بسم الله الرحمن الرحيم
أرحب بجميع الإخوة و الأخوات الأعزاء و المسؤولين المحترمين في السلطة القضائية بالبلاد، و كذلك ذوي شهداء السابع من تير الأبرار حيث اقترنت هاتان المناسبتان ببعضهما بمشيئة الله، فاصطبغت سلطتنا القضائية بلون الشهادة و تضوعت بأريج الشهداء. و هذا شيء على جانب كبير من الأهمية إذا استطعنا استثماره بشكل صحيح إن شاء الله.
أذكر نقطة حول شهداء السابع من تير الأعزاء و هذه الحادثة المهمة الباقية. و أذكر نقطة أخرى للمسؤولين المحترمين في السلطة القضائية. الأهم من كل شيء فيما يتعلق بحادثة السابع من تير هو تضحية أعزّ و أبرز شخصيات الثورة. فقد ضحت شخصية كالشهيد بهشتي و هو عنصر منقطع النظير، أو نادر النظير على الأقل، في مسيرة الثورة في سبيل خدمة الثورة و لأجلها. و الشخصيات الأخرى و النخب السياسية و المدراء رفيعو المستوى في المؤسسات المختلفة، و الوزراء، و نواب المجلس، و الناشطون السياسيون في الجمهورية الإسلامية، حيث كان كل واحد منهم شخصية مهمة - كنا على معرفة قريبة بالكثيرين منهم و عملنا مع بعضهم - إنها لقضية مهمة جداً أن تكون أرواح شخصيات بهذا المستوى محمولةً على أكفهم و يكونوا معرضين للاستشهاد و يضحوا في هذا السبيل. فالبلد، و النظام، و الحضارة لا يمكنها الوصول لشيء يذكر من دون تضحيات و فداء و تقديم دماء. كان هؤلاء رواد هذا الطريق.
النقطة الأخرى هي أن هذا النظام قدم من جواهر النخب للساحة و للثورة و فقدهم لكنه لم يتزلزل. الذين خططوا لهذا الاغتيالات لم يكونوا يقصدون الأفراد بعينهم. كان قصدهم بالدرجة الأولى تفريغ الثورة من ركائزها و نخبها. أرادوا بهذه الاغتيالات و فرض هذه الخسائر دحر الثورة و هزيمتها. لكن هذا لم يحصل، بل حصل العكس. أي إن الركيزة الأساسية للنظام و هي صلة الشعب بالنظام تعززت أكثر. هذه كلها عبر من الثورة. و أقول لكم إن الحال كذلك اليوم أيضاً. اليوم أيضاً إذا عرضت أرواحٌ نفسها للتضحية و الفداء من أجل النظام و في سبيل الله و ضحّت في هذا السبيل فإن هذا النظام سوف يتعزز أكثر، و تتعمق جذوره كالشجرة الطيبة التي ذكرها الله تعالى في القرآن: » أصلها ثابت و فرعها في السماء « يجب أن نربط قلوبنا بأسس الثورة و مبادئها و قيمها بهذه الطريقة؟
و الشهيد بهشتي تلك الشخصية البارزة الممتازة له - للحق و الإنصاف - حقوق جمة على نظام الجمهورية الإسلامية و على السلطة القضائية خصوصاً. خلال هذه الفترة القصيرة التي قضاها في السلطة القضائية - أي من نهاية سنة 58 حتى اوائل سنة 60 - صمّم إبداعات كثيرة، و أعمالاً كبيرة، و خططاً بعيدة النظر للسلطة القضائية. و قد تحركت هذه السلطة و الحمد لله و تم فيها إنجاز أعمال جيدة طوال هذه الأعوام الثلاثين. و اليوم يحصل هذا أيضاً و الحمد لله بإرادة شخصية بارزة و ممتازة كحضرة السيد شاهرودي و هو شخص مميز - للحق و الإنصاف - من الناحية العلمية و من حيث التأهيل و الكفاءة على مختلف المستويات و الصعد، و هو يرأس هذه السلطة و قد تحمل أعباءها الثقيلة طوال عشرة أعوام، أي لدورتين من خمس سنوات.
المهم بالنسبة للسلطة القضائية هو أن نرى لماذا نريد هذه السلطة فنوفر ذلك الشيء الذي نريد السلطة القضائية من أجله. ينبغي لجميع الأعمال أن تصبَّ بهذا الاتجاه. السلطة القضائية إنما هي من أجل العدل و العدالة. و معيار العدل و مؤشره هو العمل بالقانون. إذا تطابق عمل الفرد أو الجماعة مع القانون لكان ذلك عدلاً، و إذا انحرف العمل عن القانون كان لاعدلاً. و القانون في النظام الإسلامي قانون إسلامي. طبعاً قد يكون في منظومتنا القانونية بعض القوانين لا تتطابق مع أحكام الإسلام مائة بالمائة، أو بعض القوانين المتبقية عن الماضي، أو قوانين أخرى؛ هذه يجب إصلاحها. المعيار هو أن تجري الأعمال طبقاً للقانون. هنا يتحقق العدل.
طبعاً العدالة لا يتم بلوغها في السلطة القضائية بسهولة. البنى التحتية التي أشار لها السيد الشاهرودي كلها ضرورية و لازمة. رسم السياسات - و رسم السياسات بحد ذاته بنية تحتية برمجية رقائقية - و أختيار السياسات الجيدة، و الأنظمة الصلائدية التي استحدثت في السلطة القضائية أو بدأ استحداثها كلها ضرورية و لازمة. بمعنى أن العدالة في منظومة كبيرة كالسلطة القضائية التي يراد لها إدارة بلد كبير له سبعون مليون نسمة في القطاع القضائي لا يمكن تحقيقها بالمجاملات و الكلام، إنما يحتاج الأمر لهذه المقدمات و البنى التحتية. إذن، ما تم إنجازه من هذه البنى التحتية - سواء الرقائقية منها أو الصلائدية - قيّم و يجب معرفة قدره. و سوف تستمر هذه السياسات بهذا الشكل الصحيح إن شاء الله. و الواقع أنه من الضروري أن أتقدم بالشكر لشخصه و أيضاً - كما أشار هو نفسه - للمدراء الكبار في السلطة القضائية و في أقسامها المختلفة حيث بذلوا جهوداً كبيرة جديرة بالتقدير.
لكن النقطة المهمة هي أنه بالرغم من أن تأمين العدالة العامة و الشاملة منوط بهذه البنى التحتية، بيد أن وجود هذه البنى التحتية لا يعني بالضرورة استقرار العدالة و تفشّيها. قد تتوفر لدينا هذه الأمور من دون أن تتوفر العدالة. هذا ما ينبغي الحذر منه. ما يضمن العدالة هو الإنسان المؤمن الحازم العازم ذو الإرادة و الخائف من الله. الذي يخاف الله و لا يخاف ما سوى الله. »فلا تخشوا الناس و اخشون «.. هذا ما يقوله الله تعالى في القرآن. إذا كان هذا عندئذ يمكن بواسطة هذه الأجهزة المتنوعة و العصرية و الجيدة بلوغ العدالة بنحو تام. و إذا لم تكن مثل هذه الإرادة أو كانت ضعيفة متحلحلة فإن أياً من هذه الأجهزة لن تضمن العدالة بشكل تلقائي بل قد تكون أحياناً أرضيةً لانعدام العدالة. هذا هو أساس القضية. النقطة الأساسية التي أقولها لكن أنتم مسؤولي السلطة القضائية المحترمين في هذه اللقاءات السنوية و في لقاءات أخرى أخص مع أقسام أخرى من السلطة القضائية هي: يجب علينا النظر لحصيلة عملنا هل هي العدالة أم لا. إذا كانت العدالة عندها سنكون مرفوعي الرؤوس أمام الله و أمام أنفسنا و أمام الناس. أي إننا حينما نطبق العدالة، صحيح أن شخصاً سيفرح لحكمنا و سيسخط شخص آخر - هذا هو الحال حتمياً. حينما يصدر الإنسان حكماً سيفرح طرف و سيسخط الطرف الآخر - و لكن حتى الطرف الساخط سيكون راض في قرارة قلبه. و إذا لم نعمل بالعدالة فحتى الطرف الذي كان حكمنا لصالحه سيفقد إيمانه القلبي بنا و سينظر إلينا نظرة استهزاء، و سيضحك علينا في قرارة نفسه. هذه هي المسألة الأساسية. ينبغي أن تتركز كافة المساعي على هذا الشيء. و العدالة من الأمور التي قيل فيها » الحق أوسع الأشياء في التواصف و أضيقها في التناصف «. التكلم به سهل و الالتزام به ليس بسهل. بل صعب جداً. يواجه الإنسان عقبات كأداء. و إذا لم يكن ثمة عزيمة راسخة و توكل على الله فسوف يعجز الإنسان عن مواصلة الطريق. هذا ما ينبغي بثّه دوماً في السلطة القضائية.. ينبغي بث هذه الروح و إفشائها في كل مفاصل السلطة القضائية و مواقعها باستمرار.. و هي أن واجبنا هو التناقض و تحقيق العدل.
و الجزء الأصعب من العدل حينما يكون الأقوياء هم الطرف المقابل للعدل. فهم لا يخضعون و يفرضون منطق القوة و لهم توقعات كبيرة. هنا ينبغي الصمود و الثبات. هذه هي ميزة القاضي و استقلاله و هو أن لا يأخذ بنظر الاعتبار في مثل هذه الأحوال سوى الله و نص القانون. إذا كان القانون ملاك العمل في جميع القضايا الفردية و الاجتماعية فسوف يتم تأمين العدالة.
و حول هذه القضايا الأخيرة قلت إنني أعارض أن نقسِّم أبناء بلدنا و جماهيرنا العزيزة إلى قسمين و نضع جماعة في مواجهة جماعة. ليست القضية على هذه الشاكلة. ليست أذواق الناس و تصوراتهم و نظراتهم واحدة في كثير من الأمور، لكن هذا لا يعني الاحتكاك و التزاحم و التعارض و العراك. يجب أن لا نفرض على جماهيرنا أن تشتبك فيما بينها. إنني أنصح الجانبين: لا تثيروا مشاعر الشباب، و لا تجعلوا الجماهير في مواجهة بعضهم. الشعب متلاحم و له إيمان واحد، و له علاقاته القلبية الحسنة بالنظام. و مؤشر هذه العلاقات الحسنة المشاركة في الانتخابات. لو لم يكونوا متفائلين آملين، و حسني الظن، و لو لم تكن لديهم الثقة لما جاءوا للمشاركة في الانتخابات. إذن، ليس للشعب أية مشكلة مع نظامه. ينبغي عدم تقسيم هذا الشعب إلى جزئين و تحريض جزء على آخر.
هنا أيضاً يوجد معيار قانوني لحل القضايا و فصلها. إذا لم يسد القانون فإن ما سينـزل بالجميع نتيجة غياب القانون أمرّ كثيراً مما قد يسببه تطبيق القانون من مرارة لدى البعض، و» من ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق «. العدل هو مراعاة القانون. إذا شعرنا بالضيق من مراعاة القانون و لم نشأ الخضوع له فإن ما سينـزل بنا نتيجة اللاقانون أسوء و أصعب مراتٍ من مرارة الصبر على القانون. هذا ما يجب أن يلتفت إليه الجميع.
شعبنا بتوفيق من الله و هدايته و تعضيده شعب مؤمن واع و متواجد في الساحة و مستعد للعمل أينما اقتضت الضرورة. علينا نحن إصلاح أنفسنا. على النخب و الخواص السياسيين التدقيق في سلوكهم و تصريحاتهم. هذا خطاب لكل النخب و ليس لطرف أو تيار بحد ذاته. على الجميع مراعاة الدقة و الحذر، و على الكل أن يعلموا أن هذا الشعب شعب متلاحم و لا جدوى من تحريض مشاعر هذا الطرف على ذاك أو إثارة مشاعر ذاك الطرف ضد هذا. حينما تكونوا متحدين و متعاطفين و تشعروا بالثقة ببلادكم و نظامكم و تبدوا هذه الثقة، حينئذ لن تؤثر وساوس الخناسين الدوليين و الساسة الظالمين المتدخلين البعيدين عن الإنسانية.
ترون أن بعض الزعماء في العالم - من الأمريكيين إلى بعض الأوربيين - كأنما انتهت جميع مشكلاتهم و لم يبق لهم إلا مشكلة إيران! يتشدقون حول قضية داخلية شعبية تتعلق بشعب إيران مائة بالمائة و يصرحون تصريحات سخيفة غافلين عن أنهم في أية بقعة من المواقف السياسية وضعوا أقدامهم سوف تتنجس تلك البقعة في نظر الشعب الإيراني.
تحيّزاتهم تؤتي نتائج عكسية تماماً. يسأل الناس أنفسهم ما الذي جعل هؤلاء الأعداء الذين عملوا ضد الثورة الإسلامية لمدة ثلاثين سنة، و استخدموا كل الأدوات و الإمكانات ضد هذا البلد و ضد هذا الشعب، ما الذي جعلهم الآن مخلصين عطوفين؟! الناس يدركون المؤامرة و يدركون الممارسات الماكرة الخبيثة. و هذه هي مشكلة أولئك.. لو كانوا يواجهون شعباً غافلاً خاملاً لما كانت لديهم مشاكل، لكنهم يواجهون شعباً يقظاً صاحب تجارب.
تجاربنا على مدى ثلاثين سنة جعلت الشعب واعياً. هذا ما يعلمونه. إنهم نفس الدول و الحكومات التي حينما ارتكبت الجرائم ضد هذا الشعب طوال ثمانية أعوام من الدفاع المقدس، و قصفت المدن و هدمت البيوت، و ألقوا القنابل الكيمياوية، و قتلوا الناس الأبرياء، لم تتألم قلوبهم لشعب إيران، بل و ساعدوا عدو هذا الشعب. لقد شاهد شعبنا هذا الواقع. هذه أمور لا تنسى. و قد أصبحوا اليوم مخلصين عطوفين! الشعب يشاهد سلوكهم مع الشعوب المظلومة التي غرسوا أظافرهم فيها، كشعب أفغانستان، و شعب العراق، و شعب باكستان، و شعب فلسطين. في أي موضع غرسوا قبضتهم و أظافرهم ألحقوا الأضرار بكل ما استطاعوا. إنهم لا يرحمون الناس، و حب الناس بعيد عنهم. و الآن يتحيّزون لشعب إيران أو لشخص أو لأشخاص داخل البلد! واضح ما هي أغراضهم و نواياهم السيئة من هذه الممارسات. هذا شيء يفهمه الشعب. إذا كنتم متحدين و متعاضدين، و إذا حافظتم على روح القوة و المتانة التي منحتها الثورة لشعبنا فصانت الشعب على مدى ثلاثين سنة » لا يضركم كيدهم شيئاً «.. عداؤهم لن يؤثر فيكم و لن يستطيعوا إلحاق الضرر بشعب إيران.
أسأل الله تعالى التوفيق لكم جميعاً أيها الإخوة و الأخوات و المسؤولون المحترمون في مختلف الوظائف الخاصة و العامة الملقاة على عواتقنا، و أتمنى أن تشمل الأدعية الزاكية لسيدنا بقية الله (أرواحنا فداه) شعب إيران إن شاء الله، و تكون الروح الطاهرة لإمامنا الجليل و أرواح الشهداء الأبرار و شهداء السابع من تير راضية عن أفعالنا و أقوالنا إن شاء الله.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته