بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً أرحب بالإخوة و الأخوات الأعزاء نواب الدورة الثامنة من مجلس الشورى الإسلامي. أهلاً بكم في حيّز إدارة الثورة الإسلامية و نظام الجمهورية الإسلامية.. هذا الحيّز العظيم و البالغ الحساسية. و نتمنى أن تستطيعوا في هذه الساحة البالغة الأهمية و الحساسية و المفعمة بالأجر و الثواب خلال فترة نيابتكم - في غضون الأعوام الأربعة التي تستقبلونها - أن تحرزوا لأنفسكم كتابَ الأبرار إن شاء الله » إن كتاب الأبرار لفي عليين « و تشكلوا لأنفسكم ملفاً زاخراً بالعمل و المفاخر عند الكرام الكاتبين. و نشكر حضرة الدكتور السيد لاريجاني رئيس المجلس المحترم الذي ألقى كلمة ناضجة متينة.

الشعور بالواجب مبدأ
الشيء الذي يحظى برأيي بالدرجة الأولى من الأهمية في هذا اللقاء و أمثال هذا اللقاء هو أن نشعر أننا في مقام العبودية لله و في حضرته و مسؤولون أمام التكاليف الإلهية في هذا الموقع و المسؤولية التي توليناها. هذا هو أساس القضية.
كل اختلاف وجهات النظر و الأذواق و المحفزات المختلفة المعقولة التي لدى شخص معين قد تتباين عن محفزات معقولة أخرى. الأمر يشبه تيارات ماء متعددة تدخل بحراً هادئاً مستقراً أو بحيرةً آمنة ساكنة فتلتقي عندها. إذا استطعنا توفير هذا الفضاء الآمن و النقاء المعنوي في مجال عملنا، و تحقيق هذه الجنة المعنوية لأنفسنا، فلن تعود للمسائل الأخرى أهمية تذكر، و لن تخلق لنا مشكلات خطيرة.. أساس القضية يكمن هنا و لا بد من معالجته.
نظام الجمهورية الإسلامية تشكل أساساً استجابةً لدعوة الأنبياء و محورها الأساسي الوصول بالإنسان إلى التكامل المعنوي، و هذا ما لا يتاح إلا في ظل إيجاد عالم حافل بالحسنات و المعروف يجعل الحياة طيبة ممكنة الاحتمال عند الإنسان؛ و من أبرز هذه الحسنات هي العدالة. إذن تشكيل المجتمع العادل هدف. لكنه هدف وسيط.
إننا نروم بلوغ المجتمع الإلهي العادل.. المجتمع الإسلامي.. كي نستطيع في ظل هذا النظام الإلهي أن نرفع أنفسنا في مدارج التكامل وصولاً إلى قمة الأمان و السكينة.
قضية عالم ما بعد الموت و الحياة الحقيقية » و إن الدار الآخرة لهي الحيوان «.. الحياة الواقعية بعد اجتياز هذا الطور من الحياة، لها تأثير كبير في تنظيم أعمالنا و سلوكنا. هذه الآيات التي تليت الآن. » قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم و أهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين «. هذا هو الخسران الحقيقي.
فقدان المال، و فقدان الروح، و فقدان الأحبة، و فقدان ملذات الحياة، خسائر تنـزل بالإنسان في هذه الدنيا، لكنها ليست الخسائر الحقيقية. أحياناً تكون هذه الأشياء التي قد تبدو لنا خسائر و فقدان أشياء معينة وسيلة تحفظنا من تلك الخسارة الحقيقية الكبرى. لذا فإن قضايا الفوز و الخسارة، و التقدم و التأخر، و الجاه أو عدم الجاه، و الشعبية أو السقوط من أعين الآخرين، تعد في إطار الدنيا المادية و في هذه الحياة التي كلفنا فيها بالعمل و الجد و الجهاد، تعد قضايا ثانوية و فرعية تماماً. أساس القضية هي ذلك الشيء الحقيقي و الذي يتحقق عبر العمل بالتكليف الإلهي.

