بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين سيّما بقية الله في الأرضين.
نشكر الله تعالى على توفيقه لنا كي نعقد تارةً أخرى هذه الجلسة المعنوية الأخوية الصميمية في هذه الحسينية ونلتقي جميع الإخوة والأخوات المخلصين للبلاد والمحبين للثورة والذين عملوا بالأمس أو في الحاضر لخدمة البلد.. نلتقيهم في هذا الاجتماع العاطفي الصميمي.
الواقع أن هذه الجلسة رمز لوحدة العاملين والمسؤولين وخدمة النظام الإسلامي وبلادنا الحبيبة. ونتمنى أن تكون حصيلة هذه الجلسة مزيداً من روح الخدمة والشوق للأخوة والتعاطف بين المنظومات المحبة للبلاد والثورة.
هذه الآية الشريفة وبعبارة أفضل الجملة المباركة في القرآن »استعينوا بالصبر والصلاة« من سورة البقرة تكررت مرتين: مرة في مخاطبة أهل الكتاب حيث يقول: »واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين« ومرة أخرى في مخاطبة المؤمنين حيث يقول: »يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين«. أولاً تلوح هنا أهمية هذان العنصران: الصبر و الصلاة وتأثيرهما في الشيء الذي يمثل الهدف من تشكيل المجتمع الإسلامي، أي الأهداف السامية للمجتمع الإسلامي. وثانياً يمكن ملاحظة العلاقة والرابطة بينهما - بين الصبر والصلاة - أي بين الثبات والاستقامة من ناحية وبين الاتصال القلبي والروحي بمبدأ الخلقة من ناحية ثانية. هاتان نتيجتان تستخلصان من هذه الآية وخصوصاً قوله »يا أيها الذين آمنوا«. قبل هذه الآية هناك الآية الشريفة القائلة: »فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون« والتي تتناول مفهوم الذكر والشكر. وبعد هذه الآية الكريمة تطرح قضية الجهاد »ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون«. وتأتي بعد هذه الآية الآيات المعروفة »ولنبلولنكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين«، »الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون« ثم يقول »أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة« حيث يفهم منها بكل وضوح الترابط القوي بين هذين العنصرين. هذان العنصران بحد ذاتهما مهمان، والعلاقة بينهما مهمة أيضاً. وسأعود إلى الصبر لأناقشه وأوضحه أكثر.
أما الصلة بين الصبر والصلاة.. طبعاً لنأخذ الصلاة بالمعنى العام للصلاة أي التوجه والذكر والخشوع، وإلا ليس المراد شكل الصلاة وهي خالية من الذكر. لذلك يذكر تعالى الصلاة في آية شريفة ثم يقول »ولذكر الله أكبر« »إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر«.. هذه من سمات الصلاة، لكن الأكبر من النهي عن الفحشاء والمنكر هو ذكر الله المودع في الصلاة، فالصلاة تعني الذكر والتوجه والخشوع والاتصال القلبي بالله ولها تأثيرها في تعزيز الصبر وتقويته.
والآن وقد اتضحت أهمية الصبر - وهي معلومة بالنسبة لكم أيها الأصدقاء طبعاً - حسب الآيات والروايات والمفاهيم الإسلامية، ستتضح أهمية الصلاة وأهمية ذكر الله وإلى أي مدى يمكنه أن يكرّس عامل الاستقرار والثبات - أي الصبر - في قلوبنا، وأرواحنا، وحياتنا، وآفاق أفكارنا. لذا نلاحظ في القرآن »واصبر وما صبرك إلا بالله«. طبعاً وردت كلمة »واصبر« في القرآن كثيراً، ولو أراد الإنسان قراءة الآيات لوجد أن كل واحدة منها بحر من المعارف. يقول في الآية الكريمة »واصبر وما صبرك إلا بالله« إن العون الإلهي هو الذي يجعلك تصبر، بمعنى أن الاستقامة ستكون لامتناهية حينما تتصل بمعين الذكر الإلهي اللامتناهي. إذا ربطنا الصبر - وهو بمعنى الصمود والثبات والاستقامة وعدم التراجع - بموقع الذكر الإلهي ومعينه الذي لا ينضب فلن تكون لهذا الصبر نهاية، وإذا لم ينفد الصبر وكان لانهائياً فمعنى ذلك أن مسيرة الإنسان نحو كل القمم لن تتوقف أبداً. والقمم التي نتحدث عنها هي قمم الدنيا والآخرة كلاهما: قمة العلم، وقمة الثروة، وقمة الاقتدار السياسي، وقمة المعنوية، وقمة تهذيب الأخلاق، وقمة العروج نحو عرش الإنسانية الشامخ. عندها لن يتوقف أي من هذه المسارات، ذلك أن التوقف في مسيرتنا ناجم عن الجزع وانعدام الصبر. حينما يصطف جيشان ماديان بوجه بعضهما فسوف يهزم الجيش الذي ينفد صبره قبل الآخر، وسينتصر الذي يستمر صبره ومقاومته لمدة أطول لأنه سيمر بلحظة يفقد فيها الطرف المقابل صبره وثباته. هذا مثال ملموس وظاهر جداً.. والحال كذلك في كل السوح والميادين.
في مواجهة المشكلات والعقبات الطبيعية وكافة الموانع التي تقف بوجه الإنسان في كل تحركاته نحو الكمال، إذا لم ينفد الصبر فسوف تنفد تلك العقبات وتتفتت. هذا هو معنى »الإسلام منتصر«، وهذا هو معنى »وإن جندنا لهم الغالبون«.. جند الله.. حزب الله.. عباد الله.. يقفون بارتباطهم بذلك المعين الأبدي أمام كل المشكلات التي قد تقهر الإنسان. حين يكون ثمة صمود وثبات في هذه الجهة سيكون هنالك زوال واضمحلال في الجهة الأخرى طبعاً. وإذا كان اسمنا حزب الله وجند الله من دون أن نتحلى بذلك الارتباط والاتصال فلن تتحقق مثل تلك الضمانة. إذن، ينبغي أن نتصل ونرتبط بالله. وهنا تبرز أهمية الصلاة وذكر الله والفرصة المتاحة في شهر رمضان.. فرصة بناء الذات، والتقوى، ومضاعفة رصيد اليقين في القلوب وهو ما نلاحظه في أدعية شهر رمضان في نهاراته ولياليه. على ذلك، لابد من اغتنام هذه الفرصة لهذه المقاصد. وإذا كان ذلك فسيرتفع صبر المجتمع الإسلامي في الأمة الإسلامية والعبد المسلم إلى المستوى الذي يتغلب فيه على كافة المشكلات. وعندئذ سيتقدم ذلك المجتمع في مجال السياسة، ومجال الاقتصاد، ومجال الأخلاق، ومجال المعنوية. هذه حقيقة يجب أن نقرب أنفسنا إليها.
سمعتم حول الصبر الروايات المعروفة العديدة التي توزعه إلى ثلاث مساحات هي: صبر على الطاعة، وصبر على المعصية، وصبر على المصيبة. ثمة في هذا المعنى روايات عديدة سمعتموها.
الصبر على الطاعة معناه أن لا تتعبوا ولا تملوا من طول المهمة التي تعد ضرورية وواجبة وأمراً عبادياً تتوخون من خلاله عبادة الله؛ أن لا تتركوها وسط الطريق. في الممارسات العبادية الظاهرية الشخصية على سبيل المثال هناك صلاة مستحبة طويلة أو دعاء طويل يجب أن لا يتعب منه الإنسان.. هذا هو معنى الصبر على الطاعة. أن لا يتعب الإنسان من مواصلة الصيام في شهر رمضان، ومواصلة الانقطاع إلى الله في الصلوات الواجبة والفرائض، ومن قراءة القرآن.. هذا هو الصبر على الطاعة.
والصبر على المعصية معناه أن يكف الإنسان نفسه إزاء المعصية.. هنا أيضاً لابد من الاستقامة والرصانة. الصبر على الطاعة كان بذلك الشكل المذكور والصبر على المعصية هو أن لا ينجذب الإنسان نحوها ولا يقع في فخ الإغراء ولا يتأثر بالشهوات.. الشهوة أحياناً جنسية، وأحياناً شهوة المال، أو المنصب، أو الشعبية والشهرة.. هذه كلها شهوات إنسانية. لكل إنسان شهوات معينة يجب أن لا تجذب الإنسان إليها إذا استدعت ممارسة الحرام. كالطفل الذي يروم الوصول إلى طبق من الحلوى مثلاً وفي طريقه إليه هناك وعاء ماء وأقداح وأواني خزفية وهو غير منتبه إليها فيضربها ويحطمها.. هكذا يفعل الإنسان المنجذب نحو المعصية. لا ينظر ماذا في طريقه.. وهذه حالة خطيرة جداً، فالإنسان غافل أيضاً.. إنه في تلك الحالة غير متنبه وغير ملتفت إنه غافل عن عدم انتباهه هذا. الطفل غير متفطن إلى إنه غير متفطن. إنه غير منتبه إلى عدم انتباهه لوعاء الماء أو الأواني الخزفية أو المزهرية القيمة. هو غير متنبه إلى عدم التنبه هذا. لذلك ينبغي أن نتبصّر جيداً ونفتح أعيننا ونحتاط لكي لا نقع في غفلة مضاعفة.. هذا هو الصبر على المعصية.
والصبر في المصيبة معناه أن لا يتحطم الإنسان ولا يجزع حينما تقع له أحداث مريرة كفقدان الأحبة، وموتهم، وضيق ذات اليد، والأمراض، والأوجاع، والمحن و...الخ. يجب أن لا يشعر عند مثل هذه الأحداث أن الدنيا بلغت نهايتها. هذه ثلاثة مجالات للصبر كلها مهمة. لذلك يقول تعالى: »أولئك عليهم صلوات من ربهم«. أي إن الله تعالى يمطر صلواته ورحمته على كل الصابرين.
النقطة الجدير بالذكر هنا هي أن هذه المجالات الثلاث تختص أحياناً بالقضايا الشخصية صرفاً كالأمثلة التي ترد على الذهن ونعرفها جميعاً وقد ذكرت. وتختص أحياناً أخرى بالقضايا غير الشخصية من قبيل القضايا الاجتماعية، والعامة، وبعبارة أخرى: القضايا ذات الصلة بمصير جماعة من الناس: أمة، أو شعب، أو بلد. الطاعة التي يجب أن يصبر عليها الإنسان ستكون عندئذ طاعةً ترتبط بمصير بلد. طاعة الجهاد في سبيل الله مثلاً. في زمن الدفاع المقدس كان التوجه إلى الجبهات طاعةً لله. والثبات في مهمة الدفاع عن البلد وعن النظام كان أمراً ضرورياً وطاعة. لم يكن ثباتاً للدفاع عن شيء يتعلق بالإنسان شخصياً. كل مقاتل يتوجه إلى الجبهة كان في الواقع يرسم مصير البلاد بقتاله وصبره. أحياناً تكون الطاعة من هذا القبيل.. أو العمل الفلاني الكبير الذي تبادرون إليه بصفتكم نواباً في المجلس، أو وزراء، أو مدراء، أو عسكريين، أو عاملين في مؤسسة ثقافية.. سيكون هذا العمل طاعة لله وخدمة لعباده. هذه جهة من إطاعة الله، الواجب في النظام الإسلامي. الأعمال التي يقوم بها العاملون في هذه الأجهزة وهذا النظام الإلهي هو وظائف إلهية يقومون بها.. من الصدر إلى النهاية. إذا تعبتم من هذه الأعمال - سواء كنتم من العاملين في سلك الشرطة، أو الاقتصاد، أو الأمن، أو السياسة - لكان ذلك عدم صبر وخلافاً لوصية »واستعينوا بالصبر والصلاة«. يجب أن تطلبوا العون والمساعدة من الصبر.
العمل الحرام.. المعصية التي لا تطال تبعاتها وامتداداتها القبيحة السيئة وضعكم الشخصي فقط »واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة«.. أحياناً يرتكب الإنسان مخالفة أو يقول كلاماً في غير محله، أو يتخذ خطوة غير مناسبة، أو يوقع توقيعاً غير صحيح - هذا هو وضعنا نحن المسؤولين - تطال تبعاته بلداً أو جماعة من البلد أو شريحة بأكملها. الصبر على المعصية يكتسب هنا معنى أعظم. هذا الصبر يختلف عن صبر تصبرونه مثلاً مقابل أخذ الرشوة. هذا الصبر عملية محمودة جداً وكبيرة وعظيمة جداً لكنه صبر حيال معصية شخصية وفوقها الصبر حيال معصية لا تضر بالشخص فقط بل تضر بمجموعة من الناس.. إذن للصبر على المعصية مثل هذه المساحة.
وكذا الحال بالنسبة للصبر على المصيبة. المصائب أحياناً مصائب شخصية وأحياناً مصائب عامة. مسؤولو البلاد يواجهون حالياً شتى المؤامرات والتهم والإساءات والإهانات والافتراءات الصريحة - تلاحظون كم من الكلام يطلق في هذه المجموعة الهائلة من الاتصالات العالمية والأخبار ووسائل الإعلام والكتابات والأحاديث.. ضد الإسلام.. أي ضد الجمهورية الإسلامية بسبب الإسلام، وضد الجمهورية الإسلامية بسبب الثورة، وضد الجمهورية الإسلامية بسبب كل واحد من المبادئ التي لا يستسيغها الاستكبار، وضد الجمهورية الإسلامية بسبب بعض شخصيات الجمهورية الإسلامية التي لا يرضى المستكبرون عنها. أي تشن الهجمات ضد الجمهورية الإسلامية لأسباب شتى وبطرق مختلفة.. هذه بالتالي مصائب وليس الصبر عليها باليسير. البعض من الرؤساء والمسؤولين في العالم ممن رأيناهم عن كثب وأطلعنا على أحوالهم يتراجعون عن الأهداف والسبيل المستقيم الذي رسموه لأنفسهم كما تصوروا لا لشيء إلا لأنهم لم يعودوا يطيقون الضغوط والإهانات الدولية التي توجّه لهم.. إذن، هناك أيضاً الصبر على المصيبة.
إذن، الصبر بكل أهميته في هذه المجالات الثلاثة يجب أن يلاحظ تارةً على صعيد القضايا الشخصية الفردية - وهو صعيد مهم وعلينا أنا وأنتم أن نهتم له أكثر من الآخرين - وتارةً أخرى على صعيد القضايا الاجتماعية والسياسية والوطنية العامة، وهو صعيد خاص بنا أنا وأنتم.. أي إن الناس العاديين غير معنيين به، فهم ليسوا مسؤولين أو مدراء، لذلك يختص هذا اللون من الصبر بنا.. بي أنا.. وبكم أنتم مسؤولي الحكومة والسلطة القضائية ونواب المجلس والمسؤولين الآخرين. على كلا المستويين ينبغي ملاحظة هذه المجالات الثلاثة والاستعانة بالصبر.. هذا هو أساس القضية.
ما نريد قوله إلى جانب هذه الفكرة هو أن من نماذج عدم الصبر التي نبديها عن أنفسنا أو نلاحظها لدى الآخرين أحياناً عدم الصبر إزاء حفظ مبادئ الثورة وأهدافها. وهذه القضية برأيي أهم من كل شيء. الاتجاه العام للنظام الإسلامي مما يجب الإصرار والثبات عليه. يكتسب الصبر هنا معناه أكثر من أي مكان آخر.
لاحظوا أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، أنتم مسؤولو النظام ومدراؤه.. أنتم النخب السياسية والثقافية والاجتماعية لهذا النظام، أو أن جماعة من النخبة مجتمعة هنا. معظم مسؤولي البلاد مجتمعون الآن هنا. لماذا أصبحنا مسؤولين في هذا النظام؟ هل كنا نروم منذ البداية تشكيل حكومة ودولة نكون رؤساءها ومسؤوليها ووزراءها ونوابها؟ هل كان هذا هو القصد؟ كلا، لو كان هذا هو القصد وجب أن أقول إن الجهود التي يبذلها كل واحد منا - إن كانت بهذه النية - ستعود كلها »هباءٌ منثوراً«.. لا قيمة لها.. لا أجر لها عند الله تعالى.. تزول بزوال العمل.. بل تزول بزوال المسؤولية. فرقنا عن سائر الجماعات التي تغيّر نظاماً في البلدان الأخرى وتتولى السلطة والمسؤولية هو أننا جئنا لنوفر مجتمعاً إسلامياً.. جئنا لنعيد إنتاج الحياة الإسلامية الطيبة لبلادنا ولشعبنا ونؤمِّنها لهم. ولو أردنا النظر بأفق أوسع، لقلنا بما أن إعادة إنتاج الحياة الإسلامية الطيبة في بلادنا بوسعها أن توفر نموذجاً صالحاً للعالم الإسلامي فقد جئنا في الواقع لنلفت العالم الإسلامي إلى هذه الحقيقة وهذه الشجرة الطيبة.. هذا ما جئنا من أجله.. لم يكن الهدف سوى هذا. والآن أيضاً ليس الهدف سوى هذا.
النظام الإسلامي نظام يقوم على أسس الإسلام. حيثما استطعنا إقامة الوضع والبنية الحالية لنظامنا على أساس الإسلام سيكون ذلك ممارسة إيجابية منشودة، وحيثما لم نتمكن من ذلك يجب أن تصب مسعاينا باتجاه إقامة الأوضاع على أسس الإسلام ومبانيه .. ينبغي عدم تخطي الإسلام. هذا هو هدفنا.
وهذا هو سر عداء الاستكبار لنا. لأن الإسلام والنظام الإسلامي والحكومة الإسلامية والمجتمع الإسلامي يعارض الظلم والاستكبار والتعدي على حياة الناس.. يعارض الاعتداء على الشعوب.. يعارض تفرعن السلطة.. يعارض الاستبداد الدولي كما يعارض الاستبداد الداخلي للبلدان. وهذه المعارضة ليست معارضة قلبية وحسب، إنما هي معارضة على المستوى العملي تعبّر عن نفسها وتبرز إلى الواقع الخارجي أينما اقتضت الضرورة. هم يعلمون هذا، وهو معروف عن الجمهورية الإسلامية، لذلك فإن أهل الاعتداء والتطاول على مصادر وثروات الآخرين وأهل الاستكبار والتفرعن في تعاملهم السياسي يعادون نظام الجمهورية الإسلامية طبعاً.
قلت يوماً أمام السادة المحترمين إنه من الخطأ القول إننا لا نتفاهم مع القوى الكبرى ومع أمريكا. ليس هنالك عدم تفاهم. هم يعرفوننا جيداً، ونحن نعرفهم جيداً. نحن نعرف طبيعة الاستكبار ونزعاته. نعرف أنهم يغطّون قبضاتهم ومخالبهم الدامية بظاهر مخملي ناعم.. هذا ما نعلمه ونراه. لم ننخدع أبداً بما يستعملونه من عطور وربطات عنق وملابس أنيقة.. لقد رأينا باطنهم، وقد أفصحوا هم أنفسهم عن باطنهم.. في غوانتانامو، وفي أبي غريب، وفي العراق، وفي أفغانستان، وفي القصف والغطرسة والتدخل في كل شيء والفئويات الرامية لنهب الثروات حتى من شعوبهم وليس من الشعوب الأخرى وحسب. إنهم ينهبون حتى من شعوبهم.. هكذا هي الشركات. نحن نعرفهم وهم يعرفوننا. يعلمون أن الجمهورية الإسلامية التي جاءت بالثورة وجاء بها الإمام معناها الجمهورية المناهضة للظلم والاستكبار والطمع والاعتداء وكنـز الثروات وما إلى ذلك مما ذكره القرآن. هم يعلمون هذا ولذلك يعارضوننا.
هذا هو نظامنا. وأنا وأنتم المسؤولين في هذا النظام سيكون المظهر الحقيقي لصبرنا هو الصبر على هذه المبادئ والأسس. يجب أن لا تتركوا الساحة. إذا أثاروا الضجيج والصخب في العالم حول القصاص الإسلامي، أو الاقتصاد الإسلامي، أو شكل الحكومة الإسلامية، أو حول دستوركم - ومن الممكن أن يفعلوا ذلك ويثيروا الضجيج - يجب أن لا تنهزموا وتتراجعوا، كلا، اصمدوا على مبادئكم. مبادئكم هي العبودية لله وخدمة خلقه ومعاداة أعدائه وأعداء عباده. هذه هي شعاراتنا. يقوم نظام الجمهورية الإسلامية على هذه الأسس. إنه نظام عقلاني علمي. يجب أن تسود العقلانية جميع أركان هذا النظام من أعلى مراتبه إلى أدناها. لكن العقلانية لا تعني الاستسلام والهزيمة. العقلانية من أجل التقدم واكتشاف السبل المؤدية إلى مزيد من التوفيق في تحقيق الأهداف.
البعض يروم الانتقاص من مبادئ الثورة ومبانيها باسم العقلانية والاعتدال وتحاشي الصخب والمتاعب الدولية! هذا غير ممكن، وهو دليل نفاد الصبر والتعب. أحياناً ينسبون هذا التعب إلى الجماهير والحال أنهم هم المتعبون. يقولون إن الجماهير تعبت.. كلا.. الجماهير تفرح وتبتهج حينما تشعر أن مسؤولي البلد يعلنون انتماءهم للإسلام وعبوديتهم لله بكل فخر واعتزاز. هذه الجماهير مسلمة، وحركتها كانت من أجل هذا. أليس هؤلاء الناس هم أنفسهم الذين صنعوا الثورة؟ ماذا كانت شعارات الثورة؟ أليس هؤلاء الناس هم الذين أداروا الحرب بكل مظلومية طوال ثمانية أعوام؟ هؤلاء الناس هم الذي أداروا الحرب. هل أدارها أناس آخرون؟ من الذي نهض بهذه الأعمال الكبرى سوى الجماهير التي نهضت بها في هذا البلد؟ قبل البارحة نقل التلفاز قول الإمام حول المرحوم آية الله طالقاني ولاحظنا أن كلام الإمام من أوله إلى آخره، وكل كلمة فيه كان دقةً وحكمةً (رحمة الله ورضوانه عليه).. ذكر في كلمته للجماهير نقطة فحواها: لاحظوا ماذا قال الناس في تشييع جثمان طالقاني؟ قالوا (يا نائب نبينا مكانك خالٍ). عزاؤهم لنائب نبيهم. القضية قضية نيابة الرسول.. استفاد الإمام هذه النقطة من كلام الناس وطرحها علينا، وهي صحيحة. الناس ملتزمون بالإسلام. فضلاً عن رعاية الناس والبقاء إلى جانبهم والإخلاص لهم والعمل من أجلهم والاهتمام لآرائهم ومشاعرهم وعواطفهم، حينما يشاهدكم الناس أنتم مسؤولي الجمهورية الإسلامية تفخرون وتعتزون بانتمائكم للإسلام ومناهضتكم للاستكبار والاستبداد، وتفخرون من جهة ثانية بخدمة الناس ومواكبتهم والاستئناس بهم والتودد إليهم وطلب المساعدة منهم في القضايا المختلفة فسيرضى الناس طبعاً وسيحبون ذلك المسؤول.. هذا هو واجبنا. ليس من حقنا التراجع عن شعارات الثورة والإسلام. هذا معناه نفاد الصبر.. إنه نفاد صبر يجب عدم القبول به. الالتزام بهذه الشعارات يتعارض وإرادة الأعداء ، ولا يتعارض إطلاقاً مع مسيرة البلاد نحو التقدم بالمعنى الحقيقي للكلمة، وقد حاولوا دائماً الإيحاء بهذا والقول إذا كنتم إسلاميين فلن يمكنكم التقدم وبلوغ المراتب الرفيعة من الرفاه المادي والتقدم العلمي.. كلا.. الأمر على العكس تماماً.. لقد كان تقدمنا كبيراً.
ألاحظ للأسف في بعض الكتابات والمطبوعات والتصريحات تشكيكاً بالنجاحات الجلية لهذا الشعب. هذا شيء يجب أن لا يقوموا به لأنه سيئ.. إنها ضربة للشعب وتثبيط له وبث لليأس في نفوس أبنائه عن طريق أقاويل خاطئة وكاذبة. من بوسعه إنكار تقدمنا العلمي اليوم؟ والدليل على أهمية هذا التقدم أنه جعلنا في كثير من الحالات ضمن البلدان القليلة المتوفرة على هذا التقدم أو الإنجاز. هل هذا بالشيء القليل؟ قبل نحو شهر أقاموا في هذه الحسينية معرضاً تضمن 51 إنجازاً علمياً تم اختياره من بين الإنجازات العلمية الجديدة. رفع أصحاب بعض المشاريع - بعضهم من القطاع الحكومي وبعضهم من القطاع الخاص - تقارير تقول إن من هذه الإنجازات ما هو غير مسبوق في البلاد ومنها ما هو غير مسبوق في العالم. كان منها إنجازان أو ثلاثة غير مسبوقة في العالم. هل يجب على المرء إنكار هذا؟! في العام الماضي أو ربما أكثر من عام بقليل - لا أتذكر التاريخ على وجه الدقة - تشكّل هنا مجمع علمي كبير حول موضوع معين ولا أريد الآن تكرار التفاصيل، وحضرت شخصيات من عدة بلدان متقدمة في العالم واطلعوا على إنجازاتنا العلمية والتقنية والبحثية المتطورة. وحينما بثوا تصريحاتهم وحواراتهم كانوا يقولون فيها لو لم نشاهد بأنفسنا لما صدقنا أن إيران توصلت إلى هذا المستوى.. هذه ليست حالة واحدة أو حالتين. موضوع الطاقة الذرية نموذج واحد فقط، وقد ذكرت مراراً أنها مجرد نموذج واحد، ولدينا من هذه القبيل نماذج عديدة تمثل تقدمنا العلمي. ما الذي يمكن إنكاره من التقدم الحاصل على مستوى العمران والتمدن وتطوير حياة الشعب ورفع مستواه، لكننا نلاحظ في بعض الكتابات للأسف تشكيكاً اعتباطياً وبذرائع واهية.
حركة الشعب الإيراني العظيمة هذه حركة لها قيمتها. ونحن بعد نحو ثلاثين عاماً من انتصار الثورة وحوالي عشرين عاماً على رحيل إمامنا الجليل وهو معلم هذه الثورة ومؤسسها نلاحظ الشعب وهو يرفع تلك الشعارات ويكررها. وشبابنا الذين لم يدركوا عهد الإمام ولم يروا الإمام ولم يدركوا فترة الحرب يمتدحون في كلامهم وفنونهم وأشعارهم تلك القمم الشمّاء التي ارتقى إليها شعب إيران.. فهل هذه أمور بسيطة يمكن إنكارها؟!
طيب، يشيرون لنا أن ست دقائق فقط بقيت لنا حتى وقت الصلاة. لذلك نختصر الكلام لديّ عدة توصيات موجّهة للمسؤولين التنفيذيين خاصة ومعهم مسؤولي السلطتين التشريعية والقضائية، لكن المسؤولين التنفيذيين يتعاملون مع الشعب أكثر.
النقطة الأولى هي أن نلاحظ رضا الجماهير في مشاريعنا وقراراتنا وهذا شيء جيد، ولكن يجب أن لا نصرف النظر عن رضا الله من أجل رضا الجماهير. إذا كان يجب أن تقوموا بعمل لا ترضى عنه الجماهير لكنه واجب شرعاً فيجب أن تقوموا به. أو عمل يجب أن لا تفعلوه بحسب المعايير الشرعية والعقلائية والخبروية السليمة لكن الناس ترغب فيه وتريد منكم إنجازه، أي الخيارين يجب أن تختاروا هنا؟ عليكم هنا أن تختاروا هنا؟ عليكم هنا أن تختاروا واجبكم وتكليفكم. رضا الناس واقتناعهم وخدمتهم أمور قيمة جداً لكن طالما لم تتعارض مع التكليف.
النقطة الثانية هي اجتناب الإفراط والتفريط في القرارات الشاملة الكبرى. ومنها مثلاً مشروع التحول الاقتصادي الذي أشار له السيد رئيس الجمهورية المحترم، وهو من القرارات الكبرى والمتفق على خطوطه العامة من قبل جميع أصحاب الرأي والاختصاص، وإذا كان ثمة اختلاف فهو اختلاف حول كيفية تنفيذه وزمن التنفيذ وما إلى ذلك، وإلا فإن خطوطه العامة متفق عليها من قبل جميع أصحاب الرأي والذي اتصلوا بنا وقدموا تقاريرهم وآراءهم الشفهية والتحريرية، وهم مجمعون على ضرورة النهوض بمثل هذا المشروع.
من ناحية يجب أن لا يحجم الإنسان عن المبادرة والعمل خوفاً من عدم النجاح أو إنجاز الأعمال بشكل سيئ.. هذا غير صحيح. ويجب أيضاً عدم التصرف دون تدقيق واحتياط لمجرد أن هذه الخطوة خطوة صحيحة. يجب ملاحظة الجانبين، وقد سرّني قوله إننا سننهض بهذا المشروع طبقاً للقانون وبالتنسيق مع المجلس، هذا شيء جيد. يجب العمل به بتأنٍ وتروٍّ وبملاحظة كافة الجوانب.
يجب تعاون السلطات الثلاث عملاً وقولاً.. يجب أن يتعاونوا في العمل وفي الأقوال والألسن أيضاً.. خصوصاً في القضايا المهمة.
أردت ذكر بعض النقاط حول المادة 44 لكن صوت الأذان قد ارتفع.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.