بسم الله الرحمن الرحيم
أنا مسرور جداً و أشكر الله لأن وفقنا اليوم للحضور بينكم أيها الأعزاء في هذه الجامعة الكبيرة المهمة. الطلبة الجامعيون الأعزاء و كذلك الأساتذة المحترمون و مسؤولو هذه الجامعة حاضرون هنا، و جامعة »علم و صنعت« و الحمد لله من الجامعات ذات المفاخر العلمية و المفاخر الثورية أيضاً. إذا اعتبرنا إحدى الوظائف المهمة للجامعات إعداد الكوادر الصالحة المميزة المفيدة لإدارة مرافق البلاد و للمشاركة المؤثرة في شؤون البلاد - و هذا هو الصحيح إذ من المتيقن أن هذه إحدى واجبات الجامعات - فإن جامعتكم من أكثر الجامعات تقدماً و ريادة على هذا الصعيد. يمكن ذكر لائحة طويلة من خريجي هذه الجامعة مارسوا أدواراً مهمة في مرافق البلاد المختلفة طوال هذه الأعوام. و كنموذج لهؤلاء، طالما ذكر الأحبّة الشهداء في هذا الاجتماع، أذكر أنا أيضاً القائد الرفيع الشأن و الخالد الأثر الحاج أحمد متوسليان و قد عرفت هذا الرجل المميز عن قرب، و شاهدت أعماله و معنوياته و جهوده، و قد كان من الشخصيات البارزة في ملحمة الدفاع المقدس - أرى أن تقرأوا، خصوصاً أنتم الشباب الأعزة، سير هذه الشخصيات البارزة الزاخرة بالدروس لنا، و لا سيما تلك الأجزاء المتعلقة بالعمليات التي خاضها هذا القائد العزيز، سواء في الغرب، أو في عمليات الفتح المبين، أو في عمليات بيت المقدس - و كذلك الشهيد محمود شهبازي الذي رافق هذا الرجل الكبير دوماً.. هؤلاء من المفاخر الكبرى و من خريجي هذه الجامعة. و اليوم أيضاً و لله الحمد كان رئيس الجمهورية الثوري الملتزم الكفوء الناشط و الشجاع من طلبة هذه الجامعة و من أساتذتها. هذه السوابق جد مميزة و جيدة لهذه الجامعة.
مع أن الأساتذة الأعزاء حاضرون اليوم في الجلسة بيد أن كلامي موجّه في غالبه للطلبة الجامعيين، و مع ذلك سأتطرق لنقاط حول قضايا عامة تهمّ الأساتذة الأعزاء بالتأكيد.. سوف أقسّم الوقت و أتناول بأختصار نقاطاً حول قضية الحالة الطلابية و دور الطلبة الجامعيين و هي باعتقادي من القضايا المهمة في البلاد. ثم أحاول على نحو الإيجاز أن أعيد قراءة الثورة من حيث التاريخ ومن حيث المضمون في نهاية عقدها الثالث. بعدها سأذكر نقاطاً مختصرة حول قضايا التقدم و العدالة و قد ذكرنا أن العقد الرابع هو عقد التقدم و العدالة.
الاجتماعات الجامعية - اللقاء بالطلبة الجامعيين - محببة و طيبة جداً بالنسبة لنا، إذ تسودها أجواء الصدق و الإخلاص، كما أن للطالب الجامعي دوره الأساسي في تشكيل الحاضر و المستقبل. هذا هو الشيء الذي اعتقد أن طلبتنا الجامعيين يجب أن لا يغفلوه أبداً. للطالب الجامعي دوره سواء في حاضر البلاد أو في غدها و مستقبلها.
العنصر الذي يكتسب قيمة إضافية خارقة بهمته و سعيه و بتوجيه الأساتذة و مساعدتهم في هذا المصنع العظيم هو الطالب الجامعي. و لا شك أن الجامعة وفق هذه النظرة هي أهم البنى التحتية لتقدم البلاد و تنميتها، أي إن أياً من البنى التحتية الأخرى للبلاد لا تمتاز بأهمية الجامعة و دورها. ذلك أن الجامعة تخرِّج الكوادر و الطاقات البشرية، و الطاقات البشرية أعظم أرصدة البلاد. المتوقع من الجامعة دوماً و في كل مكان هو أن تكون قطباً لتدفق و تألق تيارين حيويين في البلاد: الأول تيار العلم و البحث العلمي، و الثاني تيار النـزعة المبدئية و نشدان المُثُل و رسم الأهداف السياسية و الاجتماعية. نادراً ما نجد و ربما لا نجد بيئة كالجامعة يتفجر فيها هذان التياران بهذه الشدة و بموازاة بعضهما.. تيار العلم و البحث العلمي الحيوي جداً للمجتمع و لعزة المجتمع، و العزة العلمية تستتبع وراءها العزة الاقتصادية و العزة السياسية و العزة الدولية.. هذا التيار موجود في الجامعات.. و هناك أيضاً قضية النـزعة المبدئية التي لا صلة لها بقضية العلم في ظاهر الأمر، لكن المتوقع من الجامعات في كل العالم و بسبب وجود الطلبة الجامعيين فيها أن تنشط و تعمل في حيز رسم المبادئ و الميل لهذه المبادئ و اكتسابها و الوصول إليها. هذا شيء يرتبط بالطالب الجامعي خصوصاً فشبابية الطالب الجامعي و سنّه و استعداده الروحي يجعل الجامعة في هذا الموقف. هذا هو المتوقع من الجامعة. طبعاً تتم تلبية هذا التوقع في بعض الحالات، ولا تتم تطلبيته في حالات أخرى.
بخصوص التيار الأول - تيار العلم و البحث العلمي - ينبغي القول إنه كان سارياً في بلادنا في الماضي بدرجات متفاوتة. لا يمكن إنكار التحرك الجامعي قبل الثورة بالمرة. يمكن تسجيل بعض المؤاخذات عليه، لكن كانت هناك بالتالي تحركات معينة. و كانت هناك عناصر مخلصة و متشوقة و عالمة مارست دورها في الجامعات، إلا أن الحركة العلمية في الجامعات تسارعت بعد الثورة، و لهذا أسبابه طبعاً.
في السنوات الأخيرة حيث أطلقت قضية إنتاج العلم و نهضة إنتاج العلم، و النهضة البرمجية، و العودة إلى الذات، و الاهتمام بالبحث العلمي في الجامعات، حدثت قفزة في هذه الحركة. و أنجزت مشاريع مهمة في جامعاتنا تتعلق ببعض المجالات العلمية و التقنية التي تلاحظون نماذج منها حالياً، و في مجال العلوم الطبية، و في مجال العلوم الحديثة، و على مستوى العلوم الذرية، و في مضمار النانو و غير ذلك.. و هي إنجازات لم يكن هناك في الماضي حتى من يتصور أننا قادرون على إنجازها و أن باحثينا، وأساتذتنا، و طلبتنا الجامعيين، و شبابنا قادرون على الوصول لهذه المحطات العلمية و اجتراح هذه القفزة.. لكنها حصلت اليوم.. المهم هو استمرار هذه القفزة. نحن مصابون بتخلف مزمن في المجال العلمي. المهم هو الاستمرار في التحرك السريع. علينا مواصلة هذه السرعة التي تتميز بها حركتنا العلمية لسنوات طويلة.. ليس من الجائز إطلاقاً أن نتوقف، لأن تأخرنا عن العالم المتقدم علمياً تأخر شاسع و ملحوظ.. هذا ما نعلمه و نفهمه و نعاني منه. و السبب هو أن شعبنا ليس شعباً بدرجة ذكاء دون المتوسط كي نقول إن هذا هو استحقاقنا. شعبنا شعب له درجة ذكاء أعلى من المتوسط. هذا كلام تم إثباته و الكل يقولونه و يذكرونه، و يمكن مشاهدة آثاره و دلائله. و سابقتنا العلمية و تاريخنا العلمي يؤيد ذلك. إنه لمما لا يمكن أن يطاق أن يتصف هذا الشعب و في هذه المنطقة الحساسة من العالم بهذا التأخر و الفقر العلمي الذي فرضوه عليه. نشكر الله على أن فتح أعيننا على هذا التأخر و فهمنا أننا نعاني من هذا الفقر، و نشكر الله لانبثاق هذه الهمم و التشوق و التفاؤل عندنا في أننا نستطيع التغلب على هذا التأخر. إذن، يجب مواصلة هذا التعجيل و هذه القفزة لسنوات مديدة.
قلنا إن البلاد يجب أن تبلغ العزة العلمية. و ينبغي أن يكون الهدف المرجعية العلمية في العالم كما قلنا مراراً. أي كما أنكم تضطرون الآن لمراجعة علماء و كتب تنتمي لبلدان أخرى من أجل حيازة العلم و النتائج العلمية، كذلك يجب علينا الوصول إلى حيث يضطر طالب العلم و المعرفة إلى مراجعتكم و مراجعة كتبكم و إلى إتقان لغتكم كي يقدر على الانتفاع من علومكم. هذا ما يجب أن يعدّ هدفاً، و هو ليس أملاً تبسيطياً، بل هو شيء علمي. الموقع الذي وصلنا إليه راهناً من الناحية العلمية و التقنية كان يعدُّ في يوم ما أملاً ساذجاً تبسيطياً.
لو قيل قبل الثورة - قبل أن تتفجر هذه الحركة و الشوق لدى الجماهير و قبل أن يشعر شعبنا بالشجاعة حيال الموانع و العقبات - إن بلادنا ستستطيع بلوغ هذا الموضع من التطور في الميادين العلمية المختلفة، لما صدق أحد ذلك. يوم كان الناس مضطرين للسفر إلى الخارج من أجل معالجة مرض عادي يعالج اليوم بسهولة في مستشفيات الدرجة الثالثة و الرابعة في مدننا البعيدة، و كانوا مضطرين هناك لإنفاق الكثير من الأموال و تحمل الكثير من المنّة - و هذا لا يعود للماضي القديم، إنما لسنوات ما قبل الثورة - في ضوء الواقع الذي نعيشه اليوم في العلوم و القطاعات المختلفة، لا شك أنه كان مستحيلاً في نظر الكثيرين؟ لكن شعبنا توصل إليه و شبابنا توصلوا إليه. و القضية النووية من هذا القبيل؛ و المسائل المختلفة في الحقول العلمية المختلفة من هذا القبيل.
إذن، من الممكن أيضاً أن يأتي يوم تقود فيه بلادنا و شعبنا قافلة العلم بحيث تصبح إيران مرجعاً علمياً في العالم. طبعاً لهذا مقدمات لا بد من اجتيازها و قد بدأت هذه المقدمات فعلاً. من هذه المقدمات الوعي بذاتنا و شعورنا بوجوب القضية و إحساسنا بأننا قادرون. و من المقدمات الأخرى إعداد الخارطة العلمية الشاملة للبلاد بحيث لا تعيش البلاد حالة الحيرة و الضياع من حيث تحصيل العلوم و دراستها. و قد أنجزت هذه المهمة لحسن الحظ. هؤلاء الأصدقاء، و الباحثون، و الشخصيات البارزة المتخرجة من الجامعات و من هذه الجامعة استطاعت إعداد الخارطة العلمية الشاملة و هي على وشك الانتهاء و هذه خطوة جد كبير على طريق التطور العلمي للبلاد. طبعاً بعد أن يتم إعداد الخارطة العلمية الشاملة، يجب القيام بأعمال أخرى منها: إيجاد النظام الهندسي لهذه الخارطة، و تحويلها إلى مئات المشاريع العلمية، و تسليم هذه المشاريع لمقاولين أمناء هم في الواقع نفس هذه الجامعات و الأساتذة و مراكز البحث العلمي في الجامعات. ثم تأسيس شبكة إشراف على هذا التطور العلمي و على حسن تنفيذه، و إشراك الأساتذة، و الطلبة الجامعيين، و الباحثين - و قد سأل الطلبة الجامعيون ما هو واجبنا في مجال التقدم العلمي - في الأمور.. هذه مسائل ينبغي ملاحظتها أكيداً في هندسة الخارطة العلمية الشاملة. كل واحد من الطلبة الجامعيين بوسعه ممارسة دوره، و كل مركز من مراكز البحث العلمي، و كل ورشة تعليمية يمكنها ممارسة دورها؛ و كذلك الحال بالنسبة للأساتذة الجامعيين. إذن، فهي عملية تستغرق عدة سنوات، و يجب متابعتها بكل جد و اهتمام و تفاؤل و ستؤتي ثمارها إن شاء الله. سيأتي يقيناً اليوم الذي ترون فيه أن المرجعية العلمية لجامعات إيران و العلماء الإيرانيين ليس بالأمر البعيد.. إنما هو قريب منكم جداً. أنتم الشباب سترون ذلك يقيناً، و أنا لا أشك فيه أبداً.
هذا ما يتعلق بالتيار الأول.. تيار الجامعات و الطلبة الجامعيين و ما هو متوقع من الطلبة الجامعيين.. و لا شك أن دور الأساتذة في هذا التيار الأول حاسم و مهم و حساس جداً.
أما التيار الثاني و هو قضية النـزعة المبدئية في الجامعات - و التي تسمى في اللغة الدارجة بالنهضة الطلابية - فلها تاريخ جد لافت في بلادنا. أقول هذا و أشدد عليه لأن هذا التحرك يجب أن يستمر، فهو ليس مما يمكن أن يقف، لأن ظروف البلاد و بنية و خصائص نظام الجمهورية الإسلامية بشكل يستدعي بالضرورة وقوف النهضة الطلابية إلى جانب النظام. النهضة الطلابية في تاريخ هذا البلد مثبتة و معروفة دوماً بمناهضتها للاستكبار، و الهيمنة، و الاستبداد، و القمع، و معروفة أيضاً بشدة نزوعها للعدالة. هذه هي مميزات النهضة الطلابية عندنا منذ يومها الأول و إلى اليوم. إذا ادعى شخص الوصل بالنهضة الطلابية من دون أن تكون له هذه المميزات فهو غير صادق. يد النهضة الجامعية لا يمكن أن تكون في أيدي الذين يرتكبون المذابح في فلسطين، و يمارسون الإجرام في العراق، و يذبحون الناس في أفغانستان.. هذه ليست نهضة طلابية. هذه هي سمات النهضة الطلابية و خصالها في بلادنا على الأقل - و ربما كان الوضع كذلك في العديد من البلدان الأخرى - أي إنها معادية للاستكبار، و الهيمنة، و الدكتاتورية، و مناصرة للعدالة. انطلاقة هذه الحركة أو الفترة المعروفة من هذه الحركة هي السادس عشر من آذر.
من المناسب أن تتفطنوا إلى أن السادس عشر من آذر سنة 32 و الذي تخضّب فيه ثلاثةٌ من الطلبة الجامعيين بالدم و التراب، كان تقريباً بعد أربعة أشهر من 28 مرداد، أي بعد انقلاب 28 مرداد و ذلك القمع العجيب و الإرهاب العجيب ضد جميع القوى، و صمت الجميع، و إذا بانفجار مفاجئ يجترحه الطلبة الجامعيون في جامعة طهران يدوّي في الأجواء. لماذا؟ لأن ينكسون الذي كان يومها معاون رئيس الجمهورية الأمريكي زار إيران. تظاهر الطلبة الجامعيون في الحريم الجامعي و اعتصموا اعتراضاً على أمريكا و على نيكسون الذي تسبب في انقلاب 28 مرداد، و واجهوا القمع طبعاً و قتل منهم ثلاثة طلبة. و عرف يوم 16 آذر طوال الأعوام بهذه السمات. 16 آذر ملك الطلبة الجامعيين المعادين لنيكسون و المعادين لأمريكا، و للهيمنة.
بعد ذلك، و منذ تلك السنة حتى سنة 42 - و هي سنة انطلاقة نهضة رجال الدين و النهضة الدينية الإسلامية في بلادنا - كان للنهضة الطلابية تحركاتها بدرجات معينة. أتذكر أن الطلبة الجامعيين كان لهم تحركاتهم في سنوات 38 و 39 و 40 و ... ، لكن تحركاتهم هذه كانت تقمع بشدة و لا يسمح لها بالظهور، إلى أن بدأت نهضة رجال الدين في سنة 1341 و بلغت ذروتها في عام 42؛ إلى هنا أيضاً تلاحظون مؤشرات النهضة الطلابية.. أي طوال الأعوام الخمسة عشر ما بين 1342 حيث انطلاقة نهضة رجال الدين و إلى 1357 حيث انتصار الثورة الإسلامية تلاحظون النهضة الطلابية في كل مكان و بنحو متكاتف و مجاور لرجال الدين. جامعات البلاد، و المناخ الطلابي في إيران كان مركز النشاط و العمل و كان الطلبة الجامعيون من الأذرع الرئيسية للنهضة طوال هذه الفترة، و هذا ما شهدناه عن قرب سواء الأصدقاء الذين عملوا في النهضة و الكفاح أو سائر شرائح المجتمع. طبعاً كان هناك في الجامعات تيارات إلحادية و مناوئة للدين و ماركسية و غير ذلك، بيد أن التحرك الغالب اختص بالطلبة الجامعيين المتدينين. لذلك كان للطلبة الجامعيين مشاركتهم في كل مكان، في الجماعات التي يتم تشكيلها - الجماعات المناضلة - و الأعمال و الأنشطة التي تحصل في السجون مثلاً.. السجون المتعددة التي جرّبناها على مدى سنوات. فقد كان رجال الدين الدين و الطلبة الجامعيون يشكلون غالبية السجناء. و هذا ما جعلنا نحن رجال الدين في مشهد، و علماء مشهد، و جماعة كبيرة من أهالي مشهد حينما أردنا القيام باعتصام في سنة 57 قبل انتصار الثورة، تم هذا الاعتصام في مركز الإمام الرضا الجامعي الطبي. بمعنى أن الجامعة كانت هي القطب. و في طهران أيضاً كان اعتصام العلماء و رجال الدين و الثوريون و المجاهدون لأجل عودة الإمام - و قد تأخر وصوله - في جامعة طهران. هذه دلائل على دور الجامعة و طلابها إلى حين انتصار الثورة.
و بعد انتصار الثورة كان لهذه الحركة و النهضة الطلابية و مساهمة الطلبة الجامعيين مشهد عجيب. في الأشهر الأولى تأسس حرس الثورة و شارك الطلبة الجامعيون مشاركة فاعلة في الحرس، و بعد عدة أشهر تأسس جهاد البناء من قبل الطلبة الجامعيين أنفسهم.. الطلبة الجامعيون أنفسهم شكلوا جهاد البناء و طوروه بأنفسهم، و عملوا فيه، و هو من بركات و مفاخر النظام الإسلامي. و بعد أشهر انطلقت الموجة الثانية من مشاركة الطلبة الجامعيين في مواجهة العناصر المسلحة التي اتخذت من الجامعة وكراً لها و كان الكثيرون منهم من غير الطلبة الجامعيين، و تحولت جامعة طهران هذه إلى مركز تسلح و بنادق و عتاد و رمانات! جمعوا هذه المعدات هناك للعمل ضد الثورة. و الذين استطاعوا طرد هؤلاء من جامعة طهران هم الطلبة الجامعيون أنفسهم. هنا أيضاً أفصحت حركة الطلبة الجامعيين العظيمة عن نفسها.
و في سنة 59 و مع بداية الدفاع المقدس شارك الطلبة الجامعيون في الجبهات و ثمة نماذج متنوعة لذلك منها الحاج أحمد متوسليان و أمثاله ممن توجّهوا للمنطقة الغربية في كردستان، و كانوا غرباء جداً - شاهدت منطقة كردستان في الأشهر الأولى من الحرب أي بعد خمسة أو ستة شهور من اندلاع الحرب، و كان غبار الغربة منثوراً على رؤوس الجميع - و لوحدهم، و بلا سلاح، مقابل فاعلية عالية للعدو و قصف دائم من قبله، لكن هذه القوى الأكثر إخلاصاً قامت بأعمال كبرى هناك، حيث نفذوا عمليات محمد رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) قبل عمليات الفتح المبين - العمليات التي قام بها هذا القائد الكبير و أصدقاؤه - و كانت نموذج لمشاركة الطلبة الجامعيين. و النموذج الآخر هو الطلبة الجامعيون الذين شاركوا في الهويزة، و التقيت عن طريق المصادفة أولئك الطلبة الجامعيين في اليوم الذي توجهوا فيه إلى ساحة القتال و المعركة - يوم 14 دي - و كان بينهم الشهيد علم الهدى، و الشهيد قدوسي و آخرون. كان ذلك في سنوات 60 و 61 و استمر هذا الحال حتى نهاية الحرب. و الواقع أن من القطاعات التي كانت تؤمِّن لنا قواتنا الناشطة على مدى ثمانية أعوام من الدفاع المقدس هي الجامعات. و بعد ذلك حينما أعيد افتتاح الجامعات بدايات عقد الستينات تشكل الجهاد الجامعي و كان من المرافق الحساسة و الباعثة على الفخر و الاعتزاز. و قبل ذلك أي في سنة 58 كان احتلال وكر التجسس أيضاً على يد النهضة الطلابية.
الطالب الجامعي من حيث هو طالب جامعي عضو في النهضة الطلابية. الشخص الذي شارك بنفسه في احتلال وكر التجسس قد يندم بعد مدة على فعلته - و لدينا بعض النادمين! الكثير من المشاركين في النهضة الطلابية، ابتلوا في فترات لاحقة بأمور الحياة و الدوافع المختلفة التي زلزلت أقدامهم - بيد أن التحرك الكبير هو تحرك الطلبة الجامعيين، و من أبرز الأمثلة على ذلك احتلال وكر التجسس.
هذا تاريخ فترة معينة لا تزال مستمرة إلى اليوم. طوال العهود المختلفة، و على امتداد عهد الثورة، و خلال الأحداث المختلفة و اللحظات الحساسة الخطيرة استطاع تواجد الطلبة الجامعيين المؤمنين، الملتزمين، المضحين، المطالبين بالعدالة توجيه الأجواء نحو الاتجاه السليم. هذه هي تصوراتي و نظرتي للنهضة الطلابية: نهضة معادية للاستكبار، و الفساد، و الارستقراطية، و سيادة البذخ و العسف، و ضد الميول التحريفية. هذه هي سمات النهضة الطلابية. كانت مساهمة الطلبة الجامعيين طوال أعوام الثورة مساهمة فاعلة و مؤثرة في الميادين المختلفة. كان الطلبة الجامعيون صنّاع خطاب.. أوجدوا فضاءً فكرياً، و سوّدوا الخطابات السياسية و الثورية في المجتمع.
كلامي طبعاً يختص بالكيان العام للطلبة الجامعيين. و قد يكون بعض الأفراد أو فئات من الطلبة الجامعيين على شاكلة أخرى.. لا نستغرب من ذلك و لا ننكره. هكذا هو الحال بلا شك. بيد أن الكيان العام للطلبة الجامعيين، و طبيعة عملهم و نزعاتهم و روحهم هي على ما ذكرت. الطالب الجامعي مناهض للظلم، مناهض للاستكبار، مناهض لهيمنة الأجنبي، يعشق المبادئ الكبرى، و متفائل بالوصول إلى هذه المبادئ. و الواقع أن مساهمة شريحة الشباب، و لا سيما الطلبة الجامعيون، هو الداينمو المحرك للمجتمع. على الطلبة الجامعيين التنبّه لهذه النقطة دوماً، و على الآخرين الاعتماد على الطلبة الجامعيين لبناء مستقبل البلاد.
و أذكر نقطة حول التنظيمات الطلابية؛ القصد طبعاً هو التنظيمات السياسية و الاجتماعية الطلابية أما التنظيمات العلمية فلها مجالها المختلف. التنظيمات الطلابية لها دورها دون مراء. و لكن ينبغي التنبه إلى أن التنظيمات الطلابية ليست أحزاباً بالمصطلح الدارج في العالم اليوم أو بالمعنى الذي تعرف به الأحزاب حالياً، بل هي شيء مختلف. التنظيم الطلابي يختلف عن الحزب. الأحزاب و التنظيمات السياسية بالمعنى الدارج و المألوف في العالم هي تنظيمات من أجل الوصول للسلطة. هكذا هي الأحزاب في العالم. أي إنها مجاميع تتشكل من أجل الإمساك بالسلطة السياسية في المجتمع. هذه هي طبيعة الحزب. أما التنظيمات الطلابية فلا تتأسس أبداً من أجل هذا الشيء و لا تروم الاستيلاء على السلطة. التنظيمات الطلابية تتشكل من أجل بلوغ المبادئ و هي فوق مسألة استلام السلطة السياسية و الحكومة. السلطة السياسية غير مهمة للتنظيمات الطلابية. طبعاً الأحزاب لا يسوؤها أن تستخدم المنظومات الطلابية للوصول إلى السلطة. و هذا ما نعتقد أنه غير صحيح، و على الطلبة الجامعيين أنفسهم التنبه لهذا المعنى. الأحزاب تروم الحصول على شيء و استلام السلطة، أما الطلبة الجامعيون فغالباً ما يضحون في أنشطتهم بأرواحهم و طاقاتهم و قدراتهم، و يقدمون أرواحهم إذا اقتضت الضرورة، و هذا ما شاهدتموه.
ثم إن التنظيمات الطلابية تخلق فرصة للطالب الجامعي للعمل الجماعي، و أنا ممن يؤمنون بالعمل الجماعي و اعتقد أنه مما يحتاج إليه الطالب الجامعي.. اكتساب المهارات المختلفة، المهارات السياسية، و الاجتماعية. و أنتم تعلمون أيها الشباب الأعزاء، الإخوة منكم و الأخوات، أن الطالب الجامعي محاط بشتى صنوف الخدع و الدوامات و الأخطار. هكذا هو الحال في بلادنا على الأقل. الطلبة الجامعيون أحد أهداف المؤامرات الاستكبارية في بلادنا، و السبب واضح. نسبة الشباب في بلادنا عالية جداً، و نسبة الطلبة الجامعيين أيضاً عالية، و للطلبة الجامعيين أدوارهم سواء في الحقول العلمية أو المجالات السياسية. الذين ينسجون المخططات لهذا البلد و لهذا الشعب مضطرون لأخذ الطالب الجامعي الإيراني بنظر الاعتبار.. من الجاذبيات الغريزية إلى الحيل السياسية، إلى الدكاكين المعنوية في ظاهرها - الأنماط المختلفة من العرفان - إلى الأنواع و الأساليب الأخرى الموجودة. التنظيمات يمكن أن تمنح الحصانة و تنقذ الطالب الجامعي و تحفظه من السقوط في الدوامات و الوحول. هذا دور يمكن للتنظيمات أن تقوم به. على مسؤولي التنظيمات التي تحمل عناوين مختلفة و تعمل بعناوين مختلفة أن يعتبروا أنفسهم معنيين جميعاً بهذا الهدف: مدّ يد العون للطالب الجامعي.
ثم إن على التنظيمات الطلابية الحذر من تضييع أهدافها. الأهداف الرئيسية للتنظيمات الطلابية هي تلك المكتوبة على ناصية النهضة الطلابية: مناوءة الاستكبار، و المساعدة على تقدم البلاد إلى الأمام، و المساعدة على الاتحاد الوطني، و المساعدة على تقدم العلم، و التواجد و المشاركة في الكفاح العام للشعب الإيراني من أجل الانتصار على المؤامرات و العداوات. هذه هي الأهداف الأصلية. و هي ما يجب أن لا ينساها طلبة الجامعات. طبعاً على التنظيمات بدورها أن لا تنفصل عن كيان الطلاب الجامعيين. أي يجب ان لا تكون التنظيمات سبباً في انقسام الطلبة الجامعيين. يجب أن تكون قريبة من طلبة الجامعات، أُنهي هنا الكلام عن قضايا الطلبة الجامعيين و قد طال بنا.
قضية إعادة قراءة الثورة قضية مهمة في رأيي. و الوقت الآن ليس واسعاً كي أتحدث بالتفصيل، كما أن وضع صدري و إصابتي بالزكام لا يسمح لي بهذا. أنا مصاب بالزكام منذ عدة أيام و لم أشأ تأجيل الموعد الذي كان لي اليوم معكم، لذلك جئتكم بهذه الحال. و هذا ما سوف يقيد كلامي معكم على كل حال.
من النقاط الجديرة بالذكر حول معرفة تاريخ ثورتنا الحافل هي أن نتفطن إلى أن بلادنا و بعد أن ابتليت بسنوات طويلة من الاستبداد الملكي، استطاعت أن تجد في ثورة الدستور فرصة لاستعادة أنفاسها. أي إن المتوقع هو أن تكون ثورة الدستور مجالاً لاستعادة هذا الشعب أنفاسه و منحه الحرية، لكن هذا لم يحصل، فقد صودرت هذه الثورة منذ بدايتها من قبل الأجانب و من قبل القوى المتسلطة على العالم آنذاك أو إحدى هذه القوى العالمية المتسلطة و أعني بها الدولة البريطانية.
بعد الفوضى التي وقعت في بدايات الثورة الدستورية بسنوات، فرضت هذه الدولة الأجنبية المتسلطة - أي بريطانيا - دكتاتوراً عنيفاً قاسياً و أخطر بكثير من ملوك ما قبل الثورة الدستورية - أي مظفر الدين شاه و ناصر الدين شاه - ألا و هو رضا خان. دكتاتورية رضا خان كانت أسوأ و أعنف لبلادنا و شعبنا بكثير من دكتاتورية ناصر الدين شاه و مظفر الدين شاه، و هي دكتاتورية جاء بها الإنجليز. و الواقع أننا لم ننتقل من زمن الاستبداد إلى زمن الحرية، إنما دخلنا عهد استبداد آخر ترافقه التبعية. بمعنى أن الشعب لم يذق طعم الحرية. لذلك حينما انطلقت النهضة الإسلامية في إيران، و أعلن الإمام أن الهدف من هذه النهضة هي استئصال الحكومة الاستبدادية و حكومة الهيمنة و إنهاء نفوذ الأجانب، لم يصدق ذلك الكثير من المناضلين القدماء و الأشخاص الذين كانوا ناشطين ضمن صفوف الكفاح. لم يكن بمقدورهم أن يتصوروا بشكل صحيح كيف يمكن لهذا أن يتحقق! و كيف يمكن للإنسان القضاء على الملكية في هذا البلد!؟ أتذكر أنه في السنوات الأخيرة من النضال و الكفاح - حينما طرح الإمام الخميني القضايا الأساسية حول نظام الحكم و شاعت هذه الطروحات بين الناس، و أعلن الإمام أن الشاه خائن و يجب أن يرحل - كان حتى بعض العناصر المكافحة و الناشطة و الجيدة - و التي كان لها أنشطة عديدة في الثورة بعد ذلك - تقول باستغراب: و هل هذا ممكن؟! كيف يطرح الإمام قضية الملكية؟ و هل يمكن مناهضة الملكية؟! لم يكونوا يصدقون. و السبب هو أن العهد الطويل للقمع و الاستبداد في هذا البلد ترافق مع نفوذ الأجانب و هيمنتهم و دعمهم للنظام الملكي. لكن هذا حدث، و فعلت النهضة الإسلامية العظيمة فعلها، و كذلك همم الشعب، و قيادة شخصية فذة كالإمام الذي كان للحق و الإنصاف شخصية نادرة. »الصبر« و »البصيرة«. رويت مراراً هذه الفكرة نقلاً عن كلمات الإمام أمير المؤمنين علي (عليه الصلاة و السلام): »لا يحمل هذا العلم إلا أهل البصر و الصبر«. البصيرة و الوعي و الصبر أي الاستقامة و الصمود و عدم التعب. توفرت هاتان السمتان في الشعب الإيراني و فعلت فعلها و انتصرت الثورة. و الواقع أن تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية كان استجابة لحاجة الشعب الإيراني التاريخية الطويلة. رفع الشعب الإيراني الجمهورية الإسلامية من قلب طموحاته التاريخية. و من البديهي لمثل هذا النظام النابع هكذا من صميم آمال الشعب القديمة أن يبقى. لهذا النظام القابلية على البقاء و النمو و التجذر، و ليس من السهل معاداته. و هذا ما حدث على أرض الواقع.
من المتيقن أنه ما من تيار مناضل آخر كان بمستطاعه القضاء على النظام الملكي في بلادنا سوى التيار الإسلامي و الديني الذي ظهر على الساحة. اعلموا هذا و اطمئنوا له أيها الشباب الأعزاء. ما من تيار آخر، و لا أي حزب، و لا أية منظومة مناضلة كان بوسعها إسقاط النظام الاستبدادي التابع للقوة الأمريكية في هذا البلد. و قد كانت جميع التيارات المناضلة القديمة في هذا البلد قد عطلت و عطبت، سواء التيارات اليسارية أو التيارات اليمينية، أو المجاميع المسلحة. كل هذه المجاميع كانت قد قمعت من قبل تلك الأجهزة في سنوات 54 و 55. الشيء الوحيد الذي كان بوسعه إسقاط ذلك النظام الباطل هو الأمواج الشعبية الهائلة، و التواجد المتلاحم للجماهير، و هذا بدوره لم يكن متاحاً إلا بالمحفزات الدينية وبقيادة رجال الدين المجاهدين و مرجع كالإمام الجليل. و بعد ذلك حينما سقط ذلك النظام الفاسد لم يكن بوسع أي نظام آخر سوی نظام الجمهورية الإسلامية - لا النظم اليسارية و لا النظم اليمينية - لم يكن بوسعه فيما لو استلم زمام الأمور أن يصمد و يقاوم حيال نفوذ العدو و تدخله.
شاهدنا الثورات التي حصلت قبل سنوات من ذلك، سواء اليسارية منها أو المعتدلة، كيف نسفها النفوذ و التدخل الأمريكي.. التدخل السياسي، أو العسكري، أو الحصار الاقتصادي. انظروا حالياً لأوربا الشرقية التي كانت قطباً مهماً للحكومات الاشتراكية اليسارية، و لاحظوا أن الأمور انتهت بهم إلى أن تنصب القوات العسكرية و أنظمة الصواريخ الأمريكية في نفس هذه البلدان اليسارية سابقاً في أوربا الشرقية، و يتواجد الأمريكان فيها! إذن، ما كان بوسع نظام سوى الجمهورية الإسلامية المقاومة إزاء نفوذ أمريكا و ضغوطها.
و نشير أيضاً إلى هذه النقطة: السبب في عداء الاستكبار و على رأسه أمريكا و الشبكة الصهيونية العالمية - العميق الذي لا يقبل المصالحة للجمهورية الإسلامية ليس هذا الكلام الذي يقال هنا و هناك أحياناً، سواء الأمور التي يرفعون هم شعاراتها أو التصورات التي يحملها البعض في الداخل. المسألة هي أن الجمهورية الإسلامية لها »رفضها« و لها »إثباتها«.
رفض الاستغلال، و رفض الخضوع للهيمنة، و رفض إهانة الشعب من قبل القوى السياسية في العالم، و رفض التبعية السياسية، و رفض نفوذ و تدخل القوى العالمية المهيمنة في البلد، و رفض العلمانية الأخلاقية، و الإباحية، هذه أمور ترفضها الجمهورية الإسلامية بكل حسم.
و ثمة أمور تثبّتها الجمهورية الإسلامية كالهوية الوطنية، و الهوية الإيرانية، و تكريس القيم الإسلامية، و الدفاع عن مظلومي العالم، و السعي لفتح القمم العلمية و عدم الاكتفاء بالاتباع في المسائل العلمية بل فتح قمم العلم و المعرفة.. هذه هي من الأمور التي تصرّ عليها الجمهورية الإسلامية.
هذا الرفض و الإثبات هما سبب عداء أمريكا و الشبكة الصهيونية العالمية. إذا وافقنا النفوذ الأمريكي فسوف تقل العداوات. و إذا رضينا أن يهان شعبنا من قبل الأجانب و بمختلف الطرق، و تركنا جانباً الدفاع عن الهوية الوطنية أو القيم الإسلامية فلا شك أن العداوات ستقل بنفس النسبة. و هذا هو معنى قولهم إن على الجمهورية الإسلامية تغيير سلوكها. سمعتم بعض المسؤولين السياسيين في البلدان المستكبرة مثل أمريكا يقولون حينما يتحدثون عن إيران: نحن لا نقول يجب إزالة الجمهورية الإسلامية، بل نقول يجب أن تغيّر الجمهورية الإسلامية من سلوكها. هذا هو معنى يجب أن تغيّر من سلوكها. معناه أن تتخلى عن هذا الرفض و الإثبات. هذا ما يريدونه.
بهذا الصمود على ما ترفضه الجمهورية الإسلامية و ما تثبّته استطاعت مواجهة جبهة واسعة مجهزة بشتى أنواع الإمكانيات و المقاومة أمامها. و هذه هي نفس الحال التي شهدناها خلال ثمانية أعوام من الدفاع المقدس حيث تعاضد الشرق و الغرب و أوربا و الناتو و بعض البلدان العربية و الكل ضد الجمهورية الإسلامية، لكن الجمهورية الإسلامية استطاعت بالتالي فرض التراجع عليهم جميعاً بينما لم تتراجع هي أبداً. و تكررت هذه الحال على المستوى السياسي و في أعوام ما بعد الحرب إلى يومنا هذا.. أي إن الجمهورية الإسلامية استطاعت الوقوف بوجه الجبهة العظيمة التي تشكلت حيالها. أي إنها لم تتراجع أبداً، و ليس هذا و حسب بل تقدمت إلى الأمام و وجهت الضربات للعدو.. هذا ما حصل.
لاحظوا الوضع الحالي لأمريكا في الشرق الأوسط، و لاحظوا ما كانت عليه قبل خمسة عشر عاماً و انظروا كيف هو حال أمريكا في الشرق الأوسط. يزداد كره الناس لها يوماً بعد يوم، و تزداد ذلة و إخفاقاً يوماً بعد يوم.. في القضية الفلسطينية بشكل، و في قضية لبنان بشكل، و في قضايا العراق و أفغانستان بشكل. لقد فشلت أمريكا في مخططاتها للشرق الأوسط، و غالباً من كان المستهدف في هذه المخططات هي الجمهورية الإسلامية قبل تلك البلدان. تلقّت أمريكا الضربات و استطاعت الجمهورية الإسلامية أن تقف و تصمد. طبعاً كانت المؤامرات متعددة و كثيرة.. في العقد الأول من الثورة بشكل من الأشكال، و في العقدين الثاني و الثالث للثورة كانت المؤامرات بأشكال متنوعة - و ليس ثمة متسع من الوقت لذكر التفاصيل - على أن النقطة الرئيسية التي ينبغي للطلبة الجامعيين و المنتسبين الأعزاء للجامعات و كذلك كل أبناء الشعب لا سيما النخبة و الواعون أن يتنبهوا لها هي أن نظام الجمهورية الإسلامية يتمتع بالقوة و الاقتدار الذاتي. و قد استطاع الصمود لحد اليوم طوال هذه الأعوام الثلاثين. انصبت كل هممهم على سحق الجمهورية الإسلامية و القضاء عليها، لكنها لم تسحق أبداً، بل ازدادت قوة في المجالات المختلفة باضطراد.
هذه القدرة على البقاء و الاقتدار و إمكانية البقاء يجب أن تحفظ. ليس الأمر أننا مهما عملنا و بأية طريقة سرنا - حتى بطريقة اللا أبالية و عدم الاهتمام بواجباتنا الحساسة - فستبقى إمكانية المقاومة كما كانت. كلا، ينبغي الحفاظ على نظام الجمهورية الإسلامية بالمعنى الحقيقي للكلمة كي يمكن إنفاع الشعب بمصالحه و مصالح بلاده، و لكي يمكن إيصال هذا الشعب إلى ذروة رقية و طموحاته و مبادئه.
المهم هو أن لنظام الجمهورية الإسلامية بنية حقوقية و رسمية هي الدستور، و مجلس الشورى الإسلامي، و الحكومة الإسلامية، و الانتخابات - هذه الأمور التي تشاهدونها - و حفظ هذه المفاصل مهم و واجب بالطبع لكنه غير كافٍ.
ثمة دائماً في باطن البنية الحقوقية بنية حقيقية أو هوية حقيقية و واقعية ينبغي المحافظة عليها. البنية الحقوقية بمثابة الجسم و القالب، و الهوية الحقيقية بمنـزلة الروح و المعنى و المحتوى. إذا تغير المعنى و المحتوى فلن يعود للبنية الظاهرية و الحقوقية من فائدة حتى لو بقيت على حالها دون تغيير، كما أنها لن تستمر، فحالها سيكون كحال السن المنخور من الداخل.. ظاهره سليم لكنه يتحطم بأول ارتطام له بجسم صلب. تلك البنية الحقيقية و الواقعية و الداخلية هي المهمة، فهي بمثابة الروح من هذا الجسد. ما هي تلك البنية الداخلية؟ إنها مبادئ الجمهورية الإسلامية: العدالة، و كرامة الإنسان، و حفظ القيم، و السعي لتكريس الأخوة و المساواة، و الأخلاق، و الصمود حيال نفوذ الأعداء.. هذه هي عناصر البنية الحقيقية و الداخلية لنظام الجمهورية الإسلامية. إذا ابتعدنا عن الأخلاق الإسلامية، و إذا نسينا العدالة، و تركنا شعار العدالة لأغبرة العزلة، و إذا استهنّا بالحالة الشعبية لمسؤولي البلاد، و إذا نظر مدراء إيران ككثير من مدراء البلدان الأخرى للمسؤولية كوسيلة و كمصدر ثروة و سلطة، و إذا غابت هموم الخدمة و التضحية من أجل الشعب عن أذهان المسؤولين و ممارساتهم، و إذا أقصيت و ألغيت و طردت من أذهان المدراء النـزعة الشعبية و التبسط في العيش و اعتبار أنفسهم في مستوى عموم الناس، و إذا نسيت المقاومة إزاء تطاول العدو و تجاوزاته، و إذا ساد الخجل و التردد و ضعف الشخص أو ضعف الشخصية على العلاقات السياسية و الدولية لدى مسؤولي البلاد، إذا فقد أو ضعف هذا اللباب الحقيقي و هذه العناصر الرئيسة من هوية الجمهورية الإسلامية الواقعية، فإن البنية الظاهرية للجمهورية الإسلامية لن تستطيع فعل الكثير، و لن تؤثر كثيراً، و صفة »الإسلامي« بعد مجلس الشورى حيث نقول مجلس الشورى الإسلامي، و حكومة الجمهورية الإسلامية لن تستطيع لوحدها فعل شيء. أساس القضية هي أن نحرس تلك الروح، و لا نفقد تلك السيرة و لا ننساها، و لا ترتاح ضمائرنا لمجرد حفظ الشكل و القالب. اهتموا بالروح و المعنى و السيرة. هذا هو أساس القضية.
و أقول لكم إن تغيير السيرة و تغيير تلك الهوية الحقيقية يحصل بنحو تدريجي و هادئ جداً. غالباً ما لا يتنبه البعض لهذا التغيير أو إن الكثيرين لا يتفطنون له. و قد ينتبه له الجميع بعد فوات الأوان. ينبغي التدقيق كثيراً. العين البصيرة للطبقة المتنورة المثقفة في المجتمع - أي الطبقة الجامعية - و العين البصيرة للطلبة الجامعيين ينبغي أن ترى نفسها دوماً مسؤولةً عن هذه المهمة.
النظام الإسلامي نظام إسلامي في ظاهره و باطنه، و ليس نظاماً إسلامياً في الظاهر فقط. مجرد أن تكون في الدستور شروط لرئيس الجمهورية، و القائد، و رئيس السلطة القضائية، و لمجلس صيانة الدستور، و لهذا الطرف أو ذاك، فهذا لا يكفي رغم أنه شيء لازم. ينبغي الحذر من الانحراف عن الأهداف و المبادئ و الاتجاهات. و هذا ما كنّا نكافح من أجله طوال هذه السنوات المديدة خصوصاً بعد انتهاء الحرب و رحيل الإمام. كانت هذه من القضايا الأساسية في العقدين المنصرمين. بذلت جهود جمة لسلخ الجمهورية الإسلامية عن روحها و معناها. بذلوا جهوداً حثيثة و بأشكال مختلفة سواء على الصعد السياسية، أو في الميادين الأخلاقية، أو على المستويات الاجتماعية، و عبر التصريحات و الأقوال التي أطلقت. شهدنا فترة دعت فيه صحافتنا رسمياً و علنياً لفصل الدين عن السياسة! بل شككوا في فكرة الوحدة بين الدين و السياسة و هي أساس الجمهورية الإسلامية و أساس التحرك العام للشعب. هل فوق هذا شيء؟! في فترة ما لوحظ أن صحافتنا دافعت علناً و صراحةً عن النظام البهلوي الظالم المتجبر السفاك! من أجل أن لا يحدث مثل هذا و لأجل مواجهة هذا الانحراف يمكن تكريس التخوم العقيدية و الفكرية و السياسية. ينبغي أن تكون مميزات و علامات الهوية الإسلامية واضحة: ميزة طلب العدالة، و ميزة بساطة عيش المسؤولين، و ميزة الدفاع عن الحقوق الوطنية. الدفاع الشجاع عن حقوق الشعب إحدى المميزات، و مثال ذلك الحق النووي و القضية النووية. هذه إحدى عشرات الأمور التي تحتاجها بلادنا، و ليست القضية الوحيدة. و لكن حين ركّز العدو على هذه النقطة صمد شعبنا بدوره عليها. بالنسبة لهذه النقطة التي ركز عليها العدو، إذا تراجع الشعب و المسؤولون و غضوا الطرف عن هذا الحق الناصع القاطع، فلا شك في أن الطريق سيُفتح أمام العدو للتطاول على الحقوق الوطنية.
اجتناب الحالة الارستقراطية ظاهرة كانت مشهودة في ثورتنا، و قد حاول البعض حلحلتها تدريجياً. لهذه القضية تأثيرها في قضايانا الاقتصادية و النفسية. النـزعة الارستقراطية كانت قيمة سلبية في الثورة أي إن الأشخاص و على شتى المستويات كانوا يتجنبون بشدة أن ينسبوا إلى الارستقراطية أو أن تلاحظ عليهم أمور تعد من مميزات النـزعة الارستقراطية. مسؤولو البلاد بالدرجة الأولى ملتزمون بهذه الحالة و يجب أن يكونوا كذلك. لكن هذه الحالة ضعفت شيئاًَ فشيئاً. و اليوم عاد لحسن الحظ و لله الحمد تيار مناهضة النـزعة الارستقراطية و اعتبارها قيمة سلبية، بمعنى أن الحكومة و مسؤوليها شعبيون و متبسطون في معيشتهم و هذه فرصة جيدة جداً، و هي نعمة كبيرة و أحد المعايير.
و قيمة الجهاد و الشهادة معيار آخر من هذه المعايير. قيمة الجهاد و منـزلة الشهادة السامقة كانت من الأمور التي جرى التشكيك فيها من قبل بعض العناصر و الأيادي. شككوا في الجهاد و في الشهادة. هذا أحد المعايير و ينبغي أن يبرز. احترام الشهداء و احترام الجهاد و المجاهدين ينبغي أن يكون من الأجزاء البارزة في راية الجمهورية الإسلامية فتعرف هذه الجمهورية بالجهاد و الشهادة.
الثقة بالشعب و الإيمان الحقيقي بمشاركته. البعض يذكرون اسم الشعب لكنهم لا يؤمنون إيماناً حقيقياً بمشاركته. أساس الجمهورية الإسلامية هو الثقة بالشعب و الإيمان بمشاركته و دوره.
و من المعايير و المميزات أيضاً الشجاعة حيال هيبة العدو. إذا شعر مسؤولو البلاد بالرعب و الخوف أمام الأعداء فستنـزل بالشعب ويلات جسيمة. الشعوب التي ذلت للعدو و قهرت من قبله كانت في الغالب شعوباً لها مسؤولون - حداة قافلة الشعب - لا يمتلكون الشجاعة و الثقة بالنفس اللازمة. أحياناً تكون هناك بين أبناء الشعب عناصر مؤمنة، ناشطة، مضحية، مستعدة للفداء، و لكن حين لا يكون الرؤساء و المسؤولون أنفسهم على استعداد لذلك فإن قواتهم سوف تتلاشى أيضاً و بذلك تضمحل هذه الإمكانية و تزول. يوم تعرضت مدينة إصفهان في عهد الشاه سلطان حسين للهجوم و النهب و تعرض الناس للمذابح و زالت الحكومة الصفوية العظيمة كان هنالك الكثير من الأفراد الغيارى المستعدون للقتال و المقاومة، لكن الشاه سلطان حسين كان ضعيفاً. إذا ابتليت الجمهورية الإسلامية بأمثال الشاه سلطان حسين و بمدراء و مسؤولين لا يتحلون بالجرأة و الشجاعة و لا يشعرون بقدراتهم الذاتية و بالقدرات و القوى الموجودة لدى شعوبهم فإن أمر الجمهورية الإسلامية سوف ينتهي.
التقرب إلى الشعوب المسلمة.. الشعوب المسلمة هي العمق الاستراتيجي لنظام الجمهورية الإسلامية. لماذا تحاول الدعايات العجيبة الغريبة التي تبثها أمريكا و بريطانيا التفرقة بين الشعوب المسلمة و شعب إيران؟ لماذا؟ عن طريق النعرات القومية و نعرات السنة و الشيعة؟ لأنهم يعلمون أن تلك الشعوب تمثل العمق الاستراتيجي للجمهورية الإسلامية. الشعب يستند إلى عمقه الاستراتيجي. لا يريدون لشعب إيران و نظام الجمهورية الإسلامية أن يتمتع بهذا الدعم و المناصرة التي يحظى بها في البلدان المختلفة و هي مناصرة منقطعة النظير. لا تجدون في أي بلد أن الجماهير هناك - و ليس الساسة - يحترمون و يكرّمون رؤساء البلدان الأخرى و يرفعون صورهم و يذكرون أسماءهم بهياج، باستثناء ما يحصل لرؤساء الجمهورية الإسلامية. أينما ذهبتم من البلدان المسلمة حيث توجد آثار و تأثيرات للجمهورية الإسلامية تعرب الجماهير عن مشاعرها تجاه الجمهورية الإسلامية بهذه الطريقة. العدو لا يريد هذا. العدو لا يريد مثل هذه الأواصر. و على الجمهورية الإسلامية أن تعتبر هذا أحد واجباتها. هذا من المعايير الرئيسة.
و لكم أن تنظروا الآن في كتابات أشخاص هم إما قصيرو النظر - و هذا ما نقوله إذا نظرنا للمسألة نظرة حسنة - أو إذا نظرنا نظرة سلبية قلنا إنهم مغرضون و خونة، حيث انتقدوا مراراً و بصراحة و لا زالوا أواصر الجمهورية الإسلامية بالشعب اللبناني، و بشعب العراق، وبشعب أفغانستان، و بشعب فلسطين. لاحظتم أن هذا ما يقال للأسف في صحافتنا و من على بعض منابرنا السياسية. و هذه مناهضة لأحد المعايير و المميزات الأساسية للجمهورية الإسلامية. كلا، الجمهورية الإسلامية ترى مصالح الشعوب المسلمة مصالحها، و هي على ارتباط بهم و تدافع عنهم.. إنها تدافع عن المظلوم، عن الشعب الفلسطيني. هذه هي المعايير التي ينبغي أن تُبرّز. الطالب الجامعي و المنتسبون للجامعات، و خصوصاً الطالب الجامعي يمكنه ممارسة دوره في هذا الميدان.. ميدان حفظ المعايير و تكريسها و إجلاء الخصائص الحقيقية للجمهورية الإسلامية، و هذا ما عدا الخصائص الظاهرية كالأسماء و المناصب الرسمية و الحقوقية و ما إلى ذلك. يمكنكم أن تساهموا و تبادروا. طبعاً شعبنا شعب يقظ لحسن الحظ.
من الشؤون المهمة التي أردت أن أطرحها اليوم هي قضية التقدم و العدالة - و قلنا إن العقد الرابع هو عقد التقدم و العدالة - و لكن مضى الوقت، ثم إنني لا أريد مضايقتكم أكثر من هذا بالوضع الذي حصل لحنجرتي. إنما أذكر بعض النقاط باختصار و أترك الموضوع للقاء طلابي آخر إن شاء الله.
أقول لكم أيها الشباب الأعزاء إنه على الرغم من كل ما حصل خلال هذه العقود الثلاثة - المؤامرات المختلفة، و صنوف الإيذاء، و مؤامرات الإسقاط و الانقلاب في السنوات الأولى و العقد الأول للثورة، و إلى الحرب المفروضة، ثم إلى المؤامرات التي تسمى رقيقة و مرنة بعد العقد الأول و بعد انتهاء الحرب و إلى هذا الحين - فإن الشعب الإيراني و الجمهورية الإسلامية أثبتت أنها جديرة بالبقاء.. وقفت بقوة. و بعد الآن أيضاً لن تستطيع أحداث العالم المختلفة زعزعة هذه الشجرة المتينة العظيمة. هم لم يستطيعوا استئصالها يوم كانت غرسة يانعة، أما اليوم فتحولت إلى شجرة هائلة متجذرة. ليس بوسعهم زعزعة الجمهورية الإسلامية. علينا أن نحذر من أن ننخر و نتهرأ داخلياً. إذا حافظنا على سلامتنا المعنوية و سرنا في الطريق الذي رسمه لنا الإسلام و الجمهورية الإسلامية و لم ننحرف عنه فلسنا خائفين من العدو الخارجي على الإطلاق، و لن يستطيع إلحاق أي ضرر بنا.
السياسات الاستكبارية، و سياسات أمريكا، و سياسات الشبكة الصهيونية العالمية التي تستهدف بالدرجة الأولى الجمهورية الإسلامية لأسباب واضحة، ليس بوسعها القضاء على الجمهورية الإسلامية. و هي ليست عاجزة عن القضاء عليها و حسب، بل و عن إبطاء حركتها أيضاً. بوسعنا المضي في مسيرتنا بسرعة. و نتوقع مؤامرات العدو بالطبع، فهذه المؤامرات ستستمر إلى حين معين، و هذا الحين المعين هو الاقتدار الشامل للبلاد و هذه هي مهمتكم أنتم الطلبة الجامعيين و جيل الشباب. يوم استطعتم إيصال البلد لمحطة الاقتدار العلمي و الاقتدار الاقتصادي، و يوم تمكنتم من توفير العزة العلمية لبلادكم، عندها ستقل المؤامرات طبعاً، لأن الأعداء سوف ييأسون. و طالما لم نصل إلى تلك المحطة يجب توقع المؤامرات و الاستعداد لمواجهتها. و سوف تكونوا أقوى و يكون عدوكم أضعف مع كل يوم يمرّ إن شاء الله، و لن يكون يوم انتصار الشعب النهائي بعيداً بمشيئة الله.
ربنا، اجعل ما قلناه و سمعناه لك و في سبيلك و مقبولاً عندك. ربنا أنزل بركاتك على نظام الجمهورية الإسلامية، و فدائيي هذا النظام، و شهداء طريق مبادئ هذا النظام، و على إمام هذا النظام الجليل. أنزل رحمتك و فضلك على هؤلاء الشباب الأعزاء و على كل شباب البلاد و طلبتنا الجامعيين. اجعلنا دوماً من جنود هذا الطريق و السائرين عليه. أمتنا اللهم على هذا الطريق. اللهم أرفع يوماً بعد يوم من درجات شهدائنا الأبرار.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته