بسم الله الرحمن الرحيم
لقد بدأت منذ عدة سنوات حركة علمية مباركة في البلاد؛ يعترف الجميع بأن هذه الحركة امتدت في المجتمع العلمي بالبلاد سواء بين الأساتذة أو الطلبة الجامعيين أو الباحثين أو الجامعات أو مراكز الأبحاث. و من الواجب علي ّ أن أعرب بدوري عن مدى شكري و تقديري لهذه الحركة العظيمة التي أطلقها علماؤنا و باحثونا و أساتذتنا في كافة أنحاء البلد.
لقد جئت اليوم إلی هنا، و هذه عبارة عن خطوة رمزية لتعريف قيمة الحركة العلمية الواسعة، العظيمة التي بدأت لحسن الحظ في بلادنا، حتى و إن كانت لا تزال في مقدمة الطريق. اخترنا هذا المكان من أجل رويان أولاً و من أجل الجهاد الجامعي ثانياً.
مؤسسة رويان مؤسسة ناجحة و تعد نموذجاً كاملاً ملفتاً للنظر لما يتمناه المرء. و هذا هو السبب في حبي الشديد للمرحوم سعيد كاظمي، و الآن أيضاً أعترف من صميم قلبي بمكانة هذا الشاب العظيم و قيمته. لقد كانت حركته و أسلوبه و إدارته و متابعته أشبه بمجموعة كاملة لما يحبه المرء و يتمناه، و الآن سأشير إلى هذا الموضوع باختصار. نمت مؤسسة رويان و تقدمت بهذا الشكل بفضل مساعدته و مجموعة من زملائه الذين رافقوه منذ بداية تأسيسها. و هذا ما كنت أشعر به منذ بداية العمل. لقد شعرت بدلائل واضحة على صحة هذه الحركة من خلال ما عرضه صديقنا المشترك أنا و المرحوم كاظمي من قضايا فيما تتعلق بعمله و طرح متطلباته معي منذ نحو خمسة عشر عاماً؛ لذا قلت في حينها إنني سأقدم كل ما بوسعي من أجل حماية هذا المشروع و دعمه. و لم يخيب ظني علی مر الأيام بل ازداد قوةً.
إذا أردت التعبير عن هذا النموذج الراقي بجملة واحدة، سأقول: إنه مزيج من العلم و الإيمان و السعي. لقد اخذوا العلم و الإيمان و الالتزام و التقوى مأخذ الجد؛ ليس كعبء ثقيل بل كعنصر أساسي في نسيج هذا العمل. قد نسوا الملل و إنني اعتقد أن المرحوم كاظمي ضحّى بنفسه و صحته لهذا العمل، أي المتابعة و الاهتمام وعدم الشعور بالتعب. لهذا فإن مؤسسة رويان تحتل في نظري مكانة سامية عزيزة، و كذلك أنتم أيها الشباب و الرجال و النساء و كافة العناصر المؤمنة العزيزة التي تعمل في هذه المنظمة. و أعتقد بأن مؤسسة رويان تمتلك استعداداً كبيراً جداً للعمل و إحراز المزيد من التقدم.
لقد نقلوا عني القول: إن مؤسستكم هذه خلية أساسية لحركة علمية ، و هذه هي الحقيقة؛ كما أن الخلايا الأساسية التي كشفتموها أنتم مجالها واسع في حقل البحث العلمي - و كلما بحثتم و تقدمتم، لاحظتم أن هناك ساحة أخرى أمامكم يمكنكم البحث و التقدم فيها و الوصول إلى حدود جديدة - و هذا هو الحال بالنسبة لرويان؛ مهما أنجزت هذه المجموعة من الأعمال و التقدم، فإن قابلية التطور تبقى متوفرة دوماً و هذا هو الحال بالنسبة لكل واحد من الباحثين و المحققين الذين يؤمنون بالعلم و الإيمان - و هذا ما يوجد سواء في هذه المؤسسة أو أية مؤسسة أخرى - أعني إن طاقات هؤلاء الأشخاص لا حدود لها.
لكنني اخترت الجهاد الجامعي لأنه الوليد المبارك للثورة الإسلامية. كما ورد في القرآن الكريم في مقارنة مسجدين ( لمسجد أسّس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه، فيه رجال يحبّون أن يتطهّروا )، هذا هو الحال بالنسبة للجهاد الجامعي الذي يعد من ثمرات الثورة الإسلامية. و هذا لا يعني أن الجهاد الجامعي كان صحيحاً منذ البداية و في فترة معينة من الزمن، مهما كان شكله و تفكيره و مهما كانت نتائجه؛ كلّا، فنحن بنو البشر نخطأ أحياناً و نصيب أحياناً في أفکارنا و في أعمالنا. فالمعيار في هذا الحكم ليس هذه المنحنيات و المنعطفات؛ بل يتمثل في الهدف و الحفاظ على الهدف؛ حتى و إن أخطأ المرء في بعض الأحيان أو زلّت قدمه. إنني أسلط الضوء على هوية الجهاد الجامعي التي أثمرت ببركة الله و الحمد لله. و الآن سأتحدث قليلاً حول الجهاد الجامعي و سوف أتحدث بعد ذلك و باختصار حول العلم و البحث العلمي و مستقبل البلاد في هذا المجال.
يتألف الجهاد الجامعي من كلمتين: الجهاد و الجامعة؛ إذن، يجب أن يكون فيه جهاد و لا بد أيضاً أن يكون متناسباً مع الجامعة. إن للعمل الجهادي مفهوماً خاصاً. و لا يطلق هذا المفهوم على أي عمل.
إن الجهاد يشترك مع الجهد في جذر الكلمة؛ أي أن فيه معنى الجهد و السعي؛ لكن الجهاد لا يقتصر على هذا؛ الجهاد يعني الكفاح كما هو مصطلح عندنا اليوم في الفارسية. و للكفاح أنواع: فهناك الكفاح العلمي، و هناك الكفاح الصحفي، و هناك الكفاح السياسي، و هناك الكفاح الاقتصادي، و هناك الكفاح العسكري، و هناك كفاح في العلن و في الخفاء؛ لكن هناك نقطة مشتركة تجمع بين كل هذه الأمور و هو أن الكفاح يكون ضد عدو ما؛ أو ضد مانع ٍ ما. فلا معنى للكفاح ضد الصديق؛ بل يجب أن يكون الكفاح ضد العدو.
افترضوا على سبيل المثال أن شخصاً كان يقرأ خمسة كتب أسبوعياً في أيام المحن؛ كان عملاً عظيماً؛ لكنه ليس جهاداً بالضرورة؛ كان جهداً و لم يکن جهاداً. إن كان يريد ذلك الشخص أن يكون عمله جهاداً كان يجب عليه أن يقرأ كتاباً كان ذا تأثير في حركة مكافحة النظام الطاغوتي المستبد؛ حينها يدعى هذا العمل جهاداً. هذه هي ميزة الجهاد.
إن دائرة جهادكم هو العلم و التقنية؛ أي إنكم لا تتسلحون هنا بالسيوف و الحراب و البنادق؛ بل تستفيدون من العقل و إمكانيات التفكير الكامنة في الإنسان و الفكر والقلم و العين و غيرها.
هذه المنظمة، منظمة علمية؛ لكن ما هو الاتجاه حتى تكون جهاداً؟ هذا هو المهم. أنظروا من هو ذلك العدو الذي يترصد لبلادكم و ثورتكم و الأهداف التي رسمتها هذه الثورة، و يجب عليكم مكافحة هذا العدو الحاقد؟ إذا كان عملكم في هذا الطريق، فهو جهاد.
لذلك إذا طلبتم علماً لا يُسخط أعداء تلك الأهداف، و ليس هذا و حسب بل قد يسرّهم فلن يكون هذا جهاداً. افترضوا أن الجهاد الجامعي أو المؤسسة الفلانية التابعة للجهاد الجامعي نشرت في عام ما، نحو مائة أو خمسمائة بحث في ISI ؛ فليس هذا هو المعيار. علينا أن ننظر إلى هذه البحوث من حيث المحتوى و الهدف و الفائدة و مدى موقف المناوئين لمبادئكم من هذه البحوث؟ هل شعروا بالخطر منها؟ و هل شعر سياسيوهم بالخطر منها؟ طبعاً حملة العلم تختلف نظرتهم عن نظرة السياسيين.
حينما تحدثم حول الخلايا الأساسية و الاستنساخ و ما شابه و أطريت أنا أو أي شخص آخر هذا العمل، أعلنت السلطات الأمريكية حينها: لا بد من تأسيس مجلس حكام للعلوم الوراثية! فما معنى هذا؟ لقد شعر العدو بالألم حينما أکتشف أنكم تتحركون في هذا الطريق. سوف آتي بأمثلة واضحة؛ فهناك الآلآف من الأمثلة لهذا الموضوع. على سبيل المثال إذا استطعتم في يوم ما صنع رادار متطور لا يتمکن معه أي مخلوق من الدخول إلى سماء بلدنا من أي نقطة في الفضاء، فإن العدو سيشعر في ذلك اليوم يشعر بالألم؛ أعني أن هذا بمثابة سهم يصيب العدو. هذا يعني الجهاد.
إن هذا العنصر من الشروط الضرورية في الحركة الجهادية و العلم الجهادي و البحث الجهادي. و ليس العدو هو أمريكا فحسب. أجل، نحن عندما نتحدث فإن عدونا الواضح هو أمريكا و الاستكبار العالمي، و لكن هناك صنوف مختلفة من الأعداء. على سبيل المثال أحياناً تكون هناك شركة مالية اقتصادية ضخمة تقلق و تعرقل لكم الأمور إذا تمكنتم من تأسيس مصنع لصناعة الإسمنت. هذه هي من ضمن القضايا الموجودة في التقارير التي وصلتني. إنهم يرغبون في تأسيس مجلس حكام لصناعة الإسمنت، لكي لا يحق لأحد تأسيس مصنع لصناعة الإسمنت و إنتاجه.
إن العمل الجهادي ينبغي أن يكون ذا هدف و أن يهتم بالمبادئ و يتميز بالوعي و الذكاء و مواجهة الأعداء بشكل صحيح. أعني بذلك المعنى المصطلح عندنا في الفارسية و الذي نعبر عنه بالمکافحة: أنا أكافح، هذه مكافحة . و هو معنى موجود في الجهاد. هذا ما يتعلق بالجهاد.
أما فيما يتعلق بكلمة الجامعي. الجامعي معناه أن هذا النشاط و هذه الحركة مستواه راق؛ و يتناسب مع الطلبة الجامعيين و الأساتذة و الذهن العلمي الناشط. يجب مراعاة هذا في جميع النشاطات. يجب أن لا يتدخل الاهتمام بالمظاهر في العمل و جميع النشاطات. طبعاً قسم من هذه الأنشطة علمي، و هذا جيد؛ كمثل هذه البحوث؛ لكن إذا كانت هذه النشاطات في مجالات العلوم الإنسانية و في الآداب على سبيل المثال، فمن الضروري أن يكون مستوى الإنتاج الأدبي هنا أرفع من مستوى الأديب العادي. إن العديد من النتاجات في مجالات العلوم الإنسانية - و أنا من المطلعون عليها و لي السابقة فيها و أجيدها - كالتاريخ و الآداب و الفلسفة، هي قضايا بلادنا الوطنية. و البعض من هذه النتاجات أعمال عادية و أحاديث جارية؛ و إن لم يتحدث الجهاد الجامعي في هذه المجالات، فمن الممکن لأي شخص التحدث في هذه المجالات. على الجهاد الجامعي أن يأتي بالإنتاج الأفضل و الجديد. على سبيل المثال لديكم أنشطة قرآنية. و لدى الكثيرين أنشطة قرآنية؛ و كلها نشاطات جيدة - أنتم تعرفون أنني من الأشخاص الذين أشعر بمسؤولية خاصة بالنسبة لمتابعة الأنشطة القرآنية منذ انتصار الثورة إلى الآن. أي إنني أعتقد أن اجتماع الشباب في المساجد لتلاوة القرآن أمر رائع، و أنا أحب هذه الاجتماعات حتى و لو لم يزيد عدد الشباب في الواحد منها على عشرة أشخاص - لكنكم إذا أردتم أن تكون لكم مثل هذه الأنشطة القرآنية، فإن أنشطتكم القرآنية يجب أن تختلف عنها خارج الوسط الجامعي. افترضوا أنكم تريدون كالآخرين أن تقلدوا المقرئ الفلاني في اللحن و التجويد و الصوت الحسن، هذا أمر جيد جداً بالطبع؛ و لكن ليس هذا هو شأن الجهاد الجامعي في الأنشطة القرآنية؛ بل يجب أن تفوق أنشطتكم سائر النشاطات القرآنية. عليكم الاهتمام بمستوى الوسط الجامعي في فهم معاني القرآن. و عليكم أن تأخذوا مفاهيم القرآن و معانيه بنظر الاعتبار. يجب على مقرئكم أن يقرأ بصورة تجعل السامعين يفهمون معاني القرآن من الأعماق؛ و جلساتكم لتلاوة القرآن يجب أن تكون جلسات لفهم معاني القرآن أيضاً. و هذا بحاجة إلى الإبداع؛ و أنتم مسؤولون عن ذلك.
يتمتع الجهاد الجامعي بهذه الإمكانيات و الطاقات و أنا أؤمن بالجهاد الجامعي من أعماقي. لقد حققتم إنجازات عظيمة؛ و قمتم بأمور جيدة و كما قلت: ( أسّس على التقوى من أول يوم ). إن الجهاد الجامعي أسس على التقوى منذ بداية معرفتي به. ينبغي عليكم الحفاظ عليه على أساس الدين و التقوى.
كنّـا نتحدث مع الأصدقاء قبل قليل و قلت: حاولوا ألّا تتغير هوية الجهاد. إن ما تلاحظونه من تغيير في هوية عدد من الأشخاص و أفكارهم و أذهانهم بمقدار مائة و ثمانين درجة منذ انتصار الثورة حتى الآن لا يعد ليس أمراً طبيعياً؛ كلّا؛ لا تقولوا إنه أمر طبيعي. الطبيعي هو أن يتمسک الشخص بالفکرة أو الطريقة التي تقبلها علی أساس المنطق و الاستدلال حتی نهاية الطريق و أن يواصل طريقه فيها إلی آخر عمره. ليس صحيحاًً أن نقول: لنسلك طريقاًً ما و نمضي فيه؛ و أحياناً بكل شوق و حماس، ثم ننحرف عنه فجأة من نقطة معينة! و تستمر هذه الانحرافات حتی تتحوّل الی العکس تماماًً. هذا ليس طبيعياً أبداً. البعض يبرر ذلک و يقول : سيدي، لقد كان ذلک في بداية الثورة؛ و قد تغيرنا مع الزمان! كلّا، الزمان لا يؤثر إلّا على العناصر الضعيفة و غير المتأصلة و الاعتقادات غير الراسخة التي بنيت على أساس العواطف فحسب. و إنه يؤثر إذا أتبِعتم هوى النفس. ( إن الذين تولّوا منكم يوم التقى الجمعان إنّما استزلّهم الشّيطان ببعض ما كسبوا ). يقول القرآن: إن الذين تولوا في غزوة أحد و لم يقاوموا، كانت زلتهم هذه بسبب ما كسبت أيديهم. فإذا لم نعمل علی تقوية الروح و تعزيزها فمن الواضح أن تؤثر أية لمسة عليها و تستمر هذه اللمسات و لا تلبثوا أن تلاحظوا تغيير شكلها؛ أما إذا تکونت هوية الإنسان الدينية و هويته الثورية بصورة قوية راسخة كالصلب و ذلك على أساس التفكير و المنطق الصحيح، فتزداد وضوحاً و جذابية و رسوخاً علی مرّ الأيام. هذا هو الحال بالنسبة للإنسان و الأنظمة. لا تسمحوا أن تتغير هوية الجهاد الجامعي و تتبدل إلى هوية أخرى؛ إلی الهوية غير الدينية و غير الثورية.
لقد ذكرت موضوعاً في اجتماع أعضاء الجهاد الجامعي الأعزاء منذ عدة أعوام و كنت قد نسيته فذكروني به اليوم - يجب عليكم المحافظة على هذه الهوية الإيمانية الصحيحة و إحياؤها. و لحسن الحظ كان الأمر و لا يزال بهذا الشكل حتى الآن؛ لأن هيكلية الجهاد الجامعي و نوع إدارته و أدائه و العلاقة بين الرأس و القاعدة و الاتجاهات و الأهداف فيه كلها كانت ممتازة - ما ذکرته ذلك اليوم هو أن البعض يتصورون بأن الحركة الثورية تعني الحركة غير المنظمة و المصحوبة بالفوضی و الانفلات و عدم الانضباط! إنهم يقولون: سيدي، كانت هناك حركة ثورية و انتهت! هذا خطأ. ليس في منهج الحركة الثورية أية اضطرابات أو عدم انضباط. بل على العكس، إن النظم الثوري من أشد أنواع الانضباط و أقواها. إن الانضباط الذي ينتج من فكر الإنسان و قلبه و إيمانه هو من أفضل أنواع الانضباط. قد يُلاحظ شيء من عدم الانضباط في بداية الثورات و منها ثورتنا و هذا أمر يعود إلى بداية الحركات الثورية؛ لأنه من الواجب تدمير بناء قديم متهاوٍ و استبداله ببناء جديد. هذا أمر طبيعي؛ لكن حينما شُيّد البناء الجديد على دعائم صحيحة، فإن الحركة على أساس ذلك تكون حركة منظمة جيدة و ستتقدم إلى الأمام و هذه هي الحركة الثورية. لذلك يجب أن لا يختلط علينا الأمر بين الثورية و الانفلات و عدم الانضباط و عدم التعرف على القانون و الضوابط. على أي حال إن الجهاد الجامعي من المؤسسات التي نعقد عليها الأمل لمستقبل البلاد العلمي.
و أما بالنسبة للشؤون العلمية و البحث العلمي، علي أن أقول: لا يمكن لبلدنا أن يبلغ هدفه المنشود من غير مواصلة طريق نشر العلم و نشر البحث العلمي؛ هذا لا يختص ببلدنا. إن المفتاح هو العلم و البحث العلمي.
أن يكون الشعب عالماً لا يعني أن يتعلّم من معارف الآخرين. هذه هي البداية. فللعلم مجال واسع؛ و لا يمكن أن يكون حصرياً حيث نفترض أن هناك عدداً من البلدان أو الشعوب تنتج نخبهم العلم و ترسم حدوداًً جديدة للعلم، ثم يأخذوا بعض ذلك العلم و يترکوا الفائض منه للآخرين ليستفيدوا منه. هذا غير ممكن. فهذه العلاقة و هذا الشكل من الأداء يعني التخلف المتواصل لبعض البلدان، و هذه علاقة غير عادلة بين البلدان، و كذلك فكرة العالم الأول و العالم الثاني و العالم الثالث، و الشمال و الجنوب، و مثل هذه الأقاويل التي شاعت و ما زالت في الأدبيات السياسية لهذا القرن و القرن الماضي.
لدى البشرية برمتها إمكانيات البحث العلمي و طاقات علمية. طبعاً، المواهب تختلف عن بعضها، لكن ليس هناك بلد على الإطلاق لا تتوفر في أبنائه مواهب ظاهرة أو خفية لإحراز مكانة جيدة و ممارسة دور في مجال العلم الواسع. إذا كان هناك بلد يدل ماضيه و تاريخه و تجربته على أن مستوى مواهبه مستوى عال أو أعلى من الحد المتوسط - و لا شك أن بلدنا واحد من هذه البلدان - فيجب عليه ممارسة دوره في إبداع العلم و تنميته و تقدمه، و إذا تمكّن من ممارسة هذا الدور، حينها سيتخلص من ذلك التخلف، و العنصرية و هذا الإجحاف في كافة المجالات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و سينال نصيبه المتساوي مقابل الدول الأخرى و القوى الموجودة حالياً. حينها سيتمكن من إدارة نفسه و الاتكاء على ذاته؛ فيعطي و يأخذ؛ و هذا ما لا نشاهده اليوم.
إن النظام الاستبدادي في عالم اليوم لا يقوم على أساس الأخذ و العطاء؛ بل يقوم على الأخذ بأقصى حد ممكن و أدنى حد من العطاء؛ فهو يمتص الثروات و الإمكانيات و الخيارات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية من الدول و يسيطر عليها و لا يعطي شيئاً مقابل ذلك، و يعطي أحياناً شيئاً مضراً أو قليلاً. هذا هو النسيج السياسي في عالمنا اليوم: أعني المهيمن و الخاضع للهيمنة.
و إذا تقرر انهيار هذا النسيج و تمتعت الدول بمكانتها اللائقة في العلاقات الدولية على قدر استعداد شعوبها و مواهبها، فإن العامل الأساسي المؤثر في هذا العمل هو العلم. لذلك يجب أخذ العلم بنظر الاعتبار؛ و يجب التقدم إلى الأمام.
لقد بدأت حركتنا، لكننا ما زلنا في بداية الطريق؛ ينبغي مساعدة المراكز العلمية و مجتمعات البحوث العلمية؛ كما يجب مد يد العون للمشاريع العلمية و مشاريع البحث العلمي و التقني؛ كما يجب تنمية الرغبة في العلم و البحث العلمي في کل مکان. و ينبغي ألّا يقتصر ذلك على الأساتذة و الباحثين؛ بل يجب توسيعه ليشمل الطلبة و الوسط الجامعي برمته؛ أعني أن يرغب الطالب الجامعي في التعلم و إنتاج العلم، و هذا بحاجة إلى تدبير و لا يتحقق بالوصايا و الرجاء و الأمر و غيرها من هذه الأمور. إن المسؤولين عن قطاعاتنا التعليمية؛ سواء وزارة التربية و التعليم أو وزارة العلوم، و وزارة الصحة، و سائر القطاعات المعنية بقضايا البرمجيات الثقافية، عليهم جميعاً مسؤولياتهم الخاصة في هذا المجال. يجب عليهم أن يعملوا بشكل يكون الوسط الجامعي فيه، بيئة لطلب العلم. و أن يكون الشباب الذين يدخلون الجامعة راغبين في طلب العلم حقيقة، و لا يرغبون في أخذ شهادة دراسية أو الحصول على عنوان لعمل بسيط فحسب. و هذا بحاجة إلى حركة و من ثم يجب مواصلة الحركة. إن مساعدة الحكومة و الأجهزة المعنية و أولئك الذين يتمكنون من التأثير على أذهان مخاطبيهم، أمر جد ضروري في هذا المجال.
و أنا أصر على أننا کلما سعينا في التقدم العلمي كان علينا أن لا ننسی بأن الدين و العلم توأمان. فالعلم الخالي من الدين و البعيد عنه يضر بالبشرية على المدى البعيد حتى لو استطاع أن يحقق بلد ما بعض طموحاته علی المدى القريب؛ و أنتم تشاهدون أنه مضر فعلاً.
إن عزل العلم عن الدين و عدم التزامه بالدين، يؤدي إلى ما شاع الآن في العالم؛ فأصبح العلم أداة للعسف و الاستثمار و وسيلة لتدمير الحرث و النسل و أصبح نتاج العلم القنبلة الذرية من ناحية و المخدرات المخربة و ظهور السياسيين المجردين عن كافة المشاعر الإنسانية في العديد من الدول من ناحية أخرى. فينبغي اقتران العلم بالدين. يجب أن يكون التعليم لله و استخدامه في سبيله. يجب أن يكون هذا من ضمن تعاليمنا الأولی في کلّ مکان .
و علي أن أقول إن نجاحات هذا العلم المقترن بالدين كبيرة. يجب أن لا يقولوا بأننا لو قدسنا العلم و ربطناه بالدين و عملنا على أساس الإيمان، فإن ذلك يسبب في عدم تقدمنا؛ كلّا، فإن جهادكم الجامعي، و هذا الكم الهائل من إنجازاتكم - التي تحققت على أيدي العناصر المؤمنة - يثبت أن النجاح سيكون ملفتاً للنظر إذا اقترن العلم بالدين.
لقد سجّلت هنا ملاحظات أخرى، أردت الإشارة إليها، لكن الوقت انتهى و الساعة تشير الآن إلى الثانية عشرة. أتمنى أن يكون هذا اللقاء رسالة حب و تقدير و تكريم من قبل الحكومة و الدولة عموماً؛ للمجتمع العلمي في البلاد، و لا سيما للحركة العلمية في الجهاد الجامعي و مؤسسة رويان. أسأل الله تعالى أن يمنحكم الأجر و أن يشمل روح المرحوم كاظمي العزيز ببركاته و فضله، و أسأل الله الصبر و السكينة الإلهية لأسرته الكريمة التي حضرت هنا، و أن نشهد المزيد من تقدمكم و نجاحاتكم أيها الأعزاء في مؤسسة رويان و في الجهاد الجامعي.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته