقدسات، وقع في آب 2017 م في أسر تنظيم داعش الإرهابي في المنطقة الحدودية بين سوريا والعراق، واستشهد على أيديهم بعد يومين.