بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين. و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم محمّد و على آله الأطيبين الأطهرين. سيّما بقية الله في الأرضين.
إن هذا الاجتماع لهو اجتماع عظيم و استثنائي. حيث اجتمعت هنا الحشود الغفیرة و كلها من الشباب. و هذا المكان هو مصلى حيث أضفت معنوية الصلاة و محل العبادة على الأجواء معنوية خاصة و نوراً. و من جانب آخر فقد جاء هذا الاجتماع بعد أيام العزاء و إن شبابنا بفضل تواجدهم في مراسم العزاء و أداء مراسم التعزیة بشکل جید جداً في يومي تاسوعاء و عاشوراء و ما قبلهما و ما بعدهما، يتمتعون الآن بروح و معنویات حسينية. إن هذا الاجتماع اجتماع لا مثیل له سواء من حيث الزمان، أو المكان، أو التركيب، أو الكمية، و أريد أن أتحدث في هذا الاجتماع حول قضايا الشباب بالدرجة الأولى. و السبب في اهتمامي بهذا الموضوع إلی هذا الحد، هو أن قضية الشباب في بلدنا يجب أن تتحول إلى قضية وطنية حقيقة. و على الجميع أن يشعروا بالمسؤولية حيال هذه القضية؛ سواء الحكومة، أو علماء الدين، أو التعبئة، أو المؤسسات الرياضية أو الإذاعة و التلفزيون. على جميع الأجهزة التي تستطيع أن تمارس دوراً في المجالات المتعلقة بالشباب عليها أن تشعر بالمسؤولية إزاء قضية الشباب في هذا البلد. و إنني أريد اليوم و بالتواجد في هذا الاجتماع و طرح قضية الشباب و الحديث معهم وجهاً لوجه، أريد أن أوجه هذا النداء إلى جميع المسؤولين، و هو أن عليهم أن يعتبروا متطلبات الشباب و مستقبلهم و البرمجة لهم قضية جدية و من الدرجة الأولى. و هذا الأمر لا مفرّ منه. و تطرح مواضيع كثيرة بنحو متكرر حول الشباب، باعتبارهم أمل الشعب و مستقبل البلاد . كل هذه المواضيع مواضيع صحيحة، لكنها تكرارية، و أنا لا أريد أن أضیع الوقت فيها؛ بل أريد أن أتطرق بشکل مباشر إلی أصل القضية.
إن مرحلة الشباب ظاهرة متألقة و مرحلة فريدة لا نظير لها في حياة كل إنسان. أي بلد يجري فيه الاهتمام بقضية الشباب كما ينبغي لها، فإنه سيحقق النجاح الكبير في طريق التقدم. و تزداد هذه القضية أهمية حينما يكون البلد كبلدنا حيث يشكل الشباب الغالبية العظمى و النسبة العالية من مجموع السكان. إنني أرغب اليوم أن يحظى الجزء الأول من كلمتي باهتمام الكبار سواء منهم المسؤولون، أو الآباء و الأمهات، أو المعلمون، أو سائر المعنيين بقضايا الشباب. أما القسم الثاني من كلمتي فيتعلق بكم أيها الشباب و هناك مواضيع سأتحدث معكم حولها.
بالنسبة للقسم الأول الذي يختص بالمسؤوليات التي تتعلق بالشباب، أرى لزاماً عليّ بأن أقول أن مرحلة الشباب - هذه المرحلة المضيئة و النضرة - هي رغم قصرها مرحلة نتائجها خالدة و طويلة الأمد في حياة الإنسان کلها. تبدأ مرحلة الشباب من البلوغ، و أريد أن أنظر إلى القضية هنا من منظار الشباب لكي يذكر الكبار، الوالدان و المسؤولون، أجواء مرحلة الشباب التي كانوا يعيشونها ذات يوم.
إن للشاب - خاصة في بداية مرحلة الشباب - ميول و حوافز. أولاً، بما أنه یمرَّ في مرحلة تکوین الشخصیة، فهو یرغب أن یعترف الآخرون بشخصیته؛ و غالباً ما لا یتحقق هذا الأمر و کأن الوالدین لا یعترفان بهذه الشخصیة الجديدة. ثانياً للشباب مشاعر و حوافز. و يتميز الشاب بالنمو الجسمي و الروحي فقد وضع قدمیه في عالم جديد غالباً ما يجهله أو لا يهتمون به من هم حوله من أفراد الأسرة و الأقارب و الأشخاص في المجتمع؛ لذلك فهو يشعر بالوحدة و الغربة. إنني أحب أن يسمع الكبار هذه المواضيع و يهتموا بها و يتذكروا فترة شبابهم. ثالثاً: الشاب - سواء في بداية مرحلة البلوغ أو ما بعدها - يرى أمامه الکثیر من الأمور المجهولة. تطرح له قضايا جديدة تثير التساؤلات المتنوعة لدیه. كما تختلجه شبهات و استفهامات یرغب في معرفة أجوبتها؛ و قد يأتي هذا الجواب في الكثير من الحالات غير ملائم و غير مناسب له؛ لذلك فهو يشعر في كثير من الأحيان بالغموض و الفراغ. رابعاً يشعر الشاب بالطاقات المتراکمة تكمن في وجوده و يشعر أیضاً ًبطاقات في وجوده سواء الجسمية منها أو الفكرية أو الذهنية. و هذه الطاقات الشبابية بوسعها أن تصنع المعجزات و تحرك الجبال، و لكن الشاب يشعر بعدم الاستفادة من هذه الطاقة المتدفقة؛ لذلك يشعر بالإهمال و عدم الجدوى. خامساً: يواجه الشاب لأول مرة عالماً كبيراً في فترة شبابه لم يكن قد يجربه أو عرفه من قبل. تطرأ عليه الكثير من أحداث الحياة و هو لا يدري ماذا يفعل أمامها. لذلك يشعر بالحاجة إلى الهداية و المساعدة الفكرية، و بسبب انشغال غالبية الآباء و الأمهات بشؤونهم، لذلك لا يهتمون بالشباب و بالتالي لا يُمنح للشاب الدعم الفكري اللازم. إن المؤسسات التي تقع عليها المسؤولية في هذا المجال، غالباً ًما تکون غیر متواجدة عند الحاجة و عندما يكون حضورها أمراً ضرورياً؛ لذا لا يمنح للشاب هذا العون فيشعر بالوحدة و أنه دون الملجأ. هذه هي المشاعر التي تسيطر عموماً على شبابنا؛ فهناك الشعور بالوحدة من ناحية، و من ناحية أخرى الشعور بعدم وجود سند، و من ناحية أخرى هناك الشعور بالطاقات الحاشدة التي تذهب هدراً.
