بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً مبروك عليكم جميعاً أيها الإخوة والأخوات الأعزاء وعلى كافة المؤمنين بولاية أهل البيت (عليهم السلام) وعلى كافة الناس الواعين اليقظين التائقين إلى الحرية والمكافحين ضد الظلم... مبروك عليهم هذا العيد السعيد ذو البشائر والذي يعد قطب آمال المؤمنين.
يوم النصف من شعبان يوم الأمل. وهو أمل لا يختص بالشيعة ولا حتى بالأمة الإسلامية. مبدأ الأمل بمستقبل مشرق للبشرية وظهور شخص موعود منقذ ويدٍ تنشر العدالة في كل العالم شيء تجمع عليه كافة الأديان التي نعرفها في العالم تقريباً. فما عدا الدين الإسلامي والمسيحي واليهودي، حتى أديان الهند، والبوذية، والأديان التي لا يعرف الناس حتى أسماءها بشّرت بمثل هذا المستقبل. هذا في الواقع بثٌّ للأمل في نفوس كافة البشر على طول التاريخ واستجابة لحاجة الإنسان إلى الأمل عبّرت عن حقيقة من الحقائق.
لم تزرع الأديان الإلهية والسماوية - وغالبية هذه الأديان ذات جذور إلهية وسماوية - أملاً واهياً في نفوس البشر، إنما عبّرت عن حقيقة واقعة. ثمة في خلقة البشرية وعلى امتداد تاريخها الطويل حقيقة هي أن الصراع بين الحق والباطل سينتهي يوماً لصالح الحق وبهزيمة الباطل، ومنذ ذلك اليوم فما بعد سيبدأ العالم الحقيقي للبشرية وحياة الإنسان المنشودة، ولن يكون الصراع هناك بمعنى الكفاح والنضال، بل بمعنى التسابق في الخيرات. هذه حقيقة مشتركة بين جميع الأديان.
الميزة في عقيدتنا نحن الشيعة هي أنها أخرجت هذا الأمل من حيّز الأمر الذهني المحض إلى حيّز الحقيقة الواقعة. الحقيقة هي أن الشيعة حينما ينتظرون المهدي الموعود إنما ينتظرون اليد المنقذة ولا يتخبطون في عالم الذهنيات.. يبحثون عن واقع موجود. حجة الله حيٌّ بين الناس يعيش معهم ويراهم، فهو معهم ويشعر بآلامهم وأوجاعهم. والسعداء من البشر ومن يتحلّون بالقابلية والموهبة اللازمة يرونه في بعض الأحيان بشكل خفي. إنه موجود.. إنسان واقعي محدّد له اسم معين وأبٌ وأم معلومان؛ إنه بين الناس ويعيش معهم. هذه ميزة عقيدتنا نحن الشيعة.
والذين لا يوافقون هذه العقيدة من أبناء المذاهب الأخرى، لم يستطيعوا أبداً الإتيان بدليل عقلي لدحض هذه الفكرة وهذا الواقع. كل الأدلة الناصعة الراسخة والتي صدّق أهل السنة الكثير منها تشير على نحو القطع واليقين إلى وجود هذا الإنسان السامي وحجة الله والحقيقة الناصعة المتألقة - بهذه الخصائص التي نعرفها أنا وأنتم - ويمكنكم ملاحظة ذلك في العديد من المصادر غير الشيعية.
الأبن المبارك الطاهر للإمام الحسن العسكري (عليه الصلاة والسلام) تاريخ ولادته معلوم، والمرتبطون به معروفون، ومعجزاته مشخّصة، وقد حباه وسيحبوه الله عمراً طويلاً. هذا هو تجسيد ذلك الأمل الكبير لدى كل أمم العالم وجميع القبائل والأديان والقوميات والعصور. هذه هي ميزة المذهب الشيعي فيما يتصل بهذه القضية.
من النقاط المتعلقة بقضية المهدوية هي أنكم ترون في الآثار الإسلامية والشيعية وصف انتظار الإمام المهدي بأنه انتظار للفرج. فما معنى الفرج؟ الفرج معناه الفتح واليُسر. متى ينتظر الإنسان الفرج والانفتاح؟ حينما يكون هناك انغلاق وعقدة ومشكلة. حينما تكون ثمة مشكلة يحتاج الإنسان إلى الفرج؛ أي الأصابع التي تحلّ العقدة. هذه نقطة مهمة.
معنى انتظار الفرج كتعبير آخر لانتظار الظهور هو أن المؤمن بالإسلام وبمذهب أهل البيت (عليهم السلام) يعتبر الواقع الذي يعيشه العالم عقدةً تعاني منها الحياة الإنسانية. وهذه هي حقيقة الأمر. إنه بانتظار انفراج هذا الانغلاق الذي تتسم به شؤون الإنسانية وحلّ هذه المعضلات العامة التي تعانيها البشرية. ليست القضية قضية معضلة في شؤوني الشخصية أو شؤونكم الشخصية أنتم. الإمام المهدي (عليه الصلاة والسلام) يظهر من أجل الفرج لكل البشرية ولكي ينقذها من مغاليقها وينجيّ المجتمع الإنساني، بل تاريخ المستقبل البشري كله.
معنى هذا أن الشيء الموجود اليوم وهذا النظام البشري غير العادل الذي يُظلم فيه الكثيرون وتضِل فيه قلوب كثيرة، ولا تتاح فيه للكثيرين فرصة عبودية الله، إنما هو نظام مرفوض وموضع اعتراض ينتظر ظهور الإمام المهدي. انتظار الفرج معناه رفض وعدم قبول الوضع الذي ساد الحياة الإنسانية بسبب جهل البشر وأغراضهم.
انظروا لأوضاع الدنيا الراهنة، الصورة الموجودة في روايات ظهور الإمام المهدي (أروحنا فداه) تسود العالم اليوم.. امتلاء العالم بالظلم والجور.. العالم اليوم طافح بالظلم والجور. ورد في الروايات والأدعية والزيارات المختلفة الخاصة بالإمام المهدي (أرواحنا فداه) أنه: »يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً«. كما امتلأ العالم يوماً بالظلم والجور - في يوم ما كان الظلم والجور هو الوضع السائد على الإنسانية - كذلك سيجعل الله تعالى العدل والقسط وضعاً سائداً على البشرية في زمانه. وهذا هو الوضع الآن؛ الظلم والجور يحكمان البشرية. الحياة الإنسانية اليوم خاضعة للظلم والاستبداد في كل العالم. هكذا هو الوضع في كل مكان. تعاني الإنسانية اليوم من مشكلات كثيرة نتيجة غلبة الأغراض والأهواء النفسية. وجود ملياري جائع في العالم اليوم، ووجود ملايين البشر تحت سيطرة الأنظمة الطاغوتية الخاضعة لأهواء الجبابرة الطاغوتيين، وحتى الضغوط على المؤمنين والمجاهدين في سبيل الله والمناضلين في سبيل الحق وشعب مثل الشعب الإيراني استطاع رفع راية العدالة والقسط داخل نطاق محدود ومناخ معين، كلها علامات سيطرة الظلم والجور على العالم. وهذا هو ما يفسِّر انتظار الفرج في العصور المختلفة.
نحن اليوم لدينا حالة انتظار الفرج، أي إننا ننتظر مجيء يد قوية تنشر العدل وتقضي على غلبة الظلم والجور التي سحقت البشرية كلها تقريباً، وتغيّر أجواء الظلم والجور وتطلق نسائم العدل على الحياة الإنسانية حتى يشعر البشر بالعدالة. هذه حاجة دائمية للإنسان الحي الواعي.. الإنسان الذي لا يدس رأسه في التراب ولا يقنع بمجرد الاهتمام بشؤونه وحياته الشخصية. الإنسان الذي ينظر للحياة البشرية نظرة عامة شاملة سيعيش حالة الانتظار بشكل طبيعي. هذا هو معنى الانتظار. الانتظار هو عدم الاقتناع وعدم القبول بالواقع الموجود في الحياة الإنسانية والسعي لبلوغ الوضع المنشود الذي سيتحقق بلا شك باليد القوية لولي الله سيدنا الحجة بن الحسن المهدي صاحب الزمان (صلوات الله عليه وعجّل الله فرجه وأرواحنا فداه). علينا إعداد أنفسنا لنكون جنوداً وأشخاصاً مستعدين للجهاد من أجل تحقيق تلك الظروف.
ليس معنى انتظار الفرج أن يقعد الإنسان ولا يفعل شيئاً ولا يهتم لأي عمل إصلاحي، ويغتبط فقط بأنه ينتظر الإمام المهدي (عليه الصلاة والسلام). هذا ليس انتظاراً. ما هو الانتظار؟ إنه انتظار اليد الإلهية الملكوتية القاهرة القوية كي تأتي وتزيل الظلم بمساعدة الناس أنفسهم وتُغلِّب الحق، وتسوِّد العدل في حياة الناس وترفع راية التوحيد، وتجعل البشر عباداً حقيقيين لله. ينبغي الاستعداد لهذه المهمة. تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية إحدى مقدمات هذه الحركة التاريخية العظيمة. أية خطوة باتجاه تكريس العدالة هي خطوة باتجاه ذلك الهدف السامي. هذا هو معنى الانتظار. الانتظار حركة وليس سكوناً أو إهمالاً أو قعوداً كي تجري الأمور لوحدها. الانتظار حركة. الانتظار استعداد. علينا الحفاظ على هذا الاستعداد والجاهزية داخل وجودنا وفي بيئتنا المحيطة بنا. وقد أنعم الله تعالى على شعبنا العزيز شعب إيران حيث استطاع قطع هذه الخطوة الكبرى وإعداد أجواء الانتظار. هذا هو معنى انتظار الفرج. الانتظار معناه شدّ الأحزمة والاستعداد والجاهزية الكاملة للهدف الذي سينهض الإمام المهدي (عليه الصلاة والسلام) من أجله. تلك الثورة التاريخية الكبرى ستندلع من أجل هذا الهدف.. هدف إفشاء العدل والقسط.. والحياة الإنسانية.. الحياة الإلهية.. العبودية لله.. هذا هو معنى انتظار الفرج.
اهتمام شعبنا بفكرة المهدوية والوجود المقدس للإمام المهدي (سلام الله عليه) أكثر اليوم والحمد لله من أي وقت مضى. يوماً بعد يوم يشعر الإنسان أن الشوق نحو الوجود المقدس للإمام الحجة (سلام الله عليه) وحبه والانشداد إليه واستذكاره يتضاعف في قلوب الشباب ولدى كل واحد من أبناء شعبنا. وهذا بدوره من بركات ذلك الإنسان العظيم، فنظرته الرحيمة لشعبنا جعلت قلوب أبناء هذا الشعب تهفو نحو تلك الحقيقة الناصعة. هذا بحد ذاته دليل نظرته الحانية عليه السلام؛ وينبغي معرفة قدر ذلك.
وككل الحقائق التي تتحول في فترات معينة من الزمن إلى ألعوبة بيد الانتهازيين، تتحول هذه الحقيقة أيضاً إلى ألعوبة بيد الانتهازيين والنفعيين بعض الأحيان. هؤلاء الذين يطلقون ادعاءات غير واقعية - ادعاء رؤيته، وادعاء لقائه، بل وبنحو خرافي تماماً ادعاء الاقتداء به في الصلاة -وهي ادعاءات مخجلة حقاً تعد إضافات باطلة قد تشوب هذه الحقيقة الناصعة في أعين وقلوب الناس الطيبين.. ينبغي عدم السماح بذلك. ليتفطن كل أبناء الشعب إلى أن ادعاءات الاتصال والارتباط واللقاء بالإمام المهدي واستلام الأوامر منه لا يمكن تصديقها أبداً. كبراؤنا، ومبرّزونا والشخصيات العظيمة التي تفضل لحظة واحدة من أعمارهم أياماً وشهوراً وسنوات من أعمار أمثالنا لم يدعوا هكذا ادعاءات. قد ينال عيون أو فؤاد إنسان سعيد إمكانية الاكتحال بأنوار ذلك الجمال المبارك، لكن هؤلاء لا يطلقون ادعاءات وأقوالاً ولا يفتحون لأنفسهم دكاكين. الذين يفتحون لأنفسهم دكاكين بهذه الطريقة يمكن للمرء أن يقطع ويتيقّن بأنهم كاذبون مفترون. ينبغي إبعاد هذه العقيدة الواضحة الساطعة عن هذه الآفة.
من حسن الحظ أن جلستنا هذه تضم عدداً من الشخصيات الثقافية، والمستشارين الثقافيين، ومدراء التربية والتعليم، وعدداً من الشباب المميزين من منظمة الشباب، وعدداً من المؤسسات المتخصصة في فكرة المهدوية. ما أريد أن أقوله لكم أيها الإخوة والأخوات في هذه المناسبة وأمام هذا الجمع الثقافي الواعي اليقظ هو أن عقائدنا الإسلامية، والعقائد الشيعية خصوصاً من أنقى العقائد وأمتنها وأقواها منطقاً. التوحيد الذي نطرحه، والإمامة التي نطرحها، وشخصية النبي التي نطرحها، والقضايا العقيدية والمعارف الدينية التي تطرح في المذهب الشيعي تصورات واضحة ومنطقية يمكن لأية ذهنية نشيطة باحثة اكتشاف أحقيتها وصحتها ودقتها. العقائد الشيعية رصينة جداً.. هكذا عرفت العقائد الشيعية على امتداد التاريخ الإسلامي، وقد اعترف الآخرون والمعاصرون في مقام الاحتجاج والاستدلال والسجالات الكلامية بمتانة عقائد الإمامية المستقاة من الأئمة (عليهم السلام) الذين أمرونا تبعاً للقرآن الكريم بالتأمل والتفكير واستخدام العقل. لذلك يحتل الفكر والعقل منـزلة بارزة في هذه العقائد مضافاً إلى توجيهات الأئمة (عليهم السلام) الهادية والمنقذة من الزلل.
أولاً ينبغي فهم هذه العقائد بصورة صحيحة، وثانياً يجب تعميقها بالتدبّر والتأمل فيها، وثالثاً يتوجب نقلها بصورة صحيحة. هذا ما ينبغي فعله في كافة المنظومات الثقافية. في التربية والتعليم يستطيع المعلم أو المدير التعليمي والتربوي الاستفادة على أفضل وجه من الفرصة الذهبية الممنوحة له... أي فرصة أعمار اليافعين. بالمستطاع ترسيخ هذه العقائد الدينية في أعماق أذهان المتعلمين وأرواحهم بدقة ويقظة لا في صفوف التعليمات الدينية فقط بل في كل الفرص التعليمية، كي تتوفر لديهم الفرصة لتنضيجها في قلوبهم وعقولهم.
المهمة الرئيسية للمؤسسات الثقافية ذات الاتصال بالشعوب الأخرى والعاملة في الخارج أو المرتبطة بها. هي أن تستطيع عرض هذه الحقائق بأساليب مختلفة أمام أنظار طلابها والباحثين عنها بالمقدار الذي يجعلهم مطّلعين عليها. بخصوص فكرة المهدوية هذه فإن أهل السنة أو حتى العلماء غير المسلمين الذين اهتموا بعقائد الشيعة حول المهدوية واطلعوا عليها صدّقوا أن البشائر الموجودة في التوراة والإنجيل والديانات الأخرى تتطابق كلها مع هذه المهدوية الموجودة لدى الشيعة. هذا ما يعترفون به. الذي لا علم له بعقائد الشيعة أو الذي وصلته هذه العقائد بشكلها المحرّف من البديهي أن لا يصل إلى هذه النتيجة. ينبغي نقل الشكل الصحيح للعقيدة. وعندها سترون أن العقلاء والواعين في العالم سيوافقون هذه العقيدة ويؤيدونها ويصدقونها ويلتفّون حولها.
هذا ما ينبغي على شبابنا - شبابنا الواعين والطلبة الجامعيين وطلبة الحوزة الأفاضل - والمؤسسات المعنية بالتعليم والتبليغ وتربية الأفكار والأذهان أن تلتفت إليه. عرض الحقيقة الموجودة لدى مذهب الإمامية وأتباع أهل البيت (ع) على المتلقّين يساوق قبولهم وتصديقهم لها. ينبغي عرض الحقيقة وعدم خلطها بالشوائب والخرافات والادعاءات الكاذبة وسوء الفهم. طبعاً لعلماء الدين والمبلغين البارزين والمستنيرين دور مميّز في هذا المجال. وقد أثبت شعبنا عبر عمله بتعاليم أهل البيت (عليهم السلام) وبالقرآن الكريم سواء في عهد الثورة أو فترة الدفاع المقدس أو الأحداث المختلفة التي مرت على بلادنا، أثبت أحقية هذه التعاليم. الكثير من الناس في العالم تعرفوا على أحقية التشيع خلال فترة الدفاع المقدس والتفوا حول هذه العقيدة وقبلوها. كما أن كثيراً من المراقبين العالميين آمنوا بأحقية الإسلام خلال فترة الدفاع المقدس والثورة عبر الحقائق التي تجلّت في ممارسات إمامنا الجليل وحوارييه وهم الشباب المجاهد ومجاهدو طريق الحق. استيقظت وتوعّت الكثير من الشعوب المسلمة التي كانت غافلة عن حقيقة الإسلام. عرض الحقيقة الصحيحة للدين وخصوصاً عرضها عن طريق العمل له مثل هذه الخصوصية المعجزة.
نتمنى أن تشمل الأدعيةُ الزاكية لسيدنا الإمام المهدي (أرواحنا فداه) شعبنا العزيز الذي سيتقدم إن شاء الله باطراد في حبه لهذا الإنسان العظيم وأنسه به وشوقه وانتظاره له. وندعو أن تكون القلوب والعيون وإمكانيات العالم مستعدةً لتلك الثورة الإلهية العظيمة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته