بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً أرحب بكن جميعاً أيتها السيدات المحترمات العزیزات، خاصة عوائل الشهداء الأبرار و أمهات و زوجات شهدائنا الأبرار لحضوركن في هذا الاجتماع الحميم الحاشد و أشكر الأم المحترمة والدة الشهداء الثلاثة الأعزاء للكلمة التي ألقتها.
إن ذكرى ميلاد فاطمة الزهراء سلام الله عليها فرصة ثمینة للنساء المسلمات لیبدين اهتماماًً أكبر بهوية المرأة المسلمة و بمكانة المرأة الراقية في الإسلام و في ظل النظام الإسلامي. لقد أصبحت قضیة المرأة کباقی القضایا الأخری ألعوبة بأیدي الانتهازيين للقیم الإنسانیة. و في وسائل الإعلام علی مدی السنین نجد الذین لا یعیرون أي أهتمام للمرأة و لا لکرامة الإنسان و نجد أن القیم المادیة هي أهم ما عندهم، و للأسف هم یلعبون دوراً بارزاً في كافة الأصعدة - و قد جعلوا من قضية المرأة وسيلة للحصول على الأرباح المادية في الساحات المختلفة و راحوا يبحثون حولها، و يبتدعون التقاليد و يبثون الدعايات و یجرون أذهان النساء و الرجال في کل أنحاء العالم إلی الهاویة و إلی الضلال. في مثل هذه الظروف من المناسب للمرأة المسلمة استعادة هويتها عن طريق التفكير في المفاهيم الإسلامية و النماذج الإسلامية و التأمل في الخطوط التي رسمها النظام الإسلامي لتقدم المرأة و الرجل، و استعراض الأدلة الموضوعية في مواجهة سفسطة و وساوس العناصر الصهيونية و أصحاب رؤوس الأموال و الثراء و الذین یکنزون الذهب.
لقد وقف الإسلام صامداً إزاء الجاهلية التي ظلمت المرأة، سواء في المجال المعنوي و التفكير و القيم الإنسانية أو في المجال السياسي، أو أبعد من ذلک و هو المجال الأسري. فللمرأة و الرجل مجتمع صغير طبعاً يسمى الأسرة، و هي نقطة الأنطلاق الأولی التي یمکن أن تتعرض المرأة فیها للظلم و الجور إن لم يتبع المجتمع القیم و المثل الإسلامیة. و لهذا وضع الإسلام قيماً لكل هذه المجالات الثلاثة.
بالنسبة إلی القضايا المعنوية، فالمرأة هي من رواد حرکة الإنسان المعنویة نحو التقدم. و عندما یأتي القرآن بمثلٍ عن المؤمنین یقول: ( و ضرب الله مثلاً للذين آمنوا أمرأة فرعون )؛ فيضرب مثلاً بالمرأة. و عندما يدور البحث حول الإيمان و الإسلام و الصبر و الصدق و الجهاد في سبيل الحصول على القيم الإنسانية و الإسلامية و المعنوية، فإنه يقول: ( إن المسلمين و المسلمات و المؤمنين و المؤمنات و القانتين و القانتات و الصادقين و الصادقات و الصابرين و الصابرات ). لقد ذكرت هذه الآية عشرة أسماء للقيم المعنوية: الإسلام و الإيمان و القنوت و الصدق و الصبر و الخشوع و غيرها. فالمرأة و الرجل يتحركان جنباً إلى جنب في هذه الساحة و يتقدمان إلى الأمام؛ كما ذكر القرآن الكريم كليهما. إن صنم النزعة الرجولة الذي كان يعبده الرجال و حتى النساء في الجاهلية حطّمه الإسلام في هذه الآيات. كما أن الإسلام يعتبر بيعة المرأة أمراً ضرورياً و قضية حيوية في الساحة السياسية و الاجتماعية.
إنكم تلاحظون في العالم الغربي و في هذه البلدان الأوروبية التي تدعي جميعها الدفاع عن حقوق المرأة - و کلها کاذبة تقریباً - لم يكن للنساء حتى خلال العقود الأولى من القرن المنصرم، أي حق في إبداء الرأي و لا في الانتخاب و قول الحق بل و حتى لم يكن لها حق في الملكية. أعني لم تكن المرأة مالكة لأموالها الموروثة أيضاً؛ كانت أموالها في أيدي زوجها! و لقد ثبّت الإسلام بيعة المرأة و ملكيتها و ضرورة تواجدها في الساحة السياسية و الاجتماعية. ( إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله ). فإذن النساء كن يأتين لمبايعة النبي. و لم يقل نبي الإسلام ليأتي الرجال و يبايعوا نيابة عن النساء، و لم يقل إن على النساء اختيار ما اختاره الرجال؛ كلّا. بل قال: بأن على النساء المبايعة أيضاً؛ و يجب عليهن المشاركة في القبول بهذه الحكومة و في القبول بهذا النظام الاجتماعي و السياسي. و بهذا فالغربيون متأخرون عن الإسلام ألفاً و ثلاثمائة سنة في هذا المجال و مع هذا يتشدقون بهذه الأمور! هكذا هو الحال بالنسبة للملكية؛ و سائر المجالات الأخرى التي تتعلق بالقضايا الاجتماعية و السياسية.
و كانت فاطمة الزهراء سلام الله عليها أسوة سواء في طفولتها أو في المدينة المنورة بعد هجرة الرسول (ص) إليها، و كذلك في كافة القضايا العامة المتعلقة بوالدها - الذي كان محوراً لجميع الأحداث السياسية و الاجتماعية - و هذا يدل على دور المرأة في النظام الإسلامي. کانت فاطمة الزهراء طبعا الذروة في هذه الفضائل. و كانت هناك شخصيات بارزة بين النساء في صدر الإسلام؛ النساء اللواتي كن يتصفن جميعهن بالمعرفة و العقل و العلم و التواجد في الساحة، و كن يشاركن في ساحات القتال؛ لدرجة كانت للبعض منهن اللواتي كن يتمتعن بقوة بدنية، بطولات و صولات في ساحات الحرب. لكن الإسلام لم یفرض هذه الأمور على النساء طبعاً، بل رفعه عنهن؛ لعدم ملاءمته لطبيعتهن الجسدية و عواطفهن.
على الرجل أن یحافظ علی المرأة فی أسرته کالوردة، و لذلك يقال: المرأة ريحانة . و لا علاقة لذلک بالساحات السياسية و الاجتماعية و الدراسية و ألوان الكفاح السياسي و الاجتماعي المختلفة؛ بل يتعلق بالبيئة العائلية. المرأة ريحانة و ليست بقهرمانة . و بهذا يقضي النبي على تلك النظرة الخاطئة التي كانت لا ترى في المرأة مسؤولية سوى أداء واجباتها داخل البيت. المرأة كالوردة التي يجب العناية بها. يجب أن ننظر إلی هذا المخلوق المتسم بالرقة الروحية و الجسدية بهذه النظرة. و هذه هي نظرة الإسلام. فقد حافظ الإسلام على المميزات النسوية التي تقوم عليها كافة مشاعرها و متطلباتها، و لم يفرض عليها و لم يطلب منها، أن تفکر أو تعمل أو تطالب كالرجل - أعني في النظرة الإسلامية حفظت لها مميزاتها النسوية التي هي خصوصية طبيعية و فطرية و محور كافة المشاعر و المساعي النسوية - و في الوقت ذاته فتح أمامها أبواب العلم و الساحة المعنوية و التقوى و الساحة السياسية و حثها على اكتساب العلم و كذلك التواجد في الساحات الاجتماعية و السياسية المتنوعة. و في نفس الوقت لا يحق للرجل داخل العائلة أن يجبر المرأة على العمل أو أن يضطرها لشيء أو یکون مفرطاً في متطلباته منها، أو يستخدم القدرات الجاهلية و غیر القانونية ضدها. هذه هي النظرة الإسلامية.
و بفضل هذه النظرة عندما وصلت النهضة الإسلامية إلى مرحلة الثورة الإسلامية و تقدمت المرأة إلى الأمام بما لها من فهم طبيعي لموقف الإسلام؛ قال الإمام - و نعم ما قال - لو لم تشارك المرأة في هذه النهضة لما انتصرت الثورة. و لا شك لو لم تشارك النساء في المظاهرات الحاشدة في الشوارع - أعني تلك المشاركة الواسعة العظيمة للنساء في أيام الثورة - لما انتصرت الثورة. و في الحرب المفروضة لو لم تبد أمثال هذه الأم العزيزة لهؤلاء الشهداء الثلاث و أمهات الشهداء و زوجات الشهداء - التي كان لي شرف الجلوس و الحديث و التعرف على خصوصيات الآلآف منهن - لو لم يبدين إيمانهن و صبرهن و صمودهن و معرفتهن و استنارتهن و تضحيات شبابهن و أزواجهن، لما انتصرت الحرب. و لو لم تتحلَّ أمهات الشهداء و أزواج الشهداء بالصبر، لما تعطشت أفئدة الرجال شوقاً للجهاد في سبيل الله؛ و لما تفجر منها الشوق بتلك الصورة لينشر النضارة علی المجتمع. و لقد لعبت المرأة دوراً ریادياً في ساحات القتال. و لو لا وفاء السيدات و عواطفهن و تواجدهن في الساحات المختلفة، و في المظاهرات و الانتخابات لما كانت هذه الانطلاقة و الحركة الشعبية و استمرارها بهذا الشکل. هذا هو رأي الإسلام، و هذه هي النظرة الإسلامية.
على الغربيين تحمل مسؤولياتهم حيال المرأة؛ لأنهم خانوا المرأة. إن الحضارة الغربية لم تمنح المرأة شیئاً. و إذا لاحظنا التقدم العلمی و السياسی و الفکری للنساء هناک فأنه تحقق بفضل جهدهن. و في أي بلد تحرز فيه المرأة مثل هذا التقدم - و هو الذي قد تحقق في إيران الإسلامية و بلدان أخرى - فإنما تحقق بفضل سعيهن. إن ما أشاعه الغربیون و كانت الحضارة الغربية أساسه المعوج، لم یکن إلا الابتذال حيث رموا بالمرإة إلی هوة الابتذال و لم يقوموا بإصلاح أمورها داخل الأسرة. و تنشر الصحف الأمريكية و الأوروبية باستمرار تقارير عن ارتفاع نسب تعذیب المرأة و الإساءة إلیها. إن الحضارة الغربية التي أودت بالمرأة إلى مستنقع الابتذال و الابتلاءات الجنسية، سببت تزلزل الكيان العائلي و عدم أعتبار الخیانة الزوجیة قضیةً کبیرة. ألا يعتبر هذا ذنباً؟ أوليست هذه خيانة للمرأة؟ و مع حضارتهم هذه، کأنهم هم أصحاب حق أمام العالم کله؛ في حین أنهم مدانون! بالنسبة إلی قضیة المرأة يجب على الحضارة الغربية الدفاع عن نفسها و عليها إعطاء التوضیحات؛ لكن هيمنة الرأسمالية و الإعلام الغربي يقلب الحقائق رأساً علی عقب؛ فيتحول هؤلاء إلى أصحاب الحق و المدافعين عن حقوق المرأة حسب ما يقولون و يظنون! في حین أن الأمر لیس کما یظنون. طبعاً هناك مفكرون و الفلاسفة و أناس صادقون و صالحون بين الغربيين يفكرون و يتحدثون بصدق. ما أقوله هو أن الاتجاه الثقافي العام و الحضارة الغربية عموماً هي ضد المرأة و في ضرر المرأة. على المرأة الإيرانية في إيران الإسلامية أن تبذل جهدها في إحياء الهوية السامية للمرأة الإسلامية إلى درجة تلفت أنظار العالم. هذه هي المسؤولية التي تقع على عاتق النساء المسلمات؛ خاصة الشابات منهن و فتيات المدارس و الجامعات.
الهوية الإسلامية هي أن تحافظ المرأة على هويتها و خصائصها الأنثویة - التي تعتبر أمراً طبيعياً و فطرياً و إن خصوصيات أي جنس تعتبر قيمة له - أعني الحفاظ على تلك المشاعر الرقيقة، و عواطفها المتدفقة و عطفها و محبتها، و رقتها و صفائها و تألقها الأنثوي، و في الوقت ذاته ينبغي عليها التقدم في ساحة القيم المعنوية يوماً بعد يوم - كالعلم و العبادة و التقرب إلى الله، و المعرفة الإلهية و السلوك في وادي العرفان، سواء في ساحة القضايا الاجتماعية و السياسية و الصمود و الصبر و المقاومة و التواجد السياسي و المطالبة السياسية و الفهم و الوعي السياسي و التعرف على بلادها و مستقبلها و المبادئ الوطنية الكبيرة و المبادئ الإسلامية المرتبطة بالبلدان الإسلامية و الشعوب المسلمة و التعرف على مؤامرات الأعداء و التعرف على العدو و أساليبه، أو في ساحة استتباب الأمن و الإنصاف و إرساء الهدوء في البيئة الحياتية و الأسرة. إذا كانت هناك حاجة إلی قوانين أو حاجة إلى القيام بإصلاح القضايا المرتبطة بالمرأة، فعلى النساء اللواتي يتمتعن بالعلم و المعرفة و الوعي أن يتقدمن و يدخلن في كافة هذه الساحات؛ و عليهن استعراض النماذج المتكاملة للمرأة؛ حتى يثبتن أن المرأة المسلمة هي مرأة تحافظ على دينها و حجابها و أنوثتها و لطافتها و نعومتها و تدافع عن حقها؛ و تتقدم في ساحة المعنوية و العلم و البحث العلمي و التقرب إلى الله و تكشف عن شخصيات بارزة و تتواجد في الساحة. و هنا تكون أسوة للنساء.
عليكن أن تعلمن أن أنظار المرأة المسلمة في الكثير من بلدان العالم تتوجه إليكن اليوم و النساء یتعلمن منكن. حينما تلاحظن في بعض البلدان الغربية و في بعض البلدان المسلمة التي تسودها الحكومات غير المسلمة، بأن الحجاب الإسلامي یتعرض لهجمة أعداء الدين، فهذا یدل على رغبة النساء في الحجاب. في البلدان المجاورة، و في الأماكن التي لا تعیر أي اهتمام بالحجاب، أو البلدان الإسلامية التي زرتها من قريب و لم يكن هناك ذكر للحجاب قط؛ نجد بعد مضي عشرين عاماً من عمر الثورة أن النساء؛ خاصة المثقفات و الجامعيات منهن و الفتيات في الجامعات، قد أقبلن على الحجاب و تعلقن به؛ و حافظن علیه؛ و هناك نماذج لذلك في البلدان الغربية فضلاً عن البلدان الإسلامية. أنتن أسوة و نموذج. اعلمن إنه لا توجد في أي نقطة من العالم نساء كأمهات شهدائنا، أم لشهيدين، أو أم لثلاثة شهداء، أو أربعة شهداء. و هناك العديد من الأمهات اللواتي وقفن صامدات أفضل و أقوى من الآباء بفضل ميزاتهن و وعيهن في هذه المجال. هذه هي التربية الإسلامية؛ هذه من الآثار الطاهرة و النورانية لفاطمة الزهراء سلام الله عليها. إنكن بنات فاطمة و أولاد فاطمة الزهراء و أتباعها.
أسأل الله أن تنير قلوبكن جميعاً الأنوار المقدسة للولاية و المعنوية و المعرفة و أن تخطو النساء المسلمات خطوات كبيرة و حسنة يوماً بعد يوم في طرق الحفاظ على الهوية الإسلامية و أن تشمل الألطاف الإلهية و الفضل الإلهي روح إمامنا الطاهرة و أن تشملكن جميعاً أيتها الأخوات العزیزات الأدعية الزاکیة للإمام المهدي الموعود أرواحنا فداه.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.