مسؤولیة إدراك هذه المشاعر و تفهّمها تقع على عاتق الجميع. و خاصة الحكومة و علماء الدين و الإذاعة و التلفزيون و التعبئة و منظمة الرياضة و المؤسسات و المراكز الثقافية، فهؤلاء جميعاً على عواتقهم مسؤوليات كبيرة إزاء جيل الشباب؛ لا سيما في بلد كبلدنا الذي يمثل فيه جيل الشباب الغالبية العظمى من عدد السكان، و يتمتع بالإيمان من الناحية الروحية؛ و يمتاز بالاستعداد للقيام بالأعمال الكبيرة و بأنه منظومة موهوبة جداً. إن ما ذكرته مراراً من أن متوسط الموهبة لدى الشباب الإيرانيين يفوق متوسط الموهبة لدى شباب العالم، هو نتيجة بحث و دراسة علمية و هو أمر مسلّم به. هذه المواهب، و هذا العدد الهائل و هذه القدرات، بوسعها مساعدة بلد كإيران في دروب التكامل و الرفعة و الرقي.
البعض يطلقون أحكاماً خاطئة و مضلّلة بشكل كبير على جيل الشباب في إيران من الناحية العقائدية و من الناحية الإيمانية. الذي اعتقده و ما أثبتته الدراسات هو أن الشاب الإيراني شاب مؤمن، عفيف، شريف و لديه الكثير من المؤهلات الدينية، و يرغب في الاتجاهات المعنوية. طبعاً ما نتوقعه من الشباب، يختلف تماماً عن توقعنا من الكبار الناضجين الذين فقدوا طاقاتهم. إن الشباب الإيرانيين - سواء الفتيات أو الفتیان - يتمتعون بمستوى عال من حیث المقومات الروحية و المعنوية و الذهنية و كذلك من ناحية الإمكانيات الإيمانية. و هذا ما یلقي مسؤولیة كبيرة على عاتق المسؤولين.
و من الواجب عليّ طبعاً بأن أعترف بأن هناك اهتماماً بالغاً اليوم و لحسن الحظ بقضايا الشباب. المراكز الخاصة بشؤون الشباب - كمنظمة الشباب الوطنية - و المراكز التي استطاعت أن تنظم الشباب في المجالات العظيمة منذ بداية الثورة - كالتعبئة - و كذلك المراكز الحكومية للتربية و التعليم تهتم لقضايا الشباب؛ لكنني أتوقع أكثر من هذا. أتوقع أن تتبدل قضية الشباب و الاهتمام بشؤون الشباب و البرمجة لإرشادهم الصحيح نحو الرقي و التكامل، إلى قضية وطنية حقيقية، و على الجميع أن يشعروا بالمسؤولية تجاهها.
لنعد إلى رؤية الإسلام. إن الرؤية الإسلامية حول الشباب تنطبق تماماً مع ما تم اقتراحه اليوم و مع توقعنا من الشباب و جيلهم. لقد أوصى الرسول بالشباب، و تآلف معهم و استفاد من طاقاتهم للأعمال الكبرى. و هذا العام أطلق عليه عام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. عليكم أن لا تنظروا إلى أمير المؤمنين كشخصية في الأربعينيات و الخمسينيات و الستينيات من العمر. إن شخصيته المتألقة، هي ذلك النموذج الخالد الذي يمكن للشباب أن يجعلوه أسوة لهم. إن الإمام علي عليه السلام كان عنصراً مضحّياً، ذكياً و نشطاً و رائداً في مرحلة شبابه في مكة. و كان يزيل جميع العقبات الكبيرة من أمام الرسول. كان يلبس قلبه على الدروع في الساحات الخطرة و كان يتولى أشق الأعمال. و قد وفّر إمكانية هجرة النبي إلى المدينة و كان قائداً للجيش بعد الهجرة و زعيماً للجماعات الفعالة و العالمة و الواعية و الشهمة و المتسامحة. و كان جندياً شجاعاً و قائداً رائداً في ساحة القتال. و كان شخصاً كفوءاً في مجال أمور الحكومة. و في ساحة القضايا الاجتماعية كان شاباً متقدماً بالمعنى الحقيقي للكلمة. و لم یستفد الرسول من شخصیةٍ کعلي فحسب، بل كان يستفيد بقدر استطاعته من الشباب و طاقاتهم في فترة حكومته التي دامت عشرة أعوام.
لقد ألقى الرسول الأكرم بإحدى المسؤوليات الكبيرة على عاتق شاب في الثامنة عشرة من عمره. كان النبي يتولى زمام القيادة بنفسه؛ لكنه خلال الأسابيع الأخیرة من عمره شعر بقرب رحيله عن هذا العالم و أنه غیر قادر علی قیادة الجيش الذي وجهه إلى الامبراطورية الرومانية - لأنه كان عملاً شاقاً للغاية؛ كان من الضروري اختيار طاقة لهذه المهمة لا تستطیع أي قوة أن تقف أمامها - لذلك ألقى هذه المسؤولية على عاتق شاب في الثامنة عشرة من عمره. كان يستطيع النبي أن يُلقي هذه المسؤولية على عاتق رجل في الخمسين و الستين من عمره و له تجربة في الحرب و جبهات القتال؛ لكنه ألقی المسؤولية على عاتق شاب في الثامنة عشر من عمره و كان اسمه اسامة بن زيد . و من دوافع ذلك أيضاً هو إيمان زيد و أن والد أسامة كان من الشهداء. و المكان الذي أرسل إليه أسامة، كان المكان الذي استشهد فيه والد أسامة بن زيد - أعني زيد بن حارثة - حيث استشهد في تلك المنطقة قبل سنتين. و ألقى النبي مسؤولية قيادة جيش عظيم و جرار كان يضم كبار الصحابة من الشيوخ و القادة ذوي التجارب على ذلك الشاب في الثامنة عشر من عمره. قال له النبي: عليك أن تذهب إلى المكان الذي استشهد فيه أبوك - أي إلى مؤتة ذلك المكان الذي كان تحت سیطرة الامبراطورية الرومانية آنذاك و الذي يقع الآن في الشام - لتعسكر هناك. ثم أصدر إليه توجيهات القتال. كانت الطاقات الشبابية مهمة عند الرسول إلی هذا الحد .
لدينا اليوم في بلدنا الكثيرين من أمثال أسامة بن زيد؛ و لنا هذا الحشد الكبير من الشباب؛ لدينا جموع كبيرة من الفتيان و الفتيات و العديد من هذه المجموعات المؤهلة للمشاركة في الميادين الناشطة و في میادین طلب العلم، و القتال، و السياسة، و النشاطات الاجتماعية، و المشاركات المتنوعة لمكافحة الفقر، و للإعمار و في أية ساحة أخرى يبرمج لهم و يمكن لهم الخوض فيها. هذه مكانة مهمة للغاية لبلدنا. و هذا الجيل هو شبيه بالجيل الذي تكلّل بالنجاح في نهاية المطاف عندما خاضت بلادنا أکبر تجربة، و هي تجربة الحرب المفروضة و قد حقق الشباب النصر بكل قوة و نجاح. و من المناسب أن تعلموا أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء؛ في اليوم الذي تأسّس الحرس الثوري، كانت غالبیة أعضائه من الشباب و الطلائع. و هؤلاء الأشخاص يعدون اليوم قادة الحرس و يتمتعون بأرفع الأوسمة، كانوا في ذلك اليوم إما طلبة في الجامعات و إما من المتخرجين حديثاً أو حتى من الذين لم يدخلوا الجامعات بعد. إن القائد الذي كان يدير ساحات القتال لأعوام متمادية كان عمره ستاً و عشرين سنة عندما نصبه الإمام قائداً للحرس الثوري. لقد استفادت الثورة من هذه التجربة مرة أخرى و قد تمكّنت من إثبات الدور البنّاء الكبير للشباب. هذا ما كنت أحب أن يهتم به الكبار و المسؤولون؛ أعني النظرة إلى قضية مرحلة الشباب من منظار الشباب؛ و رؤية أمنيات الشباب و توقعاتهم و مشاعرهم؛ و فهم واجباتهم الحقيقية إزاء هذه التوقعات و هذه المتطلبات. على كافة الأجهزة المعنية، سواء الحكومية أو غير الحكومية، أو الإذاعة و التلفزيون أو الوزارات المختصة بالشباب - كالتربية و التعليم العالي - أو القطاعات المختصة بالرياضة، أو القطاعات الخاصة بالشباب، أو التعبئة أو علماء الدين، أو مؤسسات تبليغ الدين و نشره، عليها جميعاً أن تشعر بالمسؤولية إزاء هذا الحشد الكبير، و هذا الكم الهائل من المواهب و الطاقات الحاشدة.
أما القسم الثاني من حديثي فهو جملة واحدة أخاطبكم بها: أعزائي! إن ما يتمتع به اليوم هذا البلد من إمكانيات، سوف يؤدي إلى نتيجة منطقية تبشّر بمستقبل مشرق يبعث على الفخر و الرضا. إن الشباب يمثلون الغالبية العظمى من سكاننا. و هناك في العالم اليوم بلدان تعاني من قلة الشباب. مستواهم السني كبير و عليهم توفیر الطاقات الشابة من البلدان الأخرى. و تتمتع بلادنا بأکبر عدد من هذه الطاقات الشابة. و ببركة الثورة فإن روح الشباب و روح غالبية الجماهير، ترغب في العمل و الإبداع و الابتكار. قبل انتصار الثورة لم يُـمنح الشباب الفرص للإبداع و الابتکار، سواء في المجالات العلمية أو الصناعية أو الإبداعات المتنوعة و لم یکن هناك اهتمام بالإبداعات. لكن الثورة الإسلامية قامت بإحياء روح الاستقلال و الاعتماد على النفس و الثقة بالنفس؛ هذا أيضاً يعد من الفرص الثمينة. لدينا هذا العدد الهائل من الشباب الذين يتمتعون بهذه الروح. و من ناحية أخرى فإن هذه الجموع الشابة و كافة أبناء الشعب يشعرون بأن لهم دور في القضایا المصيریة للبلاد. إنهم يختارون الحكومات و المسؤولين و الحقيقة أن حركة البلاد و إدارتها تقع على عاتق أولئك الذين لعب الشعب دوره في انتخابهم.
إن شعوب بعض البلدان القريبة منا في هذه المنطقة ليس لديهم أدنى دور في اختيار مسؤوليهم و لا علم لهم بأي شيء و ليس لهم أي إشراف على إياب و ذهاب المسؤولين الذين يحكمونهم و لا على فترة حكومتهم و لا على ثرواتهم و لا على فسادهم الأخلاقي و لهوهم. كما أن بعض البلدان تدعي الديمقراطية على الظاهر؛ و في الحقیقة لیس هناک فيها أي دور للشعوب. و الواقع أن هيمنة مراكز القوى الأجنبية و الداخلية على تلك البلدان لا تسمح لهم بممارسة أي دور في إدارة البلاد.
إن واقع بلادنا اليوم هو واقع استثنائي؛ أو إنه استثنائي في هذه المنطقة على الأقل. يختار شعبنا الحكومات و نواب مجلس الشورى بإرادته و رغبته و تمیزه و يضعهم رهن الاختبار. فإن رضوا عنهم اختاروهم مرة أخرى و إن لم يرغبوا أختاروا شخصاً آخر. هذه أيضاً من الفرص الثمينة جداً.
النقطة الرابعة من فرصنا تتمثل في الإرشادات الإسلامية و أصول و مبادئ الإسلام التي حصلت على طابعها الرسمي في بلدنا. من الممكن أن يكون هناك في العديد من البلدان ديمقراطية و نشاط اقتصادي؛ و لكن العدالة الإجتماعیة أو محق الفوارق الطبقیة غير مطروحة هناك. إن ما حصل اليوم على الطابع الرسمي في البلدان الرأسمالية اليوم و بين طبقاتها المختلفة هو الصراع الشخصي للحفاظ على مصالحهم، أما العدالة الاجتماعية بصفتها واجباً أو قيمة أو تكليفاً فلا يهتم بها مخططو تلك البلدان. إن العدالة الاجتماعية تقع على رأس وصايا الإسلام الذي يشكل دستورنا و يرشد قوانينا. و إن لم يعمل المسؤولون لتحقيق العدالة الاجتماعية و الفقر و تقليل الفوارق بين الطبقات الفقيرة و الغنية، فإنهم سوف يسقطون من أعين الجماهير و لا يقبلهم الشعب كمسؤولين يحبهم.
إن شعبية هذه الحکومة هي من القيم الأخرى التي أهدتها السيادة الإسلامية لهذه البلاد. فالشعبية، هي قیمة أرفع درجة من الانتخاب بواسطة الشعب. فبعض الأشخاص يمكن أن ينتخبوا في حكومة ديمقراطية بشكل ديمقراطي، و لكن لا علاقة لهم بالشعب. فهم ليسوا شعبيين. إن الشعبية في بلدنا الإسلامي تعد من القيم. إن رئيس الجمهورية يتمتع بالشعبية؛ و إن المسؤولين يتمتعون بالشعبية و يريدون أن يتمعوا بها. فأي شخص يكون أقرب إلى الشعب و يدرك أكثر مشاعر الشعب و يتعاطف أكثر مع الجماهير في آلامهم، فإن الجماهير يحبونه أكثر. هذه أيضاً من الميزات الكبيرة التي نتمتع بها في الوقت الحاضر.
