بسم الله الرحمن الرحيم

أنا مسرور جداَ لحضوري بينكم أيها الشباب الأعزاء الأودّاء الصميميون المتوثبون... أنتم شباب، والشاب مرآة الصفاء والصميمية والهمة والشوق للمبادئ والمثل. ما ذكره شبابنا الأعزاء هنا حول شتى الموضوعات كان جميعه محبباَ وشيقاَ بالنسبة لي. لا أن كل ما اقترحه هؤلاء الأصدقاء يجب تنفيذه وجعله على رأس قائمة الأولويات، أو أنه أساساَ شيء تنفيذي أم لا، هذا يعود لدراسة ومناقشة هذه المقترحات التي هي بحاجة للمناقشة، وسنطلب من المختصين مناقشتها، ولكن مجرد أن يقف الشاب الجامعي النخبوي، والشاب عضو التنظيمات الجامعية، مجرد أن يقف أمام تجمع جامعي طلابي ويعرب عن عصارة تصوراته حول القضايا الجارية بجرأة وبثقة بالنفس ويطرح مطاليبه، فهذا بالنسبة لي أمر طيب جداَ وزاخر بالمعاني. وحديثي اليوم سيدور حول هذا الموضوع تحديداَ.

الثقة الوطنية بالنفس من مكتسبات الثورة الإسلامية
تحدثت بعض الشيء يوم أمس حول الثقة بالنفس أمام التجمع العام للجماهير. ومخاطبي الأصلي والأولى بهذا الكلام هو أنتم. الذي نحتاج بشدة إلى ثقته بنفسه هم شريحة الشباب، وخصوصاَ الشباب الواعون وحملة العلم ومدراء جزء من مستقبل هذا البلد... مدراؤه العلميون، ومدراؤه السياسيون، مدراؤه العمليون والتنفيذيون. على هذه الشريحة أن تصغي جيداَ لتوصية الثقة بالنفس - التي ذكرتها أمس بشكل عابر وأروم اليوم التوسع في الحديث عنها - وتتقبّلها من أعماق القلب وتجعلها محوراَ و ملاكاَ لها في جميع أنشطتها.
لماذا أثير قضية الثقة بالنفس أساساَ؟ ما الذي حدث في البلاد حتى رحتُ أصرُّ على ثقة شعبنا أو شبابنا بأنفسهم؟ ثمة هاهنا إيضاح لابد من طرحه. لقد توصل شعبنا اليوم إلى نصاب مقبول من الثقة بالنفس نتيجة الثورة، والدفاع المقدس، وبتأثير من الشخصية المميزة للإمام - وسوف أشير لاحقاَ إذا لم أنس إن شاء الله إلى أن شخص الإمام والعناصر التي شكلت شخصيته كان لها تأثير كبير جداَ في بث الثقة الوطنية بالذات - ونتيجة التقدم الذي أحرزناه على شتى المستويات. وهناك خشية من أن تتشوه هذه الثقة بالنفس أو تضعف أو تتضعضع أو لا تتنامى - على الأقل - بالمقدار الذي يحتاجه شعبنا، وذلك نتيجة الحرب النفسية والدعائية، أو ما يسمى بالحرب المرنة بيننا وبين أعدائنا المصرّين جداَ على مواصلة هذه الحرب. نحن في منتصف الطريق. أرى عياناَ أن الثقة بالذات لم تبلغ بعد حد نصابها في أذهان وألسنة وممارسات كثير من الشخصيات البارزة في بلادنا.

الشعور بالدونية مرض خطير
الموقف المضاد للثقة بالنفس هو الشعور بالدونية... الشعور بالدونية حيال أفكار طيف من شعوب العالم - والغرب مظهرهم اليوم - أو الشعور بالدونية حيال فلسفاتهم، أو الشعور بالدونية مقابل علومهم، بل والشعور بالدونية إزاء نماذج التنمية الوطنية التي يقترحونها، والحال أن نموذج التنمية الوطنية قد يختلف باختلاف الشعوب.
عقدة الدونية مرض خطير جداَ حقنوا جسد شعبنا به طوال عشرات السنين. المفردات الأجنبية، والأفكار الأجنبية، والاقتباس من المفردات الأجنبية من ممارساتنا الدارجة. حينما أستمعُ اليوم أجد للأسف فضلاَ عن المفردات الأجنبية التي جرت على ألسن الناس طوال العشرات من السنين الماضية، أجد مفردة أجنبية جديدة تبث بين الحين والحين من إذاعتنا وتلفازنا، ويجب أن يسأل الناس بعضهم: ما معنى هذه الكلمة؟ حتى يعرفوا معناها. ما الضرورة لذلك؟ المفهوم الذي دخل إلى البلاد توّاَ وتريدون التعبير عنه بكلمة معينة، لِمَ لا تبتكرون له كلمة واللغة الفارسية بكل هذه السعة؟!
هذا نتيجة الشعور بالنقص الموروث عن الماضي . لماذا أقول هذا؟ ليتضح إننا لا زلنا بحاجة إلى التقدم للأمام كثيراَ في مضمار الثقة بالنفس. أخشى أن لا تنمو روح الثقة الوطنية بالنفس بالمقدار اللازم. ولهذا أثير هذا الموضوع. وحينما طرحتُ الموضوع بالأمس كان هذا هو هدفي أيضاَ، وهو هدفي كذلك من حديثي اليوم معكم بشكل أكثرخصوصية وتفصيلاَ.

السعي الدؤوب لمواصلة الطريق
نحن ذلك العداء الذي ينبغي أن يصل لخط النهاية... يجب أن نصل لخط الفوز.... علينا أن نركض دائماَ. كتبتم على اللافته هنا: إيران بلد متقدم في سنة 1404.(1) تتمة الأفق هي أن إيران يجب أن تتقدم على بلدان المنطقة في مجال التقنية وغيره من المجالات. هل تخالون أن البلدان الأخرى ستقف هكذا ولا تتحرك لنتقدم نحن عليها؟ هي أيضاَ ستتحرك. إنه سباق ركض... مسابقة عدو. إذا خارت همتي وهممكم وسط الطريق وإذا ضعفت آمالنا، وإذا تصورنا أن لا فائدة من العمل والجد، فسوف لن نصل طبعاَ. أنا أخشى هذا. لذلك أريد الحديث عن الثقة بالنفس.

العدو هو التيار السلطوي العالمي
نتمتع اليوم بحد نصاب معين من الثقة بالنفس تحقق بفضل تلك العوامل التي ألمحت إليها. عدونا هو جهاز الاستكبار السلطوي العالمي. هذا ما أقصده من العدو. ولكم أن تقولوا أنه يتبلور في الحكومة الأمريكية أو في الحكومة الفلانية الأخرى. ليست مشكلتنا مع البلدان والحكومات ولا هي مشكلة محلية أو عرقية أو وطنية أو مشكلة أسماء. المشكلة هي أن هناك منظومة سلطوية متعطشة للهيمنة انبثقت في القوى والسياسات العالمية. تعوّد هؤلاء على النزوع للهيمنة وعدم مواجهة عقبات جادة. وقد ظهرت أمامهم هنا عقبة جادة اسمها الحكومة الإسلامية... الجمهورية الإسلامية. إنهم يلاوون هذه العقبة الجادة بشدة... هذه هي قضيتنا. العدو معناه هذا التيار السياسي السلطوي. المتعطش للقوة مهما كان اسمه. ومظهره وأكبر شياطينه المتجسدة اليوم من وجهة نظري حكومة الولايات المتحدة الأمريكية. ليست القضية قضية أسماء. هذا هو العدو مهما كان. وعداوته لنا وليدة وجود عقبة هنا. كشيء قاطع كان يسيرإلى الأمام ويقطع دون مانع، وإذا بجسم فولاذي صلب يعترض طريقه ويمنعه من التقدم. هذا هو سبب الضغوط ومرد التحديات بيننا وبين الغرب.

إرادة الشعب الإيراني معقودة على عدم الاستسلام
البعض يتقمصون شخصيات متفلسفة وحكيمة وعرّابة ويقولون: يا سيدي لِمَ تتشاجرون مع الجميع؟ القضية ليست قضية شجار. ليست قضية أننا نريد الشجار مع أحد. قضيتنا قضية صمود أمام النزعة السلطوية. نحن شعب أبقونا قروناَ متمادية أو عشرات الأعوام على الأقل نائمين غافلين ناعسين حائرين. وفعلوا بنا كل ما أرادوا. وقد استيقظنا للتو، ونريد أن لا نواصل حالة الاستسلام. هذه هي جريمتنا ﴿ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ ... هنا يكمن التحدي.

هزيمة العدو أمام روح الثقة بالذات لدى حزب الله
العدو الذي يقف أمام الشعب الإيراني سيحارب هذه الثقة بالذات التي توصلتم إليها لحد الآن. خصوصاَ وأن أمريكا أخفقت اليوم في سياستها في الشرق الأوسط. سياسات أمريكا الشرق أوسطية تتصل بالجمهورية الإسلامية غالباَ. أفغانستان من جهة، والعراق من جهة ثانية، ظنوا أن الجمهورية الإسلامية ستُحبس بين فكّي كمّاشة ويزداد الضغط عليها فترفع يديها بالاستسلام. سياسة أمريكا الشرق أوسطية قامت على تقوية النظام الصهيوني، وكان من أكبر خطواتهم وقراراتهم القضاء في لبنان - الجار المطل على أرض فلسطين المغتصبة - على تلك الطاقة المحركة والمؤمنة والمؤثرة والنافذة، أي حزب الله وقوى المقاومة، وهذا ما أخفقوا فيه العام الماضي بتلك الهزيمة الفاضحة. ومنذ السنة المنصرمة ولحد الآن راحوا يتخبطون دون توقف عسى أن يستطيعوا فعل شيء في لبنان والإتيان بحكومة موالية لأمريكا أو جيش موال لأمريكا، وهذا هو سبب المشكلة والمعضلة في لبنان اليوم. ليس الأمريكيون على استعداد للتخلّي بسهولة عن قطعة اللحم المطبوخة حسب ظنهم والتي وصلت إلى تحت أسنانهم. وذلك لكي يستطيعوا تولية شخص عميل كرئيس - ويكون قائد الجيش أيضاَ - وتأسيس حكومة عميلة لهم هناك تبعاَ له ، حتى يتمكنوا من الضغط على حزب الله، ولكنهم لم يفلحوا لحد الآن . هذه تعد إخفاقات بالنسبة لقوة مثل أمريكا. لم يستطيعوا مواجهة حزب الله بكل ما لهم من ادعاءات، وقدرات، وأموال، وأجهزة دبلوماسية عظيمة القوة والخبرة، وبكل تلك الأدوات التقنية والبشرية المتنوعة. وهم يعتبرون حزب الله ذا صلة بإيران، وانتصاره انتصاراَ للجمهورية الإسلامية. هنا أيضاَ كانت الهزيمة من نصيبهم.

هزيمة العدو أمام روح الثقة بالنفس لدى الشعب
في القضية النووية أصر الأمريكان إصراراَ شديداَ على أن تتخلى إيران كلياَ عن جميع أنشطتها النووية. نظير الشيء الذي فعلوه مع ليبيا. عليها أن تكنس كل شيء وتقدمه لهم وتعلن تنازلها التام عنه. وفي الفترة الأخيرة - قبل أسابيع من الآن - وصل بهم الحال إلى القول إن على إيران التوقف عند هذا الحد. لاحظوا أن الفرق بين القولين كبير جداَ. ذات يوم لم يكونوا على استعداد لتحمل خمسة أجهزة طرد مركزي. مسؤولو الحوار والتفاوض مع أوربا كانوا على استعداد للإبقاء على عشرين جهاز طرد مركزي فرفضوا، فقالوا: إذن، خمسة أجهزة على الأقل، فرفضوا أيضاَ، ولو اقترحوا عليهم جهازاَ واحداَ لرفضوا أيضاَ! واليوم يعمل ثلاثة آلآف جهاز طرد مركزي وهناك عدد كبير من الأجهزة الأخرى جاهزة للنصب، فراحوا يقولون لنا: توقفوا عند هذا الحد. هذه أيضاَ من إخفاقات أمريكا.
حاول الأمريكان بعد قضية أبراج نيويورك في العشرين من شهريور(2) تصوير المشهد وكأنه ثنائي الأقطاب. حرب بين الديمقراطية والإرهاب. كم أطلقوا من الدعايات، وكم عملوا واشتغلوا، وكم شنوا من الهجمات العسكرية وأنفقوا الأموال وفعلوا كل ما استطاعوا ليقولوا إننا رسل الديمقراطية والمنطقة حبلى بالإرهاب، وقد جئنا لإنقاذ المنطقة. لو سألتم الناس العاديين اليوم في العراق نفسه وهو محور ومركز أنشطتهم، لقالوا إن سبب الإرهاب وأياديه هم الأمريكان أنفسهم. لا يعتقد أحد أن أمريكا أهدت الديمقراطية للعراق. هذه الحكومة التي تشكلت في العراق وتولت زمام الأمور وهذا المجلس الذي تأسس إنما تأسس على الرغم من أمريكا . لم يكونوا يريدون هذا، لكنهم اضطروا للقبول. هذا ما يعلمه الجميع. إذن، فقد أخفقوا على شتى الصعد.

لا يمكن الاستهانة بالعدو
حينما تفشل قوة سلطوية في فرض التراجع الروحي والنفسي على شعب من الشعوب وتحطيم ثقته بنفسه، فهل ستبقى ساكتة؟ الجواب: كلا. لن تسكت، ستبحث عن طرق جديدة. ولأنها تبحث عن طرق جديدة علينا أيضاَ التفكير بأساليب جديدة. علينا أن نحسب ونخمّن الطرق الجديدة للأعداء. ويجب أن نعلم أن إمكاناته ليست قليلة. لقد قلت مراراَ: لا يمكن الاستهانة بالعدو. الإمكانات الدعائية للعدو لا يمكن مقارنتها بالإمكانات الإعلامية للجمهورية الإسلامية. وأقولها لكم أيضاَ: إن إمكانات العدو هائلة في المجالات الثقافية والإعلامية والاتصالاتية أيضاَ. إنهم يعملون وينفقون أموالاَ طائلة على الدوام. حين يقولون إننا نمنح ثمانين مليون أو مائة مليون دولار لمعارضي النظام في إيران، فهذا ظاهر القضية، والميزانيات التي يرصدونها لهذه المهمة أكبر من هذا بكثير. إنهم يرصدون الأموال. أنا وأنتم، شباب البلد، وطلابه الجامعيون، ومسؤولوه، وأساتذته، يجب أن نعرف ونخمّن الطرق التي يتغلغل منها العدو. إذا خمّنتم ذلك فسوف تعرفون حقيقة الظواهر التي تبرز في المجتمع. حينما تعلمون مثلاَ أن سيلاً أو فيضاناَ سوف يحدث، وتقع ظواهر تسبق وقوع السيل أو الفيضان فسوف تعرفون معنى هذه الظواهر التي تسبق السيل أو الفيضان وتشخصون أسبابها. وحين لا تعرفونها فستبقى العوامل مجهولة لديكم. أحياناَ يساعد الإنسان تلك العوامل دون أن يشعر. من هنا يكتسب هذا الموضوع طابعاَ جاداَ بالنسبة لنا.

أهمية الاعتماد على الذات
أذكر شيئاَ في البداية عن أهمية الثقة بالنفس. التأثير الأهم للثقة الوطنية بالنفس التي يجب أن تتوفر لدى نخب البلاد هو أنها تُنهي لدى الإنسان حالة التطلع لمساعدات الآخرين ومعوناتهم. الشعب الذي لا يثق بنفسه يتطلع دوماَ لأن يوفر له الآخرون ما يحتاجه. حينما تتوقعون أن يأتوكم بطعام جاهز، فلن تعدّوا طعاماَ بأنفسكم، ولن تتعلموا إعداد الطعام. هذه من الأخطار المهمة وهي واضحة جداَ، وليست قضية فلسفية معقدة صعبة. لكن هذا الشيء الواضح والأداة الجلية التي تتسبب في تخلف البلاد، قد تغيب عن أذهاننا أحياناَ ونغفل عنها.

سموم الهزيمة النفسية
لا أنسى أنني كنت ذات يوم قبل سنوات من انتصار الثورة في بيت أحد الأصدقاء - من أهالي إحدى مدن شمال البلاد وزار مشهد فذهبت للقائه - وكان نائب تلك المدينة في مجلس الشورى الوطني يومذاك في مشهد أيضاَ وجاء لزيارة هذا الشخص. كنّا بالصدفة مع أحد نواب المجلس لمدة ساعة. كنت في حينها شاباَ في مثل أعماركم - حيث تقولون الآن كل ما يحلو لكم - أنا أيضاَ لم أكن ألاحظ مقتضيات المسألة، فشرعت انتقد أجهزة النظام وتفوّهت بالأمور التي كانت تدور في أذهاننا. كان نائباَ في مجلس الشاه فساءه ما قلت لذلك راح يجادلني. من جملة ما قلته له: لقد تركتم البلاد راكدة، ورحتم تستوردون كل شيء، كل ما لدينا من صناعة الآخرين، إذن، لِمَ لا نفعل نحن شيئاَ؟ وكان الجواب الذي أجاب به لافتاَ وطريفاَ تعرفون من خلاله كيف كانوا يفكرون. قال: هذا أفضل، أفضل، الأوربيون يعملون لنا كالخدم، ونحن ننتفع من ثمار عملهم! لاحظوا كيف يبثون هذه السموم أحياناَ إلى أعماق كل واحد من أبناء هذا الشعب ونخبه، فيتكلم بمثل هذا الكلام.

الثقة بالنفس أرضية لتفجر المواهب
حينما لا تتوفر الثقة بالنفس يقع الإنسان في دوامة توقع المساعدة والعون من الآخرين. كشخص مقعد مشلول يجلس في زاوية ينتظر أن يمر إنسان من هناك و يساعده بشيء بسيط. الشخص الذي أمامه يقف موقف الاستغناء. يجب أن لا ينتظر الإنسان الآخرين كي يأتوه بما يحتاج، وإذا لم ينتظر وفكّر بسد حاجياته بنفسه فسوف تتفجر الطاقات في داخله وستبرز المواهب الكامنة في الأمة. إذا تفعّلت الطاقات وانتقلت من القوة إلى الفعل و حصل النجاح، فإن النجاح الواحد سيتسبب في نجاحات أخرى على شكل عنقودي . النجاح الواحد يستتبع بعده عنقوداَ من النجاحات. هذه هي طبيعة العمل.

الدفاع المقدس مظهر الاعتماد على الذات
خلال فترة الدفاع المقدس، ولا سيما في بداياتها، لم يكن شباب الحرس والتعبئة يتوفرون على إمكانات حقيقية... لم يكن لديهم السلاح اللازم، سلاحهم الأهم كان الكلاشينكوف... بندقية شخصية. ولم يكن بالإمكان القتال بهذا السلاح، لذلك فكروا، وهذا التفكير بحد ذاته فتح أمامهم أبواب كثيرة. وصيتي للشباب الأعزاء أن يقرأوا سير القادة الشهداء. ثمة في ثنايا كلامهم أمور عاطفية و معنوية وما شاكل، ولهذه الأمور منافعها طبعاَ، لكن هناك فصولاَ تختص بالجوانب التجريبية لأعمالهم وكيف كانوا يتصرفون في ساحات القتال. قلت مراراَ إننا في فترة الحرب كان يجب أن نشتري ال (آر.بي.جي-7) تهريباَ و بأضعاف سعره من بلدان أخرى ونتحمل بذلك منتهى الصعوبات. كنا ندفع أموالاَ مضاعفة لنحصل على مقدار من هذه الأسلحة البسيطة. وكانت نتيجة تلك التجارب والثقة بالنفس أن شعبنا وصل إلى حيث أن ما ينتجه من سلاح يعد بعضه من الدرجة الأولى ولا نظير له على مستوى المنطقة، وبعضه نادر النظير. هذا بسبب تلك الحاجة ولأنهم لم يكونوا يزودوننا أو يبيعوننا شيئاَ. شعرنا أننا يجب أن نعتمد على أنفسنا. إعتمد شبابنا على أنفسهم ، وفجر هذا الاعتماد على الذات الطاقات. ولتفجر الطاقات نتائجه وثماره طبعاَ. ولكل واحدة من هذه الثمار الكثير من الاستحقاقات واللواحق . هذه ظاهرة مشهودة في كل مكان . هذه الثقة بالذات موجودة في الاكتشافات، وفي العلوم، وفي البناء الانتاج، وفي نموذج التنمية.

نموذج التنمية الإيراني المناسب
تحدثت عن نموذج التنمية في لقاءاتي بالطلبة الجامعيين خلال أسفاري إلى مشهد وسمنان العام الماضي . إنه نموذج إيراني محلي للتنمية يكفينا مراجعة نظريات العلماء الغربيين من أجل تنمية البلاد. لا أوصي بعدم الانتفاع من علومهم، بيد أن وصفتهم تخصّهم. نأخذ علومهم، ولكن نكتب وصفة مرضنا بأنفسنا لتكون لنا الثقة بها ونستطيع الاعتماد عليها والاطمئنان لها. أما إذا لم تتوفر الثقة بالنفس فسنقول: وهل نستطيع نحن فعل ذلك؟ قام الآخرون بكل تلك التجارب، وفما الذي نريد أن نأتي به أكثر من ذلك؟ هذا بسبب انعدام الثقة بالنفس، وهو ما يقوله البعض الآن أيضاَ للأسف! البعض من الخريجين عندنا يقولونه. قلنا يجب أن نعد نموذج تنمية محلي، فقالوا: أي نموذج تنمية محلي؟ وهل هذا ممكن؟ لاحظوا، هذه من الترسبات الباقية عن الماضي. إنها عدم الثقة بالنفس. إذا أراد الشعب أن يتقدم فلا يمكنه انتظار ما يجود به الآخرون.

الإيحاء بالهزيمة النفسية من قبل النخبة
من أظرف ما قام به الغربيون والأوربيون وانتهى لصالحهم هو أنهم سيطروا على نخب البلدان الأخرى، و أوحوا لهم بأفكارهم، وتركوهم في بلدانهم، وقالوا لهم : إذهبوا. بدل أن تنفق البلدان الغربية - بريطانيا، وفرنسا، وسائر البلدان - المال لنشر أفكارهم السياسية في تلك البلدان، ذهب خرّيجوهم وفعلوا لهم ذلك دون أجور أو منّة، فكانت تلك من الويلات التي حلّت بالبلدان المتخلّفة النامية. ولا يزال أخلافهم موجودين يعملون عملهم. يجب أن يتحطم هذا السد. أهمية الثقة بالنفس هي أننا إذا تحلّينا بها فسوف تتفجر الطاقات وعندها سنرى أننا قادرون، وسيثبت لنا أننا قادرون.

ثلاث عقبات أمام الثقة بالنفس
ثمة ثلاث عقبات رئيسية في طريق عملية الثقة بالذات وإيتائها ثمارها، علينا الحذر منها. بمقدور هذه المسارب الثلاثة تشويه عملية الثقة الوطنية بالنفس والحؤول دون إفضائها إلى انتصارات متتابعة والوصول إلى المطامح المنشودة.

