بسم الله الرحمن الرحيم
أبارك لكم أيها الحضور الأعزاء و لكافة الشعب الإيراني ذكرى المولد السعيد لسيد أحرار العالم، الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام، و يوم الحرس، و كذلك ذكرى ولادة أبي الفضل العباس حامل لواء التضحية و الفداء في صحراء كربلاء، و ذكرى المیلاد السعيد للإمام السجاد سيد العابدين و الساجدين، و كذلك يوم الثالث عشر من آبان، يوم تجلي الحرية و الشجاعة و الكرامة الثورية لشعبنا المسلم من جديد. لقد تزامنت هذه الأعياد الثلاثة و يوم الحرس في هذا العام مع يوم الثالث عشر من شهر آبان، يوم السيطرة على وكر التجسس و يوم مكافحة الاستكبار. إنها مناسبات متعددة اجتمعت کلها في أيام متقاربة. اجتماعنا اليوم يتألف من عناصر يمثل و يجسد كل واحد منها هذه المناسبات العظيمة. ففي هذا الاجتماع جمع من الحرس الأعزاء، سواء من حرس الثورة الإسلامية أو من حرس اللجان الذين يؤدون مسؤولياتهم اليوم في قوات الشرطة. و كذلك جمع من أعزائنا الطلبة الجامعيين، و التلاميذ، و المعوقين.
إنه اجتماع معطر و مبارك و نسأل الله أن يشمل هذا الاجتماع بلطفه الإلهي و أن يشمله بنظرة ولي الله الأعظم (أرواحنا فداه) بعين الشفقة و الرأفة.
أريد أن أقول كلمة حول الحرس الثوري و كلمة أخرى حول الطلبة الجامعيين و حول التلاميذ، و كلمة أخرى حول المعوقین لكي تتضح العلاقة التي تؤلف بين هذه الفئات الاجتماعية الثلاث، ثم أتحدث حول موضوع آخر. فالطلبة الجامعيون و التلاميذ الذين ينشطون في ساحات العلم و المعرفة و الوعي و يعدون أنفسهم لإدارة هذا البلد في المستقبل في المجالات المختلفة، هم يمثلون في الحقيقة آمال الغد للشعب و المجتمع. هذا يعني أن هذا البلد و هذا الشعب و هذا النظام يحتاج إلى هؤلاء الشباب من أجل مستقبله. فإذن، أحد العناصر الرئيسية لعزة أي بلد و بناء مستقبله، هم هؤلاء الشباب العاكفون على الدراسة. كلما كانت دراستهم جيدة و أفعالهم أفضل كلما أصبحت تربيتهم الفكرية و الأخلاقية و الدينية أحسن و أفضل، و كان مستقبل البلد مشرقاً في جميع المجالات. إضافة إلى ذلك فإن بإمكان الطلبة الجامعيين و التلاميذ أن يلعبوا دورهم المطلوب في كل وقت وفقاً لما تقتضيه المرحلة التي یمر بها البلد.
