بسم الله الرحمن الرحيم
أبارك ذكرى ولادة النبي الأكرم محمد بن عبد الله صلى الله عليه و آله و الميلاد السعيد للإمام جعفر الصادق عليه الصلاة و السلام لجميع مسلمي العالم و لكل طلاب الحق و الأحرار، خاصة للشعب الإيراني الشريف العظيم، كما أبارك لكم أيها الحضور المحترمون و مسؤولو البلد المحترمون و الضيوف الأعزاء القادمين من البلدان الإسلامية في كافة أنحاء العالم و سفراء الدول الإسلامية المحترمون.
یبلغ النبي الكریم من حیث الشخصیة الذروة في عالم الخلقة؛ سواء في الأبعاد التي یمكن للبشرية فهمها، كنفس هذه المعايير الإنسانية السامية - أعني العقل، و التدبير، و التحلي بالوعي، و الكرم، و الرحمة، و العفو، و الحزم و غيرها - أو في الأبعاد التي لا يبلغها الفکر البشري - أعني الأبعاد التي تشير إلى تجلي الاسم الأعظم للحق تعالى في وجود النبي الأكرم و منزلة قربه من الله تعالى - التي نسمع باسمها و ندري رسمها فقط و لا يعلم حقيقتها إلا الله تعالى و أولياؤه العظام، كما أن رسالة ذلك العظيم، هي من أسمى و أفضل الرسالات التي تحقق سعادة الإنسان، أعني رسالة التوحيد، رسالة سمو المنزلة الإنسانية و رسالة تكامل الوجود البشري.
هذا صحيح أن البشرية لم تستطع حتى الآن العمل بهذه الرسالة بشتى أبعادها في حياتها، لكن حركة سمو الإنسان و رقيه ستصل إلى هذه المرحلة في يوم من الأيام بلا ریب. و هذه هي نقطة الذروة و التعالي لدى الإنسان. و إذا افترضنا أن أفكار البشرية و فهمها و إدراكاتها السامية و علمها في حالة تقدم دائمية و أن رسالة الإسلام حية أيضاً، فلا شك أن هذه الرسالة ستجد مكانتها يوماً ما في حياة المجتمع البشري. إن أحقية الرسالة النبوية و التوحيد الإسلامي، و درس الإسلام للحياة و طريق الإسلام من أجل سعادة الإنسان و تقدمه، هو الذي سیبلغ بالبشرية إلى تلك المرحلة التي يمكن لها أن تجد هذا الطريق الواضح الممهّد و أن تسير عليه و تتقدم و تحقق تعاليها و تكاملها.
المهم بالنسبة لنا نحن المسلمين، هو أن نزيد من معرفتنا بالإسلام و برسوله الأكرم. و إحدى الآلآم الكبيرة في العالم الإسلامي اليوم هي التفرقة و التمزق. إن محور وحدة العالم الإسلامي، يمكن أن يكون وجود النبي المقدس الذي يؤمن به الجميع و الذي ترتكز عليه كافة المشاعر الإنسانية. و نحن المسلمين ليس لدينا نقطة أوضح و أشمل من هذه النقطة - كوجود النبي المقدس - حيث يؤمن به جميع المسلمين، و فضلا عن ذلك الاعتقاد هناك علاقة عاطفية و معنوية تربط قلوب المسلمين و مشاعرهم بذلك الوجود المقدس. و هذا أفضل محور للوحدة.
إن ما نلاحظه في هذه السنوات الأخيرة من توجیه إهانات لشخصية النبي الأكرم كعهود القرون الوسطى و عهود تحليلات المستشرقين المغرضة لیست بصدفة. و في القرون الوسطى كان القساوسة المسيحيين يوجهون الإهانات لشخصية النبي الأكرم في كتبهم و أقوالهم و آثارهم الفنية و عندما ظهرت كتابة التاريخ على يد المستشرقين، كان القسّیسون يوجهون الإهانات للنبي الأكرم. كما لاحظنا ثانية في هذا القرن المنصرم أن شخصية النبي الأكرم المقدسة المباركة كانت إحدى النقاط التي تعرضت لسهام الشّک و الشبهة و حملات الإهانة من قبل المستشرقين غير المسلمين في الغرب!
لقد مضى زمن طویل على هذه الواقعة، لكنهم أثاروها من جديد. في هذه السنوات الأخيرة، يلاحظ الإنسان هجمة صحفية و ثقافية دنيئة و مشؤومة قد تشن على شخصية النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم في كافة أنحاء العالم. إن هذا الأمر يمكن أن يكون أمراً مدروساً، حيث وصلت إلی هذه النقطة و هي أن المسلمين يستطيعون أن يلتفوا حول محور وجود النبي الأكرم و تهفوا له قلوبهم بالإيمان و الحب و العشق. لهذا أخذوا يناقشون هذا المحور.
على علماء الإسلام و ذوي العقول المشرقة من المسلمين و الكتاب و الشعراء و الفنانين في العالم الإسلامي، أن يرسموا شخصية النبي الأكرم و أبعاد عظمة ذلك الوجود العظيم للمسلمين و غير المسلمين مهما استطاعوا. و هذا الأمر يساعد أجیال الأمة الإسلامیة الشابة على تحقيق وحدة الأمة الإسلامية و علی تصعید الحركة نحو الإسلام.
أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء! إن العالم الإسلامي اليوم بحاجة إلى الدنو و الاقتراب من مباني و حقائق الإسلام و الأنس بها أكثر مما مضى. و اليوم تمهّدت المقوّمات للحركة الإسلامية في كافة أنحاء العالم الإسلامي. و اليوم فإن إدراك حقيقة التوحيد الإسلامي ليس أمراً صعباً على الشعوب المسلمة مقابل الفساد الذي يعاني منه العالم الغربي المادي. و إن اليوم هو اليوم الذي يجب على علماء الإسلام و مفكريه، التحرك و بذل المساعي لتعریف القلوب علی حقيقة الإسلام؛ و أن يوجهوا الأمة الإسلامية نحو مجالات تجديد الحياة الإسلامية التي بات طريقها ممهداً و الحمد لله و برزت نماذج من ذلك في أنحاء العالم و ظهر مثلها البازر في هذا البلد و بين الشعب الإيراني العظيم محققة في إقامة نظام الجمهورية الإسلامية على أيديهم.
إننا كلما تعاملنا بصدق مع الإسلام و حقائقه و الواجب الذي فرضه علينا، كلما حالفنا النجاح و النصر الإلهي. نحن جربنا هذا الأمر سواء في قضايا بلدنا الداخلية أو في قضايا العالم الإسلامي. إن ما تلاحظونه من النصر الذي استطاع الشباب المؤمن في لبنان تحقيقه لأنفسهم و للأمة الإسلامية و العربية، لم يحقق إلا في ظل الإسلام و التعرف عليه و العمل بالأحكام الإسلامية في هذا الصدد.
و هذا هو الحال دائماً. و هذا هو علاج آلآم الأمة الإسلامية و علاج الألم الكبير للأمة الإسلامية و جرح العالم الإسلامي العميق أعني قضية فلسطين. فلا يظن أحد أن قضية فلسطين انتهت و الشعب الفلسطيني قد انتهى أمره و أن القضية الفلسطينية قد دفنت تحت أنقاض هذه الضجة و الصخب! هذا خطأ، و وهم باطل. فمرور الزمان ليس بوسعه إزالة حقٍ كقضية فلسطين من صحیفة الوجود. إن الشعب الفلسطيني حي و فلسطين قائمة و مستقبلها مشرق.
لاحظوا أن هناك عدداً من البلدان - سواء في آسيا الوسطى أو في منطقة البلقان - كانت خاضعة للنفوذ السوفيتي على مدى خمسين عاماً و بعضها علی مدی سبعين عاماً و لم يكن يظن أحد بأن تلك البلدان ستسترد هويتها يوماً ما، لكن هذا ما حدث! لقد كان یبدو الاتحاد السوفيتي کقوة لا يمكن هزيمتها و لا مجال لاضمحلالها يوماً ما و کان المخدوعون بالظاهر يعتقدون بأن قضية البلدان التي انضمت إلى الاتحاد السوفيتي قد انتهت إلى الأبد، لكن الواقع كان عکس ذلك. هكذا هو الحال بالنسبة لفلسطين. فلسطين لا تزول، و لن تمحى من الساحة العالمیة، كما أن جنوب لبنان لم يزل. الصهاينة لم يأتوا إلى لبنان لكي ينسحبوا منها في يوم من الأيام. جاءوا لكي يبقوا هناك دوماً! و قد لاحظتم أن الجهاد و الصبر و الاستقامة التي بذلها الجماهير و الشباب المسلم في لبنان على مدى عشرين عاماً، ضيّق الخناق على العدو و أجبره على الانسحاب، و هذه الحقیقة هي نفسها قائمة بالنسبة لقضية فلسطين. إن مقاومة الشعب المسلم و الملتزم بالإسلام قادرة علی تمزیق هذه الخريطة المزيفة و الكاذبة المرسومة اليوم و إعادة الخريطة الحقيقية - أعني خريطة فلسطين - و الشعب الفلسطيني مرة أخرى إلى هذه الأرض. و هذا يمكن تحقيقه بفضل الله.
إن العديد من الأمور التي تبدو عسيرة و غير ممكنة الیوم في عیون البعض، ستكون ممكنةًً في ظل المعرفة بالإسلام و العمل بها، و عند تحقيق ذلك على الصعيد العملي، سيلاحظ أنها لم تكن صعبة و عسيرة كما كنا نعتقد.
نسأل الله تعالى أن يجعل الأمة الإسلامية يقظة، و یجعلنا عارفين بقدر الإسلام و القرآن و وجود النبي المقدس. و أن تتبدل الخلافات و الثنائيات بين المسلمين إلى وحدة و تآلف بين المسلمين. و أن نبلغ جميعاً و كافة الأمة الإسلامية إلى النقطة التي رسمها الإسلام لأمته و للبشرية برمتها و ذلك في ظل الألطاف الإلهية و الأدعية الزاكية للإمام المهدي المنتظر ( أرواحنا فداه ).
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.