اليأس وتعتيم الآفاق
أولاَ: إيجاد اليأس وتعتيم الآفاق والتذكير بالفواصل العلمية. هذه حقيقة. ثمة بون بيننا وبين العالم العلمي المتقدم الذي ينشط في المجال العلمي منذ مائتي عام. يذكّرون بهذه الفواصل ويقولون: يا سيدي كيف تريدون طيَّ هذه الفواصل؟ وهل هذا ممكن؟ يزرعون القنوط في نفوس باحثينا وعلمائنا الشباب بهذه الأقوال. وأنا أقول : نعم، ولِمَ لا يمكن؟ ننتفع من علوم الآخرين ونتقدم خطوة إلى الأمام. وقد فعلنا ذلك على أرض الواقع. انتفعنا من علوم الآخرين، وصنعنا أحياناَ أشياء لا نظير لها في العالم كبعض الإنجازات الطبية والدوائية وما إلى ذلك. تحققت هذه الأشياء بمقدمات العلوم الغربية، ولكن ظهرت منها إنجازات أكبر وأضخم. الفواصل يجب أن لا تجعلنا نيأس. نستطيع أن نزيد من سرعتنا العلمية ونقلٍّل من هذا البون يوماَ بعد يوم. علينا شحذ هممنا والتقدم إلى الأمام، خصوصاَ وأن العالم الغربي اليوم يعاني آفات حقيقية لم يكن يعاني منها قبل خمسين سنة أو مائة سنة. الآفات الأخلاقية، والجنسية، وتزعزع المعنويات في الغرب حالياَ أشد بكثير من تلك الفترات. إنها اليوم معضلة يعاني منها الغرب. وبالطبع فإن هذه المشكلات طويلة الأمد لا تفصح عن نفسها بسهولة، ولكن يستطيع المرء أن يفهم من كلامهم وتصريحات علمائهم ومفكريهم أنهم قلقون. شبابهم يتجهون للانحطاط، والجريمة تتفاقم، وانهيار العائلة يزداد فداحة وانتشاراَ، وقد أفلت الزمام من أيديهم ووقعوا في الفخ. ما الإشكال؟ الشعب صاحب العزيمة يستطيع صيانة نفسه من هذه البليات إلى حد ما. إنه صاحب عزيمة وتصميم، وتوكل على الله، وثقة بالنفس، وله مبادئ ومطامح معينة، ويستطيع طيَّ هذا الطريق مثلما طووه هم. لقد كنا متفوقين على الغرب ذات يوم، لكننا أصبنا بالنكوص في حين واصلوهم مساعيهم وتقدموا إلى الأمام. ونستطيع الآن التقدم عليهم. إلغاء الفواصل ليس مستبعداَ على الإطلاق من شعب يتحرك شبابه بهمة ويتقدمون، ويعمل مسؤولوه ومدراؤه بهمة على البرمجة والتخطيط. إذن، هناك ثلاث عقبات يمكن أن يصطنعها العدو: إحداها بث اليأس، والثانية تحريف المواهب، والثالثة التعامل العنيف، أي فرض الهجوم العسكري وما شاكل.
حول القضية الأولى وهي بث اليأس والقنوط، أطلب منكم بإصرار أيها الشباب أن تفكروا أكثر وتتأملوا وتجدوا علامات ذلك ومؤشراته. إنهم يفعلون ذلك الآن، وثمة أناس يتحدثون لصالحهم وعن ألسنتهم وحناجرهم.

نماذج بث اليأس
والآن لاحظوا هذه النماذج ومنها قضية الطاقة الذرية. أثاروا داخل بلادنا ضجة قالوا فيها: الطاقة الذرية تكلفة من دون أرباح، فلمَ تفعلون هذا؟ الدعايات العالمية تابعت ولا تزال هذه القضية بشكل تام. ولكن في داخل بلادنا ومنذ أن أثيرت القضية النووية لأول مرة، منذ خمسة أو ستة أعوام، كرروا دوماَ هذه المقولة. بل لقد كتب البعض رسالة قالوا فيها: سيدي نحن خبراء فيزياء، وقولهم إننا استطعنا تشغيل أجهزة الطرد المركزية لا واقع له ألبته! قالوا ذلك بحسم إلى درجة أننا اضطررنا لإرسال أشخاص طلبنا منهم أن يحققوا في الموضوع بدقة، فقد يكون ما قاله هؤلاء صحيحاَ. هذا يرجع إلى خمسة أو ستة أعوام مضت. فذهبوا وعادوا ليقولوا: لا، الأعمال تجري بشكل جيد جداَ، وصحيح، وعلمي ، ورصين. بداية قالوا:هذا غير ممكن ونحن لا نستطيع. وبعد ذلك حين وجدوا أننا استطعنا قالوا: هذه تكلفة لا أرباح لها ولا فائدة ترتجي من ورائها. لقد طرحتُ هذا الموضوع بالتفصيل في حديثي العام بمناسبة عيد النوروز السنة الماضية ولا أريد التكرار. كيف لا فائدة منها؟! علينا إنتاج ما لا يقل عن عشرين ألف ميغاواط من الكهرباء من الطاقة الذرية لعشرين سنة قادمة. التقديرات الموجودة لاستهلاك الطاقة في بلادنا وإنتاج ما نحتاجه من الكهرباء، تشير إلى ما لا يقل عن عشرين ألف ميغاواط تنتج عن طريق الطاقة النووية، وإلّا وجب علينا استجداء الكهرباء من الآخرين، أو إذا لم نستطع الاستجداء وشعرنا بالعار من ذلك، أو إذا لم يعطونا الكهرباء، فعلينا صرف النظر عن الأجهزة التي تعمل بالطاقة الكهربائية، عن المعامل، والإنتاج، والكثير من الأدوات المتطورة. طيب، متى يجب أن نبدأ حتى نستطيع إنتاج عشرين ألف ميغاواط بعد عشرين عاماَ؟ إذا لم نكن قد تأخرنا الآن، فالوقت ليس مبكراَ بالتأكيد، وربما كنا قد تأخرنا. لاحظوا أية مغالطة قولهم إننا لا نحتاج لذلك! أو قولهم: أنتم لا تستطيعون بناء محطات طاقة نووية فلِمَ تريدون هذا اليورانيوم المخصّب بنسبة ثلاثة أو أربعة بالمائة؟ إنها مقولة لا تستطيعون مرة أخرى. لماذا لا نستطيع؟ الشعب الذي استطاع إنشاء هذه المراكز العملاقة للتخصيب من دون مساعدة أحد وبلا أستاذ، لِمَ لا يستطيع إنشاء محطة طاقة؟ يجب أن نستطيع. لِمَ لا نستطيع؟ ذات يوم كانوا يقولون : لا تستطيعون إنشاء محطة طاقة بخارية. أتذكر في عهد رئاستي للجمهورية، إنه كان هناك محطة طاقة بدأ العمل بها في زمن النظام السابق وبقيت غير مكتملة. وكانوا يجيئون ويذهبون ليأتي السماسرة الدوليون من بلدٍ ما ويتمّوا إنشاءها. والبعض في الداخل كانوا يقولون إن بمستطاعنا نحن إتمامها. طلبنا عدة أشخاص من المسؤولين ذوي الصلة بهذه القضايا إلى مكتب رئاسة الجمهورية - عدد من مسؤولي البلاد - دعونا رئيس الوزراء وآخرين لنناقش القضية. وجاء هؤلاء فقالوا: من غير الممكن أن نستطيع إنهاء محطة الطاقة هذه - وهي بالقرب من طهران - وافتتاحها. هذا كان رأيهم. قالوا إن هذا مستحيل أساساَ. لابد لها من أجانب. لكننا لم نستقدم الأجانب، وتوجه متخصصون إيرانيون فأكملوها وبشكل صحيح ودقيق. وهي تنتج الكهرباء منذ سنين والبلد يستفيد من إنتاجها. في بداية الثورة أراد جهاد البناء إنشاء مخزن غلال. تعلمون أن مخازن غلالنا في زمن الطاغوت كانت من بناء السوفيت. نظام الطاغوت كان يشتري القمح من أمريكا، ويبني له السوفيت مخازنها! مخزن الغلال ظاهره بسيط لكنه يحتاج تقنيات معقدة إلى حد ما. قال جهاد البناء نريد إنشاء مخزن غلال، فارتفعت الأصوات من هنا وهناك: أنتم لا تقدرون على ذلك، لا تهدروا طاقاتكم وأرصدة البلد دون طائل. لكنهم بنوا نموذجاَ لمخزن غلال صغير في خوزستان ذهبت في حينها وشاهدته . واليوم فإن جمهوريتكم الإسلامية أحد أبرع بناة مخازن الغلال في العالم ... في الدرجة الأولى من البلدان المعروفة بإنشاء مخازن الغلال.
أحد السدود القريبة من طهران كان يسرب المياه. وقالوا يجب تعمير هذا الخلل . فقيل يجب أن تأتي الشركة نفسها التي بنت هذا السد لتعمّره. وجاءت الشركة وكان هذا أيضاَ في بدايات رئاستي للجمهورية. كانوا يقولون: وهل نستطيع نحن بناء سد؟ نفس الإيحاءات الماضية. لكن شبابنا عقدوا العزم وبذلوا هممهم وخاضوا في بناء السدود، وبلد الجمهورية الإسلامية اليوم بفضل من الله أفضل باني سدود في المنطقة. ليس في منطقتنا هذه بلد كالجمهورية الإسلامية متمكن من بناء السدود الإسمنتية والترابية الكبيرة. السدود التي بنيناها أفضل وأدق من السدود المشابهة التي بنتها الشركات الأجنبية زمن الطاغوت، وتكاليفها طبعاَ أقل بكثير كثير من تلك. وهي من صنع أيدينا. لماذا لا نستطيع؟ كلا، نستطيع إنشاء محطة طاقة نووية أيضاَ. يجب أن ننشئها. إذا شرعنا اليوم ستقطف الثمار بعد عدة سنوات. وإذا بدأنا بعد عدة سنوات تتأخر النتائج عدة سنوات. إذا لم نبدأ نتأخر. لو لم نشرع بالتخصيب اليوم لوجبَ علينا أن نشرع بذلك على كل حال بعد عشرة أعوام أو عشرين عاماَ. يقولون إن الروس يعطونكم اليورانيوم المخصب... يعطونكم وقود المحطة النووية، فلماذا تريدونه أنتم؟ هذه من الكلمات التي تفضّل بها أخيراَ السيد رئيس جمهورية أمريكا المحترم قليل الفهم...الروس يعطونكم فلماذا تريده إيران؟ والبعض هنا ممن ليسوا محترمين بقدره، ولا قليلي الفهم بقدره، كرروا هذا القول.. الروس يبيعونكم الوقود النووي، وقد رأيتم كيف جاءت الوجبة الأولى، ثم جاءت الوجبة الثانية، فلماذا تريدون التخصيب بأنفسكم؟ هذا يشبه ما لو قيل لبلد أرضه مملوءة بالاحتياطي النفطي: لماذا تحفرون آباراَ للنفط، تستطيعون شراء النفط من الخارج! أي على البلد الذي يمتلك احتياطي نفطي أن يستورد النفط! كم هذا مضحك. إذا لم يرقهم يوماَ تزويدنا بهذا الوقود، أو قالوا نعطيكم الوقود بهذا الثمن، أو بهذا الشرط، سيضطر الشعب الإيراني لقبول ذلك.

الطاقة النووية رصيد للثقة الوطنية بالذات
لاحظوا، هذه هي الأمور التي لو تنبهتم لها لوجدتم أنها مخطط زرع اليأس الذي يتابعه العدو. أنجزت مهمة بهذه العظمة - قضية الطاقة النووية - وفرح الناس لها كل هذا الفرح، وإذا بأحدهم يقول: لماذا تعرِّضون البلد لمثل هذه التحديات دون سبب أو بسبب شيء قليل الأهمية كالطاقة الذرية؟! لاحظوا، هذا هو زرع اليأس الذي ينبغي أن تحذروا منه. إنه أحد المسارب التي تنال من الثقة الوطنية بالنفس. كما حصل قبل عدة سنوات للأسف . أي إنهم أرادوا جعل قضية الطاقة النووية التي ينبغي أن تكون رصيداَ متيناَ للثقة بالنفس عند الشعب الإيراني، أرادوا جعلها أداةَ لسلبنا الثقة بالنفس. ضغطوا كثيراَ لإيقاف العمل وأصروا أن أوقفوا العمل، أوقفوا العمل، أوقفوا العمل. ووصلوا إلى معمل يو. سي.أف بإصفهان فقالوا: هذا أيضاَ يجب أن تعطّلوا العمل فيه فهو من المقدمات الأولية. وقد ذكرت للمسؤولين في حينها إذا أصغيتم لهذا الكلام وعملتم به، فسيقولون لكم غداَ: يجب أن تلملموا كل مناجم اليورانيوم الموجودة في البلاد وتعطوها لنا لنطمئن أنكم لا تريدون صناعة قنبلة ذرية!
عملية التراجع هذه كان لها فائدتها بالنسبة لنا طبعاَ - لم يكن هذا التراجع عديم الفائدة - فائدته هي أننا جربنا وعود وأقوال الأوربيين والغربيين وجرّبها أيضاَ الرأي العام العالمي. كل من يقول لنا اليوم: علّقوا التخصيب موقتاَ، نقول له لكننا فعلنا ذلك لمدة سنتين ... علّقنا التخصيب لمدة سنتين، فما كانت الفائدة؟ في البداية قالوا: علّقوه بشكل موقت... علّقوه بشكل طوعي. فعلّقناه على أساس أنه تعليق موقت وطوعي. بعد ذلك، متى ما جرى الحديث عن إنهاء التعليق، أطلقوا لعبة سفيهة على مستوى العالم - في الصحافة ووسائل الإعلام والأوساط السياسية - وضجّوا بالويل والثبور لأن إيران تريد إنهاء التعليق! صار التعليق أمراَ مقدساَ لا يحق لإيران الاقتراب منه إطلاقاَ! لقد جربنا ذلك ولن تكون هناك تجربة أخرى. وأخيراَ قالوا: لا يكفي هذا التعليق الموقت بل عليكم ترك العمل النووي نهائياَ. الأوربيون الذين قالوا يوماَ علّقوا التخصيب لسته أشهر، قالوا حين فعلنا ذلك: يجب أن تغلقوا الموضوع نهائياَ! عملية التراجع كان لها هذه الفائدة بالنسبة لنا. كانت تجربة لنا وللرأي العام العالمي في نفس الوقت. لكنه تراجع على كل حال ... لقد تراجعوا.
قلتُ حينها في اجتماع المسؤولين - الذي بث من التلفاز- إنهم إذا أرادوا مواصلة سياق هذه المطالبات المتتالية، فسأدخل الساحة بنفسي، وقد فعلتُ هذا، وقلتُ: يجب إيقاف سياق التراجع هذا وتحويله إلى سياق تقدم إلى الأمام، ويجب أن تتخذ الخطوة الأولى لذلك في نفس الحكومة التي جرى فيها ذلك التراجع. وهذا ما حصل فعلاَ. في زمن الحكومة السابقة قطعت الخطوة الأولى نحو التقدم والحمد لله.
يقلبون سبب الثقة الوطنية بالنفس إلى سبب لعدم الثقة ويقولون: حذار أن يهجم العدو، حذار أن يوجه العدو ضربة. الأقوال من هذا القبيل كثيرة... يحاولون تمرير مشاريعهم بهذه الوساوس. من سياساتنا الأساسية مثلاَ قطع العلاقات مع أمريكا. ولم نقل أبداَ أننا سنقطع هذه العلاقات إلى الأبد، لا، لا داعي أبداً لقطع العلاقات مع أي بلد أو حكومة بصفة دائمية. القضية هي أن وضع تلك الحكومة بالشكل الذي يجعل العلاقة معها مضرة بالنسبة لنا. الإنسان يقيم العلاقة مع أي بلد تبعاَ لمصلحة يراها لنفسه. إذا لم يكن في العلاقة فائدة لنا فلن نطلبها، أما إذا كان فيها ضرر فلن نطلبها من باب أولى.

