بسم الله الرحمن الرحيم
كان اجتماعاً طيباً وماتعاً جداً بالنسبة لي اليوم أيها الأعزاء. وقد استوفى حد النصاب والحمد لله. فقد أدلى الأعزاء، والمتفوقون، والمميزون بأفكار ترتبط بأهم المواضيع والميادين استفدت أنا منها. وسوف تجمع آراء الأعزاء وتوصياتهم وطلباتهم إن شاء الله ليتم توصية المسؤولين بها، وسوف تتابع إن شاء الله الأمور المتربطة بي مباشرة.
ما نستفيده نحن والشعب الإيراني عاجلاً من مثل هذا الاجتماع، هو التنبه والتوجه لهذا الكنز العظيم من الطاقات البشرية. وهذا هو هدفي من تشكيل هذا الاجتماع في زياراتي المختلفة. أصر في كل الزيارات على أن ألتقي لقاء ودياً بالنخبة في تلك المحافظة على غرار هذا اللقاء. المراد هو أن نُفهم أنفسنا وبعض القلوب المرتابة كم هو زخّار وطافح وغني ينبوع الطاقات البشرية الهائل في بلادنا. انعكاس هذا الاجتماع على المستوى الوطني وعلى مستوى البلاد سيضيف صفحة أخرى لكتاب مفاخرنا الوطنية ويشدد عليها. وهذا هو مرادنا.
المراد من هذا الاجتماع هو أن أكون مستمعاً قبل أي شيء، وليت الوقت اتسع أكثر لاستمع لعدد أكبر منكم أيها الأعزاء. ما سمعته كان مغتنماً وطيباً جداً بالنسبة لي. ولو استمعت أكثر لكان الأمر كذلك أيضاً دون شك.
أما ما أريد أن أقوله فهو أن أفق حركة الشعب الإيراني بهذه الأرضية التي نلاحظها، أفق مشرق جداً، فتراثنا المتبقي لنا عن الماضي، ومواهبنا القيمة جداً في الوقت الحاضر، والهمة والتحفز الواضح جداً في كلمات الأصدقاء الذين تحدثوا في هذا الاجتماع، والنزعة الدينية والإلهية المشهودة في هذه الحركة كلها على الإجمال ثروة وطنية هائلة بالنسبة لنا. كل هذه بشائر تقول لنا إننا سنستطيع إن شاء الله استعادة حضارة الشعب الإيراني الإسلامية لأمة الإسلام في هذه الفترة، وتقديم نموذج لحركة الأمة الإسلامية إن شاء الله. فارس وشيراز كما قال الأصدقاء الأعزاء أرض ثرة جداً. وأنا أصدّق ذلك. إنها محافظة رائدة ومتقدمة ومميزة في مجالات العلم، والأدب، والفن، والقضايا ذات الصلة بالأنشطة الإنتاجية - الزراعية والصناعية - خصوصاً في الفصل الصناعي الجديد الذي ينشده العالم اليوم. ما يمكن أن يبعث فينا الأمل بالمستقبل هو أن شعار الإبداع - والشيء اللازم لكل إبداع هو ازدهار المواهب وتثمير الاستثمارات السابقة - شعار حقيقي والحمد لله؛ إنه شعار زماننا هذا وحاجتنا الراهنة. وكل القرائن تشير إلى هذا. الإبداع حاجة حالية لحركة البلاد. الإبداع لا يعني الشطب على الماضي، إنما يعني التوكؤ على الماضي لتشييد المستقبل. وهذا ما يستدعي تركيز كل هممنا ومساعينا على بناء هذا البلد والتاريخ.
مسؤولية كبيرة تقع اليوم على عاتق الشعب الإيراني الذي لم يكن سيد مصيره كما هو اليوم. هذا ما يصدقه العارفون بتاريخ هذا البلد على مر السنين وطوال أحقابه التاريخية المختلفة. كان الشعب دوماً أداة بيد الحكام؛ ويعود الأمر إلى ذلك الحاكم وهل هو صاحب حكمة وفهم وإرادة قوية أم لا. وفي أي اتجاه تصب تلك الإرادة. لم يكن للشعب إرادته ومبادراته لتوجية حركة البلاد. كل هذه المواهب المتراكمة التي كانت لدى هذا الشعب وما تبقى لنا من التاريخ، إفرازات كنز دفين عظيم لا يظهر منه الا بمقدار همم الحكام. بمعنى أن أبناء الشعب، وعلماء المجتمع، وفلاسفة البلاد، وأدباءها، وفنانيها، وشرائحها المختلفة لم يكن لهم إسهام في رسم السياسات واتخاذ القرارات الخاصة بمصير البلاد. ذات يوم إذا أراد الحاكم الحرب والهجوم وإضافة إقليم جديد لمساحة البلاد، كانت الحركة تتجه بهذا الاتجاه. وذات يوم تقتضي إرادة الحاكم الانسحاب؛ هناك أيضاً لم يكن بوسع همم الشعب وإرادته التغلب على همة ذلك الحاكم المعتقد بالانسحاب. وقعت بعض الانتفاضات وحالات المقاومة، ولكن لم يحدث طوال تاريخنا تحرك وطني شامل عظيم لتوجيه البلاد نحو أهدافها التي يؤمن بها الشعب ويريدها. هذه الحقبة تعد فصلاً جديداً في تاريخ الشعب الإيراني.
هذا هو الفرق الجوهري اليوم بعد انتصار الثورة الإسلامية وخلال عهد نظام الجمهورية الإسلامية. الفرق هو أن نظم الحكم الفردي تحولت إلى نظام إرادة وطنية عامة، وهنا يكمن أساس التباين. ونحمد لله على أن هذه الإرادة العامة تتقدم بهدي من الإسلام وتوجيه من الدين والآيات الإلهية. يجب أن تعدوا هذه الحالة فرصة مغتنمة. وكل ما يوجد في الكنز اللامتناهي لمواهب الشعب الإيراني يمكنه اليوم أن يصب في خدمة التقدم السريع للبلد.
وعليه، نحتاج للإبداع في كل لحظة؛ ليس الإبداع في الصناعة والزراعة وحسب، بل الإبداع في الأساليب المختلفة التي قد تنفع لحياة الشعب؛ ظهور المواهب، وازدهار الأفكار والأذهان. لسنا شعباً عقيماً والحمد لله. شعبنا شعب يدل تاريخه أنه رائد وولود وصاحب مواهب. إذن، نحن قادرون. لقد تأخرنا عن العالم مائتي عام. هذا واقع مرير يجب أن نعترف به. أما ما هو سبب هذا التأخر فهذا بحث آخر؛ الواقع أننا تخلفنا مائتي سنة على الأقل عن قافلة التقدم البشري. كل ما سمعتموه وشاهدتموه وما هو موجود - وهو أكثر بكثير مما قيل في هذا الاجتماع على مستوى البلاد من أنشطة وأعمال وإبداعات - يمكنه تعويض جانب من هذا التخلف، وإذا استمر وازداد بهمة وإبداع ونشاط، عندئذ سنستطيع استعادة موقعنا.
تخلف الشعب ألم كبير ومرض عضال ينبغي معالجته بالهمم العالية والمساعي المتواصلة. المهم هو أن نصحو على أنفسنا ونعترف بهذا الداء ثم نشحذ هممنا لعلاجه؛ وهذا ما حصل. لقد صحا الشعب الإيراني على نفسه وشعر أن عليه استعادة موقعه وأنه تخلف وغفل في الماضي عشرات السنين؛ لقد شعر الشعب الإيراني بهذا، ولم يبق نائماً كما أريد له في عهد الطاغوت. كانوا يومها قد عصبوا أعيننا كالسكارى المخدرين بتكرار شعارات بوابة الحضارة الكبرى وما إلى ذلك، من دون أن نقطع ولا خطوة واحدة. أبقونا في عالم الأوهام ساكنين دون حركة. والسكون معناه التأخر. فالعالم لا ينتظرنا؛ كان العالم يتحرك بسرعة ونحن واقفون.
انتهت حالة التخدير والسكر هذه والحمد لله. صحا شعبنا على نفسه. حركة الثورة العظيمة أيقظتنا. يشعر شبابنا أن عليهم اليوم السير بسرعة في هذا الطريق. عليهم أن يركضوا. فيهم القدرة على الركض، والهمة، والطريق أمامهم مشرق نير. إذن، علينا أن نتقدم. الجامعات، الحوزات العلمية، مراكز الأبحاث، المسؤولون المعنيون، كل واحد من هؤلاء تقع على عاتقه مسؤوليات ثقيلة. وهي مسؤوليات واضحة ومحددة. ونرى والحمد لله أن الحركة قد انطلقت وسوف تتقدم إلى الأمام يوماً بعد آخر إن شاء الله.
ما ذكرتموه أيها الأصدقاء كتوصيات هو في الغالب أمور عملية يمكن تطبيقها، مضافاً إلى كونها أموراً مفيدةًً صحيحةً؛ ونأمل أن تتم إن شاء الله. وما أوصي به كالسابق هو بالدرجة الأولى أن تعملوا أنتم النخبة في أي قطاع كنتم على فتح نافذة الأمل لأنفسكم أكثر فأكثر وبث مزيد من التفاؤل في جيل الشباب. النظرة السوداوية وبث القنوط وتصوير المستقبل على أنه حالك مظلم سم مهلك تحاول وسائل الأعلام المعارضة المعادية بثه في البلاد؛ فحاربوا هذه الحالة.
كل المؤشرات تبشرنا بالأمل والتقدم على كافة الصعد. ونتمنى أن تتحقق هذه البشائر إن شاء الله في أقل من جيل ويرى شبابنا اليوم الذي تحتل فيه إيران الإسلامية مكانتها اللائقة؛ اليوم الذي تشعر فيه شعوب العالم والعلماء والمفكرون في العالم بالحاجة إلى إيران واللغة الإيرانية، والثقافة الإيرانية من أجل أن يقطعوا خطوات جديدة في المسائل العلمية. إنه يوم ممكن متاح. كما يحتاج الإنسان اليوم إلى إتقان لغة البلد الفلاني والشعب الفلاني من أجل التوفر على كثير من الفنون والمهارات التي تحتاجها الإنسانية؛ يشعر الناس في العالم يومذاك بالحاجة إلى تعلم لغتكم وثقافتكم. إنه يوم ممكن وسوف يأتي. إذا عقدنا هممنا واستمرت هذه المساعي التي تلاحظ اليوم، وهذه المحفزات التي تطفح بها قلوب شبابنا ومفكرينا وجماهيرنا والحمد لله - وسوف تستمر إن شاء الله - فلن يكون ذلك اليوم بعيداً جداً. أشكركم مرة أخرى أيها الأعزاء المشاركون في هذا الاجتماع، لا سيما الأصدقاء الذين تحدثوا. وأتمنى أن نقدر حقوق المواهب الممتازة في هذه المحافظة إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.