و إضافة إلى هذا هناك ميزات مادية؛ أعني مصادر الطاقة في البلاد و وجود المواهب الإيرانية - و كما سبق أن قلت فإنها تفوق متوسط النسبة العالمية للمواهب - أو التنوع الإقليمي في البلد و تنوع المناخ و سائر الإمكانيات الموجودة في البلد. لو تم التخطيط الصحيح لهذه الطاقات الشابة العظيمة و هذه الطاقة الهائلة على أساس المنطق و الاستدلال و لو تفجرت هذه الطاقة؛ و لو تم استخدام جيل الشباب لإعمار البلاد و لو جرى العمل في المجال الدراسي و لو رُفع مستوى معلومات الشباب، فإن مستقبل البلاد سيكون مستقبلاً مشرقاً بلا شك. هذا ليس مجرد شعار؛ بل هو أمر منطقي و استدلالي و متقن.
و أي بلد يتمتع بمثل هذه الطاقات الشابة، و هذه المواهب المفعمة بالحیویة و الإمكانيات الطبيعية و الإقليمية و بمؤهلات المعرفة و الدین هذه، إذا عمل مسؤولوه كما ينبغي - و إن مسؤولي بلدنا قرروا دائماً أن يعملوا - فإن مستقبله سیکون مستقبلاً زاهراً جداً؛ و يمكن لهذا المستقبل أن يكون نموذجاً للعالم الإسلامي بالدرجة الأولى و للآخرين بالدرجة الثانية. لكن هناك تهديدات يجب التعرف عليها. و السبب في إصراري على التذكير في كل خطاباتي - سواء التي أخاطب بها جيل الشباب أو غالبية الجماهير - بهذه التهديدات الموجهة إلى البلد و الشعب و خاصة جيل الشباب هو أن أهمية هذه التهديدات كبيرة للغاية.
أعزائي! القليل من الغفلة أحیاناًً، و عدم الاهتمام و التكاسل أو التساهل يمكن أن یکون سبباًً في ضیاع إنجازٍ عظيمٍ من يد شعب. يجب علینا أن لا نسمح بذلك. لقد أثبت شعبنا أن بوسعه تحقيق إنجازات عظيمة في مجالات العمل و التحرك و السعي، عندما يشرف عليه قادة و مسؤولون صالحون. و سيستطيع ذلك بعد الآن أيضاً، شريطة أن نتعرف على التهديدات. أنا لا أخاطب الأجيال غير الشابة فقط؛ بل أخاطبكم خاصة أيها الشباب و أرغب في أن تعرفوا بدقة هذه التهديدات الموجودة و عليكم أيضاً أن تساهموا في مواجهة هذه التهديدات.
إن ما يهدد مستقبلنا المشرق، ينقسم إلى قسمين: التهديدات الخارجية؛ و التهديدات الداخلية. علي أن أقول في البداية: إذا لم يكن لهذا الشعب عدو داخلي أو إذا لم يكن هناك المتغلغون و لم یفسد المنافقون قضايا البلاد؛ فلیس بوسع العدو الخارجي أن یحقق إنجازات كثيرة. طبعاً عليكم أن تعلموا أن بعض التهديدات تنبع من داخلنا و أنفسنا. أنا أقول إن أي شيء يوجه ضربة للصحة و الإيمان و العزم و النشاط و يحد من عمل الشباب و دراستهم، يعتبر تهديداً. فاللامبالاة تهديد؛ و المخدرات تهديد؛ و إهمال الدرس و طلب العلم و العمل هو تهديد أیضاًً؛ و الانشغال بالجدل الاجتماعي التافه تهديد و النزاعات الداخلية تهديد، و عدم الثقة بالنظام و المسؤولين تهديد؛ و طبعاً غفلة المسؤولين تهديد أيضاً؛ و تخطيط العدو الخارجي تهديد أيضاً. و إن شعباً يقظاً و واعياً، و حياً و شاباً و ثورياً كشعبنا، يجب عليه أن يزيل كل هذه التهديدات من طريقه.
أنا حينما أشير إلى التهديد الخارجي، فإنني أقصد به مراكز القوى العالمية. أيها الإخوة و الأخوات؛ و يا أبنائي الأعزاء! إن هناك اليوم تهديداً مضاعفاً يستهدف ليس إيران فحسب، بل كافة البلدان التي ليست علی نمط البلدان الأوربية و الأمريكية المتقدمة. فما هو هذا التهديد المضاعف؟ إنه النفوذ المباشر من جانب القوى الكبرى و على رأسها أمريكا، و هو من جانب آخر تيار العولمة؛ التيار الذي ينظم بعض الأمريكيين مظاهرات ضدّه داخل أمريكا نفسها.
ما معنى العولمة؟ معناها أن تبادر مجموعة من القوى العالمية؛ و هم غالباً الذين يتمتعون بالنفوذ في الأمم المتحدة؛ و الذين كانوا يستعمرون العالم بالأمس؛ و عدد من البلدان التي تسعى إلى فرض ثقافتها و اقتصادها و عاداتها و تقاليدها على كافة أنحاء العالم؛ و يبادروا لتأسيس شركة تساهمية بحيث تكون خمس و تسعون بالمائة من أسهمها لهم بينما تكون خمسة بالمائة لسائر البلدان. لذلك فهم بذلك يتمتعون بالخيار و القرار! هذا هو معنى العولمة التي تعارضها الکثیر من البلدان و الكثير من ساسة العالم الثالث و الكثير من مثقفي العالم و يخشونها. و قد نقل بعض مسؤولينا إن الكثير من البلدان المشاركة في مؤتمر 77 و دول عدم الانحياز تخشی العولمة؛ لأنها تعرف أن العولمة تعني هيمنة أمريكا على اقتصاد البلدان الأخرى و على ثقافتها و جيشها و سياستها و حكومتها و على كل ما لديها تقريباً. هذا فضلاً عن النفوذ المباشر.
ما تلاحظونه من الضغوط الموجّهة ضد تجاهل إيران لأمريكا - يستخدم الأمريكان كافة الوسائل لكسر هذا الوجه المتجاهل و العابس الذي اتخذه الشعب الإيراني تجاه أمريكا - فلأنهم بذلوا قصارى جهدهم في كافة أنحاء العالم للتمكن من إرغام الساسة الشرفاء على المساومة و الخضوع و التسليم لهم. لقد عمل الأمریکان علی تفهیم رؤساء البلدان الأفريقية و الآسيوية و بلدان أمريكا اللاتينية أنه من أجل أن یعیشوا لا بد لهم من الخضوع لأمریکا و سیاستها. و قد خضعت لها الکثیر من البلدان. هناك بلد واحد و شعب واحد و حكومة واحدة في العالم لم يخضع لأمريكا و يقول لا شأن لنا بأمريكا؛ لكننا لسنا على استعداد للاستسلام لضغوط أمريكا و فرض سياساتها و علاقاتها. و ذلك البلد هو الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
و تجري بعض التصریحات المرائیة أحياناً على لسان المسؤولين الأمريكان. و أحياناً أخری يمتدحون الشعب الإيراني مدحاً جزئياً أو يمتدحون بعض المسؤولين في إيران. و ليس لهم هدف سوى إخضاع إيران لهيمنتهم السياسية و الاقتصادية و حتى العسكرية إن استطاعوا. إنهم یطمعون بأسواق إيران و ثرواتها؛ و فوق ذلك كله، لأن الشعب الإيراني و النظام الإسلامي و الثوري في إيران استطاع خلق نهضة عظيمة في العالم الإسلامي - و هي صحوة لا يمكن القضاء عليها - لذلك يريدون القضاء على هذه النهضة العالمية عن طريق إخضاع إيران، أي إنهم يريدون أن يقولوا للعالم بأن الذين بدأوا بمناهضتهم جاءوا و استسلموا لأمريكا و خضعوا لها. لذلك، ليس الهدف إقامة العلاقات السليمة. إنهم يطلقون هذه التصريحات في دعاياتهم؛ و للأسف هناك البعض في صحف البلاد و غيرها، يكررون تلك الأحاديث و كأن حل کافة المشاکل الاقتصادیة للبلاد قائم علی إقامة العلاقات مع أمريكا. و هذا غیر صحیح.
إن الأمريكان ليس لديهم سوى وجهة نظر واحدة حول علاقاتهم و نشاطاتهم في العالم - و هم يصرحون بها و لا يخفونها - و هي مصالح أمريكا. إذا أقاموا علاقات مع أحد، و سألوهم عن السبب، يقولون بأن مصالحنا تقتضي ذلك؛ لأن مصالحهم تمتاز بالأهمية لديهم! إن أمريكا لا توزع أرباحاً على أي بلد أبداً. فلو منحت بلداً ما قرضاً قيمته عدة ملايين من الدولارات، فإنها تأخذ من ذلك البلد عدة أضعاف من الإمكانيات! إذا نظرتم أنتم إلى هذه المنطقة، فتلاحظون أن هذه البلدان المجاورة لنا تعاني من الفقر و الضعف و الاستبداد و الفساد و الكثير من المشاكل. أوليست لديهم علاقات مع أمريكا؟! لدى جميعها علاقات مع أمريكا. إن الأمريكان يستفيدون منها، لكنهم لا يسمحون لهذه البلدان بالاستفادة منهم.
لقد أعلن الأمريكان مراراً أن هدفهم من إقامة العلاقات مع البلدان، هو توفير مصالح حكومة أمريكا! فما معنى ذلك؟ إنه يعني من وجهة نظر الأمريكان إن مصالح المواطن أمريكي، تفوق مصالح المواطن الإيراني - أياً كان - و أن الشاب الأمريكي يفضل على الشاب الإيراني؛ و أن العنصر الأمريكي - أياً كان - هو أفضل من العنصر الإيراني و غير الإيراني. هذا ما تقوم عليه سياسات أمريكا الدولية. و هذا هو هدفهم الرئيسي.
طبعاً هم يدعون حقوق الإنسان كذباً و بهتاناً! هناك بلدان تستفيد أمريكا من نفطها؛ و لم يشكل فيها و لو لمرة واحدة برلمان منتخب من قبل الشعب؛ ليس في تلك البلدان حاكم و لا رئيس جمهورية منتخب من قبل الشعب؛ لكن أمريكا لا تطلق اسم حقوق الإنسان و الديمقراطية في تلك البلدان! لماذا؟ لأنها توفر مصالح أمريكا. تعاونوا مع نظام صدام - أیام الحرب المفروضة علی إيران؛ لأنه كان ینسجم مع مصالحهم - على نطاق واسع؛ لكن حينما هاجم صدام الكويت و هدّد مصالحهم، فإنهم قاموا بمواجهته؛ فصار صدام ظالماً و مجرماً و عنصراً لا يمكن الثقة به! أولم يكن هكذا سابقاً؟!
و اليوم هناك الكثير من المؤسسات في داخل أمريكا و في أوربا تقوم بنشاطات من جانب الأمريكان من أجل ممارسة الضغط على حكومة إيران و الرأي العام في إيران أو على الأجواء الفكرية فيها. و لدي تقریر عن هذه المؤسسات التي تدعي البحث العلمي تشیر إلى أن عمل هذه المؤسسات في الحقیقة هو ممارسة الضغوط السیاسیة و الدعائیة و تعبئة الرأي العام ضد النظام الإسلامي. و لدي أسماء هذه المؤسسات أيضاً؛ و أعرف ما هي نشاطاتها و ما الذي تقوم به. إنها تتظاهر بالصداقة في الكلام؛ لكن عناصرهم السياسية و العسكرية و وزير دفاعهم و قادة قواتهم في الخليج الفارسي، يتحدثون بكل غطرسة! و أجهزتهم التجسسية تتآمر في السر، و لن أتحدث أكثر من هذا في هذا الأمر لعدم وجود الفرصة الكافة. للأسف فإن بعض هؤلاء استطاع استغلال بعض الأوضاع المتوترة؛ و المجيء إلى إيران و الاتصال بهذا و ذاك! و قال أحدهم في تقرير له؛ إن أمر إيران قد انتهى تماماً و ما علينا إلّا أن نعرّف سفيرنا لإيران! و سمع شخص بهذا فقال: إنها ليست إلا رؤيا! ما الذي قالوه له هنا حتى ظن أن كل شيء قد انتهى في إيران؟! و من الذي تحدّث معه؟! هذه أمورٌ تشکل تهدیدات داخلية.
أعزائي! لو تحلينا بالاتحاد و الانسجام في الداخل و لو أخلص الشعب حبه للحكومة و المسؤولين و كانت لهم علاقاتهم فيما بينهم، فإن العدو الخارجي لا يستطيع أن یکون له تأثير سلبي أبداً و لا يستطيع أن يقوم بشيء؛ لكن للأسف هناك أيادي للأعداء في الداخل. و اليوم هناك داخل البلد الكثيرون من أمثال عبد الله بن أبي أعني المنافقين؛ الذين لم يقبلوا من الأعماق حتى ليوم واحد حكومة الإمام و حكومة النظام الإسلامي! كان عبد الله بن أبي واحداً من المنافقين الناشطين جداً في عهد الرسول و كانت له علاقات مع اليهود و كفار قريش و جواسيس الامبراطورية الرومانية و كان يستغل كافة الإمكانيات عله يستطيع القضاء على حكومة النبي؛ لماذا؟ لأنه كان يتصور قبل أن يأتي الرسول إلى المدينة كان يتصور بأنه سيصبح رئيساً و حاكماً و ملكاً للمدينة! و كان النبي في الحقيقة قد أخذ منصبه. و الیوم أیضاًً نجد في بلادنا من أمثال عبد الله بن أبي ؛ ممن كانوا يتصورون أنه لو قامت ثورة في هذا البلد، فإن الحكومة ستكون وقفاً لهم و تتعلق بهم. الذين لم يكونوا يقبلون لا الفقاهة و لا الإمام و لا الجماهير، و لا المشاعر الدينية. لقد تعامل النبي مع عبد الله بن أبي بحسن السلوك و لم يعاقبه. و هكذا فعل النظام الإسلامي مع هؤلاء و لم يعاقبهم. و هم الآن ينظرون إلى بعض الظواهر التي يتحكم فيها الأعداء؛ و يتصورون بأن الفرصة قد سنحت لهم للمساس بالنظام الإسلامي. إنهم يمارسون حرکاتهم النفاقیة علی أمل بث الخلاف بين المسؤولين و الناس و على أمل أن يقطع الشباب علاقاتهم مع النظام الإسلامي و يبدوا خصامهم مع الدين!
عليكم أن تعلموا أيها الشباب الأعزاء، كلما نظمتم مظاهرات إسلامية أو ثورية أو دينية - كلما شاركتم في مجالس الدعاء، أو في مراسم الاعتكاف، أو في مظاهرات يوم الثاني و العشرين من بهمن و مسيرات يوم القدس، و كلما قمتم بتکریم مسؤولي البلد كرئيس الجمهورية و الآخرين - و كلما قمتم بحركة تعبر عن تمسككم بالدين و حبكم للثورة، فإن المنافقين يرتعدون و يشعرون بعدم الراحة! هؤلاء هم الذين يبعثون الأمل في قلوب العدو الخارجي عن طريق أحاديثهم و تصريحاتهم و مواقفهم و دعاياتهم و أحياناً بتدخلهم في بعض الاضطرابات و لذلك يتصور العدو الخارجي أنه قد آن الأوان للهيمنة على إيران و على الشعب الإيراني و كسر مقاومته الثورية التي دامت عشرين عاماً. و في الحقيقة هؤلاء هم المقصرون؛ و يبعثون روح الأمل في العدو.
أعزائي! إن هدف الأعداء الرئيسي - سواء العدو الخارجي أو العدو الداخلي و المنافقون - هو إنكار الحكومة الدينية و الحكومة الإسلامية. و هذه هي قضيتهم الرئيسية و لا يقنعون بأقل من ذلك. هؤلاء يعلمون بأنه ما دامت السلطة بيد الدين و الأحكام الدينية و ما دامت قوانين مجلس الشورى الإسلامي وفقاً للدين، فإنهم لا يتمكنون من القيام بشيء. و مادام المسؤولون ملتزمين بالأسس الدينية و الإسلامية و الفقهیة، فإنهم لا يستطيعون تحقيق أهدافهم. إنهم يريدون القضاء على هذا الالتزام؛ هذا هو الهدف. إنهم يريدون أن يكرروا تلك التجربة التي حدثت في صدر الإسلام.
إني أوصيكم حقيقة أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء بدراسة التاريخ. إن التاريخ دروس؛ و يمكن تعلم الكثير من الدروس من التاريخ و يمكن الحصول على تجارب كثيرة منه. يحاول البعض أن يوحوا بأن حوادث زماننا حوادث استثنائية لا يمكن استنتاجها من التاريخ أبداً. هذا خطأ. إن ألوان الحياة و أساليب الحياة تتغير؛ لكن الأسس الرئيسية للحياة و المواقف الأساسية للبشرية لا تتغير.
إن أكبر و أقسى ضربة وجهت للإسلام في بدایة عهده، هي أن الحكومة الإسلامية تحوّلت من الإمامة إلى الملكية. تحوّلت حكومة الإمام الحسن و الإمام علي بن أبي طالب إلى ملكية الشام الوراثية! طبعاً الإمام الحسن المجتبى ( عليه آلاف التحية و الثناء ) اضطر إلى قبول هذا الفرض من أجل مصلحة أكبر و هي الحفاظ على أصل الإسلام. لقد سلبوا الإمام الحسن حكومته. حينما خرجت الحكومة عن مركزها الديني و جعلت في قبضة طلاب الدنيا و أهلها، فمن الواضح عندئذ أن تقع حادثة كربلاء. و عندئذ فإن حادثة كربلاء ستكون حادثة لا يمكن الحيلولة دون وقوعها، و لا يمكن اجتنابها. فبعد عشرين عاماً من سلب الحكومة الإسلامية من محورها الرئيسي - و هي الإمامة - فإن الإمام الحسين سبط النبي وصل به الحال إلى ذلك الوضع المأساوي و الدموي. فالهدف الرئيسي من هجوم العدو و خطته هو أن يخرج الحكومة الإسلامية عن محورها الرئيسي أعني محور الإمامة و محور الدين، آملاً بذلك تحقيق جميع أهدافه!
أنا أقول لكم بأن العدو ليس بوسعه القيام بشيء. و اليوم و بفضل شعب واع كالشعب الإيراني و ببركة أفكار مثيرة كأفكار الشعب الإيراني و بفضل ثورة كبيرة كالثورة الإسلامية، ليس باستطاعة أمريكا و لا أعظم من أمريكا - إن كانت مثل هذه القوة بين القوى المادية - فرض حادثة كحادثة صلح الإمام الحسن على العالم الإسلامي. فهنا إذا شدّد العدو من ضغوطه، فستحدث واقعة مثل كربلاء. و إنني أحمد الله على أن شعبنا يقظ و أن مسؤولينا و الحمد لله متفقون على محور الدين و الإسلام. يحاول الكثيرون أن ينقلوا کلاماًً عن لسان مسؤولي البلاد و رئيس الجمهورية و غیرهم. و جهودهم هذه لا تفيدهم. إن رئيس الجمهورية هو أحد علماء الدين و يتمتع بالإيمان و محب للإمام و متكفّل بنشر الدين و يشعر بالمسؤولية في هذا المجال. و هذا هو الحال بالنسبة لمسؤولينا الكبار الآخرين و الحمد لله. طبعاً هناك بين المسؤولين المتوسطين من ننحو عليه باللائمة.
لقد أخطأ العدو في حساباته عن الشعب الإيراني و شبابه. إن الشعب الإيراني شعب مقاوم و واع و يقظ و مستعد للعمل و الحمد لله. و هذا هو الحال بالنسبة للشباب في كافة أنحاء البلد. و المسؤولين مؤمنون و ملتزمون بالدين و يشعرون بالمسؤولية.
طبعاً لقد قلت في صلاة الجمعة إني أعاني عن أعماقي من بعض الظواهر الموجودة في البلد. لا أريد أن أطرح ما أعانيه على الرأي العام؛ لكن هذه النقطة التي قلتها في ذلك اليوم هي قصة طويلة مؤلمة. و هذه هي الحقيقة. لقد قلت في إحدى خطب صلاة الجمعة قبل عامين بأن أجهزة العالم الاستكبارية - و على رأسها أمريكا - تستغل الدعايات لإسقاط الدول و إحداث الشغب فيها. ثم خاطبت تلك المراكز الإعلامية و قلت: اعلموا أن هذه المؤامرات التي تريدون تنفيذها في إيران الإسلامية عن طريق إذاعاتكم كما فعلتم في أوربا الشرقية و في بعض البلدان الأخرى هي مستحيلة؛ و ما هي إلا خيال ساذج. و للأسف نلاحظ اليوم أن العدو الذي كان يبذل هممه لحرف الرأي العام في بلد ما، أقام داخل بلدنا قاعدة له بدلاً من الإذاعات! إن بعض هذه الصحف الموجودة اليوم، ما هي إلا قواعد للعدو؛ و تقوم بنفس العمل الذي تريد أن تقوم به إذاعة و تلفزيون بي بي سي و أمريكا و الكيان الصهيوني!
أنا لا أعارض حرية الصحافة، و لا تنوع الصحافة. و لو صدرت في هذا البلد مائتي صحيفة بدلاً من عشرين صحيفة، فإنني سأكون أشد سروراً و لا أشعر بالاستياء من ازدياد الصحف في بلدنا. إذا كانت الصحافة، مصدراً للاستنارة في إطار الدستور، و تراعي مصالح البلد و تكتب ما ينفع الناس و الدين، فإنها كلما تكثرت كان ذلك أفضل. لكن تصدر اليوم صحافة ليس لها همّ سوى تشويش الرأي العام و بث الخلاف و التشاؤم بين الناس و مخاطبيها إزاء النظام! هناك عشر أو خمس عشرة صحيفة كأنها تُوجَّه من مركز واحد؛ بعناوين متشابهة واحدة حول القضايا المختلفة. إنهم يعیرون أهمية كبيرة لقضايا صغيرة و يختارون عناوين تجعل المتطلع إلیها يظن أن كل شيء قد ذهب أدراج الرياح في البلد! إنهم يقتلون الأمل في نفوس الشباب؛ و يضعفون روح الثقة بالمسؤولين في نفوس كل أبناء البلد و يوجهون الإهانات إلى المؤسسات الكبرى في البلاد و يسخرون منها.
و أنا لا أعرف من هو و أين هو نموذجهم؟ حتى الصحف الغربية ليست هكذا! هذا نوع من البلطجة الصحفية تمارسه بعض الصحف اليوم! في العالم الذي توجد فيه نماذج صحفية لبعض صحفنا، إذا ارتكب مسؤول أو وزير أو حتى رئيس جمهورية سرقة، أو إذا ارتكب جريمة؛ أو تعاطى رشوة، تكتب الصحف ذلك و تكشف النقاب عنه و تتحدث عنه؛ لكنها لا تهاجم دستور البلد؛ و المجلس التشريعي. يمكن أن تنتقد بعض القوانين المصادق عليها، و تقوم بتحليلها؛ لكنها لا تثير الضجيج حول قانون. و هؤلاء قد تفوقوا حتى على الأصحاب الأصليين لهذه المناهج! فأصبح الدستور و سياسات البلاد الرئيسية عرضة للخطر لإهاناتهم، و راحوا يضخمون القضايا الصغيرة.
الاتهامات تملأ الأجواء في كل حادثة تقع! يحدث اغتيال. و قبل الحصول على أية معلومات؛ و قبل أن يحصل أحد على أي مؤشرٍ لمعرفة هوية من ارتكب الذي حدث، تلاحظون أنهم يختارون عناوين لصحفهم و يوجهون الاتهامات إلى الحرس الثوري و التعبئة و علماء الدين! ما هو الهدف من هذه الأعمال؟! لماذا يبغضون التعبئة هكذا؟! قلت في الجزء الأول من کلمتي بأن الشاب ینضح بالطاقة؛ و إنه يبحث عن الإثارة. حينما یخوض البلد الحرب العسكرية فإن الشباب يسارعون إلى الساحة بكل شوق و رغبة. و حينما يعيش البلد أجواء الهدوء و السلم، هل هناك شيء أفضل من التعبئة للإشباع السليم لميول الشباب نحو الهياج و الحماس؟ و هذا ما أبدعه الإمام. لو أريد أن تستخدم ميول الشباب للهياج في الطريق البنّاء و في طريق الإيمان و في الطريق السليم و في الطريق الذي يمكن أن يكون مفيداً للبلد، فما هو أکثر أهمیة و وثوقاً ًمن مؤسسة التعبئة؟ ما سبب کل هذا العداء للتعبئة؟! و من يعادون؟! ما سبب إثارة کل هذه التساؤلات و علامات الاستفهام حول التعبئة؟! هذه الأمور هي التي تكشف النقاب عن تلك الحوافز الباطنية.
و أعلم أن هناك أشخاصاً صالحين و مؤمنين يعملون في الكثير من هذه الصحف - سواء الذين يكتبون أو المدراء - لكنني ألاحظ بينهم آثاراًً لأمثال عبد الله بن أبي : أعني حالات بث التفرقة، و زرع الخلاف، و إثارة التوتر، و تشويش الرأي العام، و بث اليأس، و تمجيد العناصر العميلة و المودة للأعداء، و تسقيط العناصر المفيدة و المؤمنة و المخلصة! طبعاً هذه الأعمال لن تحقق شيئاً؛ و سيفضحهم الله.