العلاقة مع أمريكا مضرة لنا
العلاقة السياسية مع أمريكا مضرة لنا. أولاَ لا تقلّل هذه العلاقة من خطر أمريكا. هاجمت أمريكا العراق في حين كان لها معه علاقات سياسية، كان لها سفيرها هناك، وكان للعراق أيضاَ سفيره في أمريكا. العلاقة لا تنهي المخاطر الجنونية السلطوية لأية قوة. ثانياَ: العلاقة بالنسبة للأمريكيين كانت دوماَ - وليس الآن فقط - وسيلة للتغلغل إلى الجماعات المستعدة للعمالة والارتزاق في ذلك البلد. وهكذا هو حال البريطانيين. سفاراتهم كانت طوال سنوات متمادية مراكز للتواصل مع سفلة الشعوب المستعدين لبيع أنفسهم للعدو. هذه إحدى مهمات السفارات.
في الأحداث التي وقعت قبل سبعة عشر أو ثمانية عشر عاماَ في الصين وأثارت ضجيجاَ كبيراَ، كانت السفارة الأمريكية محوراَ ومركزاَ لإدارة الاضطرابات والتوتر. لكنهم يعانون من هذا الفراغ في إيران، يحتاجون لمقر معين وليس لهم مثل هذا المقر. هذا ما يريدونه. يلزمهم تردد عناصرهم وجواسيسهم وأفراد مخابراتهم وذهابهم وإيابهم واتصالاتهم غير المشروعة بالعناصر المنحطّة والمرتزقة، لكنهم يفتقرون لذلك، والعلاقة توفره لهم. ومع ذلك يثني بعض السادة عطفهم ليهذروا ويتكلموا ويبرهنوا على أن عدم وجود علاقات مع أمريكا يضرّنا. لا يا أخي، قطع العلاقات مع أمريكا مفيد لنا. يوم تصبح العلاقة مع أمريكا مفيدة لنا سأكون أول من يأمر بإقامة مثل هذه العلاقة.
يقولون : لِمَ تثيرون عداء أمريكا ضدكم؟ كأن يستخدم رئيس الجمهورية عبارة حادة مثلاَ، وفجأة يقول السادة العقلاء - كما يسمون - إن هذا العبارة حادة وتثيرعداء الأمريكيين، لا يا أخي، عداء الأمريكان ليس منوطاَ بهذه التعابير والألفاظ. العداء عداء مبدئي، وقد كان في أزمنة مختلفة. كان هذا العداء منذ بدايات الثورة وإلى اليوم - وسأتطرق لخطر الهجوم العسكري بعد قليل - لقد كان هذا الخطر قائماَ طوال الثماني عشرة سنة الماضية على الأقل أي منذ نهاية حرب الثماني سنوات المفروضة وإلى اليوم، فكان الشعب الإيراني يواجه التهديدات بهجومهم العسكري عليه... إنها ليست قضية اليوم. الشيء الذي بوسعه تقليل مخاطر العدو هوعرضكم لقدراتكم لا عرضكم لضعفكم . إبداؤكم لضعفكم يشجع الأعداء ضدكم. الشيء الذي بمقدوره صد أطماع العدو و حماقاته هو شعوره باقتداركم. إذا شعر أنكم ضعفاء سيفعل كل ما يريد دون مانع يمنعه.

المؤاخذات غير المنطقية
من نماذج بث اليأس في النفوس والتي لابد لي من ذكرها - أي إن الإنصاف يقتضي أن يذكرها الإنسان - إطلاق المؤاخذات غير المنطقية. لاحظوا اليوم أن عدداَ من المخالفين يفتعلون المؤخذات للأسف على معظم قرارات الجهاز الإداري للبلد... مؤاخذات غير منطقية. إذا كان القرار اقتصادياَ، أو إذا كان سياسياَ، أو إذا كان فنياَ وثقافياَ، أو إذا كان في مضمار القضايا الدولية، يطلقون بعض الآراء ضد الحكومة - وثمة بعض التردد والتريث حيال القيادة، فهنا يأخذون بعض الأمور بنظر الاعتبار - بكل حرية وسهولة مرفقة بالإهانات. هذه الممارسات قبيحة.
قد لا يعلم الذين يفعلون ذلك أية آثار سيئة تترتب على فعلهم. هذا هو زرع اليأس والقنوط... الموقف المضاد للثقة بالذات. إنها حالة بث الانهزام النفسي والانفعال وعقدة الدونية. الكثير من الناشطين في هذه المجالات لا يفهمون ولا ينتبهون إلى تأثير أعمالهم للأسف. هؤلاء ليسوا سيئي النية، والبعض سيئي النية طبعاَ، لكنهم في الغالب ليسوا سيئي النية ، إلّا أنهم لا يتفطنون لممارساتهم ولا يقيمونها تقييماَ صحيحاَ . تتخذ الحكومة قراراَ اقتصادياَ فتنهال الاعتراضات والمؤاخذات وبلهجة مهينة. تتخذ قراراَ سياسياَ فتُعاد نفس المعزوفة. تتخذ قراراَ دولياَ فتتكرر الحالة. يذهبون في زيارة معينة فتتكرر الحالة. لا يذهبون للزيارة الفلانية فتتكرر الحالة. حينما ركبنا هذه الحافلة و وثقنا بالسائق ينبغي أن لا نصرخ عند كل منعطف: خذ حذرك يا سيدي، يدي أصيبت بكذا، وقلبي ارتجف. إنه يسوق ويتقدم بالتالي . هذا في حين أنَّ الحكومة حكومة نشيطة بحق، وهي نموذجية في بعض صفاتها. أن تزور الحكومة جميع المدن فهذا مهم ولافت جداَ بالنسبة لي. رئيس الجمهورية ووزراؤه والمدراء التنفيذيين الكبار يزورون مدن البلاد المختلفة. زيارة المدن لها تأثير كبير. يقول البعض: لكننا نقرأ التقارير، لا، قراءة التقارير تختلف عن الزيارات. ربما كانت التقارير التي تصلني أكثر من غالبية المدراء. حينما يزور الإنسان مدينة أو محافظة ويلتقي بأهاليها وشبابها فسيرى أن التقارير تختلف عن الواقع بعض الشيء. قيمة ما يراه الإنسان ويسمعه أكبر من التقارير بكثير. وهذا شيء تقوم به الحكومة اليوم. تسافر إلى كل مكان من البلاد، لكن البعض يركز على جزء صغير من هذه الظاهرة ليجعلها نقطة ضعف وإشكال. لماذا كان لكم مائة قرار في هذه الزيارة في حين لا يمكن العمل بأكثر من خمسين منها؟ حسناَ، ليطبّق خمسون منها، أليس هذا أفضل من لا شيء ؟ هذه ممارسات لزرع القنوط في النفوس... تسجل مؤاخذات بلا داعي... لِمَ ذهبتم للزيارة الفلانية؟ لِمَ لم تذهبوا للزيارة الفلانية؟ هذه مؤاخذات مفتعلة تبث اليأس في النفوس. وقد ذكرت أن معظم من يفعلون ذلك لا ينتبهون إلى تبعات أفعالهم. لكل حكومة نقاط ضعفها طبعاَ، لا أقول إن هذه الحكومة بلا نقاط ضعف. بلى، لها نقاط ضعفها وأخطاؤها كسائر الحكومات. أنا الذي أريد تسجيل الأخطاء هل تراني عديم الأخطاء؟ أخطاؤنا كثيرة إلى ما شاء الله... ليست خطأ أو خطأين. الإنسان يخطئ بطبيعته، يجب أن يجهد لكيلا يخطأ أو يقلل من أخطائه. والذي يشاهد أخطاء الآخرين يجب أن يكون مخلصاَ ويذكّرهم بأخطائهم، أما إثارة الضجيج واللغو وتضعيف معنويات الناس، وتحطيم ثقتهم بأنفسهم وتخييب آمالهم في المستقبل فهذا غيرمناسب إطلاقاَ. هذا كلامي للجميع، للصحافة، وسائل الإعلام، والمسؤولين، وأصحاب منابر الخطابة والتواصل مع الناس: في المجلس، وفي صلاة الجمعة، وفي المواقع الأخرى ، وفي الجامعات. هذه قضية تتعلق بمصلحة البلاد. ينبغي مراعاة مصلحة البلاد. هذه إحدى أساليب تفتيت الثقة الوطنية بالنفس.

الضجيج الإعلامي
ومن الأساليب الأخرى - وهو الأسلوب الثالث الذي مارسه الغربيون بشكل مكثف في السنوات الأخيرة - حالة الضجيج واللغو الإعلامي. يتصور المرء أن إثارة الضجيج واللغو ضد الأشخاص حالة خاصة بفريق معين من الناس في أوساط خاصة، كلا، اللغو الإعلامي من الممارسات الشائعة جداَ على المستوى الدولي. والإمكانات الإعلامية اليوم كبيرة وواسعة.

نماذج حقوق الإنسان الأمريكية
من نماذج اللغو والضجيج قضية حقوق الإنسان. والذين يطلقون هذا الكلام هم من يِندى جبين أي إنسان شريف لما يفعلونه في غوانتانامو. توقيع رئيس جمهوريتهم لأوامر ممارسة التعذيب يسبب الخجل للإنسان مقابل الحقيقة. يحرقون وثائق غوانتانامو ووثائق التحقيقات بأمر من مسؤوليهم. مستهترون بحقوق الإنسان وبكرامة الشعوب لهذه الدرجة. لو تحدثتم اليوم مع الشعب العراقي لكان أول ما يقولونه لكم هو أنهم يهينوننا ولا يحترموننا. ليست البطالة والمجاعة هي المشكلة الأولى. الشاب العربي له نخوته وكبرياؤه ويأتي هؤلاء ليقيدوا يديه أمام زوجته ويلقوه إلى الأرض على وجهه ويسحقوا ظهره بأحذيتهم ويركلوه ويخزوه. هم غرباء عن حقوق الإنسان لهذه الدرجة. فعلوا بالمتهمين في سجن أبي غريب تلك الويلات التي يخجل الإنسان حتى أن يتذكرها. أنا أشعر بالخجل حين أتذكرها أحياناَ. وإذا بهم يتحدثون عن حقوق الإنسان! ويتهمون الجمهورية الإسلامية وأية دولة معارضة لهم في العالم بانتهاك حقوق الإنسان! أليست هذه مهزلة؟ هذه الممارسة المهزلة التي يقوم بها العدو في الخارج، يلاحظ الإنسان من يكررها ويعكسها في الداخل للأسف.

نماذج الديمقراطية الأمريكية
بخصوص الممارسة الديمقراطية، نرى الذين دعموا الحكومات الانقلابية - هناك حكومات انقلابية لا أريد ذكر أسمائها وأنتم تعرفونها - وعاضدوا بقوة الحكومات الوراثية المستبدة لم يستطيعوا بل لم يريدوا توفير الديمقراطية في الأماكن التي أنزلوا فيها قواتهم العسكرية تحت يافطة الديمقراطية. في العراق ، نصبوا أولاَ حاكماَ عسكرياَ، ثم وجدوا أن الأمور تتعثر فوضعوا حاكماَ سياسياَ، ثم عارضوا الانتخابات. لكن الانتخابات أقيمت على الرغم منهم. وما انفكوا الآن يهددون الحكومة والمجلس العراقيين المنتخبين من قبل الشعب. أمثال هؤلاء يقولون لنا إنكم تفتقرون للديمقراطية! وفي الداخل أيضاَ تظهر للأسف مجموعة تكرر نفس الكلام. أنا استغرب من هذا حقاَ. إنه ضجيج إعلامي وبث لليأس في النفوس، عامل مضاد لثقة الشعب الإيراني بنفسه.

الانتخابات مظهر بارز للديمقراطية
لدينا انتخابات واحدة نقيمها في كل سنة، أليس كذلك؟ ألا يشارك الناس في الانتخابات؟ وهل يحدث أكثر من هذا في البلدان الأخرى التي تدعي الديمقراطية؟ يشارك الجماهير في الانتخابات المختلفة بهذا الشوق والحماس، والتنافس موجود... تنافس حقيقي بين التيارات المختلفة، فلماذا يقول البعض في الداخل بصراحة: لا توجد ديمقراطية، أو قد لا يقولون ذلك بصراحة بل يقولونه بشكل مغلف يفيد نفس الفكرة بالتالي؟ يقولون يجب أن نعمل لتوفير الديمقراطية في البلاد! الشيء المتوفر فعلاَ. تريدون العمل لتوفير شيء موجود؟! هذه عوامل مضادة للثقة بالنفس التي يحتاجها شعبنا ولا بد له منها.

الغرب هو المدان في موضوع حقوق المرأة
وقضية المرأة. لقد قلتُ مراراَ أخواتي العزيزات، بناتي، أيتها الشابات الجامعيات، وأقولها الآن أيضاَ بجد أن المدان الذي يجب أن يتحمل المسؤولية في قضية المرأة هو الغرب وليس الإسلام أو الجمهورية الإسلامية. الذين رفعوا التخوم بين الجنسين كلياَ، وأشاعوا الحرية الجنسية عملياَ ولسانياَ وإعلامياَ وحتى في الفلسفة هم الذين يجب أن يدانوا ويسألوا. وكانت النتيجة في ضوء خصال القوة والعدوان الطبيعية للرجل حيال المرأة، أن ظُلمت المرأة وضاعت حقوقها. جعلوا المرأة وسيلة لبيع بضائعهم، جعلوها كأية بضاعة أو متاع آخر!
أنظروا لهذه المجلات الأجنبية، يعرضون جسد المرأة العاري لتسويق بضاعة من البضائع! هل ثمة إهانة للمرأة أسوء من هذه؟ هم الذين يجب أن يجيبوا.

الهدف من الحجاب كرامة المرأة
الحجاب تكريم للشخص الذي في الحجاب. حجاب المرأة تكريم للمرأة. ماضي معظم البلدان - وأقول معظمها لأني غير مطلع على ما فيها جميعاَ - وفي أوربا قبل مائتين أو ثلاثمائة سنة كانت نساء الارستقراطيين والنبلاء يضربن حجاباَ على وجوههن. ربما شاهدتم ذلك في بعض الأفلام القديمة. كن يرتدين حجاباَ لكيلا تقع الأنظار عليهن. هذا تكريم. في إيران القديمة كانت كل نساء الأعيان والأشراف والرؤساء يرتدين الحجاب. أما نساء الطبقات الدنيا فقد يظهرن بدون حجاب ... لم يكن هناك مانع من ذلك. وجاء الإسلام فنبذ هذا التمييز وقال لابد للمرأة من حجاب، أي إن هذا التكريم يجب أن يشمل جميع النساء. هذا هو رأي الإسلام. وإذا بأولئك يصبحون اليوم دائنين ونحن مدانين! هم المدانون، هم من يجب أن يوضحوا ويجيبوا لِمَ جعلوا المرأة كالبضاعة وسيلة لإشباع الشهوات والنزوات. ثمة إحصائية أخبروني بها أمس - الإحصائية تعود لما قبل أسبوع - تقول إن ثلث نساء العالم يُضربن من قبل الرجال! أعتقد أن هذا مما يستذرف الدموع، إنه أمر مبكٍ، ويحدث غالباَ في البلدان الصناعية والأجنبية وهو ثمرة العنف الجنسي والمطالبات الجنسية العنيفة للرجل من المرأة. هذا هو ضجيجهم ولغوهم حول المرأة. ومع ذلك يتحدثون عن موضوع المرأة ليقولوا: إنكم فرضتم الحجاب بالإجبار. هم يفرضون السفور بالإكراه، ولا يسمحون للفتاة الجامعية بدخول الجامعة بسبب حجابها، ويقولون لنا: لِمَ جعلتم الحجاب إجبارياَ! هذه خطوة الهدف منها كرامة المرأة وتلك خطوة تهدف إلى هتك المرأة وإسقاط احترامها. وهناك لضجيج الغرب ولغوه الإعلامي نماذج أخرى من هذا القبيل.

اللغو الإعلامي يستهدف الثقة بالذات
أنا قلق من أن يترك هذا اللغو تأثيره. وهذا من الأسباب التي تدفعني للتحدث عن الثقة بالنفس. هذا الضجيج يؤثر أولاَ في بضعة أشخاص من نخبتنا - كما يسمون - ويشعرون نيابة عن شعبنا بالخجل أمام ذلك المفتري الغربي فيشنون هجماتهم وتتضعضع الثقة بالنفس. لاحظوا أن هذا الضجيج هو أحد الأساليب الثلاثة لزلزلة الثقة بالذات عند الشعوب.

إحتمال الصدام العنيف
وهناك أيضاَ قضية الاشتباك العنيف وهو اليوم احتمال ضعيف، وأضعف من الماضي. هنا أيضاَ أريد القول إن ثمة عدم إنصاف يحصل، وكأننا نحن الذين أثرنا التهديدات الشديدة لحكومة أمريكا السلطوية ضدنا. كلا، ذكرتُ إنه من بعد نهاية الحرب المفروضة وإلى اليوم لم تمض فترة خلت من احتمال الهجوم العسكري الأمريكي علينا. وهذا الاحتمال اليوم أضعف من الماضي. مما قاله مسؤولو الحكومة السابقة في بداية تولّيهم لزمام الأمور أن المدافع الأمريكية كانت جاهزة للإطلاق على إيران قبل مجيئنا، وتحوّلت عن إيران بعد مجيئنا. إذن ، كانت موجَّهة سابقاَ. في زمن الحكومة السابقة، أدرج من هو تمثال الشر المجسّم الشعبَ الإيراني ضمن محور الشر... بوش... بوش الشرير.. بوش المليء وجوده من رأسه إلى أخمص قدميه بالشر والقذارة يعتبر شعب إيران أحد ثلاثة شعوب أو ثلاثة بلدان تمثل محور الشر. هذا يعود لزمن كانوا يدارون فيه الأمريكيين بعض الشيء، ويطلق البعض في الداخل أحياناَ كلاماَ يروق للأمريكيين. بالطبع يجب أن تعلموا أن مسؤولي النظام رفيعي المستوى، رؤساء جمهوريتنا ومسؤولي الطراز الأول في النظام كانوا دوماَ وفي كل هذه الفترات شخصيات مخلصة محبة لأسس النظام ومبانيه. لقد كانوا ثوريين وهذا الكلام لا يعنيهم، إنما الحاشية هي التي تصدر عنها في كل مكان أفعال لا يؤمن بها من هم على رأس الهرم. كانت مثل هذه الأمور على كل حال.
طبعاَ علينا كبلد وكشعب وكنظام أن نكون يقظين من الناحية العسكرية دائماَ. قد يكون التهديد من أمريكا يوماَ، أو ربما من السوفيت في الماضي، أو ربما من جار شرير كصدام حسين مثلاَ. علينا أن نكون يقظين دائماَ ، ونحن يقظون. واليوم أيضاَ مع أن الجميع يقولون إن الخيار العسكري الأمريكي رُفع من على الطاولة - والبعض يعتقدون أنه لم يكن على الطاولة منذ البداية ليُرفع الآن - فأنا أؤمن بهذا ونحن نعمل بهذا الاتجاه: يجب أن نكون حذرين يقظين وعلى مسؤولينا العسكريين وعموم شعبنا أن يكونوا واعين.
طيب، لنلخّص ما قلنا: الثقة الوطنية بالنفس من ضروريات شعبنا في كل الفترات ، ولا سيما في هذه الفترة. وسبب هذا التخصيص أن العدو أخفق في صراعه مع الشعب الإيراني على عدة صعد، ويبحث الآن عن أساليب جديدة وطرق جديدة وحيل جديدة ومكر جديد ﴿وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ﴾ وأنتم أيضاَ من عبيد الله، فعليكم اليقظة والحذر من مكره وأساليبه.

ضرورة التدبر في قضية الثقة بالنفس
ينبغي اجتناب الأمور التي تضعف الثقة بالنفس، لا سيما النخبة، وقد ذكرت بعض هذه الأمور، ولكم أن تفكروا وتدرسوا الموضوع، وتشددوا على العوامل التي تعزز الثقة بالذات... إنهجوا هذا النهج في إصداراتكم الجامعية، الأستاذ في صفه، والطلبة في تنظيماتهم والمواقع التي يؤثرون فيها.

الطالب الجامعي المؤثر
قال أحد الإخوة مع أن تأثير الطلبة الجامعيين كبير، لكنهم لا يستشارون في كل الأمور. كيف يمكن استشارة قطاع الطلبة الجامعيين البالغ عدة آلآف من الأشخاص؟ هناك خمسون إلى ستين ألف طالب جامعي في يزد فقط. للاستشارة آلياتها الخاصة. الأمور لا تجري بدون استشارات طبعاَ. أريد أن أقول إن تأثير الطالب الجامعي وقبل أن يكون عن طريق تقديم استشاراته للمسؤولين يمكن أن يكون عن طريق توجيه الكوادر البشرية الداخلة ضمن دائرة تأثيركم. يمكنكم أن تؤثروا داخل عوائلكم، على إخوانكم وأخواتكم، على آبائكم وأمهاتكم، وفي بيئتكم الحياتية، على أقربائكم وأصدقائكم في الألعاب الرياضية... التأثير باللسان، والطباع، والسلوك. هذا هو أفضل توفيق وانتصار للطالب الجامعي: التأثير في المناخات التي يمكنه التأثير فيها. طبعاَ بعض المناخات لها قابلية أكبر، خصوصاَ وأنكم شباب. إعرفوا قدر هذا الشباب. إعرفوا قيمة هذه القدرات والحيوية الشبابية. في عهد القمع والإرهاب - ويجب أن لا نكثر الحديث عن أنفسنا، فأنتم الآن متقدمون كثيراَ على ما كنّاه أنذاك، ولكن لا بأس أن تعلموا الحال - حين كنّا شباباَ في مثل أعماركم، كان الوضع من الناحية الأمنية والنواحي الأخرى بحيث لا يمكن الجلوس في مكان من الأماكن. حين كنا نضطر للنقاش والكلام كنّا نقف على أرجلنا ثلاث أو أربع ساعات نتحاور ونتبادل وجهات النظر ونسمع ونتحدث! الشاب له طاقته وحيويته وقدراته، ويستطيع اعتماداَ على قوى الشباب هذه أن يؤثر. إذن، ينبغي إقصاء عوامل تضعيف الثقة بالنفس قدر الإمكان، وتعزيز العوامل المكرِّسة للثقة بالنفس ما استطعنا.
اللهم، زد من أنوار هؤلاء الشباب الأعزاء، وهذه القلوب الطاهرة النيّرة الوضاءة المستعدة للتقرب إليك. قربهم إليك أكثر فأكثر. إجعل عواقب أمورهم إلى خير. اللهم اجعل مستقبل هذا البلد الذي سيبنى على أيدي هؤلاء الشباب أفضل وأجمل كثيراَ من حاضره و ماضيه. ربنا أحشر أساتذة هذا الدرب الكبار وعلى رأسهم إمامنا الجليل و شهداؤنا الأبرار مع أوليائك. ربنا احشر شهداء هذه المدينة وهذه المحافظة الكبار- الشهيد الجليل المرحوم آية الله صدوقي - وسائر شهدائها الأبرار مع أوليائك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
1-2025م
2-11 سبتمبر