الخطابات

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه مسؤولي الدولة

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين سيما بقية الله في الأرضين.أولاً أرحب بجميع الإخوة والأخوات الأعزاء وأتمنى أن تكون هذه الجلسة مباركة فيّاضة علينا كافة. ثانياً أشكر السيد رئيس الجمهورية على كلمته المستوعبة الجيدة ، لا سيما الجانب المتعلق بالمجتمع الأخلاقي والمعنوي الذي تضمن الفكر، والإيمان، والإخلاص، والدقة والفطنة. أقرأ آية قرآنية كريمة لتتحلّى بداية كلامي بكلام الله:»بسم الله الرحمن الرحيم.. تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين «. وأتلو هنا آية أخرى سأتحدث عنها قليلاً في خاتمة كلمتي: »إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم «.الوصول لأهداف النظام الإسلامي العليا يستدعي همة وثباتاً بنفس تلك الدرجة من العلو كي يتاح للإنسان أن يقطع هذه المسيرة الصعبة إلى القمم، وهذا غير ميسور إلا بالاتصال بمصدر القوة. حيثما لاحظتم سيادة العدل، والدين، والمعنوية، والأخلاق على مر التاريخ، كان في القلب من ذلك قلبٌ يقظ، وفي أطرافه قلوب متوجهة متضرعة إلى الله. هكذا كان الحال في صدر الإسلام. وطوال التواريخ الماضية كان الحال كذلك حيثما برزت مثل هذه الظاهرة النادرة.وفي عصرنا رفع هذا البيرق من قبل شخص شاهد الجميع قلبه الذاكر وروحه الخاضعة الخاشعة أمام الله، وأطلعوا على آثار ذلك. علينا أن نميل إلى هذا الاتجاه أكثر ونعتبر أنفسنا محتاجين للعون الإلهي.. يجب أن نشعر بهذا، ولا نعتمد اعتماداً ذاتياً مستقلاً على قدراتنا وما يبدو أنه قدراتنا. يجب أن نطلب العون من الله ونعتبر أنفسنا محتاجين له، ولا نقول كما قال قارون وبعض الأمم الماضية كما ذكر القرآن في موضعين: »إنما أوتيته على علمٍ عندي «.. حصلت على هذا بسعيي وحذاقتي. هذا خطأ .. لنطلب العون من الله دوماً. ونعتبر الطريق إليه مفتوحاً. طريق الجميع إلى الله مفتوح: »وإن الراحل إليك قريب المسافة وإنك لا تحتجب عن خلقط إلا أن تحجبهم الأعمال دونك «. متى ما توجهنا إلى الله بقلب طاهر ونية خالصة تفتحت أبواب رحمة الله وشملنا فيضه.. لنعلم هذا ولا نقصّر.ويجب كذلك أن لا نعتبر أنفسنا أقرباء الله ولا نغتر بقرابة وهمية من الله. من الأمور التي حذرونا منها في الأدعية بشدة هي » الاغترار بالله «. لا تقل لأننا عباد الله الصالحون فلن تحل بنا نقمة الله، لا، هذا خطأ. ليس لله قرابة مع أي أحد أو قوم أو شعب. أعمالهم ونواياهم وصدقهم وجهادهم هو الذي يؤثر ويستجلب الرحمة الإلهية. كما يجب أن لا نتجاهل الله استرعاءً لالتفات فراعنة العالم وطواغيت العصر. هذا أيضاً شرط آخر. إذا حصلت هذه الأمور اتصلنا بمصدر القدرة الإلهية الخالد.وثمة خصوصية أخرى تتعلق بنا أنا وأنتم، أي نحن أصحاب السلطة والمكنة التي وفرتها لنا مسؤولياتنا.. سواء الصغير منا أو الكبير. مضمون الآية التي تلوتها: » تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً «. يجب أن لا ننشد الاستعلاء والتسلط والتفوق على الناس. هذه مهمة صعبة لكنها ممكنة وضرورية. النـزعة السلطوية آفة هددت أقوياء العالم والحكّام دوماً وأزلّت الكثيرين. لسنا أقوى منهم. علينا الحذر لكي لا نزلّ. روي عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام أنه قال: » نزلت هذه الآية في أهل العدل والتواضع من الولاة والحكّام ».. الرؤساء من أعلى المستويات وإلى المستويات المتوسطة وإلى كل موقع تتوفر فيه السلطة والمسؤولية. آفتنا هي أن نستخدم مجال مسؤوليتنا للتسلّط والعسف والجشع.. هذا خطر كبير.. يقول سبحانه في نهاية الآية: »والعاقبة للمتقين«. البعض فسر هذا العاقبة بأنها »الآخرة«. واحتمل البعض أن تشمل الدنيا أيضاً وهذا هو ما نراه. العاقبة للمتقين. العاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة لأهل التقوى والورع.الذي أفهمه عموماً فيما يتعلق بمهماتنا وأعمالنا - نحن المبتلين بالمسؤولية - هو أن نجعل الآخرة مؤثرة وذات دور في كافة قراراتنا وخطواتنا. البعض يحتسبون دوراً لكلام الناس وإشرافهم، لكنهم لا يحتسبون دوراً للإشراف الإلهي الذي سيشكل غدنا. في أي سنّ كنا فإننا نقف على الحد الفاصل بين الوجود والعدم. طبعاً إذا كان الإنسان مسناً مثلنا فإن احتماله أكبر. لكن الأمر ينطبق على الشباب أيضاً. في الجهة الثانية من الموت هناك الحساب الإلهي ومؤاخذة المحاسبين الإلهيين الدقيقين. علينا أن نفكر.. هناك تكون الحياة والأبدية والمصير الحقيقي.. يجب أن يحتسب دوراً لهذا. نحن هنا بضعة أيام لعمارة ذلك العالم. لنحتسب دوراً وتأثيراً للآخرة والرضا الإلهي والمحاسبة الأخروية في الكلام الذي نقوله، والتوقيع الذي نوقعه، والمشورة التي نقدمها، والقرار الذي نتخذه، والعزل والنصب الذين نجترحهما. هذا مهم في رأيي. إذا كان هذا كانت السلطة والمسؤولية خيراً. البعض يخالون أن السلطة أو الثروة شر بذاتهما، بينما الأمر ليس كذلك. السلطة والثروة كبقية مواهب الحياة زينة للحياة: » زينة الحياة الدنيا «. كيف نستخدم هذه السلطة ؟ إذا استخدمناها بشكل إيجابي كانت خيراً، وإذا جعلناها لخدمة الناس كانت خيراً. أما إذا وظّفناها لخدمة مطامعنا الشخصية وأهوائنا النفسية واستخدمناها ضد هذا وذاك كالحيوانات المفترسة لكانت شراً، وكلما كانت أعظم كان شرها أعظم. كلما كانت أرفع كان شرها أشد.أعزائي، إذا استطعنا أنا وأنتم في مواقعنا توجيه نوايانا بهذا الاتجاه لحصلنا على مكسب عظيم ولكان تقبل المسؤولية مفخرةً كبيرةً في مثل هذا النظام والبلد ولمثل هذا الشعب، وفي مثل هذا العالم الغاص بالضلال والصخب.. يقول الإمام في دعاء الصحيفة السجادية: » واجعل لنا من صالح الأعمال عملاً نستبطئ معه المصير إليك «. هل لاحظتم التلاميذ المجدين ليلة الأمتحان كيف ينفد صبرهم ويتمنون حلول ساعة الامتحان بأسرع ما يمكن. أما التلميذ الذي لم يدرس ولم يتقن دروسه فيخاف الامتحان ويتمنى أن يتأخر موعده. حين يفعل الإنسان عملاً صالحاً مميزاً سيشعر بالتأخير والبطء في الوصول إلى الله »نستطبئ معه المصير إليك« . يشعر أن الوقت يمر بطيئاً ويتمنى أن ينال لقاء الله بأسرع ما يمكن لأنه يعلم أن عمل الخير ينتظره هناك »ونحرص له على وشك اللحاق بك« . نتمنى أن نصل إليه ونبلغه سريعاً. في مثل هذه الحالة يشعر الإنسان بالأمن النفسي حيال أحداث الدنيا وحيال الموت. الموت مهول بالنسبة لجميع البشر. ولكن حين يتحلى الإنسان بمثل هذه الحالة يكتسب أمناً نفسياً إزاء الموت ولن يخاف منه. يعلم أن مكسباً عظيماً بانتظاره في الجانب الآخر. إذا استطعنا أنا وأنتم التوفر على نية الخير هذه لكانت أسمى بكثير من العبادات والأعمال الشخصية.سجلت عدة محاور لأذكرها. المحور الأول هو أن نعرف حيّز مسؤوليتنا ونعرف قدره. بلدنا الكبير وشعبنا العظيم، فضلاً عن الجانب التاريخي والثقافي والتراث القيم جداً الذي جاءه عن الماضي، صنع مفاخر وقيماً ونحن اليوم نعمل ونسعى لمثل هذا الشعب والبلاد. النظام الإسلامي الفتي الكفوء في أيديكم اليوم. النظام الذي لم يتمكن مضي الزمن من نخر أسسه المبدئية والقيمية ولا يزال جديداً طرياً حيوياً. لنشعر بالفخر من المسؤولية في هذا النظام.بعض الخصوصيات خصوصيات طبيعية مميزة في بلادنا. أتمنى على المسؤولين المطلعين على المواهب الطبيعية الإلهية في بلادنا ولديهم إحصاءات جيدة عنها قدموها لنا أن يطرحوها على الرأي العام وعلى المسؤولين خصوصاً. ليعرضوا كل هذه الإمكانات والقدرات والكنوز القيمة في بلدنا الكبير على الناس بدل العزف على وتر القنوط وتصوير كل الجهود على أنها فاشلة. لدينا واحد بالمائة من سكان العالم تقريباً، وأراضينا أيضاً تشكل واحد بالمائة تقريباً من سطح اليابسة في العالم، لكن نصيبنا من المصادر الطبيعية أكثر بكثير من واحد بالمائة. احتياطينا من النفط لافت، ويضعنا ضمن البلدان الأولى في العالم. ونمتلك الأحتياطي الغازي الثاني في العالم وهو أكثر بكثير من نسبة سكاننا وأراضينا. أثنان بالمائة من مناجم الحديد في العالم في بلادنا وهذا يعني ضعف نصيبنا. مناجم النحاس عندنا تشكل خمسة بالمائة من النحاس في العالم أي خمسة أضعاف نصيبنا. مناجم الخارصين والرصاص ثلاثة ونصف بالمائة من الحجم العالمي ما يعني عدة أضعاف سهمنا الطبيعي. الكثير من البلدان لا تمتلك هذا. يقول أصحاب الاختصاص والخبرة في هذا المجال - وأظن أنها نقطة ملفتة جداً - إن الرصاص والخارصين والنحاس هي المعادن الأم، وأي بلد يمتلكها فهو يمتلك معظم المعادن الأخرى. قد تكون لنا معادن أخرى غير مكتشفة يدل عليها وجود هذه العناصر الثلاثة - النحاس والخارصين والرصاص - في بلادنا بكثرة.من بين 24 مادة معدنية وفلزية هناك 12 مادة متوفرة في إيران تم اكتشافها وتشخيصها لحد الآن. وقد يكون هناك أكثر من ذلك سيكتشف مستقبلاً. ومن بين خمسين مادة معدنية غير فلزية معروفة في العالم، تتوفر في إيران 36 مادة، أي تتوفر في إيران المعادن الفلزية وغير الفلزية. هذه إمكانات طبيعية قيمة تتوفر في بلادنا. التنوع الأقليمي والمناخي في بلادنا يعد بحد ذاته فرصة كبيرة. البحار في الجنوب والشمال من الفرص القيمة جداً. الموقع الجغرافي المهم في الاتصال بين شرق العالم وغربه يعد من المواقع القيمة للتجارة والعديد من الأنشطة الأخرى. سكاننا الشباب الموهوبون فرصة أخرى، من المؤسف أن البعض لا يذكرون كثرة الشباب في بلادنا على اعتبارها نعمة والحال أنها أكبر رصيد. كل هؤلاء الشباب المتعطشين للعمل والنشاط حالة قيمة جداً. طبعاً كانت جميع هذه الإمكانات التي أشرت إلى جانب صغير منها بيد السلاطين المستبدين والحكام الدكتاتوريين في هذا البلد لقرون طويلة. انظروا في سير هؤلاء الملوك - طبعاً غالبية النصوص المتوفرة هي مذكرات وتقارير الفترتين القاجارية والبهلوية - وستجدون أنهم كانوا يعتبرون البلد ملكاً لهم كالملك الشخصي الذي يعمل فيه مجموعة من الناس ولا بد لهم بالتالي من أن يقتاتوا على شيء ويعيشوا. إذن، لم يكن للناس دور. طبعاً لم يكن أولئك الملوك والحكام ليبالوا لمصير البلاد وتطورها العلمي. مضت سنين طوال على هذا المنوال ولم يستثمر بلدنا هذه الإمكانات. أما خلال فترة الثورة فكان التقدم خارقاً وملحوظاً. ما قاله رئيس الجمهورية كان صحيحاً جداً. وبالطبع فإن الأمور التي تذكر ما هي إلا جانب من النجاحات.استلمت الثورة والنظام الإسلامي بلداً تصل نسبة الأمية فيه إلى أكثر من سبعين بالمائة، واليوم نحن بلد نسبة التعليم فيه عالية جداً ولا أريد ذكر الرقم الآن لكيلا أزيد أو أنقص قليلاً، لكن النسبة معلومة. في مجال تنمية الجامعات وزيادة عدد الطلبة الجامعيين أنجزت بلادنا إنجازاً معجزاً. لدينا اليوم عشرة أضعاف الطلبة الجامعيين الذين كانوا عند تأسيس النظام الإسلامي. لدينا جامعات في كل أنحاء البلاد. أية مدينة صغيرة أو كبيرة في شتى أطراف البلاد ليس فيه جامعة أو اثنتين أو أكثر؟ والتقدم مذهل على صعيد تقنيات البتروكيمياويات والنفط والفولاذ والإنتاج والصناعات الدفاعية. الأنظمة الدفاعية التي يتم إنتاجها في البلاد اليوم لم تكن ذات يوم لتشكّل حتى حلماً، لكننا ننتجها اليوم. في التقنية الأرقى التي تذكر بفخر في العالم، اضطروا رغم كل عدائهم للقول إن إيران من البلدان العشرة التي استطاعت إنتاج دورة الوقود النووي. هذا ليس بالشيء القليل. طبعاً حين يتحقق مثل هذا النجاح فسوف يثيرون وراءه الضجيج ويقولون إن هؤلاء يريدون فعل كذا وكذا وإنتاج قنبلة. هذا التقدم المهم حصل بفضل نظام الجمهورية الإسلامية.كل واحدة من الجامعات المهمة والكبرى التي أزورها أحياناً - ولدي إطلاع عن بعد، وأزورها وأرى ما فيها عن كثب - لها إنجازاتها البحثية المثيرة للإعجاب. هذا في حين لم تسمح مشكلات الحكومة في الأعوام الماضية بتخصيص ميزانية مناسبة للبحث العلمي. وفي ميادين الطب والبنى التحتية من قبيل بناء السدود، ومد الطرق وتشييد الأرصفة البحرية النفطية وغير ذلك سجلنا تقدماً ملحوظاً أيضاً. تحقق كل هذا بفضل الخالق وباستقلال واستغناء حقيقي. أغلقوا بوجهنا كل الأبواب الأساسية المهمة في العالم. وربما كان هذا نعمة لنا: » فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً« . أحياناً ننـزعج جداً لأن أبواب العالم مغلقة في وجهنا، غير أن هذا بذاته يؤدي إلى بناء أنفسنا والاستفادة من مواهبنا وتحقيق هذا النمو والازدهار. الخبراء داخليون والمنتجون داخليون. طبعاً استفدنا من العلوم العالمية بمقدار ما استطعنا. فالعلوم العالمية ملك لكل البشر، وعلمنا ملك لكل البشر. ذات يوم قدم العالم الإسلامي خدماته لكل العالم. واليوم نستفيد من العلوم العالمية. خلال فترة الثورة واجهنا خطراً وحرباً ومشكلات عديدة وعرقلات كثيرة، ولكن حصلت هذه النجاحات في النظام الإسلامي بفضل من الله وهي من مفاخر النظام الإسلامي.وإلى جانب كل هذا وأحد أهم هذه الإنجازات هناك الديمقراطية الدينية. ديمقراطية نابعة من الإسلام يفخر بها المسلمون. لم يذق هذا البلد طوال تاريخه طعم بروز الإرادة الجماهيرية وتبلورها، باستثناء فترة قصيرة في زمن تأميم النفط، وبقيود كثيرة لها قصتها الطويلة. كانت فترة قصيرة جداً ثم لم يطيقوا الأمر وهدموا كل شيء ولم يستطع السيطرة على نفسه. استطعنا أن نشهد الديمقراطية، ومشاركة الجماهير في الانتخابات، وفي تعيين رئيس الجمهورية، وتعيين نواب المجلس والمشاركة في ميادين السياسة واتخاذ القرارات في بلادنا. هذه الميزة الكبرى للنظام الإسلامي.أيها الأعزاء، أنا وأنتم نخدم في مثل هذا النظام فلنفخر بهذه الخدمة. انقلوا هذا الفخر لشبابكم أيضاً. دعوا الجيل الشاب يشعر بالفخر لأنه يعيش في إيران الإسلامية. العدو يروم عكس هذا. يريد أن يفعل ما من شأنه إشعار جيلنا الشاب وغير الشاب بالعار. يضخّم نقاط ضعفنا - ولدينا يقيناً بعض نقاط الضعف كما لكل الشعوب والبلدان - عدة أضعاف ويبثها في إعلامه ويكررها مراراً. يكررون الكذبة إلى أن يصدِّقونها هم أنفسهم بعدما كانوا يعلمون أنها كذبة. هكذا يعمل الأعداء كي يسلبونا الشعور بالفخر. فاعملوا أنتم بالاتجاه المعاكس واشيعوا الشعور بالفخر في أنفسكم وفي شبابكم وفي هذا الجيل الصاعد المتوثب. هذه هي إمكاناتنا والحمد لله.وأمامنا أيضاً تحديات ومشكلات.. هذا أيضاً محور آخر أريد التطرق له. التحديات والمشكلات ليست واحدة أو اثنتين، إنها كثيرة، لكني أرى أن أهمها اثنتان: الأولى تشكيل جبهة متحدة ضدنا، والحلفاء في هذه الجبهة هم أمريكا والصهيونية. لا يذهب البال أبداً إلى وجود تحالف عالمي ضد الجمهورية الإسلامية، لا، الجبهة المتحالفة المركزية التي تعمل حالياً بكل قواها ضد النظام الإسلامي لها عضوان: نظام الولايات المتحدة الأمريكية، والكيان الصهيوني وأنصاره الصهاينة في كل العالم، وهيمنتهم وثروتهم ونفوذهم في العالم ليس بقليل. والسبب في عدائهم معلوم. كانت إيران ذات يوم بستاناً للأمريكيين يفعلون فيه ما يشاءون. زمام الشؤون الاقتصادية كان في أيديهم، وزمام الأمور الثقافية كان في أيديهم، وعمليات العزل والنصب المؤثرة المهمة كانت بأيديهم.. والواقع أن السلطة كانت بأيديهم. ينهبون، ويأكلون، وينتفعون. لكنهم خسروا هذا في الوقت الحاضر.بالإضافة إلى هذا وربما الأهم من هذا التحدي هو أن التحرك العظيم للشعب الإيراني أضحى منطلق عزيمة العالم الإسلامي. الصحوة الإسلامية تستغرق العالم الإسلامي اليوم من شرقه - من باكستان على الأقل - إلى شمال أفريقيا. الجماهير تطالب بالإسلام وتعلن ذلك، وهذا خطر كبير على أمريكا. وهم يصرحون بذلك ويقولون إن مصالحنا تُعرض للخطر. وهذا صحيح طبعاً فمصالحهم تُهدد، بيد أنها مصالح غير مشروعة، نعم، مصالحهم غير المشروعة والظالمة تهددها حركة الصحوة الإسلامية. إنهم يعارضون النظام الإسلامي بجد، والصهاينة وضعهم معلوم. يشعرون أن أنفاساً وروحاً جديداً دبَّ في مقاومة الشعب الفلسطيني المظلوم بظهور النظام الإسلامي. يتهمون الجمهورية الإسلامية أنها تقدم مساعدات تسليحية للشعب الفلسطيني. هذا كله كذب. الشعب الفلسطيني هو الذي ثار بنفسه. وهو طبعاً متأثر بالحركة الإسلامية. لذلك يعارض الصهاينة هذه النقطة المركزية بشدة. منذ بداية الثورة انطلقت هذه التحركات بأشكال شتى. تتذكرون جميعاً أنها بدأت من التحركات التي قامت بها السفارة الأمريكية لإسقاط النظام - ومن جملة تمظهرات ذلك التخطيط لمقدمات الانقلاب في معسكر الشهيد نوجه، وقد نشر الشباب المرابطون في السفارة يومذاك نحو مائة مجلد مهم جداً من الوثائق، وهي وثائق زماننا المهمة، لكنهم لا يسمحون أن تأخذ هذه الوثائق مكانتها الإعلامية المناسبة - وإلى الهجوم على طبس، ثم تشجيع العراق على الحرب، ثم مساعدة العراق في الحرب، وإلى الهجوم على طائرتنا المدنية، وعلى أرصفتنا النفطية، والحصار الاقتصادي لعدة مرات والذي صاغوه بشكل قانوني في أواسط عقد السبعينات(1).. القانون الذي عرف باسم داماتو.. هكذا ينبغي فهم عناد هؤلاء وبغضائهم وأحقادهم.كلما بدأت الجمهورية الإسلامية تحركاً يساعد على بناء البلد وعمرانه حالوا دونه إذا استطاعوا. طبعاً لم يستطيعوا ذلك في كثير من الأحيان بفضل من الله. في الحرب، حصلنا على كثير من الأسلحة وأشياء أخرى على الرغم من رغبتهم وإرادتهم، لكنهم مارسوا العرقلة والتخريب ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. من خطوط أنابيب النفط إلى الأعمال العديدة الأخرى. مثلاً في زمن الحكومة السابقة وقع اليابانيون عقد بناء سد على نهر كارون، لكنهم أفسدوا المشروع. البعض اكترث لهم والبعض لم يكترث وواصل عمله ومشاريعه. لقد تقدمنا ونهضنا بأعمالنا ومهماتنا. لكنهم لم يقصّروا أبداً في عدائهم وعنادهم وطبعاً سيستمر هذا المسلسل إلى أن ييأسوا. ينبغي أخذ هذه النقطة بنظر الاعتبار لا للخطة الرابعة والخامسة فقط، بل وللآفاق العامة وفي كل تحرك سياسي واقتصادي في البلاد. يتعين أن نصل إلى مرحلة يشعر معها العدو أنه عاجز.. يجب أن يشعر باليأس. عندئذ سينتهي العداء أو يقل. طالما كان في العدو أمل في أن يستطيع استئصال النظام الإسلامي فسوف يبذل مساعيه ويوجّه الضربات. يتوجب أن تنصبّ هممنا كلها على تعزيز البنية بحيث يشعر العدو أن كل سلاح يستعمله سيكون سلاحاً كليلاً ينتهي بضرره وكل رصاصة يطلقها ستعود إلى صدره.طبعاً منذ أن تولى ساسة الحرب والمحافظون الجدد في أمريكا - وهم فعلاً جماعة مثيرة للحروب تدور شؤونهم حول محور الحرب والهجوم العسكري - زمام الأمور اكتست التهديدات لهجة ولغة مختلفة. ماذا علينا أن نفعل قبال هذا التحدي؟ علينا مضاعفة قدراتنا وممارسة دفاعنا القانوني المشروع. هذا ما يحكم به المنطق وتؤيده جميع الشواهد والقرائن والأدلة السياسية والدبلوماسية. القوة الداخلية طبعاً لا تعني الشيء الذي يتوهمون هم - أي إنتاج السلاح الفلاني - وكما قال السيد رئيس الجمهورية فإن السلاح النووي لا ينفع شيئاً.أضف إلى ذلك أننا لا نوافق أسلحة الدمار الشامل بهذا الشكل منطقياً ومبدئياً. وفي زمن الحرب أيضاً منعنا الأسلحة الميكروبية والكيمياوية، وقد أعلنت ذلك حكومتنا في حينها، إذن للقوة الداخلية معنى آخر سأشير إليه فيما بعد. عليه، يجب أن نزيد من قدراتنا، وإلا فإن أي تراجع مقابل قوى المتكبرين المتغطرسين سيكون من جانب واحد ويشجعهم على التطاول والاعتداء أكثر. هذا ما جربناه طوال أعوام على شتى الأصعدة والميادين. حيثما شاهدوا تراجعاً تقدموا خطوة إلى الأمام، لم يشكروا ويقولوا إن هؤلاء أعطونا امتيازاً فلنعطهم امتيازاً نحن أيضاً. ليس لهذا الكلام معنى في مواجهة القوة. القوى المادية لا تفهم هذه اللغة. إذا شاهدت الجانب الآخر يتراجع خطوة واحدة أو أصيب بالذعر، سيشعرون أن عليهم مضاعفة الضغوط.الشيء الوحيد الذي بوسعه صيانة بلد إيران والنظام الإسلامي هو القوة والمتانة الداخلية والعزيمة الحاسمة على الدفاع المشروع والمنطقي. وقد تم هذا طوال الأعوام الخمسة والعشرين من دون الاعتماد على الآخرين. البعض يظن أننا إذا أردنا قول »لا« لأمريكا يجب علينا الاتكاء على أوربا. حينما كنا نواجه أمريكا في زمن الحرب، هل اعتمدنا على السوفيت وقد كانوا أعداءً ومعارضين لأمريكا؟ عداء السوفيت السابق لنا في فترة الحرب لم يكن عملياً بأقل من أمريكا. لو عملنا أنا وأنتم بشروط المتانة والقوة الداخلية - والشعب يعمل طبعاً - فلن يستطيع العدو توجيه ضربة.العدو يمارس الإيذاء طبعاً ويصعّب الطريق ويفرض علينا التكاليف، لكن بلوغ مرتبة العزة والتقدم العليا له تكاليفه طبعاً. تحقيق العزة والسمو له تكالفه. وللذلّة أيضاً تكاليفها. أليس للذلة تكاليفها؟ لاحظوا الآن أن الضابط الأمريكي يمسك يد الضابطة العراقية ويأخذها معه، لكن البعثي العراقي لا يجرأ على قول شيء! هل ذلّة أتعس من هذه؟ هم صاروا أذلاء ودعفوا تكاليف الذل. هذه هي مغبة الجيش الذي لا يواجه العدو. نعم، بلوغ العزة والرفعة والقوة له تكاليفه، ويجب دفعها؛ ينبغي العمل والتقدم إلى الأمام.ما أشعر به أنا هو أن الوعد الإلهي لنا كان صادقاً وحقيقياً لحد الآن ضمن حدود تجربتنا الشخصية القاصرة: » أنه من يتّق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين «.. حيثما التزمنا التقوى والصبر والصمود لم يضع الله تعالى أجورنا. ولكن حيثما هزمنا نفسياً تلقينا الضربات وارتبكت الأمور علينا. وكذا الحال اليوم أيضاً. قال الله تعالى لرسوله: »فاستقم كما أمرت «. الاستقامة معناها الثبات والإصرار على الخط المستقيم وعدم الانحراف عنه. هذا هو علاج مشكلات إيران وعلينا أنا وأنتم التنبه إلى هذه النقطة.وجه الغطرسة الأمريكية القبيح قد انكشف للعالم اليوم. وهذا ما سوف يساعدنا. حقوق الإنسان والديمقراطية وما إلى ذلك من كلام وشعارات بهتت في العالم اليوم. الأعمال التي مارسوها في العراق وأفغانستان والنوايا السيئة التي أبدوها فضحت وجههم الحقيقي. في لقاء الأسبوع الماضي بين رئيس وزراء الكيان الصهيوني ورئيس جمهورية أمريكا - كما جاء في الأنباء - أهدى رئيس جمهورية أمريكا خارطة إسرائيل الكبرى (من النيل إلى الفرات) لرئيس وزراء الكيان الصهيوني! ما معنى هذا الفعل؟ كيف يمكن للبلدان الإسلامية أن تحسن الظن بكلام هؤلاء؟ كيف يمكنهم أن ينظروا لأمريكا كحكم في قضية فلسطين؟ شعار » من النيل إلى الفرات « شعار عدواني عسفي غصبي باطل أنكره حتى الإسرائيليون أنفسهم في الفترة الأخيرة وقالوا إنه كذب. والآن يتظاهر ويصرح طلاب الحروب وساستها الأمريكيون بهذا الشعار! لقد انكشف وجههم في العالم الإسلامي. لنفترض أن رؤساء البلد الإسلامي أو العربي الفلاني لا يجرأون على قول شيء؛ غير أن الشعوب تفهم وتسمع. الشعوب هي من سيقف بوجه هؤلاء.أما الخطة الرابعة فهي في الطريق. وترتيب الأعمال كما كان في الخطة الثالثة. الحكومة اقترحت علينا الخطة، وقد رضينا بها وجرى العمل. الحكومة تقترح السياسات على القيادة في ضوء تغطية وعمل خبروي علمي. ليست السياسات قضايا طويلة الأمد؛ إنها لمدة خمسة أعوام. أحياناً تكتسب سياسة معينة الأولوية خلال فترة خماسية وبوسع الحكومة تخمين ذلك بحساباتها الدقيقة كي تقترحها بعد ذلك على القيادة، وتعطيها القيادة لمجمع تشخيص المصلحة كي يدرسها. حصل هذا في الخطة الثالثة، وسيحصل إن شاء الله في الخطة الرابعة. طبعاً لم تقترح الحكومة السياسات علينا بعد. وقد طلبنا أن لا يعلن أي شيء كأساس أو إطار للأجهزة والمؤسسات قبل تسليمنا السياسات لإعلانها، كي يتاح تنظيم الخطوة وتبويبها وتدوينها طبقاً للسياسات وبما ينسجم ودستور البلاد. وكما أشير فإن السياسات والخطة ينبغي أن تتوجه نحو أفق معين، وقد أشار السيد رئيس الجمهورية إلى ذلك وهي نقطة مهمة. في نهاية سنة 81 أوعزنا إلى مجمع تشخيص المصلحة كي يقترح أفق العشر سنوات والذي يشمل خطتين خمسيتين، كي ننظّم السياسات العامة طبقاً لهذا الأفق. هذا الأفق يحدد نظرتنا وتطلعاتنا للبلاد خلال الأعوام العشرة القادمة. طبعاً ليس بدقة لأن الحسابات والطوارئ قد تزيد أو تنقص، لكنه يحدد بنحو تقريبي أين سنكون خلال الأعوام العشرة القادمة. أي إنها نظرة متوسطة الأمد. مسؤولي البلاد من السلطات الثلاث أنتم حاضرون هنا، لذلك سأذكر معايير بخصوص هذا الأفق والسياسات العامة كي تبقى في الأذهان.الأمور التي نهتمّ بها على الصعيد السياسي هي الازدهار الاقتصادي وإيجاد فرص عمل، وخفض التضخم، والاكتفاء الذاتي في المحاصيل الزراعية الأساسية، أي الأمن الغذائي للبلاد. هذه قضايا جد مهمة وأساسية وعلينا خلال هذه الفترة تحقيق هذه الأهداف ضمن الحدود المعقولة. علينا جعل التضخم أحادياً. طبعاً التضخم مرتفع جداً في بعض البلدان التي ذكرت كما تدل الإحصاءات. هم حققوا تقدماً ونمواً لكن مستوى التضخم عالٍ جداً، بل ولا يطاق أصلاً، والمعيشة هناك صعبة جداً، ولا أريد هنا ذكر أسماء تلك البلاد.على الصعيد الاجتماعي، ينبغي أن ترتبط التنمية بالجماهير.. الجماهير يجب أن يكونوا محور التنمية. ولا شك أن العدالة أحد المعايير الرئيسية. البرمجة التي تتجاهل العدالة والتوزيع العادل للثروة في المجتمع لا يمكنها تأمين الأفق الذي نتغيّاه. وهي بالتالي ليست خطتنا المنشودة. ولأن الإخوة في منظمة الإدارة والخبراء ومخططي السياسات حاضرون هنا أقول هذا وأؤكد على مراعاة عنصر العدالة الاجتماعية والاقتصادية والتوزيع العادل للثروة. لا نقول يجب أن تكون دخول الجميع متساوية - فهذا مما لا نقاش فيه - ولكن لا يمكننا صرف النظر عن العدالة وهي من العناصر الأهم في نظام الجمهورية الإسلامية. إنه عنصر تنبغي مراعاته بالتأكيد.التغلب على الفقر وتوفير الأمن المدني والقضائي أيضاً قضية على جانب كبير من الأهمية ولابد من ملاحظتها. الحرية ينبغي أن تؤمّن في المجتمع بنحو منطقي صحيح.. تلك الحرية التي رفعت الثورة الإسلامية والنظام الإسلامي رأيتها في العالم الإسلامي، وليس الحرية بشكلها المفرط والببغاوي المصطنع. متى طرحت قضية الحرية في هذه المنطقة من العالم؟ الجمهورية الإسلامية هي التي رفعت راية الحرية في العالم الإسلامي. دوّت كلمات »الاستقلال« و»الحرية« في شعاراتها. طبعاً كثير من البلدان تدعي الحرية وترفع شعاراتها، بيد أن الحرية المدنية تنقض بشدة في بعض القطاعات والمفاصل. هكذا هو الحال في أوربا وفي الولايات المتحدة الأمريكية نفسها. الحرية في أمريكا يجب أن لا تصطدم بالمصالح الأساسية للرأسماليين وهم المخططون للنظام الأمريكي من خلف الكواليس. إذا نالت الحرية من مصالحهم وإن بشيء ضئيل فستقمع بشدة. ولا يبالون لأي شيء أو شخص في هذا السبيل. نحن نؤمن بالحرية، وإيماننا بالحرية وتأمين حقوق المواطنة في القضايا الاجتماعية له جذوره وأصوله الدينية.وفي الميدان الدبلوماسي نتطلع إلى الكفاءة والحركة الدؤوبة والموجهة والمشاركة الفاعلة في المعاهدات والمنظمات والخلايا الإقليمية والعالمية. وفي المجال العلمي لابد من تحقيق النهضة البرمجية وحركة إنتاج العلم التي نؤكد عليها منذ نحو ثلاثة أعوام. هذا ليس شعاراً. لقد تابعت هذه القضية وأوصيت جميع المراكز المعنية. لكنني لا أمارس عملاً تنفيذياً. الأجهزة التنفيذية هي التي يجب أن تنهض بالأعمال التنفيذية. وقد بدأ العمل والحمد لله ولكن يجب أن تصبح قضية إنتاج العلم قضية جادة. علينا إنتاج العلم في كافة الحقول سواء العلوم الطبيعية أو العلوم الإنسانية. كما يجب مد الجسور بين العلم والصناعة وهذا ما أكدت عليه مراراً. هذه كلها مهمات لها أدواتها وأساليبها التي يمكن إدراجها ضمن الخطة.وعلى الصعيد الثقافي ينبغي تعزيز الروح الإيمانية. ذكر السيد رئيس الجمهورية أفكاراً جيدة جداً تتعلق بالمجتمع الأخلاقي. منطقه صحيح وصائب تماماً. علينا تعزيز روح الإيمان وعنصر الإيثار والتضحية في أنفسنا بالدرجة الأولى ومن ثم لدى الجماهير. هذه أيضاً قضية يجب أن تلاحظ وتدرج ضمن البرامج والسياسات. قسم كبير من قدراتنا الوطنية يعود إلى روح الإيثار هذه والتي ظهرت في الحرب على شكل روح استشهادية. وفي الساحة التي نواجهها اليوم - وهي بلا شك أعقد وأصعب من ساحة الحرب - ينبغي طرح قوة الإيثار والتضحية التي بوسعها أن تغير كل المعادلات. إذا استطعنا تعزيز هذا الشيء في أنفسنا فسوف تتغير كافة معادلات القوى في العالم لصالحنا.ومن المهم أيضاً إيضاح المرتكزات القيمية وتعزيز الدستور. الدستور يشبه أعمدة البناء وأسسه. إذا أردنا تشييد عمارة كبيرة مرتفعة فلابد لها من أسس وأعمدة يمكنها منح العمارة شكلها العام. وما هذه الأسس والأعمدة سوى دستور البلاد. القوانين العادية هي الأعمال التي تنجز داخل البناء، تقسيمات الغرف، وبناء الجدران وتزيينها. القيم بمثابة المواد الإنشائية في البناية. كل الأعمدة التي تشيد وكل الأعمال التي تنجز في هذه البناية - سواء في مجال الدستور أو مجال القوانين العادية - موادها الإنشائية هي قيمنا. أي إنها تتكون من قيمنا. لدينا هذا الدستور وهذا الإطار المتين. وقد بذلت جهود كبيرة طوال هذه الأعوام الأربعة والعشرين أو الخمسة والعشرين لأجل تزيين وتجميل هذا البناء الرفيع الفخم من الداخل. بوسعنا عرض بناء متين جميل على العالم. وتنصب كل مساعي العدو على أن لا يعرض هذا النموذج. لذلك يهاجم الأعمدة والأسس كي يهدّها. القوانين العادية مرنة بطبيعة الحال. ليس من العقل والتدبير ضعضعة الأسس من أجل تغيير القوانين العادية وعصرنتها. الأعمدة لا تهدم أبداً من أجل تغيير الديكور. لا أحد ينسف الأساس لتغيير التقسيمات والغرف. ينبغي الحفاظ على الأساس قوياً فقد تم وضعه وإرساؤه بشكل جيد.لاحظوا أن بعض الحكومات في العالم التي قد تعترض أحياناً على الجمهورية الإسلامية تتمسك بقوة بدستورها الذي يعود لمائتي أو ثلثمائة سنة. يصرّون على قيم قديمة ترجع لمائتي أو ثلثمائة سنة بل وأكثر ويتمسكون بها بكل قوة ولا يسمحون بالنيل منها. لاحظتم الرسالة التي كتبها العام الماضي عدد ممن يسمون مثقفي أمريكا لتبرير النـزعة الحربية لرئيس جمهورية أمريكا وعصابته، لاحظتم أنهم شددوا على القيم الأمريكية. إنها قيم » جورج واشنطن « التي مضى عليها مائتا عام. أضحت القيم الأمريكية بالنسبة لهم مبدأً يطرح على أساسه حتى شن الحروب واستخدام القنبلة الذرية. هدّد بوش في تلك الأيام بأنه سيقصف عدة بلدان بالقنابل النووية! هذا العمل يسوّغ ويعتبر جائزاً. هكذا يشددون على قيمهم. ولكن حين يأتي الدور لنا ولدستورنا وقيمنا نصبح أصوليين بمعنى المتحجرين! الأصولية الأمريكية إيجابية، أما الأصولية الإسلامية المرتكزة إلى المنطق والعقل والدليل والتجربة والشوق للحرية والاستقلال لدى الشعب فهي شيء مدان وسباب وشتيمة: الأصوليون! طبعاً غيّروا كلمة »الأصوليين« منذ فترة وراحوا يقولون » محافظين «، غافلين عن أن التيارات المختلفة في بلادنا كلها أصولية. طبعاً قد يكون ثمة عدد من المتطرفين هنا وهناك، لكن جل العناصر الناشطة في أجهزة بلادنا هم أصوليون يؤمنون بهذا المبدأ. هذه المبادئ ينبغي أن تلاحظ وتراعى تماماً في هذه الآفاق. لقد وصلنا طوراً نستطيع فيه بل يجب أن نصون هذا البناء على هذه الأسس ونتقدم للأمام.الجزء الأساسي من المهمة سيقع على عاتق الخطة الرابعة. وثمة أمور إلى جانب الخطة الرابعة. طبعاً البرنامج نفسه مهم لأن الهدف مهم، والأفق مهم، بيد أن الطريق أيضاً مهم. لا يمكن القول إننا يجب أن نصل للهدف عن أي طريق أمكن، لا، ينبغي اختيار الطريق أيضاً. هناك بعض الطرق لو سلكناها - على حد تعبير أحد الأصدقاء - لواجهنا مفارز لا يتركوننا نمر عبرها إلا بعد أن ينـزعوا سلاحنا. يجب أن لا نستسلم لنـزع سلاحنا. نسلك الطريق الذي لا ينزعون فيه أسلحتنا الحقيقية. لنختار الطريق بصورة صحيحة.طبعاً للخطة خصوصياتها. ينبغي أن تتطابق مع الخصائص الجغرافية، والتاريخية، والثقافية للبلاد. لا يمكن تقليد خطط البلدان الأخرى.. ليست الخطة شيئاً تقليدياً. من الخطأ القول إن البلد الفلاني حقّق التنمية عن هذا الطريق إذن لنسير نحن أيضاً في هذا الطريق. ينبغي حساب إمكانات البلد وأمواله وقدراته وأرضياته المساعدة ليتم اختيار الطريق. لا تكن الخطة اقتصادية محضة، بل ينبغي ملاحظة الشؤون الثقافية، والأمنية، والمعنوية، والأخلاقية فيها أيضاً. لا يتركز العمل على النمو الاقتصادي، بل يجب ان يتموضع داخل إطار السياسات العامة المذكورة.كما يتوجب في الخطة مراعاة عدم الذوبان في الاقتصاد العالمي.. دققوا في هذه المسألة.. لقد كررت هذا مرتين أو ثلاثاً: الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية ساحة مترامية للنشاط، ولكن يجب أن تكون لدينا القدرة على السباحة في هذا البحر. قلت حينها إن هذه الخطوة تشبه إيفاد فريق كرة قدم إلى مسابقات كأس العالم من دون أن يكون لاعبوه قد تدربوا أبداً. ستكون النتيجة أن نتلقّى عشرين هدفاً و نعود! ينبغي أن نرفع من استعدادنا وجاهزيتنا ولا نتسرع. ربما بعد خمسة أعوام أو عشرة أعوام، لن يكون الوقت قد فات. ينبغي أولاً تقوية الأسس الاقتصادية لنكون مطمئني البال وندخل الساحة بإرادتنا ومن دون قلق. توصية الذوبان في الاقتصاد العالمي اليوم بمثابة سم قاتل لاقتصادنا الوطني المستقل.وثمة أمور أخرى إلى جانب الخطة. يجب أن لا نفقد ثقتنا الوطنية بالذات. قال الإمام »نحن قادرون « وهذه عبارة جد مهمة وذات معنى. يجب أن نؤمن بأننا قادرون. استطعتم العمل رغم كل هذه العداوات. حتى لو لم تستطيعوا فعل أي شيء إيجابي واستطعتم البقاء وعدم الانكسار فقط، لكان ذلك ميزة مهمة لكم. أنجزت كل هذه الأعمال الإيجابية القيمة، وفي هذا دليل على أنكم قادرون ونحن قادرون. لو أردنا عرض نماذج هذه القدرة والاستطاعة لكانت كثيرة جداً. هم منـزعجون من استطاعتنا هذه. قالوا صراحةً إننا لا نستطيع مشاهدة الجمهورية الإسلامية تتوصل للتقنية النووية الراقية وما إلى ذلك من إنجازات. وفي المجالات المختلفة، في المجال الزراعي وغيره أيضاً تم للحق إنجاز مشاريع جيدة جداً في البلاد. إذن، نستطيع الحفاظ على هذه الثقة بالذات.ويجب كذلك الحفاظ على الوحدة. أرجو الاهتمام بقضية الحفاظ على الوحدة والاتحاد والتعاطف. هذا أحد المبادئ. المعني بهذا الكلام طبعاً ليس الشعب فالشعب متحد ولا اختلاف بين صفوفه، إنما المعني هم النخبة ورجال السياسة من شتى التيارات. لا يصطفوا بوجه بعضهم بذرائع مختلفة ولاختلافات صغيرة، ولا يثيروا الضجيج ضد بعضهم بتبريرات واهية. قال أحد الأصدقاء الظرفاء إن قضية الأصدقاء وغير الأصدقاء التي طرحتها يوافقها الجميع، لكن البعض خلطوا بين الأصدقاء وغير الأصدقاء! ليكن أصدقاؤكم من يشعرون بالمسؤولية للنظام والثورة والإسلام. وغير الأصدقاء هم من يعارضون أساس النظام.الإبداع والعمل الدؤوب أيضاً من الأمور التي نحتاجها. والسيطرة على النفس أيضاً أمر مهم. تعلمون ماذا حدث في معركة أحد. اقترب المسلمون من النصر، ثم تحول هذا النصر إلى هزيمة واندحار بسبب أن جماعة لم تستطع السيطرة على نفسها. تقول الآية القرآنية: » إن الذين تولّوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا« . الذين لم يستطيعوا السيطرة على أنفسهم في معركة أحد وزلت أقدامهم إنما فعل ذلك بهم الشيطان بسبب بعض الأعمال التي أنزلوها بأنفسهم. هم خلقوا لأنفسهم مشكلة معينة.. هذا هو عدم ضبط النفس. علينا أن نضبط أنفسنا. في المسؤوليات التي أنيطت بنا يجب أن لا نركن إلى الملذات والشهوات وكنـز الثروة. فترتنا فترة مهمة.. إنها فترة جد حساسة وخطيرة في التاريخ. اعلموا أننا جميعاً سنبقى تحت مجهر تقييم الشعب لمئات الأعوام القادمة. سيصدرون الأحكام عن أعمالنا وسلوكنا. إذا أخطأنا وزللنا وجنحنا إلى اللذة والراحة والشهوات الدنيوية - وهذا سيكلِّف الثورة غالياً - فسيسجل هذا كله في أضابيرنا. وحالنا معلوم أمام الله تعالى وقد ذكرت كم سيكون موقفنا صعباً.المسألة التالية هي تقديم الخدمة للجماهير.. الخدمة المنطقية. إنما جئنا لتقديم الخدمة. فلسفة وجودنا هي تقديم الخدمة للناس. جاء في الروايات أن الوالي والحاكم الإسلامي - الحاكم في كل المستويات .. وزير، محافظ، وأعلى أو أدنى من ذلك.. الكل مشمولون بهذه العبارة - يجب أن يكون عطوفاً مع الناس كالأب مع أبنائه. إذا أبلغوكم أن ابنكم يعاني من المرض، من البرد، أو الحر، أو الجوع، أو الذل، أو الإهانة، أو الغربة، فما سيكون حالكم؟ هل تطيقون ذلك؟ ينبغي أن يكون هذا هو شعوركم تجاه كل من يعاني مثل هذا على مستوى البلاد ضمن حدود علمكم واطلاعكم. يجب أن لا يقر لكم قرار. هذا معنى نهضة تقديم الخدمة. يجب أن نجعل هذه الخدمة محسوسة لدى الناس. المشاريع الكبرى التي أنجزت يجب أن نسحبها على حياة الجماهير كي يشعروا بلذتها وطيبها. والانضباط المالي ومكافحة الفساد أيضاً من الأمور الضرورية.والنقطة الأخيرة أذكرها بعد أن أعتذر للأصدقاء عن تأخيري لهم ساعةً، وهي نقطة تتعلق بالانتخابات. انتخابات المجلس السابع على الأبواب. يحدث عادة ضجيج قبل الانتخابات، غالباً ما يكون ذا طابع إعلامي. أرجو من السلطات الثلاث - نواب المجلس، والمسؤولين في الحكومة، والمسؤولين في السلطة القضائية - أن يحاولوا الحفاظ على توازن المناخ السياسي في البلاد حتى يعيش الشعب موسم الانتخابات ضمن أجواء متعادلة متوازنة. الجماهير راغبة في الانتخابات، لكن ما ينفرّهم هو بعض المشاهد غير المحببة التي تقع على مستوياتنا ويرونها. ينبغي أن يكون المناخ متوازناً منطقياً وعقلانياً. لا إشكال في الحوار النقدي. غير أن الحوار يختلف عن الصخب والضجيج. الحوار في الديمقراطية الدينية يختلف عن العربدة والعنف في بعض الديمقراطيات. هنا يتحاورون. وعلى حد تعبير الإمام كالمباحثة لدى طلبة الحوزات. ليتباحثوا في المجلس والأروقة الأخرى. بل ليتشاجروا حول بعض القضايا، ولكن لا يحقدوا على بعضهم. ليأتوا بعد ذلك ويجلسوا إلى جانب بعضهم ويتحدثوا. لا يسمحوا للاختلاف أن يتحول إلى نزاع. هذا النـزاع يؤدي إلى الفشل وضعف القوى. الكذب، والإهانة، وتوجيه التهم لمؤسسات الطرف الآخر، وبث الإشاعات، والافتراء على المنافسين، واستفزاز العصبيات، هذه كلها لا تنسجم مع الانتخابات الإسلامية. هذا خطاب لكل التيارات وليس لأشخاص أو تيار دون غيره. هذا واجبنا جميعاً. جميع التيارات يجب أن تراعي هذه الأمور. وعلى الجميع التحرك ضمن إطار القانون. لا المجلس، ولا مجلس صيانة الدستور، ولا مجمع تشخيص المصلحة، ولا رئيس الجمهورية، ولا القيادة، لا يحق لأي أحد تخطي إطار القانون. يجب أن يعملوا بما منحهم القانون من صلاحيات. العدو تراوده الوساوس إذا اختلفنا فيما بيننا، كما حدث في سنة 59. في سنة 59 أطمع العدو فينا وجود تياران داخل النظام أطلقهما رئيس الجمهورية الهارب المطرود في حينه. قال حصل اختلاف بينهم وهاهم يتقاتلون.. طمع العدو وهجم علينا. وقد نال العدو جزاءه طبعاً ولكن وقعت إلى جانب ذلك خسائر وانقضت ثمانية أعوام من أوقاتنا في الحرب. لا تسمحوا للعدو أن يطمع ويهجم بدافع الاختلافات التي قد تكون أحياناً مصطنعة وغير حقيقية.اللهم اجعل ما قلناه وما سمعناه لك وفي سبيلك. أجعلنا واجعلني أنا العبد الضعيف خصوصاً مصغياً ومتقبّلاً للنصائح التي جرت على لساني. اللهم بحق محمد وآل محمد زد من عزة الإسلام والمسلمين يوماً بعد يوم وضاعف من رفعة البلد وعمرانه وقدرته. اللهم بحق محمد وآل محمد افتح أمامنا طريق النمو والهداية وأهدنا نحو قمم الكمال المعروفة في النظام الإسلامي وأعنّا على السير نحوها. ربنا أرضِ عنا القلب المقدس لإمامنا المهدي أرواحنا فداه. واجعل أعمالنا مرضيةً عندك وأجعل غدنا دائماً أفضل من أمسنا.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

100 يوم من الطوفان