الخطابات

كلمته في ملتقى علماء الشيعة و السنة

بسم الله الرحمن الرحيمأرحب بالضيوف الأعزاء القادمين من داخل البلاد وخارجها ومن مختلف ‏أرجاء العالم، هذا الاجتماع اجتماع مبارك ونحن نصبو دوماً الى تآلف ‏القلوب الذي يتحقق من خلال اجتماع كهذا.‏أتحدث قليلاً عن العلامة ابن ميثم البحراني. كان ابن ميثم شخصية علمية ‏كبيرة في القرن السابع وكان فقيهاً ومتكلماً وعالماً بالمفاهيم العالية الواردة ‏بشكل مكثف في نهج البلاغة لأمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام.‏في سنوات ما قبل الثورة الإسلامية كنت أدرّس نهج البلاغة للشباب ‏وطلاب العلوم الدينية والجامعات. وكنت أراجع شروح نهج البلاغة ‏فتوصلت حينذاك الى استنتاج بأن شرح ابن ميثم من بين جميع شروح نهج ‏البلاغة هو الأفضل من حيث تبيينه لمقاصد أمير المؤمنين وكلامه. ولهذا ‏أرى من الضروري تبجيل هذه الشخصية العلمية الجليلة من قبل جميع ‏المسلمين لأن نهج البلاغة هو كتاب لكل المسلمين ولهذا يلاحظ أنه شرح ‏على مدى القرون الماضية من قبل رجال عظام ومشاهير العلماء من السنة ‏والشيعة حتى في الآونة الأخيرة شرح هذا الكتاب الشيخ محمد عبده وأشاد ‏به فهو كتاب للمسلمين كافة.‏ثمة مسألة أهم في عصرنا هذا وهي مسألة تآلف القلوب بين أبناء الأمة ‏الإسلامية ونحن قد بذلنا الجهود لتآلف القلوب بين الشيعة والسنة وتجسيد ‏الوحدة أمام الجميع ليس خلال فترة الثورة فحسب بل أيضاً قبل سنين من ‏اندلاعها وأنا شخصياً حينما كنت في المنفى في بلوشستان لسنين قبل ‏الثورة، بعثت رسالة الى المرحوم مولوي شهداد الذي كان من أشهر علماء ‏الدين في بلوشستان والذي كان رجلاً فاضلاً ويعرفه السادة البلوش، وكان ‏في سراوان آنذاك وكنت أنا في ايرانشهر ودعوته للتباحث حيث أتيحت لنا ‏الفرصة يومذاك، لكي نضع أسس ومباني اتحاد عملي حقيقي وواقعي ‏وقلبي بين الشيعة والسنة فرحب بالمقابل بهذه القضية. لكنه انشغل فيما بعد ‏بالقضايا المتعلقة بالثورة. وبعد انتصار الثورة وفي أول مؤتمر حول ‏صلاة الجمعة الذي دعوت الى عقده والذي حضره عدد من علماء السنة ‏وكان من بينهم مولوي شهداد أيضاً، طرح هذا الموضوع وتباحثنا بشأنه ‏أيضاً. الاختلاف بين معتنقي عقيدتين والناجم عن التعصب، هو أمر قائم ‏وطبيعي ولا يخص الشيعة والسنة وحسب إذ كانت هناك وعلى مرّ التاريخ ‏خلافات بين التيلات الشيعية ذاتها وبين التيارات السنية ذاتها فبمراجعة ‏للتاريخ يلاحظ أنه كانت هناك خلافات بين فقهاء المذاهب السنية، ‏وكذا بين فقهاء الشيعة. وإذا تدرجت هذه الخلافات الى المستويات ‏الأدنى وانتشرت بين العامة ، وصلت الى حالات متشددة ‏وخطيرة أيضاً،عندئذ يجلس العلماء مع بعضهم ويتحاورون بهذا ‏الخصوص ولكن الخطير هو عندما يتولاه أولئك الذين لم يتسلحوا بالعلم ويندفعون بالأحاسيس يمارسون القوة. مثل هذه ‏القضايا كانت موجودة في العالم دوماً ومع ذلك كان هناك أيضاً مؤمنون ‏وأناس خيرون يسعون دوماً لدرء الخطر. كما أن العلماء والنخب كانوا ‏يسعون من أجل الحؤول دون نشوب صدامات بين ذوي المستويات ‏والكفاءات العلمية الواطئة. ورغم ذلك دخل على الخط عامل آخر في فترة ‏من الفترات ومازال وهو الاستعمار لكني لا أريد القول أن الاختلاف ‏بين الشيعة والسنة كان مرده الاستعمار دوما.ً فأحاسيسهم هم أيضاً كانت ‏السبب لذلك بالإضافة الى جهل البعض وتعصبهم واستنتاجاتهم الخاطئة، ‏لكن حينما تدخل الاستعمار استفاد من هذا السلاح استفادة قصوى.‏وعليه يلاحظ أن مشاهير المناضلين ضد الاستعمار والاستكبار كانوا ‏يؤكدون تأكيداً مضاعفاً وحدة الأمة الإسلامية ومنهم السيد جمال الدين ‏الأسد آبادي (رضوان الله تعالى عليه) المعروف بجمال الدين الأفغاني ‏وتلميذه الشيخ محمد عبده وغيرهما وكذلك المرحوم شرف الدين العاملي ‏وغيره من علماء الشيعة الذين كانوا يحرصون خلال مواجهة الاستعمار ‏على الحؤول دون أن تتحول هذه الخلافات بسهولة الى حربة تستخدم ضد ‏العالم الإسلامي، وكان إمامنا الجليل الإمام الخميني يؤكد ومنذ البداية ‏على الوحدة الإسلامية. وهنا أشير الى أن الانجليز أكثر حنكة من بقية ‏الأعداء المستعمرين في استخدام هذه الحربة لأنهم قضوا سنوات في ‏إيران والبلدان العربية وشبه القارة الهندية وغدوا أدرى من غيرهم بطرق ‏ورموز إثارة السنة على الشيعة والشيعة على السنة. وقد اشتدت هذه ‏الحركة الاستعمارية بعد انتصار الثورة الإسلامية ولاحظنا مؤشراتها منذ ‏بداية الثورة وحذرنا منها.‏وفي الأيام أو السنوات الأخيرة حيث استطاعت الجمهورية الإسلامية ‏تحقيق هدف كبير وبلوغ قمة عالية تمثلت في يقظة العالم الإسلامي، ‏اشتدت دوافع مثيري الفتن والخلافات والجبهة الاستكبارية، وبدأ كل منهم ‏بالعمل في هذا الاتجاه.‏اليوم يريدون دفع الشيعة والسنة في العراق الى قتال بعضهم البعض ‏وكذلك يفعلون في باكستان وفي أفغانستان أيضاً إن استطاعوا وحتى هنا ‏‏في إيران وحيثما استطاعوا ولدينا معلومات تفيد أن عناصرهم قد تسللوا ‏الى لبنان لإثارة الفرقة بين الشيعة والسنة هناك.‏هذه العناصر التي تدفع للفرقة، ليست شيعية ولا سنية وهي لا تحب الشيعة ‏ولا السنة، ولا تقبل المقدسات الشيعية ولا السنية.‏قبل بضعة أيام أشار الرئيس الأمريكي بوش في خطابه الى حادث تفجير ‏حرم الإمامين العسكريين عليهما السلام في العراق أما الذين وقفوا وراء ‏الحادث كانوا من السلفية المتشددين الذين أثاروا غضب الشيعة ونجحوا ‏في ما أرادوا. غير أن هذا الحادث وقع أمام أعين الأمريكيين أنفسهم! وفي ‏نفس تلك المدينة التي يديرون هم شؤونها وفيما كانت القوات المسلحة ‏وعناصرها من الأمريكان تقوم بدوريات هناك. فكيف يمكن أن يقع مثل ‏هذا الحادث دون علمهم وبدون إذن منهم؟ إذن هم كانوا من نفذوا العملية.‏هم يسمون الإرهابيين بالقاعدة والسلفية، في حين أنهم هم الذين يدفعونهم ‏ويحفزونهم والأجهزة الأمريكية والإسرائيلية هي التي تدفع العناصر ‏البعثية السابقة في العراق لتنفيذ عمليات تفجير في أية نقطة يشاؤون وأكثر ‏المدن العراقية توتراً واضطراباً هي مدينة بغداد إضافة الى بعض المدن ‏الأخرى ولكنها في نفس الوقت خاضعة لإرادة الأجهزة الأمنية الأمريكية ‏التي تتولى إدارة كافة شؤونها وإلا فإن الأمن مستتب على نطاق موسع في ‏الكثير من المناطق الأخرى في العراق والتي يخسر فيها دور الأمريكيين ‏وتتولى شؤونها القوات العراقية. لذلك فإن سبب عدم الاستقرار يعود الى ‏الأمريكيين أنفسهم لأن لديهم حوافز من وراء ذلك.‏عشية انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وضع هؤلاء خططاً جديدة للإيحاء بأن هذه ‏الثورة هي ثورة شيعية في حين أن الثورة الإسلامية هي ثورة الإسلام، ‏ثورة القرآن وثورة لرفع راية الإسلام، ومن مفاخر هذه الثورة هو أنها ‏تعرف للعالم التوحيد والأحكام الإلهية والقيم المعنوية للإسلام، وقد نجحت ‏في ذلك بالفعل. ورغم كل هذا العداء نجحنا في إحياء الثورة الإسلامية ‏وروح المباهاة الإسلامية والفخر والاعتزاز بالإسلام في ضمائر المسلمين ‏وهذا هو ما يعاديه هؤلاء ويعارضونه وإلا لو كانت ثورتنا ثورة شيعية، ‏لكنا انعزلنا عن العالم الإسلامي، ولما كان لنا شأن به ولما كان له شأن ‏بنا، ولما مارس هؤلاء العداء ضدنا، إنهم رأوا وعلموا أن الثورة، هي ‏ثورة إسلامية.‏الثورة الإسلامية دافعت دفاعاً أكثر جدية عن فلسطين. ولم يدافع أحد وأي ‏دولة وأي شعب وأي حكومة عن فلسطين ونضال الفلسطينيين والانتفاضة ‏الفلسطينية كما دافع عنها الشعب الإيراني والحكومة الإيرانية والنظام ‏الإسلامي فقد دعمناها معنوياً ومادياً وبكل ما استطعنا.‏ وحينما دخل السوفييت أفغانستان، سكتت كل الحكومات المسلمة في ‏المنطقة لأسباب وتحفظات مختلفة. أما الإمام الخميني (رضوان الله تعالى ‏عليه)، فقد بعث برسالة صريحة وواضحة الى السوفييت وقال لهم عليكم ‏بالانسحاب من أفغانستان وأنا شخصياً عندما حضرت مجمعاً دولياً موسعاً ‏حضرته أيضاً دول عدم الانحياز وعدد كبير من الدول الإسلامية، لاحظت ‏أن أحداً لا يتطرق الى دخول الاتحاد السوفيتي لأفغانستان وكنت أنا الوحيد ‏الذي حملت في كلمتي بشدة على السوفييت وبما أنه كان هناك عدد من ‏اليساريين وممثلي البلدان الاشتراكية والموالية للاتحاد السوفيتي، فلم ينبس ‏بنبت شفة أي ممثل عن البلدان الإسلامية. بل نحن تكلمنا وحملنا هناك ‏أيضاً على أمريكا وعلى الاتحاد السوفيتي على السواء. وهذا هو ما يؤلمهم ‏لأن هذه الثورة هي ثورة إسلامية، لا يهمها ما إذا كان الشعب الفلسطيني ‏شيعياً أم سنياً وهي تدافع عنهم بغض النظر عن انتمائهم وهي تدافع عن ‏الحركة العظيمة للبنانيين وعن أية مجموعة إسلامية في إي بقعة من ‏العالم تتولى حركة من أجل الإسلام. وهذا هو ما يزعجهم وإلا لو أقدمنا ‏على إغلاق الحدود وقلنا لا شأن لنا بالبلدان السنية وبالجماعات السنية، لما ‏كان لهم شأن بنا، لا أمريكا ولا إسرائيل ولا بالانجليز فهؤلاء هم ضد ‏الجمهورية الإسلامية، لأن الجمهورية الإسلامية هي للإسلام وللأمة ‏الإسلامية. فمنذ تأسيس الجمهورية الإسلامية تفاقمت مسألة إثارة الخلاف ‏بين الشيعة والسنة من جانب الاستكبار يوماً بعد يوم. يجب علينا أن نكون ‏على يقظة، شيعة كنا أم سنة ولاسيما العلماء.‏من الممكن أن يصاب الناس خارج محيط العلماء بالأوهام والأخطاء. إلا ‏أن العلماء لا يستطيعون أن يكونوا غير مبالين بهذه القضية وأن يقولوا ‏هؤلاء من العامة ونحن لا نرتكب مثل هذه الأخطاء. لا، يجب عليهم أن ‏يعتبروا أنفسهم مسؤولين فاليوم قد بدأت اليقظة الإسلامية وبانت الغيرة ‏الإسلامية. وغدت هزيمة الأعداء في شتى الميادين تتوضح يوماً بعد يوم ‏وأكثر فأكثر. فقد هزم الاستكبار في فلسطين وفي لبنان وفي العراق ‏وأفغانستان ولم يتمكن من تحقيق أي هدف من أهدافه في هذه البلدان.‏والجمهورية الإسلامية أيضاً تحرز التقدم من يوم لآخر ومنذ الأعوام ‏السبعة والعشرين الماضية وفي المجالات العلمية والصناعية والاجتماعية ‏والإدارية. كما ترسخت الصلة بين الشعب والنظام وهذا ما يثر غيظ العدو ‏ويدفعه الى إبداء ردود الفعل.‏يجب علينا أن ننتبه اليوم كثيراً لمنع العدو من الاستفادة من هذه النقطة ‏الحساسة نقطة الضعف لدى العالم الإسلامي وقد صدق أصدقاؤنا الذين ‏قالوا أن القضية ليست قضية أن يقبل الشيعة والسنة عقائد بعضها. لا، ‏فلكل عقيدته ،وكل من انتهج أسلوب الاستدلال،و توصل إلی معتقدٍ معيّن،ومنهجه صحيح. ‏القضية هي أن لا يقع ذوو العقائد المختلفة في مصيدة وساوس العدو وأن ‏يكفوا عن الصراعات والعداوات فيما بينهم أو أن يعرقل أحدهم عمل ‏الآخر. فأعداءنا يعلمون بعضهم البعض كل ما يعرفون ﴿ يوحي بعضهم ‏الى بعض زخرف القول غروراً﴾فالانجليز يعلّمون الأميركيين، وإسرائيل ‏تعلم كليهما.‏يجب علينا أن نوقظ شعوبنا وأن نكون نحن أيضاً على حذر. فهؤلاء الذين ‏يعتبرون جماعة هائلة من المسلمين خارجة عن الدين، دونما فهم و دونما تقوی، هم حقاً ‏تكفيريون حمقى. وهذه صفة يصح إطلاقها عليهم ‏وإن كانوا يتصفون بالخبث أيضاً.أما الجهل فهو أهم خصوصية من ‏خصوصياتهم ولابد من أن نرشدهم ما استطعنا إرشادهم، وأن يحذر الناس ‏منهم ﴿ولتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما ‏هم مقترفون﴾ فبعض الناس وبسبب ضعف إيمانهم ومعرفتهم ينشدون الى ‏مثل هذه التعابير التي يستخدمها الأعداء فعلينا أن نراقبهم. وواجب العلماء ‏هو واجب صعب. فوحدة العالم الإسلامي هي اليوم هدف سام وإذا ما ‏تحقق؛ بلغ العالم الإسلامي بحق العزَّة كلها وعمل بموجب الأحكام ‏الإسلامية وهذا ما يتطلب تعاون الحكومات والشعوب أيضاً.‏على الحكومات أيضاً أن تقدم كل العون لتحقيق الاتحاد والوحدة والتآلف ‏بين أبناء الأمة الإسلامية لأنه إذا وجدت الأمة مكانتها ووزنها، أصبحت ‏عندئذ داعمة لحكوماتها وغدت هذه الحكومات قادرة على الصمود وعدم ‏الارتماء في أحضان أميركا أو بريطانيا بسبب ضعفها وخوفها لأنها ‏أصبحت تحظى بدعم الأمة الإسلامية.نسأل الله تعالى أن يرعانا جميعا ويهدينا ويسدد خطانا للعمل بالمهام الصعبة والحساسة في هذا العصر وأن نتمها على أكمل وجه.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته *****

100 يوم من الطوفان