وفي ما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها قائد الثورة الإسلامية خلال هذا اللقاء:

بسم الله الرحمن الرحيم (1)
قضية السكان التي تُطرح بشكل جديّ في المجتمع، وثمة بشأنها اختلافات في وجهات النظر، قضية على جانب كبير من الأهمية. مما لا شكَّ فيه أنَّه من ناحية السياسة العامة للبلاد، يجب أن تذهب البلاد نحو زيادة عدد السكان، طبعاً على نحو معقول ومعتدل. جميع الإشكالات والانتقادات التي تُطرح (وقد اطلعنا على بعض الإشكالات التي طرحوها) يمكن معالجتها ويمكن الإجابة عنها.
المهم أنَّ البلد بإمكانياته واستيعابه الطبيعي وخصوصياته الجغرافيّة السياسية (الجيوسياسية) يحتاج إلى عدد أكبر من السكان. بالإضافة إلى ذلك (وكما سبق أن قلت) فإن الوجه الشاب للبلد قضية أساسية ومهمة وحاسمة. وكما درس وناقش أهلُ العلم والبحث والتحقيق ولاحظوا جوانب القضية المتعددة، ودققوا في الإحصائيات والأرقام، فإننا إذا واصلنا السير على نفس هذا النحو الذي نسير عليه اليوم، فسنكون في المستقبل غير البعيد كثيراً، بلداً عجوزاً، ومعالجة مرض الشيخوخة هذا غير متاح في الواقع. وليس الأمر أنه غير متاح بالنسبة لنا، بل هو غير متاح لأي طرف من الأطراف. بمعنى؛ أنَّ البلدان التي أصيبت حالياً بالشيخوخة وفقدت قدرتها على التناسل والتكاثر، يمكنها القول بصعوبة أنها تمتلك حلاً وعلاجاً لهذه المشكلة. ونحن أيضاً سنواجه هذه المشكلة طبعاً، ويجب أن لا نسمح للأمور بالوصول إلى هذا الحد. بالطبع فإن الركائز الإسلامية والفكر الإسلامي بخصوص السكان وزيادة عدد السكان وبالنظر إلى الوضع الجيوسياسي في المنطقة والجمهورية الإسلامية، شيءٌ واضحٌ وجلي.

إن الوجه الشاب للبلد قضية أساسية ومهمة وحاسمة.

الملتقى الذي تعتزمون عقده أيها السادة، أعتقد أنه من الأعمال الجيدة جداً. أي أننا لا نريد لهذه القضية أن تنتهي بمجرد الشعارات والصلوات وما إلى ذلك، إنما نريد للمسألة أن تعالج بشكل عميق وعلمي. يجب حل العقد الذهنية الموجودة في هذا المضمار. يجب إيضاح وإجلاء حقيقة القضية، وأعتقد أننا نستطيع فعل هذا. أي أنَّ مفكرينا وعلماءنا ممن لهم صلة بقضايا السكان يستطيعون تقديم وعرض منطق صحيح ومقبول. وهذا الملتقى بطبيعة الحال هو الخطوة الأولى والابتدائية، لكنه في رأيي أهم من سنّ القوانين (2) لأن صناعة الثقافة في هذه القضية، وكالكثير من القضايا الاجتماعية الأخرى، لها الدور الأول. يجب صناعة ثقافة، وللأسف فإن هذه الثقافة في الوقت الحاضر غائبة وغير متوفرة. على الرغم من طرح هذا الموضوع وقد طرحناه نحن، وطرحه آخرون، وطُرح في مجلس الشورى الإسلامي، وتحدث البعض عنه بدرجاتٍ متفاوتة هنا وهناك، بيد أن عملاً ثقافياً بالمعنى الصحيح للكلمة لم يحصل ولم يتم. في رأيي إن عملكم هذا عملٌ جيد ومناسب، ولكن لا تكتفوا بإقامة ندوة وإلقاء كلمة ومن ثم طباعة عدد من المقالات والبحوث. هذه أعمال لازمة لكنها غير كافية. يجب أن تستفيدوا من الإمكانيات الموجودة في البلاد وتنشروا هذه الفكرة في البلاد، ثم يجب أن يكون الفكر الذي ينتشر في البلاد فكراً عميقاً وأساسياً ومنطقياً ومقنعاً للناس. إذن، يجب العمل في إطار هذه القضية، ومن المفترض أنَّ السادة قد عَملوا فيها. إنني حين ألتقي عادة بالمجموعات والأفراد الذين يريدون إقامة ملتقى أو مؤتمر، أوصيهم دوماً بأن لا يفترضوا أنَّ أمد (3) العمل قريب، بمعنى أن يقوموا بوضع فترة طويلة ليستطيعوا العمل، ليكون ما يبرز ويظهر في هذا الملتقى شيئاً جيداً وجذاباً. ومن المفترض أن السادة قد قاموا بذلك، لأنكم والحمد لله من أهل العلم والفضل والبحث العلمي ومؤسستكم مؤسسة لها سجلٌ جيد في هذه المجالات. ولكن لا تتوقفوا بالعمل عند هذه الحدود.

 إن عملكم هذا عملٌ جيد ومناسب، ولكن لا تكتفوا بإقامة ندوة وإلقاء كلمة ومن ثم طباعة عدد من المقالات والبحوث.

ادرسوا وافحصوا جوانب القضية، وانظروا ما هي الأمور التي تجعل مجتمعنا ميّالاً إلى تقليل عدد الأولاد. فالميل نحو تقليل عدد الأبناء أمرٌ عارض، لأن الإنسان بطبيعته يحبّ الأولاد. لماذا يفضّل بعض الأفراد أن لا يكون لهم إلّا ابن واحد فقط؟ لماذا يرجّحون أن يكون لهم ابنان اثنان فقط؟ لماذا تتجنّب المرأة بشكل والرجل بشكل آخر أن يكون لهم أولاد؟ يجب النظر في هذه الأمور والعوامل وتشخيصها من أجل معالجتها، أي معالجة هذه العوامل المرضية (وأنا أعتقد أنها عوامل مرضية) واطلبوا من المتخصصين والمفكرين أن يفكروا ويضعوا العلاجات. مثلاً ارتفاع سنّ الزواج، مما لا شك فيه أن من الأمور التي تقيّد الإخصاب والإنجاب هو ارتفاع سنّ الزواج. وهذه بالتالي من الأمور التي يجب التفكير بشأنها في البلاد. لماذا ارتفع سنّ الزواج في بلادنا؟ ألّا يحتاج الشاب ذو السابعة عشرة أو الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة من عمره إلى إطفاء نيران حاجته وغريزته الجنسية؟ يجب أن نفكر بهذا الشيء. من ناحية يُقال إنَّ هؤلاء الشباب لا يمتلكون بيوتاً، ولا أعمالاً، ولا دخلاً؛ هنا يجب أن ننظر ما الذي يمكننا فعله للجمع بين هذه الظروف. يجب أن لا نفترض أنَّه لا بُدَّ أن يكون لدى الشخص بيت يمتلكه أو عمل أو مهنة ذات دخل كبير ومن ثم يتزوّج؛ لا. "إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله" (4)، القرآن الكريم يتحدث معنا بهذه الطريقة. أي إنكم يجب أن تحلوا كل العقد الذهنية الموجودة على هذا الصعيد، فمن شأنكم وشأن الملتقى الذي تقيمونه هو أن يُنجز هذا العمل الفكري والعلمي، أي لا يكون الأمر مقتصراً على بيان الأفكار والمطالب والشعارات. فيجب القيام بعمل واقعي وعمل فكري، وتشخيص ودراسة عوامل انخفاض عدد السكان وعوامل زيادة عدد السكان بالشكل المطلوب والمعتدل، وطرح هذه الأفكار لإقناع النُخب. في هذا المضمار، الآن عموم الناس بعضهم متدينون وبعضهم متعبّدون وحين يُقال لهم ويُطلب منهم ذلك فإنهم سوف يتجّهون نحو مزيد من الإنجاب، ولكن يجب إقناع نخبة المجتمع. هم الذين يجب أن يقتنعوا، فإذا اقتنعت النخبة تُسهّل الأمر وتسهُل عملية صناعة الثقافة. يجب أن يسعى السادة ويجتهدوا إن شاء الله على هذا الصعيد، ونتمنى لهم التوفيق إن شاء الله.

يجب تشخيص ودراسة عوامل انخفاض عدد السكان وعوامل زيادة عدد السكان بالشكل المطلوب والمعتدل، وطرح هذه الأفكار لإقناع النُخب.

إنني لا أزال اعتقد أن بلدنا ليس بلد خمسة وسبعين مليوناً بل هو بلد مائة وخمسين مليوناً. وقد أخذنا الحد الأدنى فقلنا مائة وخمسين مليوناً، إذ يمكن التحدث عن أكثر من ذلك. لا مراء أن هذا البلد بهذه المساحة الواسعة وبهذا التنوّع في المناخ وبهذه الإمكانيات الجوفية الكبيرة وبهذه المواهب العلمية الكامنة يمكنه أن يكون بلداً ذا عدد كبير من السكان، وسوف يدير بنفسه إن شاء الله هذا العدد من السكان. أي كما نفكّر بأنه إذا كان للعائلة الواحدة أربعة أو خمسة من الأبناء فكيف سيكون وضع حياتها، يجب أن نفكّر أيضاً بأن هؤلاء الأبناء الأربعة أو الخمسة إذا كبروا ووجدوا أعمالاً ومشاغل فما هي المساعدة التي سيستطيعون تقديمها لتطور البلاد ورقيّها. يجب التفكير بهذا الجانب أيضاً.
 كانت هناك نظرةٌ مُقلِّدة للحياة الغربية أو الحياة الأوربية وقد انتهت إلى هذه النتائج وقد وصلنا تراثهم، وغفلنا نحن بدورنا في برهة من الزمن ولم نقم بما يجب القيام به. والحال أنه في الوقت الحاضر وفي بعض هذه البلدان الغربية يتضرّرون من انخفاض الإنجاب، وقد باتوا نادمين، وفي بعض البلدان الغربية لا يوجد انخفاض في الإنجاب على الإطلاق، أي إنَّ عوائلهم كبيرة العدد، فمثلاً هناك عوائل أمريكية ذات عشرة أبناء أو اثني عشر ابناً، فكيف يجب أن يكون للعائلة الإيرانية التي تريد تقليدهم ابن واحد فقط أو ابنان؟! هذه حالات موجودة في الوقت الراهن، والتقارير والأخبار تنبّؤنا بهذه الحقائق. نتمنى لكم التوفيق والتأييد إن شاء الله.

الهوامش:
1.    سيقام هذا الملتقى من قبل إدارة البحث العلمي في مؤسسة الإمام الخميني (ره) التعليمية البحثية بتاريخ 9 آبان من هذا العام (31 تشرين الثاني من عام 2013 م).
2.    أُعلن في تقرير حجة الإسلام الشيخ آقا تهراني أنه بعد المصادقة على السياسات والاستراتيجيات الخاصة بالسكان في المجلس الأعلى للثورة الثقافية، تعمل اللجنة الثقافية في مجلس الشورى الإسلامي على مشروع في هذا الخصوص لطرحه في قاعة المجلس من أجل المصادقة عليه كقانون.
3.    أمد = نهاية.
4.    سورة النور، جزء من الآية 32.