أنني لم أكن أرغب في الحديث عن بعض هذه الصحف بكل هذه الصراحة و هذا التفصيل طبعاً، و لكنني اضطررت لذلك. إنني تحدثت مع المسؤولين. و إن رئيس جمهوريتنا المحترم هو مثلي غير مرتاح لهذه الصحف. و قد تحدثت معه. و سمعت أن سماحته اجتمع مع بعضهم، و قام بتوصيتهم و تحدّث معهم. أنا لا أدري هل سيعالج الأمر بالنصيحة أم لا؟ و أنا أستبعد ذلك! حينما يخطط الأعداء للتأثير على الأذهان العامة و إيجاد قضية الساعة، فإنهم لا يمنحون للناس فرصة لاستعادة أنفاسهم. و إذا وجد الناس في مكان ما فرصة للبهجة و السرور، فإنهم يرفعون قضية على الفور و يثيرون النزاعات دوماً!
لقد أوصيت مسؤولي الحكومة عدة مرات و طالبتهم بكل جد أن يحولوا دون هذا الوضع. هذا لا يسمى تضييق على الصحافة. هذا لا يسمى الحيلولة دون نقل المعلومات بحرية، النقل السليم للمعلومات هو ما نؤيده. هذا معناه الحيلولة دون نفوذ العدو و الحيلولة دون تنفيذ المؤامرات الدعائية للعدو. إنني أعتبر وجود هذا التيار الدعائي و الصحفي مضراً بالبلد و الشباب و المستقبل و الثورة و إيمان الجماهير. إن هذا التيار يعمل دوماً على انتهاك قداسة قضايا الإسلام الرئيسية. إنهم يضعون علامات استفهام أمام المباحث الإسلامية و الثورة؛ لا عن طريق الاستدلال المنطقي، بل بالأساليب الخاطئة للغاية التي لا يمكن للإنسان ملاحظة نظير لها سوى في الصحافة غير السليمة في الفترات الماضية! بعد أن تحدثت حول هذه القضية مع المسؤولين و رئيس الجمهورية، خطر لي التحدث معكم حول هذه القضية كأب يتحدث مع أبنائه و يشكو لهم.
و أرى لزاماً علي طبعاً بأن أقول لكم إن أحد أهداف العدو هو إثارة المشاعر بغية بث الاضطراب في البلد. إنني أوصيكم بشدة بعدم القيام بعمل خلاف للقانون بدافع المشاعر و من أجل دعم هذا و ذاك. إنني لا أسمح بذلك أبداً. عندما يريد العدو إثارة الشغب و النزاع، فليس من الصعب علیه إرسال عدداً من أعوانه للنفوذ بین الشباب المؤمنين و أنصار حزب الله و الشباب الصادقين؛ بهدف مناصرة القيادة و بسبب مظلوميتها، ثم يثيرون الشغب ! فاحذروا المندسين. أنا أريد منكم أن تعلموا الأمور فقط و لا أرید أن يبقی الرأي العام في غفلة عما يقوم به العدو في مجال القضايا الثقافية و ما هي أهدافه. إن أهداف العدو من هذه الأعمال هي سلب الإيمان، و إيجاد هوة بين الجيل الحالي و الجيل الماضي و تصغير مفاخر العشرين عاماًً الماضية. إن كل الشعوب المتحضرة تحاول الإشادة بمفاخرها الماضية. كانت هذه الحرب لمدة ثمانية أعوام و هذا الدفاع المقدس من أكبر مفاخر الشعب الإيراني. لقد تعاون العالم برمته - أعني حلف الناتو، و بلدان الكتلة الشرقية، و أمريكا نفسها، و الحكومات الرجعية في المنطقة - لقد تعاونوا جميعاً لدعم العراق و الضغط على إيران؛ لكنهم ما استطاعوا أن يحتلوا حتى شبراً واحداً من أرض هذا البلد.
أعزائي! خلال المائتي عام الماضية و قبل هذه الحرب المفروضة كلما خاض هذا البلد نزاعاً عسكرياً مع بلد آخر، ضاع جزء من أراضي هذا البلد؛ لكن بعد مائتي عام فإن الحرب لمدة ثمانية أعوام هي تلك الحرب التي ما استطاع العدو فيها احتلال شبر واحد من أرض هذا البلد مع كل ما كان يتلقى من دعم دولي و مساندة جميع القوى العسكرية و السياسية في العالم. تعتبر هذه الحرب أحد مفاخر تاريخ إيران؛ ثم يأتون لوضع علامات استفهام على الحرب و المقاتلين و الشهداء و الجيش و التعبئة! هل هناك من يقوم بالفصل بين الجيل الحالي و الجيل الماضي و المفاخر الماضية، و الفصل بين الجماهير و المسؤولين و بين الشعب و اعتقاداتهم الدينية، سوى العدو؟ لكننا نلاحظ أن الصحيفة الفلانية تقوم بهذه الأعمال! طبعاً هناك البعض ممن ليسوا أعداء - أنا أعلم ذلک - لكنهم غافلون. و هذا ما أشکوه إليكم. عليكم أن تعلموا و على الأجهزة المعنية أن تعلم أن هذا خطر عظيم. إن لم يحولوا دون هذا الخطر، فلا شك إن العدو سيتقدم إلى الأمام و يكتسب معنويات و دوافع جديدة. طبعاً النقطة التي لن يتمكن العدو من النفوذ إليها معنوياً و روحياً هي النقطة التي يتواجد فيها الشعب و خادمه هذا.
اللهم! انصر الشعب الإيراني و اهلك أعداءه. اللهم! أهد شبابنا إلى الصراط الذي ترضاه. اللهم! وفق شبابنا و انصرهم. اللهم! نسألك بحق محمد و آل محمد، أن تشمل بناتنا و أبناءنا المؤمنين في هذا البلد بفضلك و عنايتك. اللهم! نسألك بحق محمد و آل محمد، أن تملأ القلوب بالحب و تعرفنا بالإسلام و تقربنا منه أكثر فأكثر. اللهم! نسألك بحق محمد و آل محمد، أن تزيد مسؤولي البلد نجاحاًً و توفیقاًً - سواء مسؤولو الحكومة، أو مسؤولو السلطة القضائية أو السلطة التشريعية أو سائر المسؤولين - أكثر فأكثر. اللهم! اجعل القلب المقدس للإمام المهدي المنتظر راضياً عنا؛ و اجعلنا من جنود ذلك الكريم؛ و أرضِ عنا أرواح الشهداء الطيبة و الروح الطاهرة للإمام؛ و انزل فضلك على المضحين و علی المعوقين و أحرار الثورة و الذين بذلوا عمرهم و شبابهم في هذا الطريق.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.