الكاتب: محسن فائضي
في 26 حزيران/يونيو 2025، أُعلن رسميًا نبأ استشهاد اللواء سعيد إيزدي، المعروف بـ«حاج رمضان»، والذي كان على مدى العقود الثلاثة الماضية مسؤول ملف فلسطين في قوّة القدس التابعة لحرس الثورة الإسلامية في إيران. يُعدّ الشهيد شخصية مجهولة في الظاهر، لكنّها كانت مصيرية في مسار المقاومة الفلسطينية وفي المنطقة عمومًا، وقد ارتقى في مدينة قم بعد استهداف مباشر من قبل الكيان الصهيوني.
كان اللواء إيزدي رمزًا مهمًا في المنطقة، وفي قلوب الفلسطينيين والمجاهدين المخلصين في فلسطين. كان «الحاج رمضان» مصداقًا تامًّا ودليلًا حيًّا على الدعم المخلص والصادق الذي قدّمته جمهورية إيران الإسلامية لقضية فلسطين ومقاومتها.
يقول قائد الثورة الإسلامية، الإمام الخامنئي: «تتحدث الجمهوريّة الإسلاميّة اليوم علناً وصراحة عما يخالج قلوب مسلمي فلسطين المظلومين. نحن لا نجامل أحداً، ونقول الحقيقة بصوتٍ عال: إننا ندعم شعب فلسطين وندافع عنه، ونصرّح أيضاً أننا ندافع عنه، وسندافع بأيّ طريقة نقدر عليها عن شعب فلسطين» 18/2/2023.
الحاج رمضان شهيد فلسطين الكبير
«شهيد فلسطين الكبير» هو اللقب الفخري الذي أهدته حركة «حماس» و«كتائب القسّام» إلى اللواء الإيراني سعيد إيزدي؛ لقبٌ يكشف عن مكانته الرفيعة ودوره القيّم لدى المقاومة الفلسطينية. اختيار لقب «شهيد فلسطين» لهذا القائد البارز في محور المقاومة، من قبل «حماس»، وهو لقب لم يُمنح سابقًا إلّا لكبار قيادات الحركة، يجسّد مدى التقدير الذي حظي به هذا الشهيد في أوساط المقاومة ودلالةُ مكانته الاستثنائية في محور المقاومة.
ربما يمكن القول إنّ حتى غالبية المتابعين والمهتمّين بقضية فلسطين ومحور المقاومة لم يكونوا على علم بوجود هذه الشخصية حتى 21 حزيران/يونيو 2025، حين أعلن وزير الحرب الصهيوني يؤاف غالانت عبر الإعلام عن عملية اغتياله الناجحة في مدينة قم. رغم غموضه الشديد بسبب التزامه الصارم بالضوابط الأمنية والاحترازية، إلّا أنّ اللواء إيزدي كان طيلة قرابة عقدين من الزمن الموجّه العملياتي لملف فلسطين والمقاومة داخل هيكلية الجمهورية الإسلامية.
أمضى الحاج رمضان أكثر من ثلاثة عقود بالجهاد في لبنان، وكان مصداقًا تامًّا وكاملًا لأولئك المجاهدين المجهولين العظماء الذين قلبوا صفحات التاريخ، لكن قلّة فقط عرفوهم قبل استشهادهم. مثّل الحاج رمضان نموذجًا حيًّا للدعم الحقيقي الذي قدّمته إيران للمقاومة الفلسطينية، دعمًا خالصًا من دون أيّ منّة.
في بيانه الرسمي الذي أعلن فيه اغتيال اللواء إيزدي، قدّم جيش الاحتلال الصهيوني تعريفًا واضحًا لهذا المجاهد في سبيل القدس، إذْ قال: «تمّت تصفيته بعد جهدٍ استخباراتي طويل. كان مسؤولًا عن التنسيق العسكري بين قادة حرس الثورة في إيران والعناصر المحورية في حماس. تولّى إيزدي مسؤولية رفع الميزانية المالية الإيرانية المخصّصة لحماس، وكان على تواصل مباشر مع الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. يُعدّ إيزدي من المؤسّسين والشخصيات المحورية في دفع البرنامج العملي الإيراني نحو القضاء على إسرائيل».
التواصل المستمر والصادق
كان من أهمّ ميّزات الحاج رمضان إيمانه العميق بالمقاومة والفصائل الفلسطينية، وبأمّة فلسطين. ويمكن ملاحظة تواصله الصادق والمستمر مع الفصائل الفلسطينية في بيانات الحركات والفصائل الفلسطينية المختلفة.
جاء في بيان تعزية حركة «الجهاد الإسلامي في فلسطين» باستشهاد الحاج رمضان: «لقد عرفنا الشهيد الكبير إيزادي رمزاً من رموز المقاومة، وقد أمضى حياته في دعم الشعب الفلسطيني وقضيته ومقاومته، وكانت له إسهامات جليلة وعظيمة في تقديم كل أدوات الدعم والمساندة لحركات المقاومة في فلسطين والمنطقة، على مدى سنوات طوال، متميّزاً بعقلية قيادية فذة، ورؤية استراتيجية ثاقبة، وروح جهادية ملؤها الإصرار والثبات والعزيمة».
كما أكدت حركة «حماس» في بيانٍ لها، إلى جانب التأكيد على فقد الحاج رمضان: «لقد كان الشهيد القائد من أعمدة دعم حركات المقاومة الفلسطينية في مختلف ميادينها وساحاتها، وواصل الليل بالنهار في سبيل نصرة القضية الفلسطينية، وقدّم جهودًا جليلة لتعزيز قدرات شعبنا ومقاومته في وجه العدو الصهيوني، حتى ارتقى شهيداً على هذا الطريق». تعكس تعبيرات الحركات الفلسطينية تجاه الحاج رمضان مدى حرصه الكبير على تمكين ودعم ومؤازرة حركات المقاومة الفلسطينية.
جاء في بيان «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»: «الحاج رمضان، والذي كان المسئول المباشر عن العلاقة مع قيادة المقاومة الفلسطينية وفي القلب منها حركة حماس وكتائب القسام، الذي التحق بركب شهداء الأمة الأبرار في مواجهة الصهيونازية المجرمة... كان نِعم القائد الفذ صاحب البصمات العظيمة والمسئولية المقدسة، ولبى نداء الله في دعم المقاومة والتماس المباشر مع قيادتها وتقديم كل سبل العون لها عبر سنوات طويلة، وحمل هموم وآمال المقاومة والمجاهدين لإخوانه على مستوى الجمهورية، جنباً إلى جنب مع ثلة من إخوانه المجاهدين والقادة العظام في الجمهورية».
قد يكون أفضل وصفٍ للحاج رمضان هو ما عبّر عنه عدوّه، الصهاينة المجرمون، الذين يعدّون اغتياله نقطة تحوّل في بعد 7 أكتوبر. هم يعلمون أكثر من أيّ أحد من محبّيه كم هي الضربات القاسية أنزلت بهم عبر تخطيطه، ولذلك هم فرحون باستشهاده، لكنهم لا يدركون أنّ نهجه وأسلوبه وأفكاره في المقاومة ستظلّ قائمة، وسيظلّ نهجه قنديلًا يضيء طريق النضال.
الإيمان العميق بوحدة الأمّة الإسلامية
كان من أهمّ ميّزات الحاج رمضان إيمانه العميق بوحدة ودعم جميع الفصائل الفلسطينية وتأكيده على ذلك. كان معروفًا أن حركة «حماس» لا تحتاج إلى ممثل في إيران، لأن لديها الحاج رمضان. رغم بعض التباينات والاختلافات بين «حماس» وطهران، خصوصًا في أزمة سوريا، إلّا أنّ اللواء إيزدي، بدعم من الحاج قاسم سليماني، ذلل هذه التباينات ولم يسمح بأن تؤدّي إلى توتير العلاقات مع «حماس» في مواجهة الصهاينة. تميّز أيضًا باجتناب القضايا الخلافية بين الشيعة والسنة، خاصة في العلاقة مع «حماس»، إلى جانب تميّزه في الرؤى الاستراتيجية وقدراته الميدانية. أصدر جميع الفصائل الفلسطينية، بلا استثناء، بيانات نعت فيها الحاج رمضان، واصفة إياه بداعم المقاومة.
كتب محمد النجار، الصحفي المقيم في قطر والقريب من المقاومة الفلسطينية، في تغريدة عن اللواء إيزدي: «في رثاء الراحل الكبير، الحاج رمضان، اتصل بي بعض من يعرفونه عن قرب، فأخبرني أحدهم أنه التقاه آخر مرة قبل أسبوعين في طهران، كان يقول له: أريد أن أعود إلى لبنان، لقد اشتقت لإخواني الشهداء، ولا بد أن ألتحق بهم..
أما آخرٌ فيقول: في وداع الشهيد إسماعيل هنية، كان الحاج رمضان يبكي بكاء حاراً، حتى انهار من البكاء عند وضع جثمان الشهيد في الطائرة لنقله إلى مثواه الأخير في الدوحة، كان محبًّا لأبي العبد، يخدمه بحبات عيونه.
كان الحاج رمضان يحرص على أن يكون قريبا من حدود فلسطين على الدوام، عاش في بيروت أكثر مما عاش في طهران، نذر حياته لخدمة القضية الفلسطينية، وفصائلها المقاومة، فكان بحق: روح فلسطين في إيران».
كان أبًا لأيتام غزة
إلى جانب اهتمامه بالقضايا الاستراتيجية والعسكرية، كان اللواء إيزدي حريصًا ومتابعًا لقضايا المجتمع وحياة أهالي غزة المقاومين. قالت زوجة الشهيد في مراسم وداعه في مدينة سنقر، مسقط رأس الشهيد غربي إيران: «كان شهيد فلسطين، وشهيد محور المقاومة. كان الحاج رمضان أبًا لأيتام فلسطين وغزة. كان مكان عمله يعجّ برسائل أبناء الشهداء الذين ينادونه بأبيهم».