بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبـي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين سيما بقية الله فـي الأرضين .
أشكر الله المتعال و أحمده أن منحنـي أنا العبد الضعيف هذه الفرصة و أمهلنـي كي ألتقي بكم أيها الإخوة و الأخوات الزوّار و المجاورين الى جانب المرقد المطهر المنور للإمام علي بن موسى الرضا (عليه آلاف التحية و الثناء ) ، و أبارك لكم حلول العام الجديد ، و أدلـي ببعض الأمور لكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزة الحاضرون فـي هذا المكان ، و لكل الشعب الايرانـي .
مع أن الفرص الإلهية و الإمهالات التـي يمنُّ الله تعالى بها علينا نحن العباد فـي هذه الدنيا تعد نعمةً عظيمة ، إلاّ أنها طبعاً تضاعف من مسؤولية الإنسان بنفس الدرجة ، و تزيد من الحساب الإلهي . كل سنة تنقضي من أعمارنا ، و كل يوم نبقاه أكثر فـي هذه الحياة و فـي هذه الدنيا ، تتضاعف معه بنفس النسبة أعباء مسؤولياتنا أمام الخالق . هذه طبعاً نعمة ، إلاّ أنها مصحوبة بالمسؤولية ، نظير كل النعم الأخرى .
مع بدء العام الجديد و فـي مثل هذه المحطات التاريخية و التقويمية ، علينا جميعاً التنبه الى حقيقة أن الدخول الى كل سنة ، و الدخول فـي أي شهر ، و الدخول فـي أي يوم من أيام الحياة، يدعونا إلى معرفة مسؤولياتنا و يحفزنا على أداء هذه المسؤوليات . فـي كلمتنا للشعب الإيرانـي بمناسبة النيروز قلنا إن هذه السنة هي من وجهة نظرنا سنة تحمل المسؤولية من قبل مسؤولـي النظام حيال الشعب . وهذا فـي الواقع تحمّل للمسؤولية أمام الله أيضاً . كما أنه تحمل للمسؤولية أمام الذات و الضمير . تحمل المسؤولية هو فـي الحقيقة ضرب من قراءة الشهادة ، كالطالب الذي يقرأ شهادته فـي نهاية السنة الدراسية ـ يقرأها هو ويقرأها اولياء أمره ـ فيتعرف على نقاط قوته و نقاط ضعفه ، و تشجّعه الدرجة التـي يرتضيها على مواصلة المشوار ، و تحضّه الدرجة التـي تُخجله على تعويض هذه الحالة المخجلة و تلافيها.
مجموع الدرجات الجيدة و السيئة تشكل معدِّل الطالب ، ومجموع معدلات الطلاب فـي الفصل يمثل معدل ذلك الفصل و المؤشر على تمكن أو عدم تمكن المسؤولين عن الفصل من التقدم بالطلاب الى الأمام . و بالطبع فإن مجموع معدلات الفصول يشكل معدل المدرسة عموماً و يدل على كفاءة أو عدم كفاءة هذه المدرسة ، و يحثّ المساهمين فـي المدرسة على التفكير ، فيدركون ويعلمون هل نهض مدراء هذا المدرسة بمهامهم بصورة جيدة أم لا ، ويتخذون قراراتهم فـي ضوء ذلك .
فـي النظام الاجتماعي و السياسي ، وفـي نظام الجمهورية الإسلامية ، تشير شهادة الأجهزة والمؤسسات الى معدلات تلك الأجهزة ، تشير الى معدلات الأجهزة المختلفة و الى معدل كل واحدة من السلطات الثلاث و الأجهزة المهمة فـي البلاد . و مجموع معدل السلطات الثلاث يحدد معدل النظام عموماً . المساهمون فـي هذا النظام هم أبناء الشعب الايرانـي . أنتم أيها الشعب الإيرانـي أصحاب نظام الجمهورية الاسلامية . إنكم بمعرفتكم معدل الأجهزة و على أساس هذه المعرفة ، و بمعرفة كم استطاع مدراء البلاد النهوض بمهماتهم ، تتخذون قراركم بشأن مدراء البلاد . هذا هو نظام الحكم السليم . بنية الدستور أيضاً تقودنا بهذا الاتجاه و تمد لنا يد العون .

النظام الإسلامي يأخذ بأيدي الجماهير حسب وعد القرآن الكريم صوب الحياة الطيبة . تقول الآية القرآنية : ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ . الحياة الطيبة هي الحياة العذبة . يتمتع الشعب بالحياة العذبة حينما يشعر و يرى دنياه و آخرته تتحركان طبقاً لمصالحه و تسيران نحو اهدافه . هذه هي الحياة الطيبة . إنها ليست حياةً دنيوية فحسب و لا هي حياة أخروية فقط . الشعوب المتشبثة بالحياة الدنيا و التـي نجحت فـي التقدم بالحياة الدنيوية الى مراتب راقية لاتتمتع ضرورةً بالحياة الطيبة . الحياة الطيبة تتحقق حينما ترافق الرفاه المادي العدالةُ و النزعة المعنوية و الأخلاق . و هذا ما لايكفله للبشر سوى الأديان الإلهية . من جانب آخر ، ليست الحياة الطيبة العذبة حياة أخروية فحسب . لاينادي الإسلام : إنـي أروم عمارة حياة الناس الأخروية بعد الموت ، ولتكن دنياهم ما تكون . ليس هذا منطق الإسلام . منطق الإسلام هو أن حياة المجتمع الإسلامي يجب أن تزخر بالمواهب الإلهية فلاتضل الإنسانية طريق المعنويات عبر تمتعها بالمواهب المادية فـي الحياة ، و إنما تتحرك بنحو صائب . إذا توفرت تلك الحياة فسوف تُستأصل جذور الظلم و الإجحاف و التمييز فـي المجتمع ، و تُجتث أصول التعدي على حقوق الإنسان ، و تتراجع حالات الحروب و الاقتتال ، وتصل حالات انعدام الأمن فـي الحياة الإنسانية الى الصفر . لقد عمل الأنبياء و جاهدوا لأجل هذا ، و ضحّى العظماء الإلهيون المصطفون فـي تاريخ البشرية لأجل هذا .
إننا نتطلع الى قمة عالية سامقة ، هي هذه الحياة الطيبة التـي عاشها الأنبياء والأولياء الإلهيون . كل مساعينا و هممنا و أفكارنا و خواطرنا هي أن نقترب من هذه القمة . المسافة بعيدة طبعاً و الطريق شائك ، بيد أن الوصول الى السفوح العليا و الأعلى منها حالة مغتنمة و محببة . نحن ننشد هذا الهدف . ما هو مفتاح النجاح فـي هذه المهمة فـي النظام الإسلامي ؟ مفتاح النجاح هو أن يتحلى مسؤولو النظام الإسلامي ـ كما ذكرت الآية القرآنية ـ بالإيمان و العمل الصالح . ليس الإيمان و العمل الصالح مجرد الاعتقاد بالله و إقامة الصلاة و الصيام ، إنما الإيمان هو الإيمان بالله ، و الإيمان بالوعد الإلهي ، و الإيمان بما أنزله الله تعالى للبشر فـي دساتيره التشريعية عن طريق الأنبياء ، الإيمان بصحة الطريق الذي يسير فيه الإنسان . ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ . النبـي نفسه كان مؤمناً بطريقه ، و المؤمنون أيضاً كانوا مؤمنين بطريقهم و هم يسيرون خلف الرسول . لقد وعدنا الله تعالى جملة وعود ، و علينا أن نؤمن بهذه الوعود . لقد قال لنا الله تعالى على نحو القطع : ﴿ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾ . إنها معاهدة تعقدونها مع الله ، اعملوا بهذه المعاهدة ليوفِ الله بالوعد الذي قطعه لكم . هذه هي فاعلية الإيمان فـي وجود الإنسان المسؤول ، الإيمان يمهد لهذا الإنسان الطريق ويهوِّن الصعوبات فـي عينه ، ويرفع من همته و يعصمه من التلوث بأدران الرغبات الدنيوية التافهة ، و يجعله محباً للناس و خادماً لهم ، و يحصّنه حيال تهديد الأعداء و يجعله صلباً صامداً أمام مشكلات العمل والمسؤوليات . العمل الصالح المطلوب إسلامياً من أحد مسؤولـي النظام السياسي هو السلوك الدينـي . معنى السلوك الدينـي هو إفشاء العدل فـي المجتمع و تقديم الخدمة لكل أفراد الشعب . يشدد الإسلام على خدمة الناس بما فـي ذلك غير المؤمنين . إن أفق النظرة الإسلامية واسع جداً :
تقديم الخدمة واجتناب التمييز و الكف عن إهدار بيت المال و اجتناب غمط الناس حقوقهم ، و الامتناع عن إساءة استخدام الوظيفة و المسؤولية .
الشخص الذي يتولى مسؤولية معينة ، و يصيب جاهاً ومنزلةً عن هذا الطريق [يجب أن يعلم أن] هذا الجاه هو ملك الناس ، كما أن بيت المال هو ملك الناس . كما أن المسؤول لايمكنه الإنفاق من بيت المال لشؤونه الشخصية حينما يكون مفتاح صندوق بيت المال بيديه ، كذلك و لنفس السبب لايحق له توظيف ما له من جاهٍ و قدرة و إمكانية و فرص لمصالحه الشخصية . المساعي الجهادية و المساعي الصعبة ، بمعنى استخدام العقل و العلم و الاختصاص والتجربة و كل إمكانيات المؤسسة التـي يديرها للوصول الى أهداف النظام الإسلامي ، هذا هو السلوك الدينـي . المسؤول حتى لو كان متظاهراً بدرجة عالية من القدسية ، إذا لم يستخدم إمكاناته للعمل و السعي الدؤوب ، فسيكون سلوكه الدينـي ناقصاً . إذا لم يستثمر الفرص و لم يوظِّف العقل والتدبير والفطنة و العلم و الاختصاص و التجارب فإن سلوكه الدينـي سيبقى ناقصاً . معارفنا الإسلامية مترعة بهذه المفاهيم السامية الراقية و قرآننا و أحاديثنا مفعمة بهذه المعارف . المسؤول المتدين هو طبعاً من يأخذ هذه الضوابط فـي حياته بنظر الاعتبار كمبادئ حتمية لا يمكن تخطيها . إذا تقيد مسؤولو نظام الجمهورية الإسلامية بهذه الضوابط فسوف يتقدم النظام الإسلامي يوماً بعد يوم و خطوة إثر أخرى .
أعتقد أن نظام الجمهورية الاسلامية اليوم وبما لَهُ من تجربة تمتد الى خمس و عشرين سنة ، بوسعه أن يواصل هذا الطريق بقوة و إصرار شريطة أن يُعد مسؤولو الأجهزة المختلفة قائمة سلوكهم و أعمالهم لأنفسهم بالدرجة الأولى ، و ينظروا فـي الدرجات الإيجابية و السلبية ، و من ثم يعرضوا الأمر على الجماهير و هم أصحاب و مالكو هذه الثورة و المساهمون فـي هذه المنظومة و المؤسسة العملاقة التـي تسمى الجمهورية الإسلامية . السلطة التنفيذية التـي تضم أجهزة مختلفة يجب أن تعرض قائمة أعمالها على الناس بكل تفاصيلها . و أعتقد طبعاً أن الناس فـي هذه الحالة سيفرحون يقيناً ، لأن فـي القائمة درجات جيدة جداً و متألقة . و ينبغي أن تعرض السلطة القضائية أيضاً قائمة أعمالها على الجماهير و لاشك أن فيها كذلك درجات جيدة و متألقة . السلطة التشريعية أيضاً عليها عرض قائمة أعمالها على الناس و فيها كذلك علامات سارة . و لكن ثمة أيضاً فـي جميع هذه الأجهزة علامات سلبية و محزنة لهذه الأجهزة و للناس . لينظر مسؤولو الأجهزة أنفسهم ما هي نقاطهم السلبية و ليجهدوا و يسعوا فـي سبيل القضاء على أسباب هذه النقاط السلبية . و بالطبع فإن رصيد هذا العمل و ضمانته هو الوعي و مطالبات الشعب و توقعاته . إذا حصل هذا فسيتحقق ذلك الإصلاح الثوري الذي تحدثت عنه للشعب الإيرانـي قبل عامين أو ثلاثة فـي صلاة الجمعة بطهران .
الإصلاحات ضرورية لكل نظام . الإصلاحات من أولى المستلزمات بالنسبة لكل مجتمع . ونحن أيضاً بحاجة للإصلاحات . الإصلاحات تعنـي أن نسجل النقاط الإيجابية و السلبية ، و نحول النقاط السلبية الى إيجابية . هذا هو الشىء الذي قطعت الثورة خطوته الواسعة الأولى و كانت موفقة فـي ذلك ، و بذلت الكوادر الثورية المخلصة طوال هذه السنوات الخمس و العشرين كل جهودها فـي شتى الأجهزة و المؤسسات من أجل النهوض بهذه المهمة و استطاعوا تحقيق نجاحات كبرى . هذه هي الإصلاحات الثورية الإسلامية . طبعاً ، أعداء هذا النظام و الثورة يستهدفون تغيير بنية النظام جذرياً ، و الإصلاحات من وجهة نظرهم تعنـي تغيير النظام و تبديل نظام الجمهورية الاسلامية الى نظام تابع مطيع للأعداء المستكبرين. الإصلاحات بالمعنى الحقيقي للكلمة تشمل جميع مؤسسات البلاد . يجب أن لا ترى أية مؤسسة نفسها متعاليةً على النقد و خالية من العيوب . كافة أجهزة البلاد يتوجب عليها أن تخضع للنقد المنصف و على الجميع إصلاح سلوكهم باتجاه أهداف النظام و ضمن إطارها . الحكومة ، و المجلس ، و السلطة القضائية و سائر الأجهزة العاملة فـي البلاد ، و التـي تتولى مهاماً خطيرةً ، كلها داخلة فـي هذه القاعدة العامة : النقد ، و الإصلاح ، و تحمّل المسؤولية . هذا هو المعنى الحقيقي لإصلاح النظام الذي يصبو اليه الإسلام ، و الذي نادى به الأنبياء حين قالوا ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ ﴾ . كل ما فعله الأنبياء هو أن يصلحوا ما استطاعوا الى ذلك سبيلاً ، أي أن يقضوا على الفساد فـي البلاد . هذا هو معنى الإصلاح الحقيقي .
تحمل المسؤولية يجب أن يتحقق بالمعنى الصحيح للكلمة . وعلى المؤسسات الثقافية فـي البلاد ـ سواء المرتبطة منها بالحكومة أو غير المرتبطة بالحكومة كالإذاعة و التلفزيون ـ أن يوضحوا ما هي التدابير التـي اتخذوها لاعتلاء و تثمير الثقافة الإسلامية و الثورية و إغنائها و نشر أبعادها البارزة المهمة . و على المؤسسات الاقتصادية أن تُبيِّن المساعي التـي بذلتها فـي كافة أرجاء البلد لأجل تنضيج اقتصاده ، و ردم الهوة الطبقية ، و التغلب على الفقر و الحرمان لدى طبقاته المحرومة ، و عمرانه و بنائه بوصفه بلداً مليئاً بالخيرات و مؤهلاً للإنماء . و لابد لمدراء الأجهزة العلمية فـي الجامعات و الحوزات العلمية أن يبينوا المساعي التـي بذلوها و الاعمال الكبيرة التـي قاموا بها فـي حقل إنتاج العلوم و التحرر الفكري العلمي و حوار الآراء ، و هذا ما طالبنا به الجامعة و الحوزة . الى أي حد تقدموا إلى الأمام و ما هي المشاريع الأخرى التـي يتعين أن ينهضوا بها ؟ و على المؤسسات الصناعية و المراكز الزراعية فـي البلاد أيضاً أن توضح ذلك . السلطة القضائية أيضاً يجب أن توضح الجهود و الأعمال التـي قامت بها لإحقاق حقوق المظلومين و لأجل أن يرى المظلومون فـي البلاد السلطة القضائية ملجأهم و مأواهم حقاً ، فيلوذوا بها . السلطة التشريعية التـي تتولى واجبين أساسيين هما سن القوانين والإشراف ، ينبغي أن تبيّن المساعي التـي قامت بها فـي مجال التشريع حتى تسن قوانين تسهِّل الإصلاح الحقيقي فـي البلاد . كما يجب على هذه السلطة أن تحدد الأمور و الجهود التـي نهضت بها فـي مجال الإشراف على الأجهزة المختلفة و مراقبة صواب أعمالها .
نواب الشعب فـي مجلس الشورى الإسلامي الذين يريدون الانخراط فـي المجلس ينبغي أن يعلموا أن الجماهير ، التـي تعاملت بمحبة و يقظة و شعور بالمسؤولية فـي الانتخابات الأخيرة ، لم يوقعوا عقد أخوة مع النواب . الناس تتوقع من النائب العمل و الإبداع و المشاركة فـي المشاريع المهمة و تقديم اللوائح . توقع الجماهير من نوابهم فـي المجلس و الحكومة و فـي كل موقع لهم فيه نائب ، هو أن يستخدموا كل امكاناتهم و مساعيهم لتقديم ما يتطلع إليه الناس و ما يتطابق و الأهداف الإسلامية .
ما أريد أن أقوله فـي خاتمة حديثي هو أن الواجب الأول بالنسبة للمسؤولين و الجماهير على السواء هو باعتقادي اليقظة و الفطنة و الشعور المستمر بالمسؤولية . عليهم أن يقلعوا عن الخصومات الهدامة ، و يبدلوا التنافس السلبـي الى تنافس إيجابـي ، و يعدوا استقرار النظام الإسلامي فرصة كبيرة . أعزائي ، استقرار البلاد و استقرار النظام الإسلامي أكبر فرصة متاحة اليوم للشعب الإيرانـي وللمسؤولين . يريد الأعداء أن تخسر البلاد استقرارها . و إذا انعدم الاستقرار تعذّر إنجاز أعمال علمية أو منجزات اقتصادية أو ثقافية و لا يمكن الدفاع عن حقوق الشعب ، و لا يمكن الحفاظ على عزة الشعب فـي الساحة العالمية . هذا الاستقرار السائد اليوم فـي هذا البلد إنما هو ببركة إبداء الشعب الايرانـي اقتداره فـي الأطوار المختلفة .
مجرد حضوركم فـي المظاهرات بذلك النحو ، و تدفقكم على صناديق الاقتراع بكل ذلك الإخلاص على الرغم من مساعي الأعداء و أبواق الدعاية الأجنبية ، إنما هو مؤشر اقتدار وطنـي ، و هذا الاقتدار الوطنـي سند لاستقرار البلاد و النظام الإسلامي . طبعاً مراكز الاستكبار فـي العالم لايروقها أن تتمتع بلادنا بالاستقرار ، يريدون أن يبثوا التوتر فـي البلاد . اعلموا و أنتم تعلمون أنهم يبذلون قصارى جهدهم لخلق الأزمات و إيجاد الاضطراب و الفوضى ، و هذا ما فعلوه . فـي صيف عام 82 2تعبّأت كل أجهزة التجسس المرتبطة بالصهيونية و أمريكا لإغراق البلد فـي الاضطرابات ، بيد أن وعي الجماهير و يقظتهم و المساعي الجهادية لخدّامهم تصدّت لكل هذه المؤامرات و حالت دونها . لقد ذكرت مراراً أن العدو لن يقلع عن عدوانه إلاّ حينما يشعر أن لا فائدة من العداء . إنكم اليوم ـ أيها الشعب الإيرانـي فـي أعين مستكبري العالم ـ شعب يبدي دلائل اقتداره الوطنـي فـي الوقت المناسب و فـي الظرف و الأوان المناسب . لقد عرفوا هذا . إن وعيكم و يقظتكم و استعدادكم هذا هو الذي أحبط و بدّد المؤامرات الثقافية و السياسية للأعداء على مدى عدة أعوام . كانت الأحلام تراودهم وقد تآمروا مراراً ، الاّ أن وعيكم نسف مؤامرات العدو . إن أعداء الشعب الإيرانـي الذين كان هدفهم اليوم أن يدخلوا البلد فـي دوامة من الاضطرابات و الصخب و الاقتتال بين الإخوة ، و الذين رموا الى إشعال الحروب و الاختلافات بين المسؤولين ، وصلوا الى طريق مسدود . وقد وصلوا الى طريق مسدود فـي العراق و فـي فلسطين أيضاً لأن جهاد الشعب الفلسطينـي و تضحياته أوصلتهم الى طريق مسدود . فـي مثل هذه الأيام من العام الماضي توهموا أنهم باحتلالهم العراق و السيطرة عليه يستطيعون الحصول على غنيمة جاهزة و القضاء عليها ، غير أن مشكلات العراق اليوم أغرقتهم فـي الوحل و وصلوا الى طريق مسدود . طبعاً قد يتخذ العدو قرارات جنونية للتعامل مع هذه الطرق المسدودة التـي يواجهها ، لكن أي قرار يتخذونه سيتلاشى أمام شعب حر كالشعب الإيرانـي ... إن شعبنا يقظ .
لا أريد أن أؤخركم أكثر من هذا أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء فـي هذا الجو البارد .
اللهم بمحمد و آل محمد اجعل حياتنا و موتنا فـي ظل لطفك و رحمتك و عنايتك . انعم بالحياة الطيبة على شعب ايران . اللهم وفّق الشعب الإيرانـي فـي تقدمه نحو الأهداف السامية يوماً بعد يوم . مُنَّ على مسؤولـي النظام الإسلامي المخلصين بالأخذ بيدهم و بهدايتك و لطفك . ربنا أنر قلوبنا بالمعارف الإلهية و الإسلامية . ربنا ردّ كيد الأعداء إلى نحورهم . ربنا بمحمد و آل محمد أرضِ و أدخل السرور على قلب المهدي عنّا . اجعلنا جميعاً ممن تشمله الأدعية الزاكيات لذلك الإمام المنتظر . ربنا اشمل شهداءنا الأعزاء برحمتك و لطفك . احشر إمام الشهداء مع أوليائه و اغفر لمن مات منّا .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .

1 المجاورون هم الذين يقطنون مدناً فيها مراقد أهل بيت النبوة (ع) .
2 صيف 2003 م .