الحرس هم الذين انبثقوا من هذه الجامعات و المدارس و من بين شرائح الشعب المختلفة في أحرج ظروف مرّت بها البلاد و شكلوا صفاً مرصوصاً و قاموا بدورهم بكل رجولة و شجاعة في أشد لحظات تاريخنا الوطني حساسية. أي إن ذلك الجمع من الطلبة و التلاميذ الذين أعدّوا في مرحلة من أكثر مراحل تاريخنا خطورة و حساسية - كمرحلة الثورة و مرحلة ما بعد الثورة و مرحلة الحرب المفروضة - و تحلوا بالعزم الراسخ للقيام بدور قوي و بنّاء، كانوا هم أنفسهم عناصر الحرس. هؤلاء القادة الذين تلاحظونهم اليوم، كانوا شباباً في بداية الثورة، أي في أعمار طلبتنا و بعض تلاميذنا اليوم، لقد كانوا شباباً واعين و متمتعين بقدر كبير من الحماسة و الوعي و الشجاعة و الشعور الديني و الثوري الملتهب، إضافة إلى حب التضحية، و كان هناك شباب آخرون أيضاً في تلك المرحلة - و لم یکن شباب وطننا هؤلاء فقط - الذين لم يكونوا يتمتعون بمثل هذه الشجاعة و هذا الإيمان الراسخ أو كانوا عاكفين على القيام بأمور أخرى من شؤون البلد و لم ينزلوا إلى هذه الساحة الخطرة التي دخلها هؤلاء الجنود الحقيقيون للإسلام و الثورة حاملين أرواحهم على أكفهم. فإذن، هؤلاء الشباب الشجعان و الواعون يعدون من العناصر الرئيسية في تحقيق العزة و الرفعة للشعب و البلد و لتمهيد مستقبل مشرق لبلدنا و نظامنا، و لقد أظهروا في الحقيقة الشجاعة في أكثر المراحل حساسية. ما قاموا به، لم يكن مجرد إظهار إيمان و حماس نابع عن الحب - كانوا یتمتعون بذلک طبعاً و لكن الأمر لم يقف عند ذلك الحد - بل تمكنوا في الوقت ذاته من القيام بأعمال مدهشة بما يتمتعون به من فكر و عقل و سعي و موهبة بشرية. فالعديد من خططنا العسكرية و الکثیر من عملياتنا الواسعة في ساحة الحرب، و الكثير من نشاطاتنا الاستطلاعية التي أدت إلى دحر العدو - سواء في مجال الحرب أو في مجال الاستطلاعات أو المضادة للتجسس - كانت من فعل هؤلاء الشباب. مع إنهم لم يكونوا يتمتعون بمعلم أو لم يدخلوا دورات تدريبية في هذه المجالات، إلّا أنهم تفجّروا فجأة كالعيون و الينابيع بالشعور بالحاجة لتفعيل المواهب الكامنة، فقد حققوا إنجازات مدهشة. طبعاً ثمة أخطار كثيرة كانت تهدّدهم، إلّا أن هذه الأخطار لم تتمكن من إبعادهم عن الساحة. في الحقيقة، يمكن القول بأن عناصر الحرس عندنا - كانوا شباباً في مراحل الحرب و في الساحة المفعمة بالأخطار - هم أسوة حسنة لأي جيل شاب.
أما معوقونا فهم يتكوّنون من هذه المجموعة الفدائية بشكل أساسي، أي هؤلاء الذين دفعتهم هذه الروح المعنوية للتخلي عن بيئة العمل و الدراسة و عن عوائلهم فدخلوا هذه الساحة الخطرة و تقدموا إلى حد الشهادة أيضاً، إلّا أن الشهادة لم تكن من نصيبهم في هذا الطريق و اعتصموا بالصبر. عندما يصبر المعوق، أو يحتسب ذلك عند الله، و عندما يعود شاب قوي و وسیم متمتع بالمحسنات الطبيعية و قد فقد بصره أو ساقه أو يده أو كبده و سلامته و الكثير من المميزات التي يتمتع بها الإنسان السالم جسدیاً، ثم يمشي بين الناس، لكنه شاكر و يشعر بالفخر و الرفعة لما فعله في سبيل الله، فإن هذه القيمة لا تقل عن منزلة شهدائنا، بل ربما تفوقها. فهذه هي تعاريف ثلاثة عامة لكم أيتها الفئات الثلاث الذين حضرتم اليوم إلى هنا و عطـّرتم المکان بمقدمکم.
أقول لكم بأنه إذا طمح شعب ما إلى تحقيق العزة السياسية و الاجتماعية و الرفاهية المادية في الحياة، و لو طمح إلى بلوغ الآمال و المبادئ المعنوية و الدنيوية و الأخروية الكبيرة - على حد سواء - و لو تطلع إلى العلم و الاقتدار العالمي و الدولي - و كل ما يطمح إليه الشعب - فإن هذه الأشياء ستتحقق حين یستطیع الشعب أن یخلق في نفسه عناصر و خصال في مقدمتها الإيمان، أي الإيمان بهذا الهدف و بهذا الطريق. فعدم الإيمان و اللامبالاة و تشتت الأفکار و الانحلال و تقلب المزاج يتنافى مع المستقبل المشرق و الباعث على الفخر. لو نظرتم إلى التاريخ، فإنكم ستلاحظون أن كل شعب بلغ مكانة جيدة، فأول شيء كان يتمتع به هو الإيمان و العقيدة. لو تفحّصتم و درستم التحولات التاريخية - حتى في التاريخ المعاصر و ليس بالضرورة تاريخ ما قبل ألف أو خمسة آلاف عام - أي تاريخ هذه البلدان الموجودة في العالم اليوم - فإنكم ستلاحظون أن ما تتمتع به هذه البلدان اليوم - أياً كانت - أو الأمور الإيجابية التي تتمتع بها، حصلت عليها في مرحلة كانت تتصف فيها بتلك الخصائص، فالإيمان هو العنصر الأول. عندما يحقق مجتمع عزته و فخره و سعادته في الحياة في سبيل الله و يعلم أنه سيحصل على الدنيا و الآخرة و يحقق أهدافه المادية و المعنوية إذا ما آمن بالله، و عليه أن يعلم أيضاً بأن الشرط الأول في تحقيق ذلك هو أن يؤمن بهذا الفكر و هذا المبنى و هذا الطريق. لاحظوا، أن الله تعالى يقول في القرآن (إنا أرسلناك شاهداً و مبشراً و نذيراً لتؤمنوا بالله و رسوله)(1). فالرسول نفسه داخل أيضاً في هذا الخطاب: (لتؤمنوا بالله و رسوله و تعزروه و توقروه و تسبحوه بكرة و أصيلا)(2). أي إنه لن يتحقق أي شيء بدون هذا الإيمان. فسجلوا هذه الملاحظة في أذهانكم، ثم أنظروا ماذا يتابع أولئك الذين يبذلون مساعيهم دائماً للمساس بالإيمان العام. أنتم تعلمون أن الإيمان هو القاعدة الأساسية لسعادة الشعوب و فخرها. كل عنصر و مبلّغ يعمل على زعزعة قاعدة هذا الإيمان - بأي شکل من الأشکال - أو یجعله مثاراً للريب و الشكوك، أو یدفعه إلى اللامبالاة و التسيب و الإنحلال، فهذا يعني أنه يتابع تحقيق هذا الهدف القبيح، أي محاربة العزة الوطنية و المفاخر الوطنية و سعادة الشعب.
العنصر الآخر هو الشعور بالمسؤولية، أي إن هذا الإيمان لا بد أن يصحبه الشعور بالمسؤولية، يعني أن الإنسان لا بد أن يشعر بأن على عاتقه مسؤولية و أن عليه واجب. و بدون الشعور بالمسؤولية سيفقد هذا الإيمان فاعليته. ينبغي أن يترافق هذان العنصران أيضاً مع الشجاعة و روح الخوض في الساحة و الاهتمام بالطاقات الکامنة. لأن أحد العوامل التي تؤدي إلى هزيمة أي شعب و أية جماعة و أي جيش، هو الغفلة عن تلک الطاقات الکامنة.
الشعب الإيراني يتمتع اليوم بنفوذ معنوي و اقتدار سياسي واسع في كافة أنحاء هذه المنطقة سواء في بلدان الشرق الأوسط أو في الشرق أو أفريقيا و الكثير من المناطق الأخرى. و هذا ما تحقق بفضل هذه الإنجازات العظيمة التي حققها الشعب الإيراني. نظام الجمهورية الإسلامية اليوم هو أحد أعظم النظم قوة و اقتداراً. طبعاً هذا ما تقرّه التحليلات السياسية الجادة. حتى في البلدان التي تکنّ لنا العداء، لقد قالوا هذا و اعترفوا به و كتبوا عنه و سجلوه. ثمة مساع للتقليل من أهمية هذا الاقتدار و هذا النفوذ المعنوي و السياسي الذي تلاحظون اليوم نماذجه و بوادره في فلسطين و الكثير من البلدان غير الإسلامية في أنظار الشعب الإيراني - لا سيما في أنظار جيل الشباب و العمل على تجاهله و إنكاره - أي أن يظهر الشعب الإيراني على أنه شعب منعزل يعيش في عزلة و لا يهتم به أحد. هذا ما يقوم به العدو. لماذا؟ لكي يتجاهل هذا الشعب هويته الحقيقية و طاقاته العظيمة و إمكانياته الكثيرة. هذه هي إحدى خطط العدو. فإذن، الشجاعة و الرشد و الوعي و معرفة ما يتمتع به هذا الشعب من قوة و طاقة ذاتية منحها له الإيمان يعتبر من شروط صنع المستقبل المشرق.
هكذا هي وحدة الكلمة. على الجميع أن يتّحدوا. ثمة اختلافات في أي مجتمع بشري. ليس بوسعكم أن تجدوا مجتمعاً بشرياً يتفق أهله في وجهات نظرهم و حول القضايا المختلفة، لكن هذا الاختلاف لا ينبغي أن يفكّ عرى الوحدة بين أبناء شعب ما أو أفراد منظومة ما. فانظروا الآن كيف تحاك مؤامرات الأعداء. هناك جماعات تتفق علی الأساسيات، ففكرها واحد، و إيمانها بالإسلام و الشريعة و الإيمان بنظام الجمهورية الإسلامية واحد، و لديها من الالتزام الديني ما يجعلها أحياناً تقوم بأداء المستحبات و النوافل، كما أن طريقها واحد و حتى عملها واحد، إلا أنها تشعر بالتنافر و التباغض فيما بينها بتأثير إيحاءات العدو، و يواجه بعضها بعضاً في المراكز و المؤسسات الحكومية و بين الناس و في المجالات المختلفة! أية جماعة من تلكم الجماعات تتشدد مع من سواها و تعلن عن عدائها السافر لمن سواها و تكون أكثر حدة و غلظة و تعصباً مع غيرها، فإن أعمالها هذه تصب في صالح أعداء هذا الشعب و هذا النظام، سواء أكانت تدري بذلك أو لا تدري. فالوحدة و الاتحاد من الشروط الضرورية أيضاً. هذا هو صنع مستقبل هذا النظام و توفيره، و الحديث في هذا المجال كثير.
أريد أن أقول لكم بأن نجاح أي شعب في مسيرته التقدمية، له علاقة عكسة مع نفوذ الأجانب و الأعداء في ذلك البلد، أي إنه كلما ازداد نفوذ الأعداء و الأجانب - حتى و لو لم يكن صريحاً - بين الجماهير و في الشرائح المختلفة و المحيط السياسي، كلما ازداد البعد بين هذا الشعب و بين تحقيق عزته و مجده و صناعة مستقبله. هذا لا يعني أنه لا بد من مواجهة كل أجنبي، كلّا، فأحياناً يتسالم المرء مع بعض الأجانب في سبيل المصلحة، و لكنه لا ينبغي السماح لهذا الأجنبي الصديق للقيام بدور في الشؤون الداخلية لهذا البيت و هذه العائلة و هذا البلد و هذا المجتمع. منذ اجتثاث جذور النفوذ الأمريكي و سائر القوى الكبرى - لم تكن أمريكا وحدها و إن كانت أسوأهم جميعاً - منذ بداية الثورة الإسلامية في هذا البلد، راحوا يفكرون دوماً في فرض نفوذهم و فرض أفكارهم و أحاديثهم و أفعالهم و تحقیق أطماعهم و أهدافهم في هذا البلد بطریقة ما. لقد استخدموا شتى الوسائل لتحقيق هذا خلال السنوات الإحدى و العشرين من عمر الثورة. إن أكثر الأساليب التي يستخدمونها اليوم هو أسلوب المناورات السياسية، حيث تظهر هذه المناورات السياسية بأشكال مختلفة. عندما يريد أحد السياسيين بلوغ أهدافه، فإنه قد يعبس أحياناً و قد يبتسم أحياناً أخری و یحقد أحياناً و يهدّد أحياناً أخری، و يكرّ تارة أو يفرّ تارة أخرى. هذه هي المناورات السياسية. فيوماً يقولون إننا أسأنا إلى الشعب الإيراني كثيراً و هذا يعني أننا نعبر عن أسفنا! و يوماً يصادقون في مجلس الشيوخ على قرار ضد الشعب الإيراني. و يوماً يأتون و يمدحون الخونة و أشد التنظيمات حقداً و عداءاً للثورة، و يوماً يشنون الهجمات الإعلامية ضد إيران لأنها أعلنت بكل صراحة عن معارضتها للكيان الصهيوني. و يوماً يخصصون الأموال لإسقاط نظام الجمهورية الإسلامية. هذه هي المناورات السياسية و كلها أساليب سياسية. هم ينهجون شتى الطرق في إذاعاتهم و وسائلهم الدعائية و في اتصالهم بالشخصيات الداخلية و في خداعهم و حيلهم. حيثما وجدوا تساهلاً و منفذاً في هذا السد العظيم الذي أقامه الشعب الإيراني في مواجهة نفوذ الأعداء، فإنهم يركزون عليه و يبسطون نفوذهم هناك، سواء تمثل هذا التهاون في أحد الشخصيات السياسية أو الأحزاب السياسية أو في أحد المسؤولين الحكوميين. و لهذا يقول الله تعالى في سورة الفتح المفعمة بالحماسة و العبر و بعد أن يبين الآيات الحماسية، حول أصحاب النبي (أشداء على الكفار رحماء بينهم)(3). فالمراد بالكفار هنا ليس اليهود أو المسيحيون الذين كانوا يعيشون في كنف الرسول. بل كان هناك في ذلك الوقت المسيحيون و اليهود الذين كانوا يعيشون في المدينة و كانت لهم علاقات حسنة مع النبي و أصحابه. لا يسمونهم (أشداء على الكفار ). المراد بـ (أشداء على الكفار) هنا أمثال قريش الذين كانوا يدبرون دوماً الهجمات العسكرية على الإسلام و المدينة الإسلامية، أو أمثال يهود بني قريضة و يهود خيبر و سائر المناطق الذين كانوا ينقضون العهود دوماً - و يسافرون إلى هنا و هناك من أجل تعبئة هذه الجماعة أو تلك ضد الإسلام أو يشنون الهجمات العسكرية أو يبثون عوامل الإثارة و الإشاعات - أو أولئك الذين كانوا يعيشون في المدينة و يظهرون الإسلام و يضمرون الكفر و كان لهم علاقات دوماً مع المجموعة الأولى و المجموعة الثانية من الكفار. (أشداء على الكفا) يعني أشداء على هذه الجماعات الثلاث. لكن (رحماء بينهم)، يعني كانت الشفقة سائدة بينهم. لاحظوا، هذا هو المنهج الإسلامي. لأن العدو لا يستطيع أن يتغلغل أبداً في أوساط هؤلاء الأشداء. فما معنى الأشداء؟ إنها تعني الصلابة المتقنة. و القرآن يصف الحديد بقوله (فيه بأس شديد) (4) . كلمة الشديد تعني القوي. فالشدة هنا ليس المراد بها الظلم، أو ضرورة سفك الدماء، بل تعني القوة و الاستحكام، أي إن هذا السد لا ينبغي أن يكون هشاً أو متهاوياً، و هذا الجدار يجب أن لا يكون مثقوباً.
كلمتي اليوم دوماً للتيارات السياسية و الشخصيات السياسية في هذا البلد هو أن لا يظهروا أمام العدو بالشكل الذي يتمكن من النفوذ و بسطه في عمق الثورة. هذا هو السبب الذي جعلني أشكو أحياناً عن بعض الأشخاص أو بعض الصحف في هذا البلد. عليهم أن لا يقوموا بأعمال تجعل العدو يشعر بأنه يمكن له التغلغل و بسط نفوذه داخل النظام، حيث قلنا بأنه كلما ازداد نفوذ العدو، تزعزعت العزة الوطنية أو الاقتدار الوطني و العظمة الوطنية و ضعف الأمل في صنع مستقبل البلد. فالعلاقة بينهما علاقة معكوسة. فلو أخلى أحد الميدان للعدو، و لو بدل أحد يوم الثالث عشر من آبان، الذي هو يوم التعبير عن العداء لأمريكا، إلى يوم للذل أمام أمريكا، و لو فكر أحد دوماً في التفرقة بدلاً من تعزيز الوحدة الوطنية، فاعلموا أنه يمهّد سبيل نفوذ الأعداء بالتأكيد. إذن هذا الشخص ليس بوسعه أن يدعي أنه من دعاة الوحدة الوطنية و المصالح الوطنية. إنه لمن السيئ للغاية أن يسلم البعض في النظام الإسلامي قلبه للأعداء، بل هم لا يكتفون بذلك، إنما يكررون أقاويل الأعداء، و يضعون علامة استفهام أمام مقدسات النظام. و لا يكتفون بذلك أيضاً بل يريدون تنفيذ ما يريده الأعداء بکل دقّة، أي يريدون أن يزعزعوا ذلك الإيمان - الذي كان الشرط الأول - في نفوس الشعب، و يقضون على الشجاعة و الثقة بالنفس في قلوب الشباب، و يأخذون المعاول ليهشموا هذا النظام و يحدثوا صدعاً فيه! هم يقومون بهذه الأعمال، ثم يعاملهم النظام و يعتبرهم مجرمين، و هي وصمة عار دائمة لهم في النظام الإسلامي (الّا الذين تابوا و أصلحوا و بينوا)(5). فيعفو الله عنهم و تتحول سيئاتهم إلى حسنات. و لكن طالما لم يقوموا بهذه الأمور فهم مجرمون. ثم يأتي البعض ليدافع عن هذا المجرم خلافاً للقانون، و هذا من أقبح الأعمال!
من أسوأ العادات في أي بلد هو أن تقوم الأجهزة المختلفة في البلد باتهام أحدها الآخر. و هذا لا معنى له، هذا يصيب التآلف و الوحدة بين الأجهزة الإدارية في البلد بالخلل التام. المجموعات التي تعمل أجهزتها على تكميل الأجهزة الأخرى و مساعدتها فإنها تکون قد وصلت إلى حد التكامل، لا أن يفكر الجهاز الفلاني في إسقاط الجهاز الآخر عن الاعتبار، و في نفس الوقت يكون كل همّ ذلك الجهاز إسقاط هذا الجهاز و القضاء عليه و الإساءة إليه. هذا لا يمكن. فالمجرم مجرم، لكنه مجرم بمقدار جرمه فحسب لا أكثر. و الجرائم ليست كلها واحدة. فلا ينبغي عندما يرتكب شخص جرماً، أن يؤدي هذا الجرم إلى محو كل حسناته، فهذا لا يمكن أيضاً، لكن لا بد أن يحسب جرماً. فإن أي عمل و سلوك ثبتت إدانته وفقاً للقانون و القاعدة و الأسلوب الصحيح لا ينبغي أن يقوم بعض الذين لا يهتمون لأي شيء بتشجيعه و مدحه و إطرائه. مثل هذه التصرفات تضر بمستقبل البلد. أو أن يقوم أحد بهذه الأعمال، ثم يقول بأنه يؤمن بالعزة الوطنية و السعادة الوطنية و أنه يريد مستقبل الشعب! هذا ما لا ينسجم مع ذاك. ما أريد أن أقوله لكم أيها الشباب - سواء من الحرس أو طلبة الجامعات أو التلاميذ أو المعوقين - هو: أعزائي! أنتم شباب تقع عليكم إدارة حاضر النظام و مستقبله. لقد کان هناک شباب قاموا بأمور كثيرة في هذا البلد حتى بلغوا به هذه المكانة. و أما منذ الآن فتقع مسؤولية الأمور عليكم و اليوم يومكم و المسؤولية تقع على عاتقكم. إنني أقول لكم أيها الشباب: أعزائي! الإيمان هو القاعدة الأساسية. و الشعور بالمسؤولية هو من القواعد الأساسية. و الاتحاد و التآلف بين القوى المؤمنة من القواعد الأساسية. طبعاً ثمة قواعد أخرى أيضاً و لكنني أكدت على هذه النقاط. لو أخذتم هذه القضايا بنظر الاعتبار، فعليكم أن تعلموا أن هذا البلد الذي يعتبر اليوم من أقوى و أعظم النظم في العالم بفضل الثورة، و سيكون أيضاً من أعزّ البلدان و من أكثر البلدان تقدماً في المستقبل. على المسؤولين أن يقوموا بواجباتهم، و عليهم أن يعرفوا حاجيات الجماهير و يلبّوها. المشاكل التي یعاني منها الشعب الآن - كالحرمان، و العوز، و التمييز، و البطالة و التي نذكّر المسؤولين دوماً تذكّراً مشفقاً بها - لمن العوائق التي تعترض الطريق. التغلب عليها ليس هدفاً في حد ذاته، بل هو ضروري في بلوغ الهدف. الهدف هو بناء البلد بحيث يصبح نموذجاً في العالم، (لتكونوا شهداء على الناس)(6). فعليكم بالرقي و الرفعة حتى تتمكنوا من أن تكونوا شهداء على العالم برمته، و على كل المناهج و كافة الحضارات و المدنيات. لهذا الطريق مراحل و لسوف أقول في كلمة إن شاء الله في أية مرحلة نحن الآن. لقد ابتدأنا طريقاً و تقدمنا فیه كثيراً. على خلاف ما يريد العدو الإيحاء به، فإن هذا الشعب تقدم إلى الأمام و بلغ مكانة جيدة ، لكن مواصلة هذا الطريق یحتاج إلى التغلب على هذه العقبات. إن هذا الفقر و البطالة و بعض مظاهر الفساد التي قد تبدو هنا و هناك، و بعض مسببي الخلافات و دعاة الخلاف و ما إلى ذلك، كلها أمور تعيق تقدم الحركة الشعبية العظيمة، فلا بد من التغلب عليها كي يتمكن هذا الشعب من التقدم بحركته إلى الأمام. و إن شاء الله لو تمكن هذا الشعب من نزع هذه الأسلاك الشائكة عن خط حركته كما استطاع أن يتغلب على هذه الموانع المتراكمة على طريقه، فاعلموا أن الشعب الإيراني و إيران الإسلامية و نظام الجمهورية الإسلامية المقدس سيكون في المستقبل القريب على قمة المجد بين بلدان العالم إن شاء الله و سيكون نموذجاً لحركة البشرية.
اللهم! إنا نسألك بحق محمد و آل محمد، أن تمن بعنايتك و توفيقك على هذا الشعب و هؤلاء الشباب الأعزاء. اللهم! و اشملنا جميعاً بألطاف مولانا الغائب (أرواحنا فداه) واشملنا بأدعیته الزاکیة. اللهم! و أرض عنا الأرواح المطهرة لشهدائنا الأعزاء و الروح المقدسة للإمام الراحل.. اللهم! و اجعلنا عارفين بقدر من ضحّوا بأنفسهم و صحتهم و أرواحهم و إمكانياتهم في سبيل هذه الثورة.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الهوامش:
1) سورة الفتح: الآية 8 و 9.
2) سورة الفتح: الآية 8 و 9.
3) سورة الفتح: الآية .29
4)سورة الحديد: الآية25.
5)سورة البقره: الآية 160.
6)سورة البقره: الآية 143.