الواجبات المرسومة لكم
في فترة رئاستي للجمهورية طلبت من أحد الأفاضل كنت أحترمه و أجلّه دائماً أن ينصحني بشيء أو يأمرني. و كان ما كتبه لي في الجواب هو: أنظر ما الواجب المقرر لك فافعله، و ما هو المحرم عليك فاتركه، و ما هو المشتبه عليك فاحذر منه. قد تبدو هذه فكرة عادية جداً يعلمها الجميع و يفهمونها. و أنا أيضاً حينما نظرت للوهلة الأولى قلت إنني أعرف هذا الشيء، لكنني حينما دققت بعد ذلك وجدت الأمر مختلفاً إذ أن هذا هو منتهى الكلام و حجر الزاوية.
لو نظرنا بدقة لوجدنا أن هذا هو أصعب و أثقل الأعمال بالنسبة للإنسان الذي لا يستطيع الإمساك بزمام نفسه و الانتصار على ميوله و نزواته.. من الصعب عليه جداً أن ينظر إلى الواجب و يبحث عنه حقاً. و حينما يری الواجب ينهض به و ينفذه بشجاعة، و حسم، و بشاشة، و طيب خاطر، و عدم اهتمام للتبعات الدنيوية من قبيل ما الذي سيقوله فلان، و ما سيكون موقف فلان، و ما سيكون مستقبلي لو قلت هذا، و لو اتخذت الموقف كذا، و سرت في النهج كذا؟ من دون هذه الملاحظات.
إذا لم نستطع التغلب على أنفسنا و نزعاتنا، لكانت تلك من أصعب الأعمال، و هذه الأعمال الأصعب هي التي بوسعها رفعنا إلى أرقى القمم و المراتب. هذا هو أساس القضية.

المجلس مُصمّم برمجيات مسيرة البلاد
تارة يدرِّس الإنسان في مدرسة معينة.. مثلي أنا » الطلبة « الذي أدرس أو أدرِّس في حجرة، أو قاعة، أو جامعة، أو في ورشة، أو في إدارة شركة معينة؛ أو أتولى إمامة مسجد من المساجد حيث تقع على عاتق الإنسان مسؤولية معينة. تارةً تكون هذه هي الحالة، و تارةً يكون الإنسان في موقع بالغ الحساسية هي موقع التشريع لبلاد و لشعب بأكمله.
كما قلنا فإن هذا القانون الذي تعدونه أنتم هو في الحقيقة برمجيات المسيرة الكبرى للبلاد. البلد، و الشعب، و سبعون مليوناً من السكان، و هذا بحد ذاته شيء جد خطير و عظيم، إنما هي مسؤوليات جسيمة أينما كانت من العالم و مهما كانت طبيعة ذلك الشعب، بيد أن القضية أعلى حتى من هذا في ظروفنا الراهنة. القضية هي أن بلادكم، و ثورتكم، و نظامكم الجمهوري، فتح طريقاً جديداً أمام الإنسانية. هذه ليست مجاملات.. إنها أعماق الأفكار التي قامت الثورة الإسلامية و الجمهورية الإسلامية على أساسها.
انظروا إلى الدنيا و الأنظمة الاقتصادية من حولكم.. لم يتشكل العالم المعاصر على أساس إنقاذ الإنسان. و هذا ليس بالشيء الذي يحتاج لبراهين و أدلة. انظروا إلى قمم الحضارة المعاصرة الرفيعة أو الديمقراطيات الدارجة و المعروفة و لاحظوا على ماذا يجري الصراع. على محور أي الأشخاص و الأشياء تدور الأنظمة. كم يعيرون أهمية و يخلصون نواياهم لأجل الإنسان، و لأجل كرامة الإنسان بما هو إنسان. كم هي مهمة بالنسبة لديهم حقوق الشعوب، و كم يمكن تقييد الذات في التعدي على حقوق الآخرين و الحؤول دون التطاول على حقوق الآخرين. لاحظوا إلى أي حد تمثل هذه الأقوال محور حركة الأفراد و نشاطهم و أفكارهم في العالم.. لا أهمية لهذه الأقوال.
ذات مرة قال الإمام الخميني إن البعض ينتظرون أن تمتلأ الدنيا بالظلم و الجور حتى يظهر الإمام المهدي. ثم قال إن الدنيا اليوم مليئة بالظلم و الجور، ألا ترون ما الذي يحدث في العالم؟ ألا ترون ما الذي يجري على الشعوب؟ ألا ترون كيف يتعاملون مع الإنسانية؟ ألا ترون كيف غابت العدالة و عُزلت؟ ثمة نماذج كثيرة دائمية يومية للظلم و الجور يمكن ملاحظتها في كل مكان من العالم. نظام الجمهورية الإسلامية صرخة عالية بليغة تستند إلى فكر رصين، ارتفعت بوجه هذا الواقع الهائل الوحشي الأعمى.

تحدينا للنظام العالمي المهيمن ليس بمعنى حربنا ضده
حينما يقول البعض أحياناً - و هو قول صائب - إننا نتحدى النظام المهيمن على العالم و لدينا مشكلاتنا معه، فهذا شيء واقعي. هذه هي طبيعة الإسلام » فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى «. هذا هو معنى الإسلام. أي إن الإيمان بالله لا يكفي لوحده، إنما الكفر بالطاغوت؟ معناه الكفر بهذه الأنظمة المهيمنة في العالم اليوم.
و ليس معنى هذا أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستحمل السلاح و تسير هنا و هناك لتقاتل أنظمة العالم، كلا، هذا كلام ساذج جداً. إنما الكلام حول طرح فكرة جديدة و طريق جديد أمام الإنسانية.. مثل دعوة الأنبياء.. هكذا هي دعوة الأنبياء.. » الذين يبلغون رسالات الله« .
التبليغ هو أساس القضية في دعوة الأنبياء.. أن يبلغوا و يوصلوا الرسالة. لهذا » الإيصال « طرق مختلفة، و أفضل الطرق هو إيجاد منظومة تنهض على أساس هذه الأفكار و تستطيع توفير السمات البارزة لتلك الأفكار في نفسها و عرضها أمام الناس في العالم. و هذا هو ما تعتزم الجمهورية الإسلامية القيام به. أن نوجد نظاماً إسلامياً عادلاً يبتني على الفكر الإسلامي و نرفعه و نعرضه على العالم. لا ضرورة إطلاقاً لتحريك الجيوش نحو مكان معين أو التصرف بطريقة عسكرية و بأنحاء مختلفة مع الأنظمة الموجودة. لا ضرورة لهذا إطلاقاً. يكفي أن نعرض تجربتنا.
و لاحظوا أنه يوم أطلق الإمام الخميني هذا الهتاف البليغ، غاص هذا الهتاف إلى أعماق قلوب الشعوب المسلمة و غير المسلمة في حالات كثيرة، و كسب أنصاراً بنحو لم يكن بوسع أي عمل إعلامي من قبلنا - أعمال كتابية أو شفهية - أن يوصل هذه الرسالة للعالم بهذه القوة و ينقلها إلى القلوب. طبيعة هذا الهتاف، و طبيعة هذا البيان، و عرضه على الآخرين هي أنه يجتذب إليه القلوب. هذا ما نريده.
في إنجاز مثل هذا العمل الكبير، أي تأسيس نظام بهذه الخصائص و السمات، تساهم مختلف السلطات: السلطة التنفيذية، و السلطة التشريعية، و السلطة القضائية. و السلطة التشريعية هي كما ذكرنا مُعِدَّة برمجيات هذه الحركة العظيمة. لاحظوا كم هي مهمة هذه القضية.
ليست المسألة أننا تنافسنا مع شخص آخر مثلنا في المدينة الفلانية، و قمنا بعمل إعلامي، و قام هو بعمل إعلامي، و انتصرنا عليه في نهاية المطاف فصعدنا إلى المجلس و بدأنا نجلس على المقعد في هذه القاعة. ليست هذه هي القضية.. القضية فوق هذا بكثير.
الشخص الذي يدخل هذه الساحة يتقبل مسؤولية هي في الحقيقة مسؤولية إلهية عميقة. إنها مسؤولية بالمعنى الحقيقي للكلمة.. » لتسئلن يومئذ عن النعيم «.. سوف يسألونكم. إنكم مسؤولون. هذا هو لباب ما نريد أن نقوله للإخوة و الأخوات الأعزاء، و نسأل الله إن يوفقكم.
من أجل تحقيق هذا المعنى ذكرنا توصيات معينة في النداء الذي وجّهناه لكم و كانت تلك التوصيات على أساس تجربة هذه الأعوام الطويلة من المجالس المتعددة و النواب الكثار. أعتقد أن النقاط القليلة التي ذكرت هنا هي النقاط الأساسية و سوف أذكر بعضها الآن ضمن الحدود التي تطيقونها و لا تسبب لكم التعب.

أساس الديمقراطية الدينية
يجب أولاً إيضاح نقطة تأسيسية هي أن حالة نيابة الشعب لها جذور جد عميقة في الفكر الإسلامي. قضية هذه النيابة ليست قضية اتباع للعرف الدارج في العالم، و لأن في العالم انتخابات و ديمقراطية لذا يجب علينا أن لا نتخلف عن العالم.. نظير بعض هذه البلدان التي ترون أنها تصطنع شكلاً ظاهرياً للديمقراطية و تؤسس شيئاً باسم مجلس الشورى ليست له أية حقيقة.. و كذلك الحال في الأنحاء التي تقام فيها انتخابات.
أساس أفكارنا ليست من هذا القبيل. لدينا أسس واضحة. الولاية في الرؤية الإسلامية خاصة بالله. أي لا يوجد لأي إنسان ولاية على إنسان آخر. ليس لدينا في الإسلام أن يأتي زيد و هو أنا مثلاً و يقول لعمرو و هو أنتم مثلاً: يجب عليك أن تعمل بما أقوله أنا.
ليس لأحد ولاية على غيره. الولاية لله. و إذا رسم الله لهذه الولاية منفذاً محدداً واضحاً فسيكون هذا المنفذ منفذاً إلهياً مقبولاً يمكن اتباعه. و قد رسم الله تعالى هذا المنفذ و تم تحديده في الإسلام.
القانون و التنفيذ يجب أن يكون طبقاً للمعايير و الضوابط الإلهية. أي يجب أن يتفقا و لا يتعارضا مع الأحكام الإسلامية أو مع الكليات و القواعد العامة المعروفة و المفهومة عن الإسلام. و الأفراد المسؤولون عن التنفيذ لهم مميزات و خصائص معينة: يجب أن يكونوا عدولاً، غير فاسقين - الخصائص المرسومة في دستورنا - و الدستور هو الشكل التنفيذي و قناة العبور نحو الشيء الذي رسمته لنا الولاية الإلهية.
و مسألة الأقلية و الأكثرية بطبيعة الحال مسألة ضرورية. مع أنه لا يوجد لدينا في الإسلام شيء محدد نرجّح بموجبه الأكثرية على الأقلية حينما تختلف الآراء، إلا أنه شيء لا بد منه في مختلف الشؤون الإنسانية. حينما يتخذ خمسة أشخاص قراراً حول شيء معين، و يتفق ثلاثة منهم على قرار يرتبط بمصير الخمسة جميعهم، فعلى الشخصين الآخرين أن يذعنا بطبيعة الحال. هذا شيء عقلائي بيّن يقبله الإسلام و يمضيه.
إذن، الولاية التي لكم اليوم - و التشريع ولاية - ولاية إلهية، و لها جذورها في الولاية الإلهية. إنها تنبع و تنبثق من الولاية الإلهية. هذا هو معنى الديمقراطية الدينية التي ننادي بها. معناها أن يكتسب النائب في مجلس الشورى الإسلامي بالطريق المحدد في الدستور كقناة لإعمال الولاية الإلهية.. أن يكتسب ولاية تعدُّ تكليفاً و واجباً عليه. إذن، ما يصادق عليه في مجلس الشورى الإسلامي واجب الاتباع بالنسبة لي أنا الشخصي و النوعي و لا بد أن أعمل وفقاً له. هذا المبنى مبنى إسلامي.
حينما تنظرون للمسألة من زاوية نظر البعيدين عن هذا المبنى الإسلامي تجدون في نظرتهم الكثير من التناقض و التهافت. ذات يوم حينما تكون أصوات الجماهير لصالح جماعة معينة تكتسب أصوات الشعب و الحالة الجمهورية أهمية بالغة.. » و إن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين «. إذا أعطي لهم الحق قبلوا به.
و إذا كانت نظرة أصحاب الحق، أي أولئك الجماهير الذين يريدون تسليم هذه الولاية لشخص معين طبقاً للدستور - طبقاً للشيء المدوّن في الدستور المستمد من الكتاب و السنة - خلافاً لرأيهم في يوم من الأيام عندئذ يتغير اسم هذه الأصوات الجماهيرية و هذه الحالة الجمهورية إلى نزعة عوام و نزعة كتلة! و تُقدم الشروح التفصيلية حول خطأ آراء العامة من الناس. و تلاحظون أحياناً في بعض الكتابات أن أصحابها يسوقون آراء بعض الكتّاب منذ القرن الثالث و الرابع للهجرة، و إلى فلان من الكتّاب المسلمين، و إلى عصرنا هذا، و كذلك آراء برتراند رسل، و غوستاف لوبون، و... حول أخطار آراء العامة و هيمنتهم، و فلان قال إن آراء العامة خاطئة و مغلوطة أساساً! أي إن الفكرة تنقلب تماماً. » و إذا دعوا إلى الله و رسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون، و إن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين «. إذا قيل لهم تعالوا و أعملوا حسب معايير الكتاب و السنة - حسب المبنى الذي ذكرناه - يعرضون و يرفضون، أما إذا انتهى الأمر لصالحهم فتراهم يذعنون و يقبلون! ثم يقول القرآن: » أفي قلوبهم مرض أم أرتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم و رسوله «. إنهم مرضى. المرض في المصطلح القرآني » في قلوبهم مرض « هو الأهواء النفسية التي تسيطر على إرادة الإنسان. هذه حالة تختلف عن النفاق. » في قلوبهم مرض « حالة أخرى غير حالة النفاق، طبعاً قد تنتهي في بعض الأحيان إلى النفاق.. » أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا «، أم أنهم شكوا في المباني و الركائز الإسلامية.. » أم يخافون أن يحيف الله عليهم و رسوله « أم يخافون أن يظلمهم الله و رسوله؟ لماذا لا يوافقون أساس الحق و كلام الحق على كل حال؟
ليس في الفكر الإسلامي مثل هذه الأمور. يقوم الفكر الإسلامي على أساس متين نابع من ولاية الله، حيث يمنح الله تعالى و بأسلوب محدد و مدوّن في دستور الجمهورية الإسلامية الناس حقَّ أن يفوّضوا حقاً معيناً من حقوقهم لشخص معين و كأنهم يقولون له: أنجز لنا المهمات الفلانية. الناس يمنحون هذا الحق لأشخاص معينين عبر أصواتهم في المجلس، و في رئاسة الجمهورية، و في المواطن ذات الصلة بأصوات الناس. هذا هو أساس الديمقراطية الدينية إذن.. أساس أصيل و عميق يؤمن به الناس حقاً.

ليخصص المجلس وقته للتشريع و الإشراف
ما يلوح لي أنه مهم جداً هو أن يخصص الأعزاء الكثير من الوقت للتشريع و الإشراف و هما الواجبان الأساسيان للمجلس. القانون يجب أن يكون جامعاً كاملاً دائمياً نابعاً من التجارب و الخبرات و حلالاً للمشاكل و معنياً بمشكلات حياة الناس. لا نقول إن القوانين التي تعالج المشكلات على الأمد القصير ليست ضرورية، بلى، هناك قوانين تحل عقداً على المدى القصير، و لا مفر من ذلك.. يجب تشريع مثل هذه القوانين - و لدينا مثل هذه القوانين - بيد أن السمة الغالبة و الطبيعية للقوانين هي أن تكون دائمية ممكنة التكيّف مع الظروف المختلفة، و مفيدة، و صريحة، و واضحة، و غير قابلة للتأويل، و ضمن إطار الحدود و الصلاحيات التي رسمها الدستور لمجلس الشورى الإسلامي. إذا كان ثمة نقاش حول هذه الصلاحيات و الحدود فهو نقاش يجب أن يدور خارج فضاء المجلس و في مناخ ما بين السلطات. كانت هناك حالات طرأت و شاهدناها رأى فيها المجلس أن هذه من ضمن حقوقه، و لم ترها السلطة التنفيذية من حقوق المجلس. حسناً، لهذا الأمر طريقة حل. لدينا دستور، و الدستور نفسه عيّن الجهة التي تفسر الدستور. و لدينا خبراء و مختصون حقوقيون يجب أن يجتمعوا و يعالجوا هذه الأمور. يجب إصدار القوانين و بقاؤها ضمن هذا الإطار، و هذه من النقاط المهمة في القانون، أي أن لا يتغير القانون كل يوم بمقتضى الطوارئ المختلفة. بمعنى أن على المشرع ملاحظة الظروف العامة للجماهير. شخص يريد المبادرة لفعل معين، و شخص يريد الاستثمار، و آخر يروم فعل شيء معين، و آخر يريد أن يختار لنفسه مجالاً مهنياً معيناً؛ لا بد أن يطمئن هؤلاء إلى أن هذا القانون ليس قانوناً يوضع اليوم و يتغير غداً بحوافز و دوافع أخرى.

يجب عدم تأثر القوانين بنفوذ هذا و ذاك
و ينبغي أن يتحرر القانون من نفوذ هذا و ذاك. سمعنا عن المجالس التشريعية في العالم - و ربما كانت هناك حالات مماثلة عندنا، لا يمكن أن ننكرها بالمطلق - أنها سنّت أحياناً قانوناً على وجه السرعة لتأمين مصالح شخص معين أو جماعة من الأشخاص، و بعد أن حصل الغرض نسخ ذلك القانون عقب مدة قصيرة أي بعد بضعة أشهر! كان لدينا مثل هذه الحالات.
ينبغي الحذر من خضوع القوانين لنفوذ و تأثيرات الأفراد. و لهذا السبب قيل إن من الأفضل أن لا يقبل النواب المحترمون في إعلامهم و في جهودهم و أنشطتهم الانتخابية مساعدات مالية من بعض المراكز الطامعة. إذ أن المساعدات الناجمة عن الطمع تستتبع مثل هذه المشكلات على كل حال. على النائب في المجلس أن يهتم كثيراً للاستقلال الذي منحه له الدستور، و منحه له الله، و لقدرته على الاختيار و اتخاذ القرارات.. هذا شيء مهم و كبير، و لا يمكن المساومة عليه بأشياء صغيرة.

إشراف المجلس عملية ضرورية جداً
بخصوص الإشراف ذكرنا أن الإشراف الذي يمارسه المجلس ضروري جداً. إما بهذه الأدوات الإشرافية كديوان المحاسبات و ما شاكل، أو الإشراف الذي يمارسه النواب مباشرة عن طريق الأسئلة و إلفات النظر و غيرها من أدوات الإشراف المتوفرة لدى مجلس الشورى الإسلامي. هذا شيء جد ضروري و مهم. لكن يجب أن لا تتحول هذه العملية إلى ذريعة للصراع بين جهتين أو تيارين. و أعلموا - و أنتم طبعاً تعلمون و لا حاجة للقول - أن الكثير يركزون همّهم على إشعال النـزاعات و الخلافات و المعارك بين سلطات البلاد و تيارات اتخاذ القرار. هذا الشرخ و الهوة في النسيج المتلاحم لقيادة البلاد العامة - و أعني بها السلطات الثلاث التي تقود شؤون البلاد و تحكمها - من الطموحات الكبرى التي يخطط لها أعداء الجمهورية الإسلامية و يتابعونها منذ سنوات لتوجيه ضربة للجمهورية الإسلامية و دحرها. أحياناً يقولون ذلك علناً، كما حصل يوماً - و لعلكم تتذكرون - أن طرحوا قضية السيادة المزدوجة. الآخرون قالوا ذلك، و البعض هنا كرروا قولهم كالببغاء. أساس القضية كان نابعاً من العناصر خارج البلاد، و البعض كرروا كلامهم في الداخل عن غفلة، و الحق أنه يجب القول إن السبب الأول لذلك كان الغفلة. و أحياناً لا يتكلمون و لا يقولون صراحةً كما هم الآن حيث لا يصرحون بهذا المعنى لكنه هدفهم على كل حال. إننا نلاحظ آثار ذلك بوضوح في التقارير الخارجية الخاصة بالأجهزة الأمنية و الاستخبارية، على مستوى الأعمال التي تجري في بعض أوساط النخبة السياسية في العالم. إذن، يجب أن لا تسمحوا بنشوب الخلافات.

جهود إدارة المجلس السابع
و من الأمور التي تدعوني حقاً إلى تقديم الشكر للإخوة في المجلس السابع، لا سيما الدكتور السيد حداد عادل - ما يظهر إلى الخارج قد يكون بصورة مختلفة أحياناً، لكننا كنّا في الصميم من الشؤون و نسمع الكلام من هذا و ذاك و نرى الجهود المبذولة - هو أن جهوداً كبيرةً حقاً بذلت في المجلس السابع كي يتفادوا الخلاف بين المجلس و الحكومة. بذلت جهود حقيقية في هذا السياق.
بعض وسائل الإعلام و الصحافة و المنابر السياسية تجانب الإنصاف، لكن هذه هي حقيقة القضية التي كنا نراها و نعيشها. طبعاً بذلت جهود حقيقية من الجانبين - من جانب المجلس و من جانب الحكومة - من أجل التعاون. و البعض لا يريدون هذا. ينبغي عليكم الاهتمام بهذه النقطة كثيراً أي بالتعاون مع الحكومة كمبدأ. الحكومة لكم. الشيء الذي تريدون القيام به تشمّر الحكومة و السلطة التنفيذية عن سواعدها لتنفيذه. و الحكومة للإنصاف حكومة دؤوبة و مثابرة. قلما شهدتُ عهداً من عهود ما بعد الثورة تتراكم فيه الجهود و الأعمال هكذا، و بنوايا حسنة. طبعاً قد تكون هناك آراء متباينة حول شتى الموضوعات.. حول الموضوعات السياسية، و الموضوعات الاقتصادية. و يجب قدر الإمكان التقريب بين هذه الآراء المتباينة بعيداً عن الضجيج و الغوغاء و الدعاية.
يمكن إقامة ندوات قصيرة و مضغوطة من يومين أو يوم واحد، بين المسؤولين الكبار في المجلس و الحكومة و تشخيص نقاط الاشتراك، و يمكن أن يعمل كلٌ على شاكلته في نقاط الاختلاف.. لا بأس في ذلك.
ذكرنا أن هذه التيارات المختلفة الهادرة حينما تصل بحيرة الذكر الإلهي و أداء التكليف الهادئة الآمنة فسوف يزول هديرها و صخبها و تنسجم مع بعضها.
نقطة أخرى أرى من الضروري أن أذكرها للإخوة - و قد شددت عليها في النداء الذي وجهته للأعزاء - هو أن يحاول السادة و السيدات النواب أن يبقوا شعبيين جماهيريين. و ليست الحالة الشعبية مجرد أن يذهب المرء مرةً في كل فترة إلى مكان الانتخابات. تلك طبعاً ضرورية جداً، إذ ينبغي الذهاب و التفقد و اللقاء بالجماهير و عدم الانقطاع عنهم. لا شك في هذا. لكن هذا ليس كل شيء. نحن في الجمهورية الإسلامية يجب أن لا نساعد على إيجاد طبقة جديدة ارستقراطية. يجب أن لا نسمح بهذا الشيء. و هذا لا يحصل بإصدار الدساتير و الأحكام و القرارات. إنما يحصل بالقلوب و الإيمان و الحوافز.

المحفزات المادية جذّابة و خطيرة
أحياناً يدخل الإنسان ساحةً و هو طاهر لكنه قد لا يخرج من هناك طاهراً لا سمح الله. الحوافز المادية جذابة و خطيرة. المال شيء خطير يا أعزائي! لاحظوا أن الإمام السجاد ( سلام الله عليه ) في دعاء أهل الثغور من الصحيفة السجادية حيث يدعو للجنود و حراس الحدود و المجاهدين في جبهات القتال، يقول ضمن دعائه اللهم أنسِهم المالَ الفتون. الفتون بمعنى الشيء الذي يتسبب في الفتنة. و هو تعبير استخدم في هذا الدعاء للمال فقط » المال الفتون «.. المال فتّان. الفتنة لا تعني دوماً الفتنة في المجال الاجتماعي. فالأسوء منها الفتنة في قلب الإنسان. إذا فتحتم للقلب طريق حب المال و حياة التشريفات و الجاه و الجلال و ما إلى ذلك فلن يقف عند حد معين.

إقرأوا القرآن حتماً
أساس القضية هو كما ذكرنا مراقبة الذات. بناء الذات و مراقبتها أساس جميع هذه الأعمال و بوسعها إن شاء الله أن تهدينا جميعاً و من الله العون و السداد. ينبغي طلب العون من الله. ينبغي الاستغاثة.. يجب اللجوء إلى القرآن و الدعاء و التضرع. من جملة التوصيات التي سبق أن أوصيت بها الأعزاء نواب المجلس أحياناً و كذلك مسؤولي الحكومة، هي أن لا تتركوا تلاوة القرآن. اقرأوا القرآن حتماً. في كل يوم.. حتى بمقدار قليل.. حتى بمقدار صفحة واحدة في اليوم.. بتدبر و دقة. ما نصرّ عليه هو أن لا يفقد الأعزاء صلتهم بالقرآن. و لا تكتفوا بالدقائق العشر التي يتلى خلالها القرآن بداية اجتماعات المجلس. و مع أن المجلس السابع سنّ سنة حسنة هي قراءة ترجمة القرآن إلى جانب القرآن، و هذا شيء مفيد و مناسب، و لكن لا تكتفوا بهذا. القرآن دروس و مواعظ، و كلنا بحاجة للموعظة. ليس معنى الموعظة أن يذكر للإنسان على الدوام شيء لا يعلمه. أحياناً هناك أشياء نعرفها لكن في الاستماع أثر لا يوجد في المعرفة. يجب أن نسمع و القرآن يجعلنا نسمع. » موعظة من ربكم «. كثيراً ما استخدم القرآن تعبير الوعظ و الموعظة.. القرآن موعظة.
و الدعاء.. الدعاء أيضاً شيء مهم جداً. و اعتقد أن الصحيفة السجادية المباركة من أفضل كنوزنا المعنوية لو استطعنا الانتفاع منها. تواصلوا مع أدعية الصحيفة السجادية و استأنسوا بها فكل واحد منها باب، و عالم خاص، و بحر يعلم الإنسان المعارف و يرقق قلبه و يعلمه الخشوع.
نتمنى أن يعينكم الله تعالى.. هذه الفترة كما ذكرنا فترة قصيرة ابتدأت اليوم و ستنتهي بطرفة عين. هذه السنوات الأربع - و الحياة كلها هكذا - فترة قصيرة و ستنقضي بسرعة. طوبى للذين ينتفعون منها للمستقبل و لملف و صحيفة أعمالهم إن شاء الله. عذراً لأن كلامنا طال قليلاً. نتمنى أن لا تكونوا قد تعبتم إن شاء الله.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.