بسم الله الرحمن الرحيم
أرحب بضيوف الجمهورية الإسلاميه الأعزاء ، و أبارك أيام بعثة سيدنا نبـي الإسلام المكرم (صلى الله عليه و آله و سلم).
ما يبعث الارتياح فـي نفس الإنسان للوهلة الأولى هو أن هذا النموذج الناجح للتعاون بين البلدان الإسلامية انقضت عليه و الحمد لله ثلاثة عقود ، و ينمّ هذا التحرك التعاونـي الجماعي الإسلامي عن نموذج ناجح للتعاون بين البلدان الإسلامية . هذا بلا شك من جملة الأمور التـي تُرضي الإسلام ، بل هي أمر إسلامي حاسم حيث يقول القرآن : ﴿...َتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى.. ﴾ . إن البلدان الإسلامية فـي الوقت الراهن بحاجة إلى التعاون فيما بينها على كافة الصعد أكثر من أي وقت مضى ، و من ذلك التعاون فـي مضمار الشؤون الاقتصادية و المساعدة فـي ازدهار و تنمية العالم الإسلامي .
مع أن الإسلام كان نهضة و حركة معنوية أخلاقية ، و الهدف الأعلى للإسلام هو صناعة الإنسان المتكامل المنسجم مع الطراز الإسلامي ، بيد أن تقدم العلوم و التطور و التسامي الاقتصادي هو من الأهداف الإسلامية دون مراء . لذلك تلاحظون أن الحضارة الإسلامية ظهرت فـي واحدة من أفقر بقاع الأرض و أكثرها تخلفاً ، ولكن لم تنقضِ خمسون سنة على عمرها حتى كان أكثر من خمسين بالمائة من العالم المتحضر آنذاك قد انضوى تحت لواء الإسلام ، ولم يكن قد انقضى أكثر من قرنين على عمر هذه الحضارة حين كان العالم الإسلامي الكبير وقتذاك قد أضحى قمة الحضارة الإنسانية من حيث العلوم و أنواع المعارف و التقدم المدنـي و الاقتصادي ، ولم يكن هذا إلاّ ببركة تعاليم الإسلام. لا يوصينا الإسلام بأن نلاحظ المعنوية و نغفل عن تفاصيل حياة المجتمع الإنسانـي . علينا لأجل استقلال الأمة الإسلامية و عزتها توظيف كافة التدابير اللازمة ، و من أهمها المسألة الاقتصادية . إذن ، السعي لتطور و تنمية ورقي البعد الاقتصادي فـي العالم الإسلامي من الممارسات التـي تعد من الأهداف الإسلامية بلا ريب .
يقوم البنك الإسلامي للتنمية على أساس مبانـي الشريعة و الأحكام الإسلامية . أي أنكم أردتم عرض نموذج جديد على العالم . هذا مشروع إيجابـي أنجز . إذا نجحتم فـي هذا المشروع سيكون نجاحكم نموذجاً إسلامياً . حين تقدرون أن تقدموا انطلاقاً من النموذج المالـي الإسلامي مشروعاً عظيماً له هذه المديات الواسعة سيكون هذه بحد ذاته ضرباً من نشر الإسلام و تعزيزه . لذا نحن ندعم تقدّم هذا المركز المالـي و الصندوق الدولـي الإسلامي ، و نعده نافعاً للعالم الإسلامي و للإسلام .المهم هو أن العالم الإسلامي بكل ما يمتلك من إمكانيات كبيرة إنْ لم يستطع تنظيم اقتصاده فسيغدو دون شك صيداً للآخرين فـي هذه الحركة الاقتصادية العالمية .
العالم الإسلامي عالم كبير له إمكانات و استيعاب واسع . نفوسنا أكثر من مليار نسمة . قرابة نصف احتياطي النفط فـي العالم يعود للبلاد الإسلامية . و نحو خمسة و عشرين بالمائة من احتياطي الغاز فـي العالم ملك البلدان المسلمة . الطاقات البشرية فـي العالم الإسلامي كثيرة . المصادر الجوفية الغنية ـ ما عدا مصادر الطاقة ـ وفيرة و متنوعة فـي العالم الإسلامي ، و نسبة بعضها إلى مجمل مصادر العالم نسبة حاسمة و عالية . جزء مهم من الطرق البحرية الأساسية و المؤثرة فـي الكرة الأرضية خاصة بالعالم الإسلامي . سوق العالم الإسلامي من أكبر الأسواق فـي العالم . هذه كلها إمكانياتنا . بمقدور العالم الإسلامي ممارسة دور فـي الصناعة ، و الزراعة ، و إنتاج العلم ، و التنمية و التقدم العام فـي العالم .
إذا لم يفكر العالم الإسلامي بكل ما له من عظمة و إمكانات بتنسيق إمكاناته ، ولم يستخدم هذه الفرص الواسعة على شكل منظومة مفيدة سيكون صيداً سائغاً للقوى التـي تتنافس اليوم فيما بينها على تقاسم المصالح العالمية . لا نريد أن نكون نصيب أو صيد هذه القوة أو تلك ، نريد توظيف إمكاناتنا و مواهبنا ، و هذا ما يستدعي الهمة و العزم و الإرادة الحاسمة و التحرك و الانتفاع من التطورات العلمية و التقنية . و نحن نستطيع القيام بهذه الأعمال .
إن نصيب العالم الإسلامي من مجمل التجارة العالمية ضئيل جداً ، أقل من عشرة بالمائة . و للأسف فإن سهم تجارة البلدان الإسلامية مع بعضها قليل أيضاً . أي أن البلدان الإسلامية بدل أن تتبادل إمكانياتها فيما بينها ، و تستفيد من فرص بعضها ، و تساعد بعضها لتطوير التجارة و تنمية الاقتصاد و الاستثمار ، تتوجه غالباً نحو البلدان غير الإسلامية و نحو الغرب . هذا هو ضعفنا .
علينا الاهتمام بالحركة الاقتصادية فـي داخل العالم الإسلامي أكثر ، و بمستطاع هذا المركز المالـي المهم الذي تنتمون إليه أن يلعب أدواراً مفيدة جداً فـي هذا المضمار . عقبات التجارة بين البلدان الإسلامية يجب أن ترتفع ، و هذا قرار ينبغي للحكومات أن تتخذه . فكرة السوق الإسلامية المشتركة فكرة عملية تماماً . و هذه الفكرة مطروحة منذ سنوات . طبعاً ثمة مقدمات لتأسيس السوق المشتركة بين الحكومات الإسلامية ، و هي عملية صعبة لكنها ممكنة . بمستطاعنا توفير مقدماتها على مدى عدة أعوام . من المناسب جداً أن تُكلّف الهيئة الإدارية لهذه المنظومة بالبحث فـي المقدمات بغية الوصول إلى هذا الهدف ، و تحدد الأمور التـي يجب أن تضطلع بها الحكومات و البلدان الإسلامية ، و أن تكلِّف الحكوماتِ الأعضاءَ فـي هذه المنظومة بأن تهيّئ مقدمات المشروع تدريجياً . هذه مشاريع كبيرة ، و المشاريع الكبيرة ممكنة الإنجاز بالهمم العالية .
ينبغي للحركة الاقتصادية فـي العالم الإسلامي و الأمة الإسلامية أن تجري باتجاه أساسي فحواه أن الأمة الإسلامية إذا لم تكن قويةً فـي هذا العالم المتضارب حيث تتنازع القوى لاحتلال العالم ، فستُمنى بالتأزّم دون مراء و ستُستثمر كما يُستثمر الصيد . هذا هو الهدف و التسويغ الأهم لتعاون البلدان الإسلامية فيما بينها .
من المناسب جداً عند تقرير العناصر الرئيسة لنموذج التنمية ـ و هي من وجهة نظر هذه المنظومة زيادة الدخل السنوي للفرد ، و نشر التعليم و الصحة ـ أن يلاحظ أيضاً تكريس العدالة و هي روح جميع تلك العناصر ، فننهض بالخطط و الخطوات و المشاريع فـي بلداننا الإسلامية بالنظر لتكريس العدالة الاجتماعية ـ و إفشائها . هذا من التعاليم الإسلامية الكبيرة التـي يتوجب أخذها بنظر الاعتبار فـي كل تحرك اقتصادي .
من المهام التـي لا بأس أن يجري التفكير فيها خلق ظروف ملائمة لتركيز الأنشطة المصرفية فـي البلدان الإسلامية ، بمعنى أن تستطيع البلدان الأعضاء تركيز أنشطتها المصرفية ، إذ يسود لون من انعدام الأمن فـي العالم اليوم ، و ترون أن جموح القوى الكبرى يبعث لدى جميع البلدان الشعور بانعدام الأمن و الخوف على أرصدتها المالية و رساميلها . البلدان الإسلامية تُهدَّد لأتفه ذريعة بتجميد ممتلكاتها و ثرواتها . كم هو جميل لأجل إفشاء الشعور بالأمان فـي العالم الإسلامي أنْ تركّز الأنشطة المصرفية فـي البلدان الإسلامية ذاتها . طبعاً هناك مقدمات و شروط لهذه الظاهرة . ينبغي توفير الظروف ، و بالإمكان التخطيط لهذا المشروع .
قضية السوق المشتركة مهمة جداً . تلاحظون اليوم أن كتلاً اقتصادية قوية تنشط و تجد وتربح فـي أطراف العالم . و بمستطاع العالم الإسلامي أيضاً عبر تعاونه تشكيل كتلة اقتصادية قوية .
نتمنى على الله تعالى ان يوفق كافة الدول الإسلامية للخوض فـي هذه القضية بمنتهى التركيز و الدقة ، و أن تعدَّ ذلك عملاً مهماً و أن تواصل هذا النموذج الناجح إن شاء الله .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته