بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً نرحب بالسادة المحترمين ، و نشكركم على هذين اليومين الذين خصصتم فيهما الوقت لدراسة قضايا مهمة فيما بينكم . كما نبارك هذه الأيام المهمة جداً من شهر شعبان المبارك و هي فـي الحقيقة ممرٌّ للدخول إلى صالة ضيافة شهر رمضان المبارك . سنتمكن من المرور إن شاء الله بشكل يجعلنا جديرين بالضيافة فـي شهر رمضان .
عرض السادة نقاطاً لافتة للانتباه . يلوح من تقرير الاجتماعات الجامع و المجمل الذي قدّمه حضرة السيد أمينـي ، أن قضايا مهمةً قد طرحت . أتطرقُ لهذا أولاً ثم أذكر نقطتين أو ثلاثة على وجه الإيجاز .
الكثير من الهموم التـي أثرتموها أيها السادة فـي كلماتكم قبل بدء الاجتماعات ، هي الهموم الرئيسية للنظام ، وقد بذل المسؤولون و العاملون جهودهم و اهتمامهم لمعالجة ربما كل هذه الشؤون أو غالبيتها ، و مع ذلك يحتم وجود بعض حالات الخلل أن تتفاعل هذه الهموم فـي الأذهان ، و أن لا تتضعضع همم المسؤولين و العاملين و القادرين على العمل لردم هذه الثغرات ، و أن تتركز هممهم على هذه الأمور و تبقى ثابتةً تتابع المسائل ، لأن كل هذه المشكلات ممكنة الحل بالهمة و التدبير و التخطيط و العمل . هذا مع أن أعمالاً كثيرة قد أنجزت للحق و الإنصاف .
كانت الجمهورية الإسلامية فـي البداية أملاً لا يُدرك . كان النظام الإسلامي يخطر ببال البعض ، لكنه يعد كالحُلم ، كالأمل الذي لا يُنال . تدريجياً و بفضل المساعي و الجهاد تحول إلى ايمان اجتماعي . آمن مجمتعنا ، و نخبنا ، و عموم شعبنا بكل قطاعات هذه الأمة الكبيرة آمنوا بهذا المبنى و هذا المبدأ فتحول إلى إيمان و إلى مطلب ملحّ . و بعد أن تحقق هذا الإيمان تحول فـي ظل العمل الجهادي أيضاً إلى برنامج عملي و حالة متحققة فـي الواقع الخارجي ، و استتبع من بعده الثورة و التطورات التـي حدثت فـي بداية الثورة ، و الدستور ، و تحول بالتالـي إلى نموذج حقيقي . الجمهورية الإسلامية فـي العالم اليوم نموذج و حقيقة واقعة و موضوع متجسد خارجياً ، فهو واقع قائم رغم كل التشكيكات . إن تأثير هذا النموذج الواقعي فـي لفت الأذهان إلى الإسلام و إلى إمكانية تطبيقه أكثر من آلاف الكتب و المحاضرات ، بمعنى أن هذه الوصفة هي فـي الوقت الراهن وصفة متحققة عملياً و ملموسة فـي العالم الإسلامي و بين النخب و الشباب فـي دنيا الإسلام ، لا أنهم يتناقشون نقاشاً نظرياً و فلسفياً محاولين اقناع أحد بشىء معين ، لا ، انما هذا الشىء قد حدث فعلاً. أقيم نظام على أساس مبانـي الإسلام و أحكامه و قيمه ، و هو متحقق حالياً. إنه نظام يفصح عن نفسه الآن فـي الخارج و قد أضحى وصفةً و نموذجاً للعالم ، للعالم الإسلامي من جهة ، و للدول غير المسلمة بدرجة أقل . ما يهابه أعداء الإسلام و الجمهورية المتغطرسون الأقوياء هو هذا التحول إلى وصفة و نموذج . يشيعون أشياء عن الصواريخ و الذرة و ما شاكل ، بيد أن حقيقة القضية هي أنهم لا يخافون من الصواريخ و الذرة و دورة الوقود و التخصيب ، إنما خوفهم من أن هذا النموذج راح يفرض نفسه على ذهنية العالم الإسلامي و قناعاته بنحو متزايد ، و بدأت الأذهان تقتنع بهذا الواقع و تتقبله . كانوا يقولون أنه سيزول ، و أنه لا يمكن أن يستمر . كانوا يروّجون أنه سيشهد ثغرات فـي الميادين العلمية و الاقتصادية و غيرها ، لكنهم لاحظوا أن هذا لم يحدث .
لقد تقدّمنا على صعد العلوم و البناء ، وما تم إنجازه فـي المجالات المختلفة فـي هذا البلد يمكنه أن يكون نموذجياً بحق . لقد أنجزت الكثير من المهام فـي كافة القطاعات فـي مجال نشر الدين ، و التقدم ، و إشاعة العلم ، و تفجير المواهب ، و البنى التحتية الهائلة الضرورية لإدارة البلد و الرفاه العام و فـي شتى الصعد المختلفة الأخرى . فـي هذه الميادين الثقافية و الأخلاقية و مقابل ما تشهده من تساقط و ذبول ، و هذا هو الهمّ الذي يُقلِق السادة بحق ، تلاحظون نماءً عجيباً فـي الوقت نفسه . لقد ظهر اليوم جيل شاب من الباحثين و العلماء و الفضلاء و الساعين فـي طلب العلم ، و رقعتُهُ آخذة فـي النمو و الاتساع فـي جامعات البلاد و حوزاتها . هذه حقائق و واقع . هذا مؤشر على أن هذا الكيان الممكن الدوام و الاستقرار ، ممكن النمو و التجذر أيضاً . هذا ما يشاهده العالم .
هذه الجمهورية الإسلامية تقف اليوم بوجه نظام الهيمنة العالمي . وعلى حد تعبير رجال السياسة فهي بمثابة المعارضة لنظام الهيمنة العالمي . الوجود الوحيد الواقف بكل قامته فـي وجه نظام الهيمنة المبتنـي على ركنـي الهيمنة و الخضوع للهيمنة ـ و لا ثالث لهما أبداً ـ هو الجمهورية الإسلامية . قد تتكلم البلدان الأخرى بشىء معين أحياناً ، أو تعرض بعض النماذج ، إلاّ أنها لا تقف بوجه نظام الهيمنة .
لقد أكدنا خطأ النظام الشيطانـي القائم فـي العالم عبر تقديم نظام سليم يتطابق مع العقل و إرادة البشر . إنه نظام يقوم على العدل فـي العلاقات بين كافة البشر ، و ليس بين الأفراد داخل البلاد و حسب . لذلك تحالف كل الفراعنة ضدنا . أي الفراعنة الكبار و الصغار ، و أي الشياطين الطوال و القصار لم يعارضوا الجمهورية الإسلامية ؟ لكننا على كل حال تخطّينا فترات مختلفة و نشاهد الجمهورية الإسلامية اليوم تقف بقوة أمام كل هؤلاء ، وقد أثبتت أنها قادرة على هذه الوقفة . و إذا استطعنا ـ و هذا ما سأعرض له آتياً ـ أن نلملم هممنا بمقدار معين ، و نعمل بشكل أفضل ، و نفكر أكثر و نعمل بنحو أرسخ و أقوى ، و نشد من عزيمتنا أكثر ، نستطيع لملمة و معالجة العديد من هذه المشكلات و حالات الشتات التـي نلاحظها هنا و هناك .
النقطة الثانية هي أن أهدافنا و مرتكزاتنا و قيمنا فـي نظام الجمهورية الإسلامية إلهية ، لكن أدواتنا و أساليبنا و كوادرنا مادية و بشرية ، و ليس الصديقون و الأنبياء و المعصومون و الملائكة هم من يريد تطبيق تلك الأهداف الإلهية فـي مجتمعنا ، إنما هؤلاء الأفراد و البشر العاديون الذين ترونهم هم من يبغون تطبيقها و تحقيق تلك الأهداف السامية الرفيعة . إذن ، احتمال الخطأ و الخلل وارد فـي كل مكان . و طبعاً بسبب هذه الأخطاء تنبثق تلك القابلية للخلل . لذا كان من الواجبات الأساسية لكافة المسؤولين فـي القطاعات المختلفة أن يرصدوا أنفسهم دائماً ، ويحددوا أخطاءهم ، و يصلحوا تلك الأخطاء ، و يستلهموا العبر من أخطائهم السابقة . إننا مكلفون جميعاً بهذه المهمة و علينا الاعتبار من الأخطاء التـي وقعنا فيها أو وقع فيها الآخرون ، و أن نشخِّص أخطاءنا بدقة و متابعة و نتلافاها .
فـي الأهداف و المبانـي ، يجب أن يكون الملاك ﴿ فاستقم كما أمرت ﴾ . العدول عن المرتكزات و القيم غير جائز بالمرة . الأهداف أهداف إلهية ، و لا يجوز أي تشكيك فـي هذه الأهداف أو أي ارتداد عنها . أما فـي الأساليب فيجب أن يكون التكامل و الإصلاح و التغيير و رفع الأخطاء من ممارساتنا و برامجنا الدائمية . لنرى أي أساليبنا ، حتى لو كنا قد اعتدنا عليه ، خاطئ ، نغيّره و نصلحه . علينا الحذر من استبدال هذه العبارات واحدةً مكان الأخرى . فنحن على صعيد الأهداف ننادي بالاستقامة . ينبغي أن لا نخلط « الأهداف » بـ « الأساليب » . الاستقامة فـي الأساليب ليست ضرورية ، لكنها ضرورية فـي الأهداف . التجربة و الخطأ حالة جارية فـي نطاق الأساليب . طبعاً تتعين الاستفادة من التجارب لتكون اختباراتنا اختبارات ناجحة و لا نجرب باستمرار و نخطأ باستمرار . أما بخصوص الأهداف فينبغي أن نقف بثبات وقوة و لا نتراجع حتى خطوة واحدة . الانحراف عن كليهما خطأ طبعاً . البعض يغيّر فـي الأهداف و يعيد النظر فيها تحت طائلة التجديد و الإصلاح . هذا ليس إصلاحاً . هذه عودة عن الطريق و تراجع . إنها رجعية . إذا عبثنا اليوم بالأهداف السامية للثورة الإسلامية سواء على الصعد الثقافية ، أو الصعد الاقتصادية ، أو الميادين الحكومية و السياسية ، و عدنا إلى ما قد تطالبنا به الدنيا ـ الدنيا المادية و دنيا الهيمنة و الخضوع لمخالب الشيطان ـ لكانت هذه رجعية إلى الوراء . لقد سادت هذه الأهداف الدنيوية خلال عهد الطاغوت فـي الماضي ، ولكن بأدوات جد فاسدة و بغيضة و تابعة . علينا أن لا نوافق هذه الرجعية . أهدافنا أهداف إلهية : حكومة الله و التوحيد و التحرك صوب مجتمع دينـي حقيقي و سيادة الأحكام الإلهية . طبعاً فـي المقابل ينبغي أن لا نصاب بالتحجر تحت ذريعة الثبات والصلابة، و لا نصر على أساليب اختبرناها و كانت خاطئة . على ذلك ، أنا أوافق شعار الإصلاح مائة بالمائة . الإصلاح فـي المناهج ، الإصلاح فـي الأساليب ، و الاستقامة فـي الأهداف و الأسس . طبعاً قد يروم شخص تغيير الأسس باسم الإصلاح ، كما أراد ذلك الغربيون . لاحظتم أنهم شددوا دوماً طوال السنوات الماضية فـي الإعلام العالمي على الإصلاح فـي إيران . لم يكونوا يبغون أن نصلح ما قد يكون لدينا من أخطاء فـي الحقل الاقتصادي ، أو ما قد نبديه من عدم نضج فـي المضمار الثقافـي و الإعلامي ، إنما أرادوا أن نعيد النظر فـي الأسس و فـي سيادة الشرع و سيادة الله . هذا هو الإصلاح الذي شاهدناه دوماً فـي تمرير أهداف الاستكبار فـي إيران . حتى رضاخان حين جاء جاء باسم الإصلاح . هو أيضاً قال أريد الإصلاح ! ليس من الإصلاح أن نعبث بالمرتكزات الأساسية و نعيد النظر فـي الأهداف . إنه إفساد . الإصلاح معناه أننا إلى جانب حفظ الأهداف السامقة و الصراحة فـي بيان هذه الأهداف ـ ينبغي أن لا نمارس أية تقية فـي عرض الأهداف و القيم . إننا اليوم دولة كبيرة و قوة يقف وراءها شعب . هنا موطن الإفصاح عن الحقيقة فـي الأسس الإسلامية و سيادة الله . علينا الجهر بالحقيقة هنا ـ نعيد النظر فـي أساليبنا و ننظر ما الذي كان ينبغي أن نفعله و لم نفعله ، و ما الذي كان ينبغي أن لا نفعله و فعلناه .
أنا بصفتـي شخصاً كان مطلعاً على قضايا البلاد عن كثب منذ بواكير الثورة و إلى الآن ، أقول إن تقدمنا فـي كل الحقول كان بفضل ثباتنا و استقامتنا على القيم . أينما استقمنا و أصررنا على أصولنا ومبانينا ولم نتنازل عنها و لم ننهزم نفسياً حيال التهديدات استطعنا التقدم فـي ذلك الموطن . إن هذا الثبات و الصمود أهم شىء نستطيع أن نتخذه وسيلة للوصول إلى أهدافنا . وبالطبع يتوجب الحفاظ على الشجاعة الثورية . الثورة التـي تتراجع و تنسحب و تخاف إزاء تهديد أعدائها ، لا يحترمها الصديق و لا العدو . لا أحد يرحم الشعب الجبان الضعيف . الثورة و الحركة التـي تبدي ضعفاً مقابل أعدائها ، يشوهون سمعتها أولاً و ينتهكون حرمتها ثم يقضون عليها و يكنسونها و يمحونها .
النقطة الأخيرة هي أن شرعيتنا جميعاً منوطة بتنفيذ الواجب و الكفاءة فـي تنفيذ الواجب . أنا مصر على أن يجري التشديد على كفاءة و جدارة المسؤولين طبقاً لضوابطنا و قوانيننا المستمدة من الشرع و الدستور . أينما غابت الكفاءة غابت الشرعية أيضاً . حينما رسمنا للقائد ، و رئيس الجمهورية ، و نائب المجلس ، و الوزير شروطاً فـي الدستور ، و قلنا إن بوسعه مزاولة واجبه بهذه الشروط ، فما هذه الشروط إلاّ ملاك شرعية توليه هذه الواجبات و الصلاحيات و السلطة التـي يمنحنا إياها القانون و الشعب . أي إن حكم الولاية هذا بكل شعبه و فروعه يختص بهذه العناوين لا بالأشخاص . طالما كانت هذه العناوين موجودة كانت الشرعية قائمة . و حين تزول هذه العناوين سواء من شخص القائد أو من بقية المسؤولين فـي القطاعات المختلفة ، ستزول تلك الشرعية أيضاً . يجب أن نهتم للكفاءة . على كل واحد من الذين يتصدون لهذه المسؤوليات من أعلى المراتب إلى أدناها ، أن يستطيع النهوض بالواجبات الملقاة على عاتقه بالقدر المعقول . لا نتوقع معاجز و أعمالاً خارقة و يجب أن لا نتوقع ، ولكن يجب أن نتوقع المساعي الناجحة التـي تلوح فيها علامات الظفر .
واجبنا جميعاً إقامة القسط ، و تطبيق العدالة ، و تربية الشعب ، و التقدم المادي و المعنوي للشعب ، و السير بالبلاد نحو التكامل ، و إنقاذه من الحرمان الذي فرض عليه طوال عشرات السنين من حكومة الطواغيت و الأجانب . الكثير من حالات الحرمان الموجودة فـي بلادنا و تلاحظون ملامحها اليوم هنا و هناك ، ناجمة عن المسيرة العامة الطويلة التـي خلقتها سيادة الطواغيت و الظلمة و المستبدين و المستأثرين على هذا الشعب ، و كان لها بالطبع تبعات و عواقب يصعب التغلب عليها ، بيد أن هذا ممكن . إننـي حين أشاهد وضع البلاد و الشعب بعد مضي خمسة و عشرين عاماً ، يتضاعف إيمانـي يوماً بعد يوم بقدرة النظام الإسلامي على بناء مجتمع جيد سائر نحو الازدهار على كافة الصعد ، و أعتقد أنه وفق هذه الافكار المتجسدة فـي إطار الدستور يمكن الارتقاء بالبلد إلى الرفاه و التقدم ، لكن شريطة أن نحافظ على كفاءتنا و جدارة مسؤولينا فـي كافة الانتخابات و الاختيارات و عمليات النصب و التعيين .
نسأل الله تعالى أن يوفقنا فـي هذا الشهر الشريف ـ و هو فـي هذه الصلوات « حففته منك بالرحمة و الرضوان » شهر الرحمة و الرضوان إن شاء الله ، « و الذي كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يدأبُ فـي صيامه و قيامه فـي لياليه و أيامه بخوعاً لك فـي إكرامه » ـ للانتهال من إكرام هذا الشهر ، وهذا الإكرام هو أن نقرِّب أنفسنا و قلوبنا و أرواحنا إن شاء الله إلى أهداف النظام الإسلامي السامية ، و أن ننتفع من مكانة هذا الشهر لتحقيق الخشوع و الذكر و توجه القلوب ، و أن نستمد من الله تعالى و نتوكل و نعتمد عليه ليكون عوننا فـي كل الأحوال إن شاء الله . عسى أن تشمل الأدعية الزاكية لسيدنا بقية الله جميع السادة إن شاء الله .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته