الخطبة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، نحمده و نستعينه و نؤمن به و نتوكل عليه و نستغفره و نصلّي و نسلّم على حبيبه و نجيبه و خيرته في خلقه و حافظ سره و مبلّغ رسالاته سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيما بقية الله في الأرضين، و صلِّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين. أوصيكم و نفسي بتقوى الله.
أوصي جميع الإخوة و الأخوات المصلين و نفسي بمراعاة التقوى و مراقبة سلوك الذات و أقوالها و حتى ظنونها و خواطرها. شهر رمضان شهر التزود من التقوى. لنطلب العون من الله تعالى فنستطيع التزود في هذا الشهر بزاد قيّم من التقوى لسنتنا و لكل عمرنا.
أقرأ في الخطبة الأولى عبارة للإمام أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام من ضمن وصيته لأولاده و ذويه، و كما كتب هو فيها حسب ما جاء في نهج البلاغة (1) فإن المخاطب بهذه الوصية هم جميع من تصلهم هذه الرسالة و الوصية. أي إننا أيضاً معنيّون بكلمات أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام. إنها الوصية المعروفة التي يقول فيها بعد سطر أو سطرين: » أوصيكما و جميع ولدي و أهلي و من بلغه كتابي بتقوى الله و نظم أمركم و صلاح ذات بينكم «. (2) هناك قرابة عشرين نقطة في هذه الوصية. من البديهي أن تشتمل وصية إنسان كبير، خصوصاً حين يكتبها في الساعات الأخيرة من عمره، على أهم الأفكار و أشدها حساسية في رأيه. كتب الإمام علي عليه الصلاة و السلام هذه الوصية بعد ضربة ابن ملجم.. » لما ضربه ابن ملجم «. (3) النقاط المهمة المذكورة في هذه الوصية تصل إلى نحو عشرين نقطة حول حب الدنيا، و القرآن، و الحج، و الجهاد، و الأيتام، و الجار، و ... . اخترت نقطتين من هذه النقاط العشرين لأذكرها اليوم .. إحداهما » نظم أمركم «، و الثانية » صلاح ذات بينكم «. أي بث الألفة بين الإخوة. من هنا يمكن أن نفهم أن هاتين المسألتين من المسائل المهمة جداً عند الإمام علي بن أبي طالب عليه الصلاة و السلام.
النظم من الموضوعات التي إذا تعمق الإنسان في معناها و مفهومها و استخدامها في حياته لأدرك أهميتها أكثر. النظم معناه وضع كل شيء في موضعه. العالم المحيط بنا و الممتد بامتداد الأرض و السماء هو منظومة لها قوانينها. القانون و النظم يسودان جميع الحركات و الأحداث في العالم و كافة الحركات الدنيوية المحسوسة و المنظورة في العالم حوالينا. و الإنسان أحد أجزاء هذا العالم الخاضع للنظم. الحياة الطبيعية للإنسان لها أيضاً نظمها. دوران الدم، و ضربان القلب، و شهقات الرئة، و سائر الحركات و الأفعال و الانفعالات في جسم الإنسان تتبع جميعها نظماً معيناً. إذا كانت أعمال الإنسان و سلوكياته تابعة لنظم معين فسيضمن ذلك التناسق بينه و بين العالم حواليه. النظم يتيح للإنسان فرصة استخدام كل شيء بالنحو المناسب، و لا يترك شيئاً عاطلاً. إذا وقع عدم النظم في جسم الإنسان فسيكون ذلك حالة مرضية. و مثل هذا بالضبط ينطبق على سلوك الإنسان سواء في الحياة الفردية أو التصرفات الاجتماعية.. إذن، النظم حالة مهمة.
طبعاً مساحة النظم واسعة. قضية النظم مطروحة ابتداءً من الحياة الخاصة للإنسان و داخل الغرفة التي يعيش أو يعمل فيها - غرفة منظمة، غرفة غير منظمة - و حتى سلوكه الفردي، أو في بيئة عمله، و دراسته، و إلى أجوائه الاجتماعية، و بنية المجتمع، أي تلك البنية النابعة من نظم خاص يتبع فلسفة معينة. كل هذه الأمور داخلة في عبارة » و نظم أمركم « التي ذكرها أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام في وصيته.
و قد ذكر التقوى قبل أن يذكر النظم. كما ذكر التقوى في أول وصيته أيضاً .. » أوصيكما بتقوى الله و أن لا تبغيا الدنيا و إن بغتكما « (4) .. و بعد نحو سطرين يعود و يقول: » أوصيكما و جميع ولدي و أهلي و من بلغه كتابي بتقوى الله و نظم أمركم« (5) .. فنراه يعيد ذكر التقوى. ربما كان في هذا إشارة إلى أن النظام المحبذ في الحياة الفردية و الاجتماعية للإنسان هو ذلك النابع من معين التقوى و المصحوب بالتقوى و المتسق معها. إذن، هذه فرصة عامة لنا جميعاً كي نراعي النظام و البرمجة في حياتنا الشخصية و العائلية و في شؤون دراستنا و إدارتنا و مشاغلنا في المجتمع. هذه هي حالات النظام الفردية غالباً. و لكن يجب مراعاة النظم على مستوى المجتمع أيضاً. كل شخص أينما كان ليعتبر نفسه مكلفاً بمراعاة النظم الاجتماعي. هذا أدب عام لنا على مستوى المجتمع. و الجميع مشتركون من هذه الناحية.
مراعاة القوانين، و الأخوة، و المروءة، و عدم الطمع و الاستزادة، و عدم التعدي على حقوق الآخرين، و مراعاة الوقت - وقت الإنسان نفسه أو وقت الآخرين - و ضوابط المرور و النقل، و الشؤون المالية و التجارية و ما إلى ذلك.. كل هذه من مصاديق النظم. و مصداق مهم للنظم وجود تناسق بين أدائنا في المجتمع و أفكارنا و عقائدنا و شعاراتنا. من مصاديق عدم النظم الخطيرة أن تكون المرتكزات الفكرية و العقيدية و القناعات التي يؤمن بها المجتمع شيء، بينما السلوكيات التي يجب أن تتشكل على أساس هذه القواعد و القناعات و تصوغ شكل السلوك الاجتماعي العام شيء آخر لا يتطابق مع تلك القناعات و الأفكار و الركائز. هذا يبعث على نمط من التلوّن و النفاق العام، و هو خطير جداً.
التحدث باسم الإسلام و تكرار كلمة الإسلام، و عدم الإيمان إطلاقاً بركائز الإسلام على مستوى التصرف العملي.. طرح عنوان حقوق الإنسان كقاعدة أو ركيزة فكرية، و عدم مراعاة حقوق الإنسان عملياً على الإطلاق .. و هذه للأسف من الويلات الكبرى التي ابتلي بها المجتمع البشري اليوم على المستوى الدولي. أو رفع شعار الحرية، و عدم مراعاة حرية الآخرين عملياً.. التحدث عن القانون و عدم الالتزام به عملياً.. هذه من الصفات السيئة جداً و من المصاديق البارزة و الخطيرة لانعدام النظم. طبعاً المسؤولون عن تشريع المقررات و القوانين أو تنفيذها يجب عليهم مراعاتها أكثر، و على جميع أبناء الشعب التنبه لهذه النقطة في سلوكهم العام.
النقطة الثانية » صلاح ذات البين « .. صلاح ذات البين الذي يذكره الإمام أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام في وصيته المهمة ليس مجرد الألفة و الاتحاد الظاهري حيث تعقد جماعتان أو فئتان عقداً معيناً حول شيء و تشكلان ائتلافاً ظاهرياً.. ففوق هذا هناك ألفة القلوب فيما بين الأفراد، و إيجابية الأذهان و الأفكار بخصوص البعض، و عدم وقوع أي تطاول أو إيذاء من قبل شخص أو طرف على الطرف الآخر.
بعد أن يذكر » و صلاح ذات بينكم « في هذه العبارة يستشهد بكلام الرسول الأكرم فيقول » فإني سمعت جدكما صلّى الله عليه و آله و سلّم يقول صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة و الصيام « أي إن فضيلة إصلاح ذات البين - تقريب القلوب و الأذهان و جعلها إيجابية نقية تجاه بعضها - أكبر من أية صلاة أو صيام. إذا صلّى الإنسان صلاة مستحبة أو صام صياماً مستحباً أو عمل على إصلاح ذات البين، لكان فعله الأخير أفضل. هذا أيضاً من الأمور التي نحتاجها اليوم أمس الحاجة.
من الشؤون التي تابعها أعداء الشعب الإيراني منذ بداية الثورة و إلى الآن بكل جد، هو بث البغضاء بين فئات المجتمع.. سواء الفئات السياسية، أو الفئات الدينية و المذهبية، أو سائر الشرائح الأخرى. تابع الاستعمار، و لا سيما الاستعمار البريطاني - يوم كان مهيمناً على كافة مناطق الشرق الأوسط و بلادنا و البلدان الأخرى - هذه السياسة، ثم تعلّمها الآخرون منه. الأمريكيون أيضاً يمارسون هذه العملية. و أعداء الشعب الإيراني أيضاً يضعون هذه المسألة في أجندتهم ضد بلادنا.. تكدير القلوب من بعضها و بث البغضاء و التباعد بين الشرائح.
في بداية الثورة و بفضل هتاف الإصلاح الذي رفعه الإمام و الحركة الإصلاحية للثورة تقاربت القلوب و الشرائح من بعضها. منذ سنوات لم تعد هناك الشروخ و الفواصل التي باعدت بين شرائح المجتمع قبل الثورة .. بين رجال الدين و طلبة الجامعات.. بين العسكريين و غير العسكريين.. بين المستنيرين و التجار و الكسبة كانت هناك فواصل تقليدية تم العمل لأجلها سنوات طويلة لكنها ترممت بعد الثورة، فزالت أو قلت. و اليوم يريدون إعادة هذه الفواصل مرة أخرى، و يحاولون تكريس الشروخ المذهبية و إكراه الطوائف الدينية على التظاهر بمعاداة بعضها، و كل ذلك من أجل زرع الفرقة و التباعد. التصدعات التي تحدث في كيان الشعب المتلاحم تفتح الطريق للعدو الذي يستطيع من خلالها التغلغل إلى داخل المجتمع و البلاد و متابعة سياساته. على الجميع أن يدققوا كثيراً.
تلاحظون أن الإعلام العالمي يشدّد حالياً على عدة أمور: الأول هو توزيع مجموعة المتصدين و خدمة النظام و مدراء الجمهورية الإسلامية إلى فئتين، و إطلاق اسم على كل فئة. طبعاً، البعض في داخل البلاد يكررون كلامهم عن سذاجة. و الواقع أن هذا الكلام ليس كلام هؤلاء بل كلام أولئك. حينما يقسّم العدو الخارجي مسؤولي النظام إلى فئتين سيعلن أنه يؤيد هذه الفئة و يعارض تلك الفئة. فئة اسمها الإصلاحيون، و فئة اسمها المحافظون.. هذا فخ العدو، و على الجميع الحذر من الوقوع في فخ العدو. يقول لنا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام: » صلاح ذات بينكم « .. طهّروا القلوب تجاه بعضها و قربوها من بعضها.. لا تنظروا لاختلاف الأذواق على أنه عداوة. اختلاف الآراء و السلائق و حتى اختلاف القناعات السياسية و الدينية و غيرها طالما لم يكن لها صلة بالركائز العملية للنظام، يمكن أن لا تؤدي إلى العداء و الانفصال و الخصومة.
وقف الإمام أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام حياته - الحياة التي تساوي كل ساعة منها أعماراً بأكملها - لهداية المجتمع في زمانه و هداية و بناء المجتمع الإسلامي و المجتمع الإنساني على امتداد التاريخ. شعبنا شعب علوي لحسن الحظ و يؤمن بأمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام و يودّه و يعشقه. و من لوازم هذه المحبة أن يحمل كلمات هذا الإنسان العظيم في باله و أذنه دوماً. يجب أن لا نعتبر هذه الكلمات مجرد توصيات باهتة جافة. إنما ينبغي أن نضعها نصب أعيننا للعمل و اتخاذ القرارات. لقد جاهد الإمام علي في هذا السبيل و استشهد في هذا السبيل. » قُتل في محراب عبادته لشدة عدله « (6).. عدله هو الذي تسبب في قتله. التزامه الحقيقي و الصادق و الصميمي بالعدالة، و المبدأ الأصيل الذي تابعه عليه السلام طوال كل فترة حكومته أدى إلى تعريض نفسه لهذا التهديد و سفك دمه المبارك في محراب العبادة. نخاطب الإمام الحسين عليه الصلاة و السلام في زيارة عاشوراء: » السلام عليك يا ثار الله و ابن ثاره «. أي إن الله تعالى هو الذي يطالب بدم أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام كما يطالب بدم أبا عبد الله الحسين عليه السلام.. لأن هذا الدم أيضاً أريق على الأرض في سبيل إحقاق الحق و إحياء العدالة. علينا جميعاً و احتراماً لهذا الدم الطاهر و تلك الشخصية العظيمة المقدسة و الولي الإلهي الأعظم مراعاة توصياته و نصائحه التي خاطبنا بها في أعمالنا.
ربنا، اجعلنا من الأتباع الحقيقيين لأمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام. ربنا، أحينا بمحبته و ولايته، و أمتنا على محبته و ولايته، و ثبّت أقدامنا على الطريق الذي سار فيه.
بسم الله الرحمن الرحيم
و العصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق تواصوا بالصبر. (7)

الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين، سيما عليّ أمير المؤمنين، و الصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين، و الحسن و الحسين سيدي شباب أهل الجنة، و عليّ بن الحسين زين العابدين، و محمد بن عليّ، و جعفر بن محمد، و موسى بن جعفر، و عليّ بن موسى، و محمد بن عليّ، و عليّ بن محمد، و الحسن بن عليّ، و الخلف القائم المهدي، حججك على عبادك، و أمنائك في بلادك، و صلِّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين .. أوصيكم عباد الله و نفسي بتقوى الله.
أوصي جميع الإخوة و الأخوات الأعزاء المصلين مرة أخرى بمراعاة التقوى و مراقبة سلوكهم، و أقوالهم، و ظنونهم، و أفعالهم في كل الأحوال.
الشيء الذي يجب أن يطرح في هذه الخطبة هو نظرة لتحولات العالم الإسلامي و القضايا المهمة التي يواجهها المسلمون اليوم، مضافاً لإشارة مقتضبة لقضايانا في داخل البلاد و هي طبعاً ليست عديمة الصلة بالقضايا العالمية. ما يلوح واضحاً في العالم الإسلامي اليوم هو الأسلوب العدائي و الاصطفاف العنيف لمراكز القوى الاستكبارية، و الأمريكية خصوصاً حيال مسلمي العالم. طبعاً، يحاولون أحياناً القول بأساليب سطحية إننا لا مشكلة لدينا مع المسلمين.. لكن هذه الأساليب لا طائل من ورائها، فقد أثبتوا قولاً و عملاً، و خصوصاً في السنة أو السنتين الأخيرتين، أن في قلوبهم أحقاداً عميقة ضد المسلمين و المجتمعات الإسلامية. ربما لا يمكن أن نجد اليوم بلداً واحداً من البلدان الإسلامية سَلِم من دسّ أمريكا و القوى الاستكبارية و مؤامراتها. البلدان العربية، و حتى تلك التي تجمعها مع أمريكا سوابق صداقة تقليدية، تتعرض اليوم للضغط و الإيذاء بأشكال مختلفة.
ما يلوح من تصريحات المسؤولين الأمريكان التي يدلون بها في خطبهم و حواراتهم هنا و هناك أن هدفهم التخلص تماماً من وجود مزاحم اسمه الإسلام و الفكر الإسلامي و المحفزات الإسلامية في منطقة يقع فيها العالم الإسلامي و تعد فريدة و مميزة جداً من الناحية العسكرية و الموقع الجغرافي و كذلك من حيث المصادر الطبيعية و لا سيما النفط، و الاستيلاء عليها مائة بالمائة. هذه الطروحات ليست تحليلاً. طبعاً، كنا نطرح هذه الأفكار في يوم من الأيام على أنها تحليلات و نقول إنهم يعارضون الإسلام.. أما اليوم فتحولت هذه الأفكار إلى أخبار لما هو موجود و يقع على أرض الواقع و يعترفون هم به.
السبب الحقيقي لهذا العداء هو أن القوة الاستكبارية الأمريكية تروم اليوم و بحرص و طمع متزايد أن تزيد من هيمنتها و نفوذها؛ و كما قلنا فإن منطقة الخليج الفارسي - على نحو الخصوص - و منطقة الشرق الأوسط، و معظم المناطق الإسلامية تقريباً، بل و كل المناطق الإسلامية بمعنى من المعاني من المساحات التي لو استطاعات القوة الأمريكية المستكبرة إخضاعها لنفوذها فلن يكون لديها متاعب من حيث النفط و الغاز - و هما في الواقع الشريان الحيوي للعالم الصناعي الحالي - و من حيث الموقع السياسي و الجغرافي.
دعاوى حقوق الإنسان و نشر الديمقراطية و الحرية في العالم و الكلام الذي يطلقه الساسة الأمريكان في خطاباتهم الرسمية لا يصدقها أحد في العالم. هذه شعارات لم يكن لها من التأثير إلا القليل. شعار مناصرة حقوق الإنسان، أو شعار نشر الديمقراطية في العالم و الشعارات الأخرى التي يكررها رئيس جمهورية أمريكا و سواه في كلماتهم مما لا يمكن للرأي العام تصديقه. لقد تعاونوا مع الدكتاتوريات السفاحة و ساعدوها من أجل تأمين مصالحهم إلى درجة أن كلام أمريكا هذا لم يعد اليوم مقبولاً في العالم من قبل أحد.. ليس من قبلنا نحن فقط فالشعب الإيراني يعلم هذا منذ سنين طويلة. بل إن طمع أمريكا و توسعيتها أدت إلى وقوف حتى البلدان الأوربية بوجه أمريكا في بعض القضايا، فقد تنبهوا هم أيضاً لهذا الهدف و راحوا يشعرون بالخطر.
في قضية العراق التي سأتحدث عنها لاحقاً باختصار، أراد الأمريكان إشعال حرب دامية فادحة الخسائر في هذه المنطقة دون قيد أو شرط. و هم لم يتخلوا عن هذه الفكرة لحد الآن، لكنهم لم يستطيعوا الدخول بزمام منفلت و العمل كما أرداوا و قصدوا في بداية مشروعهم. كان هدفهم الهجوم على العراق و خلق واقع دموي لشعب العراق مهما كلف الثمن و الاستيلاء على مصادر النفط فيه بهذه الذريعة. أرادوا أولاً استعادة التكاليف التي سيقدمونها في هجومهم هذا من نفط العراق - بمعنى أنهم يفرضون الحرب، و يرتكبون المجازر و المذابح، ثم يستلمون أجور ذلك من الشعب العراقي - ثم يسيطرون على نفط العراق و يقبضون على مفاتيحه. الأهداف الأمريكية استعمارية، و استكبارية، و توسعية، و ناقضة لحقوق الإنسان و حقوق الشعوب تماماً. الأوربيون متفطنون لهذا المعنى و قد منعوا أمريكا لفترة قصيرة حالياً بالأساليب التي كان بوسعهم استخدامها في منظمة الأمم المتحدة و غيرها. إذن، العامل و السبب الرئيس للتحرك القائم اليوم ضد الإسلام في منطقتنا هو أنهم يعادون الإسلام و يخافونه.. يشعرون أنه مع وجود الفكر الإسلامي لن يعود ممكناً ذلك التسلط الفرعوني المستبد الذي يريدون فرضه على هذه المناطق و أمتصاص ثرواتها المادية و المعنوية و القضاء عليها. لذلك يشعرون أن الإسلام هو معارضهم الحقيقي فيعادونه و يحاربونه.
و هذا هو السبب الرئيس لعدائهم بلدلنا و شعبنا. حين تلاحظون أن الأمريكان لم يتركوا أبداً معاداة شعب و بلاد إيران و نظام الجمهورية الإسلامية بعد انتصار الثورة التي مضى عليها نحو أربع و عشرين سنة، فهذا هو السبب. كان هذا البلد قاعدة سياسية و اقتصادية آمنة للأمريكيين، لكن الفكر و الإيمان الإسلاميين أيقظ هذا الشعب فاستطاع ببركة الإسلام تقصير يد هذا المهيمن الطامع المتعجرف الناهب. و الحقيقة أن الإسلام وجّه في بلادنا أكبر ضربة للاستكبار الأمريكي. لذلك فهم أيضاً يحملون أكبر الأحقاد ضدنا و يبادرون مبادرات منفلتة.
تنبهوا طبعاً إلى أن الأمريكيين اليوم شأنهم شأن كل الأفراد و المجاميع التي أسكرتها القوة يقعون في أخطاء فاحشة، و سكر القوة عادة ما يبعث على الخطأ أي إنه يوقع صاحبه في أخطاء فاحشة. إنهم سكارى القوة ولا يفهمون ماذا يفعلون بالضبط، لذلك يرتكبون أخطاءً كبيرة، و هذه الأخطاء سوف تلقي بهم في الهاوية. في المستقبل غير البعيد سوف تفضي هذه الأخطاء الفاحشة إلى هزيمة أمريكا و انهيارها. ليس الواقع كما يصورونه هم. أبواقهم و إعلاميوهم يصورون الأمر هنا و هناك على أنه » لم يعد هناك مفر، و أمريكا قوة قاهرة ينبغي التنسيق و التفاهم معها بشكل من الأشكال «.. لكن الأمر ليس كذلك. هذه القوة القاهرة ترتكب الأخطاء بسبب سكر القوة، و هذه الأخطاء تخلق تحت أقدامها حفرة و هاوية جد خطيرة.
طبعاً، لا أريد الخوض في تحليل سياسي في صلاة الجمعة و في لقائي بكم أيها المصلون الأعزاء، إنما أرغب في إجلاء لباب الحقيقة لشعبنا العزيز. عداؤهم لإيران الإسلامية بسبب أنهم تلقوا من الإسلام هنا أقسى الضربات. و كان بالإمكان تكرار هذه الضربة في بلدان أخرى، كما أن الصحوة في العالم الإسلامي حصلت بفضل صحوة المسلمين في بلادنا. و اليوم فإن حالة صحوة الشعب الفلسطيني البالغة الأهمية و التي وضعت أمريكا و إسرائيل في طريق مسدود تماماً، حصلت نتيجة صحوة الشعب الإيراني، و إلا لم يكن أحد يتصور قبل هذا أن بوسع الشعب الفلسطيني القيام بما من شأنه خلق تحدٍّ لإسرائيل و الصهاينة الغاصبين و أمريكا. الذي يحدث في فلسطين المحتلة الآن لم يكن قد حدث قبل هذه الفترة. و كذا الحال بالنسبة ليقظة الشعوب المسلمة في البلدان الأخرى.
روح مقت أمريكا و تدخلاتها و عملائها في البلدان تتسع و تكبر في العالم الإسلامي يوماً بعد يوم. الميل نحو العزة التي تظفر بها الشعوب بفضل الإسلام يتصاعد و ينمو حالياً لدى الشعوب باطراد. الشيء الذي كانوا يخافون منه هو أن تتكرر الثورة الإسلامية الإيرانية في بلدان أخرى. حالوا دون ذلك بأساليب مختلفة. لكنهم لم يستطيعوا الحؤول دون انتشار الفكر الإسلامي و الصحوة الإسلامية. انتشرت الصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي كله.. علينا التنبه لهذه النقطة.
على الشعب الإيراني أن يعلم أي عمل كبير قام به. و من الطبيعي في مثل هذه الظروف أن يركز الأعداء كل هممهم ضد نظام الجمهورية الإسلامية. كيف يفعلون هذا؟ لا يستطيعون فعل شيء عن طريق الهجوم العسكري، و هم يعلمون هذا. جربوا الإنقلاب و أساليب إسقاط نظام الحكم و شاهدوا أنهم لا يستطيعون فعل شيء. لم يبق أمامهم سوى طريق واحد فقط هو التغلغل داخل الشعب، و نشر الأفكار و الحوافز المعارضة للإسلام مصحوبة بالاتهامات و الإهانات و الكلام السلبي ضد الثورة الإسلامية، فيثبّطوا قلوب الناس تدريجياً إزاء المعين الفياض المتدفق الذي حضّهم طوال سنوات على الحركة و المقاومة. هذه من ممارساتهم و تخطيطاتهم الرئيسية. هم أنفسهم سمّوا هذا التحرك بـ » الإسقاط « و قالوا إننا نريد للنظام الإسلامي أن يسقط! ما معنى السقوط؟ معناه بث الشكوك و الريب بين الشعب في مبادئ الثورة، و زلزلة قلوبهم فلا يعودوا يدعمون و يسندون النظام بالشكل اللازم. هذه هي سياسة العدو.
قلت مراراً للشعب الإيراني، و قلتها في صلاة الجمعة هنا قبل عام أو عامين إن الأهم من معرفة العدو هو معرفة العداء و أسلوب عدائه لنا. إذا علم الإنسان عن أي طريق يسير العدو نحونا فسوف يحذر و يتنبه. الكل يعرفون العدو. عدو الشعب الإيراني اليوم و عدو استقلاله و حريته هو الحكومة الأمريكية المستكبرة. ما من ريب في هذا، و هو ما يعترفون به هم أنفسهم. طبعاً يقولون أحياناً بطريقة تملقية منافقة إننا لا نعادي الشعب الإيراني، لكن عداءهم الرئيس هو للشعب الإيراني لأنه هو الذي اجترح هذه النهضة العظيمة و هو الذي دعم و أسند الإسلام بكل هذا الصدق و الغيرة. الشعب الإيراني هو الذي صدَّ أطماع أمريكا، و لو لم يكن الشعب الإيراني سنداً للنظام و المسؤولين فهل كان بوسع المسؤولين الوقوف بوجه هذه الأطماع؟ إننا نعرف هذا العدو، و لكن ينبغي أيضاً معرفة أسلوب العداء. أسلوب العداء اليوم هو زرع الخلافات و الكراهية و الأحقاد بين أبناء الشعب، و التثبيط عن المبادئ الإسلامية، و تحريف شعارات الجماهير و طرح شعارات لا تتجانس أبداً مع مسيرة الشعب العظيمة.
في الكثير من بلدان العالم - و لست على علم بكل مكان - ثمة نخب تتلمذوا على يد المراكز الاستكبارية. كان هؤلاء في زمن الإنجليز، و كان للاتحاد السوفيتي أمثال هؤلاء، و للأمريكيين اليوم أيضاً أمثالهم. يختارون نخباً و خريجين و دارسين و يزرعونهم بالتطميع و بالأساليب التي يعرفونها هم، كنواب و متحدثين عنهم في داخل البلدان. مهمة هؤلاء هي أن يتحدثوا بكلام أسيادهم و يكررونه و ينحتون الأدلة لأفكارهم. و قد كان أمثال هؤلاء في بلادنا أيضاً. و هم موجودن اليوم أيضاً و كانوا منذ بداية الثورة. لهؤلاء منابرهم و طبولهم التي تتحدث لهم و تكرر آراءهم و نظرياتهم.
قال شعبنا بوضوح ما الذي يريده. يوم وقف شعبنا خلف الإمام - سواء في عهد الثورة أو طوال ثمانية أعوام من الدفاع المقدس - و قدّم مئات الآلاف من أبنائه في هذا السبيل، بيّن ما الذي يريده. لم يكن يهدف للديمقراطية الغربية. شعبنا المسلم و الذين تجرعوا كل تلك المرارات في السجون إبّان عهد الكفاح ضد النظام الطاغوتي، و تحملّوا الجلد و السياط، لم يكونوا يرومون الجمهورية الغربية و الثقافات الغربية الملحدة، و الديمقراطية الغربية أو الشرقية الكاذبة. الأمهات اللاتي ضحّين بأبنائهن - ابنين أحياناً، أو ثلاثة أبناء، أو أربعة - أو بأصهارهن أو أزواجهن، و لم يبالين لذلك أبداً بل شعرن بالفخر و الاعتزاز لم يكنَّ يقصدن الديمقراطية الغربية و الجمهورية الديمقراطية و ما إلى ذلك. الميثاق الحقيقي للثورة و الإرادة الواقعية للشعب هي الشيء الذي انعكس في دستورنا، خصوصاً في مواده الأولى. الشعب أراد التنمية المعنوية و الرفاه المادي في ظل الإسلام و ببركة الإسلام و سيادة القوانين الإسلامية، و هو يريد هذا الآن أيضاً. لا نعرف شعباً كالشعب الإيراني وقّع على مبادئه المعنوية والإلهية بدماء مئات الآلاف من الشهداء. شعبنا نفسه لم يكن قد فعل في الماضي هذا العمل الكبير الذي قام به في هذه الفترة. البلدان التي جربت الديمقراطية الغربية رأينا أي بؤس و ذلّ وقعت فيه، و كيف نشبت أظافر الطامعين الغربيين و لا سيما أمريكا إبان الفترة الأخيرة في أجسادها و أرواحها باسم الديمقراطية، و نهبت منها كل شيء. لم يقصد شعبنا هذا اللون من الديمقراطية. و اليوم أيضاً يتوخى شعبنا تحقيق المبادئ و المثل الإسلامية، و هي بالدرجة الأولى العدالة، و المعنوية، و الحرية - بالمعنى الحقيقي للكلمة - و استقلال البلد عن شرور القوى الأجنبية المعتدية. هذه أمور يرومها شعبنا، و قد ضحى من أجلها و سيضحي في سبيلها بعد الآن أيضاً. على الشعب أن يحذر و يدقق كي لا يستطيع الأعداء بأساليبهم المؤذية - الأساليب الأمنية، أو السياسية، أو الإعلامية - التغلغل و الاندساس في صفوفه.
الميثاق الرسمي و القانوني للثورة و البلاد هو دستورنا. كل الأمور الضرورية لإدارة شؤون الشعب مدرجة في هذا الميثاق بنحو رصين و متين. و الميثاق المعنوي للثورة هو وصية الإمام الخميني و وصايا الشهداء. اقرأوا هذه الوصايا و انظروا ما الشيء الذي ضحّى من أجله الشهداء حينما قدموا أرواحهم في ساحة الحرب، و ما الشيء الذي أرادوه. هل يمكن أن يتخلى المرء بهذه السهولة عن تضحيات شعب و مبادئه؟! إنها سبيلنا، و هي سبب سعادتنا و علينا متابعتها و التحرك نحوها.
حينما أتأمل في شؤون بلادنا الداخلية خلال العامين أو الثلاثة الماضية، أرى أن شعبنا و الحمد لله شعب وفيّ مخلص مؤمن غيور، و هو في هذه الخصال من الشعوب النموذجية حقاً، و رغم وجود نواقص و أخطاء لدى مسؤولي البلاد هنا و هناك - و أية منظومة لا تخلو طبعاً من أخطاء و نواقص - لكنه يسير و يخطط و يعمل و يسعى في سبيل هذه المبادئ على العموم. و مع كل هذا نرى الأعداء يطمعون في قطاعات و أقسام من بلادنا، و لا سيما في شبابنا، لأن جيل الشباب في بلادنا جيل واسع و كبير جداً، و هذه من نقاط قوتنا أن يكون لنا كل هؤلاء الشباب، سواء الشباب من الطلبة الجامعيين، أو من هم دون سن الدراسة الجامعية، أو الخريجون، أو الذين يعملون و لا يدرسون. جيلنا الشاب من أسباب اقتدار بلادنا و ثورتنا. و العدو يسمّر عينيه على هذا الجيل و على نزعته العاطفية و إمكانية إثارته و تحفيزه. على الشباب الحذر جداً.
قبل سنتين أو ثلاث لاحظتم ما الذي فعله عدد من المفسدين بالمعنى الحقيقي للكلمة بالطلبة الجامعيين في جامعة طهران هذه و بعض النقاط الأخرى! يثيرون المشاعر و العواطف، و يبثون الشائعات الكاذبة بينهم، و يقلبون الحقائق، و يكيلون التهم للنظام و الإسلام. و قد كان أملهم يومذاك كبيراً في تفجير البلبلة و الفوضى في البلاد و اختلاق التوتر و الاضطرابات. و إذا بشعبنا ينـزل إلى الساحة بكل رصانة و اقتدار - هذا هو معنى اقتدار الشعب - و يحول دون ذلك. لكنهم ما انفكوا يمارسون أعمالهم هذه. أحياناً يجدون الذرائع و أحياناً يقومون بأعمالهم هذه دون ذرائع. على الجميع التحلي بالحذر و الوعي. ينبغي عدم توفير الذرائع للعدو كي يستغلها و يعمل و يجب عدم التحرك بتحفيز و تأليب من العدو.
النظام الإسلامي اليوم يقف بوجه أطماع و استزادة و هيمنة أكثر مستكبري العالم استكباراً. طبيعة الشاب هي طلب العدالة و النـزوع نحو تطبيق المبادئ و تحقيقها. الموقف الطبيعي لكل شاب هو الوقوف إلى جانب النظام الإسلامي - سواء الشباب في داخل البلاد أو شباب البلدان الأخرى - و نحن نرى أن هذا هو الواقع. الذي يتهم النظام الإسلامي - الذي ثار ضد الفساد، و الظلم، و الجور، و التمييز في العالم - بالاستبداد، و معاداة الحرية و حقوق الإنسان إما أنه العدو نفسه، أو أنه مخدوع بالعدو. هذا ما ينبغي أن يتفطن له الجميع لا سيما الشباب.
و إلى جانب هذا، هناك حقيقة أنه كلما انطلقت حركة بناءة في البلاد يثير العدو القلاقل و التحريضات إلى جانبها كي لا تستطيع الجمهورية الإسلامية النهوض بهذه التحركات البناءة. هناك منذ فترة كلام جاد حول العلم و البحث العلمي و أهميته. حينما يلتقي بي الأساتذة و الطلبة الجامعيون، و مدراء المراكز العلمية و الجامعية و يتحدثون حول قضايا الجامعات - و هذا ما يحدث كثيراً - يشيرون لأهمية العلم و يشتكون و يعتبون من تأخرنا في الشؤون ذات الصلة بالعلم و البحث العلمي و ما إلى ذلك. و قد نبّهت المسؤولين مراراً فاتخذوا قرارات جيدة و قاموا بأعمال حسنة. إذن، التحرك نحو ازدهار سوق العلم و البحث و تخريج النخبة و الأدمغة اتخذ في الجامعات و مراكز التربية العلمية منذ فترة طابعاً أكثر جدية مما كان عليه في السابق. و لكن تلاحظون فجأة ظهور ذريعة في الجامعات لتهديد ليس العلم و حسب، بل حتى السياق الطبيعي الدارج للجامعات و تعطيله و إيقافه! فعْل مَن هذا؟ أليس فعل العدو؟ في حين يعيش البلد مسيس الحاجة لتوجّه شبابه صوب العلم و البحث العلمي و تربية طاقاتهم الفكرية، و يبرمج النظام لهذه العملية و يتابعها بجد أكبر مما كان في السابق، و هذه حاجة طبيعية يشعر بها الجميع، و إذا بمجموعة يظهرون فجأة فيصدّون الجامعة و الطلبة و الأساتذة و الباحثين عن أعمالهم الطبيعية أو يضايقونهم فيها.
من الواضح طبعاً أن هذه الممارسات لن تنفع شيئاً. الذين عقدوا العزم على أن يخلقوا المشاكل للنظام عن طريق تحريضهم و إيذائهم هذا عليهم أن يعلموا أن تيار إرادة الشعب و عزيمته من القوة بحيث يستطيع تذويب هذه الأشياء في داخله بسهولة، لكن أجواء التوتر و الفوضى في البلاد تنتهي بضرر الشعب و المسؤولين و النظام. ليعلم الذين يمهدون الأرضية لمثل هذه الأحوال و يصبّون الزيت عليها و هم لا يعلمون، و يفتعلون الفوضى و يحملون على عاتقهم أوزار هذا العمل الثقيلة أن مسؤوليتهم ثقيلة جداً.
الشعب حالياً بحاجة لوحدة الكلمة، و العمل، و الجهود الدؤوبة، و عدم المراوحة في أيّ الأعمال البناءة - خصوصاً الأعمال العلمية - و مكافحة الفساد و التمييز و انعدام العدالة. هذه من الممارسات الواجبة التي تقع على عاتق جميع المسؤولين.. سواء مسؤولو الحكومة، أو مسؤولو القضاء. اليوم هو بالنسبة لشعبنا يوم العمل و السعي، و ليس يوم القعود و التفرج هنا على أصداء أمواج الأعداء و التراشق بها. عليهم الحذر و اليقظ جداً.
فيما يخص القضايا العالمية يرتكب الاستكبار كما قلنا أخطاءً كبيرة. من هذه الأخطاء المواقف الأمريكي الراهن في دعم النظام الصهيوني. بالمقدور حالياً رصد ظاهرتين في الكيان الصهيوني: إحداهما العنف و الغطرسة المنفلتة. الغطرسة التي يتعامل بها الصهاينة اليوم مع أصحاب الأرض الفلسطينية لها حقاً قصتها العجيبة المحيّرة غير المسبوقة. والظاهرة الثانية هي أن الكيان الصهيوني وصل إلى طريق مسدود تماماً و ليس أمامه أي مخرج. خطأ أمريكا هو أنها في مثل هذا الظرف تدعم الكيان الصهيوني بكل صراحة و وضوح، و تمنح إسرائيل و ساستها شيكاً أبيض ليرتكبوا كل ما يحلو لهم من حماقات و يقترفوا كل ما تسوّل لهم نفوسهم من جرائم! هذه من الأخطاء الأمريكية التي لا تعوّض و سوف تطالهم نيرانها. لقد أثبت الشعب الفلسطيني أنه شعب كفوء و مقاوم و أن بالإمكان الصمود و المقاومة بأيدٍ عزلاء حيال كيان مهيمن و مسلَّح و عنيف و لا يعرف الرحمة كالكيان الصهيوني هذا درس للشعوب الأخرى.
من واجبنا اليوم جميعاً دعم الشعب الفلسطيني معنوياً و مادياً. و أقرب فرصة لهذا الدعم هو يوم الجمعة المقبل الجمعة الأخير من شهر رمضان. و نقول هنا إننا اليوم في السادس عشر من شهر رمضان. إذن، لو كان الخميس هو الأول من الشهر - و هذا هو الحكم الشرعي حالياً لأنه لم يثبت غيره و التكليف الشرعي أن نعتبر الخميس هو الأول من الشهر - سيكون الأثنين - ليلة التاسع عشر - ليلة الإحياء و سيؤدي المؤمنون إن شاء الله واجباتهم في ليالي القدر. و سيكون يوم الجمعة القادم يوم الثالث و العشرين من الشهر أي الجمعة الأخير من رمضان و يوم القدس العالمي، و ستكون مشاركة شعبنا في الجمعة المقبل - يوم القدس - محطماً للأعداء إن شاء الله.
نحن كذلك على أعتاب أسبوع التعبئة و سيعتبر كافة الشعب الإيراني تكريم التعبئة من واجباتهم إن شاء الله. التعبئة الجماهيرية الهائلة من النعم الإلهية الكبرى.
نتمنى أن يعرفنا الله تعالى واجباتنا و ما سيسألنا عنه، و يوفقنا لأدائها و العمل بها.
بسم الله الرحمن الرحيم
قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفواً أحد.(8)

الهوامش:
1 - نهج البلاغة، الرسالة 47.
2 - نهج البلاغة، الرسالة 47.
3 - و من وصية له عليه السلام للحسن و الحسين عليهما السلام لمّا ضربه ابن ملجم لعنه الله. عنوان الرسالة رقم 47 في نهج البلاغة.
5 -
6 -
7 - سورة العصر، الآيات 1 - 3.
8 - سورة الإخلاص، الآيات 1 - 3.