بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، نحمده و نستعينه، و نؤمن به و نستغفره، و نتوكل عليه، و نصلي و نسلّم على حبيبه و نجيبه و خيرته في خلقه، حافظ سرّه و مبلّغ رسالاته، سيدنا و نبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيّما بقية الله في الأرضين. و صلّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين. أوصيكم عباد الله بتقوى الله.
أوصي نفسي و جميع الإخوة و الأخوات المصلين بمراعاة التقوى و الورع و التوجه إلى الله تعالى في كل ما نقوم به من أمر و نهي في حياتنا على الصعيدين الفردي و الاجتماعي. و أن ننظر إلى الله و نؤثر رضاه على كل شيء و نرى فيما يكلفنا به فوزاً عظيماً. نسأل الله أن يساعدنا علی صيام هذا الشهر - و هو شهر التقوى - بأن نتمكن من مضاعفة التقوی في نفوسنا و أعمالنا أینما كنا و مهما كنا.
هذه الأيام تختص بأمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام، إضافة إلى أن هذا العام قد سمي باسم هذا الرجل العظيم أيضاً. فما هو الهدف من ذكر أمير المؤمنين و ذكرياته؟ إنها بالدرجة الأولى تتمثل في إحياء هذه الفرصة لأنفسنا لكي نعبّر عن إتباعنا له. فالتشيع يعني الاتباع. و إذا لم يكن ذلك الاتباع، لکان هذا الإدعاء في النسبة إليه جوراً بحقه. إضافة إلى ذلك فإننا نستطيع من خلال التعرف على تلک الشخصية العظيمة، أن ننوّر أفکار و قلوب أبناء زماننا فيما يتعلق بالقضية الرئيسية في الإسلام و التي تتمثل في إدارة المجتمعات البشرية في ظل نظام إسلامي و وفقاً للدستور الإسلامي. المحور في كل شيء هو حكومة أمير المؤمنين التي استغرقت بضعة أعوام، لذلك يجب أن يكون المراد من حديثنا عن ذلك العظيم، هو إتباعه و السير على خطاه. طبعاً عليّ التأكيد بأنه علی الرغم من أن نظامنا الإسلامي القائم في زماننا هذا، يركّز على أساس الاتباع للأحكام الإسلامية، فإن المسؤولين و أصحاب المناصب في النظام الإسلامي، هم الذين يجب عليهم بالدرجة الأولى إتباع أمير المؤمنين.
لقد خاطب أمير المؤمنين (عليه الصلاة و السلام) كلّا من المسؤولين و أبناء الأمة علی حد سواء. الخطاب الموجّه لأبناء الأمة، يشمل المسؤولين أيضاً. لكن الخطاب الموجّه للمسؤولين، يختص بهم فحسب. هذا ما تعكسه الرسالات التي كان أمير المؤمنين يوجهها، سواء تلك الرسالة المعروفة التي وجهها إلى مالك أشتر(1)، أو سائر الرسالات التي بعثها إلى عمّاله و ولاته.
نحن اليوم - سواء المسؤولون و ذوو المناصب في الجمهورية الإسلامية أو الجماهير - في أمس الحاجة لمعرفة هذه الأوامر و التوجيهات و العمل بها. لو عملنا بها، فعندئذ يتحقق المراد من الآية الكريمة (کنتم خير أمة أخرجت للنّاس)(2). أي سنتحول إلى تلك الأمة التي لو نظر إليها العالم بأسره، لاتخذها قدوة و أسوة له. و إذا لم نعمل بتلك المناهج و الأوامر، فيمكن أن يصل الأمر بشعبنا و مسؤولينا لا سمح الله، لا إلى أن لا يحرزوا شرفاً للإسلام فحسب، بل و سيحطّون من شأنه. لو ابتعدنا عملياً عن الإسلام و توجيهات أمير المؤمنين فهذا الخطر موجود و يمكن أن يداهمنا.
إنني أرغب أن أتطرق في الخطبة الأولى باختصار إلى بعدين، لأن جو اليوم ليس مناسباً للتفصيل في القول، أحدهما يتعلق بالحكومة و الآخر يتعلق بالمسؤولية التي تقع على عاتق الشعب، لكن دائرتها تشمل كلّاً من الحكومة و الشعب. خلاصة ذلك البعد الذي يتعلق بالحكومة، و هو ما ورد في كلمات أمير المؤمنين. إن المنصب الحكومي كما يراه أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام يجب أن لا يتحول إلى وسيلة لنيل الدعة و الاسترخاء و التكسب الدنيوي. فهو ليس مهنة كسائر المهن، و هذا يعني تحمل المسؤولية. تحمل هذه المسؤولية لا يمكن أن يكون وسيلة لأن يكسب المرء شيئاً، و يجمع أموالاً و يؤمِّن مستقبله و مستقبل أولاده عن هذا الطريق، أو يعيش رغداً. فما هو الهدف إذاً من تحمّل مسؤولية المناصب في نظام الجمهورية الإسلامية و النظام الإسلامي؟ الهدف هو تطبيق العدالة و توفير الأمن للجماهير، و التمهيد لإقامة مجتمع إنساني تتفتح فيه المواهب لسمو البشرية و صلاحها. لو عرفنا أن هذا هو الهدف في رأي أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام، فعندئذ يتحقق المعنى المتوخّى من الكلمات التي نسمعها من ذلك العظيم.
يقول أمير المؤمنين: إنني على استعداد لتحمل أصعب ظروف العيش على أن لا ألقى الله سبحانه ظالماً لأحد من عباده، يقول: و الله لأن أبيت على حسّك السّعدان مسهّداً و اجرّ في الأغلال مصفّداً أحب إلي من أن ألقى الله و رسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد و غاصباً لشيء من الحطام (4)
و في موضع آخر من نهج البلاغة يقول (ع): إن الله تعالى فرض على أئمة الحق أن يقدروا أنفسهم بأضعف الناس . أي لا يحق لذوي المناصب في نظام الحق، أن يقارنوا أنفسهم مع الأعيان و النبلاء و يقولوا: ما دام هؤلاء يتمتعون بمثل هذه البيوت و هذه الحياة و يعيشون هكذا، فلنحاول نحن ذوي المناصب و المسؤوليات في الجمهورية الإسلامية أو النظام الإسلامي و الحكومة الإسلامية، أن نعيش مثلهم. أو ما دام الزعماء و المسؤولون و الوزراء في البلدان الأخرى التي تسودها نظم غير إلهية و غير حقة، يعيشون هكذا، و يتمتعون بأسباب الدعة أو الإمكانيات المادية، فلا بد أن نحتذي حذوهم. كلّا. لا يحق لهم مقارنة معيشتهم بمعيشة الأعيان و النبلاء و المتمكّنين أو المنحرفين. فإذن، مع من ينبغي عليهم مقارنة حياتهم؟ أن يقدّروا أنفسهم بأضعف الناس (5). التعبير بـ أضعف الناس لا يعني العيش مثلهم - يمكن أن لا يستطيع المرء أن يعيش بحيث يقتِّر على نفسه - بل يعني مقارنة نفسك معهم، لا مع الأعيان و الأشراف أو هذا الغني و ذاك الرأسمالي. فصاحب المنصب و المسؤول في النظام الإسلامي و نظام الحق لا ينبغي له أن يعيش كالأعيان و الأشراف و المتمكنين و الأثرياء في المجتمع أو كمسؤولي البلدان غير الإسلامية. هذه ثقافة خاطئة، أن يمتلك من يصل إلى مكانة و مسؤولية من المسؤوليات الحكومية، داراً فارهة أو سيارة من الطراز الفلاني، أو يتمتع بإمكانيات حياة خاصة. كلّا، هذا لا ينسجم مع توجيهات أمير المؤمنين و لا يقتصر هذا على ذلك العصر، بل يشمل جميع الأزمنة. لم يكن الفقر آنذاك يشمل جميع الناس. لقد تحققت الفتوحات الإسلامية، و كانت هناك ثروات في البلد الإسلامي، و كان ثمة من الأثرياء و التجار من كانوا يعيشون حياة مرفهة، سواء أكان ذلك عن طريق الحلال أو الحرام، فلا شأن لنا بأفعالهم. يقول أمير المؤمنين في ذلك الزمان، ينبغي أن لا تكون معيشتكم معيشة دعة. هذا ما يتعلق بالمسؤولين و ذوي المناصب في النظام الإسلامي حيث عليهم مقارنة أنفسهم بالضعفاء من الناس لا بالأثريا في المجتمع.
يقول (ع) في رسالة أخرى وجهها إلى الأشعث بن قيس: و إن عملك ليس لك بطعمه، و لكنه في عنقك أمانة ، فالمسؤولية في النظام الإسلامي عبء يقع على عاتق الإنسان يجب عليه تحمله من أجل هدف أو نية خاصة. هذا هو الفهم الصحيح للحكومة و المسؤولية الإسلامية.
على المسؤولين في النظام الإسلامي أن لا یعیشوا حیاة اسراف و بذخ. و فوق ذلك، عليهم أن لا يعيشوا بشكل، يتحول معه أسلوب البذخ و الإسراف إلى رکن من أرکان الحضارة. هذه مرحلة أخرى تفوق المرحلة الأولى، أو لا تقل عنها على أقل تقدير. لنفترض أن أحد كبار المسؤولين و من بين ذوي المناصب في الحكومة الإسلامية، سلك سبيل البذخ في حياته من حيث الإسراف الذي یطغى على محل عيشه أو محل عمله، أو حياته العائلية، أو كيفية تزويج أبنائه من قبيل المهر و الجهاز و ما شابه ذلك، و خرج عن النهج الإسلامي، فإن هذا الأسلوب سيتحول إلى نوع من السلوک و النهج في المجتمع یراه الآخرون و يتعلّمون منه، حينها یرتفع الصداق و يصعب الزواج و الحياة، و هكذا تسري تبعات هذا التصرف في ثنايا المجتمع شيئاً فشيئاً، سواء على المدى البعيد أم القريب. لذلك فإن أهم ما يركّز عليه أمير المؤمنين في باب الحكومة، هو: على الحاكم أن لا يتخذ من الحكومة وسيلة للعيش و جني العوائد المالية و جمع الثروات، بل عليه أن يعتبرها مسؤولية. فهذه المسؤولية عبء على عاتقه، يجب عليه أن يبذل قصارى جهده لحمل هذا العبء و إيصاله إلى الغاية المنشودة.
النقطة المحورية لهذه المسؤولية تتمثل في مراعاة حقوق الناس و التزام العدالة بينهم و الإنصاف في القضايا الخاصة بهم و السعي لتأمين متطلباتهم. فالأصل بالنسبة للحاكم الإسلامي، هو متطلبات الجماهير. لقد قلت قبل عدة أيام في كلمة لي مع المسؤولين، بأن الوجه الأول لقضية الديمقراطية هو أن يقوم الشعب بانتخاب المسؤولين. الوجه الثاني هو إذا ما وصل المسؤولون إلى مناصبهم، فعليهم أن يبذلوا قصارى جهدهم لتلبية حاجيات الناس و العمل من أجلهم. هذا ما تفوح به كلمات أمير المؤمنين(ع). فقد نقل عنه (ع) في رسالته لمالك الأشتر، من ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده و من خاصمه الله أدحض حجته و كان لله حرباً(7). طبعاً ليس هناك فرق، بالرغم من أن أمير المؤمنين عليه السّلام وجّه هذه الرسائل لولاته - منهم مالك الأشتر، و عثمان بن حنيف، و آخرون - فإن الخطاب يشمل أيضاً كافة المسؤولين ممن يقومون ببعض الأعمال.
إذا ما أراد الحكام و أصحاب المناصب في النظام الإسلامي القيام بهذه الواجبات، فهم بحاجة إلى نقطة أخرى و هي الإخلاص لله و العمل من أجله و مواصلة الاتصال بالله. فلا تقتصر قضية المسؤول و صاحب المنصب في النظام الإسلامي على العلاقة مع الجماهير، فلو لم يتصل بالله، لتعثّر عمله من أجل الجماهير و خدمتهم أي لتعثّرت تلك المسؤولية الرئيسية التي تقع على عاتقه. ما يدعم هذه المسؤولية، هو العلاقة بالجماهير، لذلك يقول أمير المؤمنين - كما ورد في نهج البلاغة - في هذه الرسالة التي وجهها إلى مالك الأشتر و اجعل لنفسك فيما بينك و بين الله أفضل تلك المواقيت(8) أي لا توكل حالة الارتباط بالله و الإنابة إليه و التضرع له إلى أوقات تعبك و كسلك. ثم يقول: و إن كانت كلها لله (9). أي و إن كانت جميع أعمالك لله حينما تكون صاحب منصب في الحكومة الإسلامية، و الشرط في ذلك إذا صلحت فيها النية و سلمت منها الرّعية (10). لكن في الوقت ذاته وفّر من بين مساعيك التي هي كلها من العبادات وقتاً للخلوة مع نفسك و مع الله سبحانه. هذه هي الصورة لذوي المناصب و المسؤوليات في النظام الإسلامي و في قاموس أمير المؤمنين.
كل ما لدينا عن ذلك العظيم، غالباً ما يتعلق بفترة حكومته، أما ما لدينا عن فترة استغرقت خمسة و عشرين سنة عاشها من وفاة النبي (ص) حتى استلامه للخلافة فهو محدود للغاية. تتصف المرحلة التي قضاها في فترة النبي بالطابع الجهادي و تخضع لإشعاعات شخصية النبي الأعظم (ص)، لذلك ما يروى عن أمير المؤمنين غالباً ما يعود بفترة حكومته التي استغرقت إلى ما يقارب الخمس سنين، و قد صدر عن لسان شخص حاكم ليرسم من خلاله الخلق الذي ينبغي للحاكم التزامه، و يختص بعده الأول بالواجب الذي يقع على عاتق المسؤولين، و خلاصته هو: إن المسؤول في النظام الإسلامي هو مسؤول يعمل من أجل الناس و في سبيل الله، لا من أجل أهوائه و مصالحه الشخصية.
البعد الآخر الذي سأتطرق له باختصار - يتعلق بعامة الناس - و هو يتمثل بالدرجة الأولى في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في القضايا الاجتماعية. طبعاً في القضايا الفردية فإن التقوى هو موضع الاهتمام و عناية فائقة من قبل أمير المؤمنين، لكن ليس هناك في القضايا الاجتماعية خطاب يفوق في شدته و حزمه و حيويته و صرامته، الخطاب المتعلق بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، واجب عام. طبعاً علينا أن نأسف لعدم توضیح معنى الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بشكل صحيح. فالأمر بالمعروف يعني توجيه الأمر للآخرين للقيام بالعمل الصالح. و النهي عن المنكر هو نهي الآخرين عن فعل الأعمال القبيحة، و كل من الأمر و النهي فعل لساني و لفظي. طبعاً تسبقهما مرحلة أخرى هي المرحلة القلبية التي لو توفرت، فإن المرحلة السابقة ستكتمل. حينما تساعدون النظام الإسلامي عبر أمر الناس بالمعروف من قبيل الإحسان للفقراء و الإنفاق و كتمان السرّ و المحبّة و التعاون و القيام بالأعمال الصالحة و التواضع و التحلّي بالحلم و الصبر و تدعون للالتزام بهذه الأعمال و الممارسات، و تكون قلوبكم عاشقة و متعلقة بهذا المعروف فسيتصف أمركم هذا بالصدق. حينما تنهون أحداً عن المنكرات من قبيل الظلم و العدوان على الآخرين و التعرض لهم و الاستیلاء علی الممتلكات العامة و التطاول على أعراض الناس و ممارسة الغيبة و الكذب و النميمة و التآمر على النظام الإسلامي و التحالف مع أعداء الإسلام و تدعون الناس إلى الابتعاد عن هذه الخصال، و تحملون في قلوبكم البغض لها و النفور منها، فإن ذلك النهي سيكون صادقاً و ستكونون منسجمين مع أمركم و نهيكم هذا. لكن إذا تباين القلب و اللسان - لا سمح الله - فحينها يدخل المرء في عداد من یصفهم هذا الحديث لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له. فاللعنة الإلهية تحيق بمن يأمر الناس بالمعروف لكنه لا يعمل به، و ينهاهم عن المنكر، لكنه يرتكب ذلك المنكر، و سيكون مصيره خطيراً للغاية.
لو تبيّن معنى الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و حدودهما للناس، فسيتضح أنهما من أكثر أساليب التعامل الاجتماعي حداثة و حلاوة و كفاءة و فعالية، و لا يبقي مجال أمام الآخرين لأن يقولوا: سيدي إن هذا ضرب من الفضولية . كلّا، فهو نوع من التعاون و الإشراف العام و التعاون على نشر الخير و تقويض الشر و الفساد، و المساعدة على أن تعتبر الخطيئة خطئية دوماً، فإن أسوأ الأخطار عندما توصف الخطيئة يوماً ما بأنها صواب، و يوصف العمل الصالح بأنه سيئة و تتحول الثقافات و تنقلب رأساً على عقب. حينما يشيع الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بين أوساط المجتمع فإن ذلك سيؤدي إلى أن تعتبر الخطيئة في نظر الإنسان خطيئة دوماً و لن تتبدل إلى صواب و لا إلی عمل صالح. إن أخطر المؤامرات ضد الناس هو الحديث و العمل على تبديل الأعمال الصالحة - التي يأمر بها الدين و فيها يكمن صلاح البلد و تطوره - إلى أعمال قبيحة لدى الناس، و تبديل الأعمال القبيحة إلى أعمال حسنة في نظرهم. هذا خطر كبير للغاية.
لذلك فإن أولى ثمار الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر هو أن تبقي الحسنة حسنة و السيئة سيئة. من جانب آخر، لو انتشر الإثم في المجتمع و اعتاد الناس عليه، فإن من يكون في رأس المجتمع و يريد دعوة الناس إلى الخير و الصلاح و المعروف و الحسنات سيواجه الصعاب، أي لا يستطيع أن يقوم بهذا العمل بيسر، أو يجبر على أن يقوم بهذا العمل عن طريق دفع ثمن کبیر. و هذا أحد عوامل عدم نجاح مساعي أمير المؤمنين - مع ما كان يتمتع به من قوة و عظمة - في مواصلة طريقه و أدى بالتالي إلى استشهاد ذلك الرجل العظيم. الرواية التي أقرأها لكم، رواية عجيبة تهزّ كيان الإنسان. حيث يقول: لتأمرن بالمعروف و لتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم (12). أي ينبغي عليكم تطبيق مبدأ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فيما بينكم و نشره و الالتزام به، فلو لم تقوموا بهذا الأمر، فسيسلط الله عليكم الأشرار و الفاسدين و العملاء. أي سيؤول زمام الأمور إلى أيدي الحجاج بن يوسف الثقفي و أشباهه تدريجياً! فالكوفة نفسها التي كان أمير المؤمنين على رأسها و کان يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر و يخطب في مسجدها، وصل بها الأمر إلى أن جاء الحجاج بن يوسف الثقفي في مسجدها، يخطب في الناس و يعظّهم حسب ظنه! فمن هو الحجاج؟ هو ذلك الرجل الذي لا فرق عنده بين دم الإنسان و دم العصفور! كان يقتل الإنسان كما يقتل الحيوان أو الحشرة بالراحة. قد أمر الحجاج ذات مرة و قال لأهل الكوفة بأن يجيئوا و يعترفوا بكفرهم و يعلنوا عن توبتهم عن الكفر، و من أبى قطع عنقه! لقد ابتليت الأمة بمثل هذه الضروب من الظلم العجيب الغريب الذي يفوق حدود الوصف و البيان. إذا لم يسد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في المجتمع، و شاعت فيه الأعمال المنكرة من سرقة و غش و خيانة و أصبحت جزءاً من ثقافة المجتمع تدريجياً، فستمهّد الأرضية إلى أن یأخذ الأشخاص غير الصالحين بزمام الأمور. طبعاً للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر دوائر مختلفة أهمها دائرة المسؤولين، أي عليكم أن تأمرونا بالمعروف و تنهونا عن المنكر. فعلى الجماهير مطالبة المسؤولين بالعمل الصالح، و ليس ذلك عن طريق الرجاء و الدعوة، بل عليهم أن يطالبوهم. هذه من أهم الدوائر. طبعاً ليست هذه هل الدائرة الوحيدة، بل هناك دوائر مختلفة.
لا تقتصر قضية الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، على النهي عن المنكر فحسب، بل هناك الكثير من الأعمال الصالحة و الأمر بها أيضاً. فبالنسبة للشباب يعتبر التحصيل العلمي، و التعبّد، و التحلّي بالأخلاق الفاضلة و التعاون الاجتماعي و الرياضة بأسلوبها الصحيح و المعقول و مراعاة الآداب و التقاليد الحسنة في الحياة، كل ذلك يعتبر من المحاسن و ثمة الكثير من المسؤوليات الصالحة و الأعمال الكبيرة بالنسبة للرجال و النساء و الأسرة. فحيثما دعوتم أحداً للعمل بواحد من هذه الأعمال الصالحة - تقولون له و تطالبونه - فهو يعتبر أمراً بالمعروف. لا يقتصر النهي عن المنكر على الردع عن الذنوب الشخصية فحسب، بمجرد أن نتحدث عن النهي عن المنكر، يتبادر إلى الأذهان أن هناك شخصاً ما يسيء التصرف في الشارع أو يرتدي زيّاً غير مناسب، فيأتي من ينهاه عن ذلك. النهي عن المنكر لا يقتصر على ذلك، بل هو معشار العشر منه.
النهي عن المنكر يشمل كافة المجالات المهمة. منها على سبيل المثال، الأعمال التي يقوم بها المتمكنون، و سوء استغلال المصالح العامة، و تدخّل علاقات الصداقة في الشؤون العامة للبلاد، أو الواردات و الشركات و استغلال المصادر الإنتاجية و غيرها، و ترجيح المسؤولين للعلاقات الشخصية. قد يرتبط التجار و الكسبة بعلاقات صداقة و تعاون فيما بينهم، فلذلك شأنه، و قد يقيم مسؤول حكومي يتمتع بصلاحيات و مقومات السلطة علاقة خاصة مع شخص آخر، فهذا هو الممنوع و المحذور و ما يعتبر في عداد الذنوب، و ينبغي على كل من يطّلع على هذه الممارسات النهي عنها في حدود دائرته أو القسم الذي يعمل فيه، سواء إزاء رؤسائه أو مرؤوسيه، كي يضيّق الخناق على أولئك الانتهازيين.
كما يمكن ممارسة النهي عن المنكر في إطار العائلة أيضاً، ففي بعض العوائل تنتهک حقوق النساء و الشباب و الأطفال. لا بد من تنبيه هذه الأسر و مطالبتهم بالالتزام بهذه الحقوق. لا يقتصر إهدار حقوق الأطفال على عدم إبداء المحبة لهم، كلّا. بل إن سوء التربية و الإهمال و عدم الاهتمام بهم و قلة العاطفة و غيرها تعتبر أيضاً ظلماً بحقهم.
ثمة منكرات شائعة على صعيد المجتمع و يمكن النهي عنها و لا بد من النهي عنها. و هي من قبيل: إهدار الثروات العامة و الحيوية، و إهدار الطاقة الكهربائية، و إهدار المحروقات و المواد الغذائية و الإسراف في استهلاك الماء و الخبز. فنحن لدينا هذه الكميات الكبيرة من بقايا الخبز و مخلفاته، و هذا بحد ذاته يعد منكراً، إنه يعد منكراً في البعد الديني و الاقتصادي و الاجتماعي، و من الواجب النهي عن هذا المنكر أيضاً. بوسع أي فرد و بأي طريق ممارسة هذا النهي عن المنكر، فبوسع مسؤول بشكل، و بوسع بائع الخبز بشكل، و بإمكان عامل خباز بشكل آخر. استناداً لبعض الإحصائيات التي لدينا، فإن كمية الخبز التالف عندنا یعادل كمية القمح الذي نستورده من الخارج! أليس هذا من دواعي الأسف؟! كل هذه الأمور تعد من المنكرات و من الواجب النهي عنها. وفقاً لما ورد في نهج البلاغة، فقد جعل أمير المؤمنين (ع) النهي عن المنكر أحد المحاور الرئيسية لتوجيهاته. فيما يتعلق بالمسؤولين، هناك نهج و سلوك و توجيه الأوامر و تعيين أصول، و فيما يتعلق بعامة الناس، ينبغي حثهم على المشاركة و النشاط و الشعور بالمسؤولية و القضايا الاجتماعية و ذلك من خلال الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
على عاتقنا مسؤولية كبرى. لقد ضحى أمير المؤمنين بنفسه الكريمة في سبيل تلك المسؤولية. كما سخّر حياته بأكملها منذ تمكنه من بذل الجهود - منذ أن أسلم في صباه و حتى نهاية حياته سواء في مكة أو المدينة، أو في المراحل القادمة أو فترة خلافته - و لم يتوقف على الجهاد و السعي في سبيل الله و لو للحظة واحدة. إن أمير المؤمنين هو الأسوة الحقيقية لكل إنسان سام يريد أن يحلق في سماء جميع ظواهر العالم و لا يرى وجوداً لأي شيء يقف في طريقه و يكبّله.
قد ابتلي المجمتع البشري في هذه الأيام بمصاب ذلك الرجل العظيم. يروي الأصبغ بن نباته (13) أنه لما أصيب أمير المؤمنين و كان في داره، دخلت عليه، فوجدته متعصباً بعصابة و قد أصفر لونه و تغيرت ملامحه و هو مستلق یستریح. لم تكن صحته على ما يرام. في الوقت نفسه سمح للناس الذين كانوا قلقین علیه بالدخول. فكان يأتي الجميع و يسلمون عليه، في تلك الأثناء حيث بدت ملامح الإرهاق و سريان السم في بدنه حتى وصل إلى قدمي ذلك العظيم، خاطب الناس قائلاً: سلوني قبل أن تفقدوني (14). فلم يتوقف عن السعي و الجهاد حتى في آخر لحظات حياته. ثم اتبعها بالقول: لكن خففوا علي... إمامكم ليس على ما يرام. صلى الله عليك يا أمير المؤمنين!
اللهمّ! نقسم عليك بمحمد و آل محمد أن تجعلنا أتباعاً حقيقيين لهذا الرجل العظيم. اللهم! إنا نسألك بمحمد و آل محمد أن لا تجعل أفعالنا و سلوكنا سبباً في إضعاف الإسلام و سبيل أمير المؤمنين (ع)، و أحينا على ذلك السبيل و أمتنا عليه و انصر الإسلام و المسلمين. اللهم! اغفر لنا و احلل عقد حياة الناس و وفق الحكومة الإسلامية و المسؤولين في الحكومة الإسلامية و المسؤولين في بلدنا الإسلامي لأداء واجباتهم و أعمالهم.
بسم الله الرحمن الرحيم
(قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفواً أحد)(15)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيّدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيما على أمير المؤمنين و الصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين و الحسن و الحسين سيّدي شباب أهل الجنة و علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد و موسى بن جعفر و علي بن موسى و محمد بن علي و علي بن محمد و الحسن بن علي و الخلف القائم المهدي حججك على عبادك و أمنائك في بلادك و صل على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين. أوصيكم عباد الله بتقوى الله و استغفر الله لي و لكم.
أوصيكم ثانية أيها الإخوة و الأخوات من المصلين بتقوى الله. يتركز حديثنا في هذه الخطبة حول القضية الفلسطينية، و يرجع السبب في ذلك إلى أن قضية فلسطين تمثل اليوم القضية الأولى بالنسبة للعالم الإسلامي. على الأمة الإسلامية اليوم، و خاصة البلدان القريبة من فلسطين - مثل شعبنا و بلدنا - أن تأخذ هذه النقطة بعین الاعتبار، و هي أن الصهاينة المهيمنين على فلسطين و الغاصبين لفلسطين و حماتهم يسعون للإيحاء بأن ما يجري داخل فلسطين، هو قضية داخلية تهمّ حكومة إسرائيل الغاصبة، و هي ليست كذلك أبداً. فلو أن أحد لم يثر داخل فلسطين، لكان العالم الإسلامي عدواً للصهاينة و حماتهم، من أجل القضية الفلسطينية، فما بالك لو ثار الشعب الفلسطيني و دخل الساحة بكل وعي.
فلسطين هي قضية العالم الإسلامي و ذلك لسببين: الأول هو أن فلسطين جزء من الأرض الإسلامية. و لا خلاف بين المذاهب الإسلامية المعروفة أو بين الفقهاء على أنه لو سلب جزء من أرض الإسلام من قبل أعداء الإسلام و هيمنوا على ذلك الجزء، فعلى الجميع أن يرى من واجبهم السعي و الجد لاستعادة ذلك الجزء و إعادته إلى أرض الإسلام. لذلك فإن الشعوب الإسلامية في كل أنحاء العالم تدرك هذا الواجب. طبعاً لا يستطيع الكثيرون القيام بعمل ما، لكن على كل من یتمکن و بأي شكل من الأشكال أن يتحرك، و سوف يحرك. لهذا السبب تلاحظون أن العالم الإسلامي برمّته يرحّب بيوم القدس العالمي الذي عيّنه الإمام الراحل في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك - يوم الجمعة القادم - و ستشهدون بفضل الله و منته أن مراسيم يوم القدس لهذا العام ستفوق ما جرى خلال السنوات الماضية حماساً و صلابة في جميع العالم الإسلامي.
و الثاني: هو أن إقامة الدولة اليهودية - أو بتعبير أدق الصهيونية - في هذه البقعة من العالم الإسلامي كان لغاية استكبارية بعيدة المدى. فالغاية الأساسية من إقامة هذه الدولة في هذه المنطقة الحساسة التي تمثل قلب العالم الإسلامي تقريباً - أي تربط الشطر الغربي من العالم الإسلامي و هو أفريقيا بشطره الشرقي و هو الشرق الأوسط و آسيا و المشرق الإسلامي و هو مفترق طرق بين آسيا و أفريقيا و أوربا - إنما كان لإبقاء هيمنة المستعمرين في تلك الأيام - و في مقدمتهم بريطانيا - على العالم الإسلامي و الحد من إقامة دولة إسلامية مقتدرة - كالحكومة العثمانية في وقتها - بوسعها الحيلولة دون نفوذ المستعمرين و انگلترا و فرنسا و الآخرين في هذه المنطقة. لذا فقد أقاموا قاعدة لأنفسهم. استناداً للوثائق التاريخية فقد كانت إقامة الحكومة الصهيونية هناك طموحاً استعمارياً للحكومة البريطانية قبل أن يكون أملاً لليهود. هناك قرائن تؤكّد أن الكثير من اليهود كانوا يعتقدون بعدم الحاجة لهذه الدولة، و إن هذه الدولة ليست لصالحهم، و كان ذلك عاملاً لتملّصهم منها. لذلك لم يكن ذلك حلماً و فكرة يهودية و إنما هو دسيسة استعمارية بريطانية، أصبحت بعد ذلك تركة استولت علیها أمريكا بعد استحواذها على الإرث الاستعماري حينما اختطفت مقاليد السياسة الاستعمارية من بريطانيا و استفادوا منها قدر استطاعتهم و لا زالوا يستفيدون منها لحد الآن. لذلك إنقاذ فلسطين و محو الحكومة الصهيونية قضية تنسجم و مصالح شعوب المنطقة، و منها مصالح بلدنا العزيز إيران. الذين وضعوا مقارعة الهيمنة الصهيونية ضمن برامجهم منذ اليوم الأول لانتصار الثورة الإسلامية إنما التزموا بذلك بعد تدقيق. لقد اتخذ هذا البرنامج وفقاً للمصالح العامة للبلد و الجمهورية الإسلامية و الشعب الإيراني. و هذا هو الحال في البلدان الأخرى. فجميع المثقفين و الساسة أصحاب الأفكار المتحررة في البلدان الإسلامية و جميع الذين لم تتدنّس أيديهم بالعمالة لأمريكا، يعتقدون بوجوب الوقوف أمام إسرائيل؛ أي إنهم يرون ذلك جزءاً من مصالح بلدانهم.
إن قضية فلسطين ليست قضية داخلية بالنسبة لتلك الدويلة الغاصبة المزورة، بل إنها قضية عالمية رئيسية. الجدير بالاهتمام هو أن الجيل الفلسطيني الجديد قد أدرك الحقيقة. و أية حقيقة هي؟ إنها حقيقة أنه لو أراد التغلّب على الذل و الهوان و الاحتقار و الضغوط المفروضة عليه فلا سبيل لذلك سوى الجهاد و المقاومة، و ليس الجلوس إلى طاولة المفاوضات، إذ لم يحصل المفاوضون على أي شيء.
من جانب آخر لقد بلغ سلوك الصهاينة من الوحشية و البعد عن موازين الرحمة و المروءة الإنسانية درجة أثارت سخط الجيل الشاب الفلسطيني بشكل طبيعي، و لم يعد بوسعهم التحمل و الصبر. يتوهم الصهاينة أن بوسعهم إخماد صوت الشعب الفلسطيني إذا ما استخدموا المزيد من العنف و لجأوا إلى الدبابات و المدفعية و الأسلحة الكيمياوية. أجل بإمكانهم ممارسة المزيد من الضغوط و إسكات الشعب الفلسطيني لفترة من الزمن، لكن ليس بوسعهم القضاء على عقدة الغضب الكامنة في القلوب، فهي ما لا يمكن محوه، و هي التي ستتمخض عن زمجرة و غضب يطيح بعروشهم. و لا يستطيعون اقتلاع جذور هذه الحركة.
النقطة الثانية المهمة للغاية هي أن هذه النهضة قد أطاحت بكل حسابات الدولة الصهيونية الغاصبة. لأن هذه الحسابات قامت على أساس أن الشعب الفلسطيني ليس لديه القابلية و الإرادة و العزيمة و الفاعلية للمواجهة بعد أن مورست بحقه كل تلك الضغوط منذ البداية و تمّ تشريد أكثر من نصف الشعب الفلسطيني الأصليين إلى الخارج و مضت سنوات متمادية. و في الوقت الحاضر أصبحت هذه الحسابات سراباً و انهارت قواعدها. فإذا ما صمم الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني الذين يسكنون في فلسطين - و ليس الفصائل الفلسطينية التي تقيم خارج الحدود الرئيسية لفلسطين ممن يسكنون في لبنان أو الأردن أو مناطق أخرى - على مقارعة هذا الكيان فلن يبقى أي أثر لتلك الأجواء الآمنة التي اتخذوها على أنها الجنة الموعودة بالنسبة لهم و استقطبوا إليها المهاجرين غير الفلسطينيين أي المهاجرين اليهود من شتى أنحاء العالم. لقد أنهارت حساباتهم فاضطرت حكومتهم للاستقالة. يمكن أن يظنوا في حساباتهم بأنه يجب علیهم ممارسة المزيد من الضغوط و المجيء بحكومة أكثر قسوة. غير أن ذلك خطأ. فليست القضية بتلك البساطة، بل هي قضية عظيمة يرتبط بها مصير العالم الإسلامي و جميع البلدان الإسلامية، خاصة الدول التي هي على قرب من بؤرة الخطر و من هذه الغدة السرطانية.
في شهر رمضان هذا أيضاً تمادى الصهاينة في ارتكاب الجرائم. أنتم تلاحظون أن الأطفال الصغار ذوي السنة أو السنتين و اليافعين و الشباب و الكهول و المرضى يشكلون ضحايا هذه الأحداث، و هذا ما يثبت مناهضة عدو الإسلام و المسلمين - أي الزمرة المهيمنة على هذا الجزء من العالم الإسلامي - للأعراف الإنسانية و حقوق الإنسان. و في الوقت ذاته يعلن أعضاء الكونغرس و و النخبة من الساسة في أمريكا بصراحة عن دعمهم لهؤلاء! إنهم يقومون بهذا العمل، و يعبرون عن مكنوناتهم التي تمثل سياستهم و طبيعتهم ذاتها في دعمهم لهؤلاء المفسدين ذوي الطبيعة الشيطانية الوحشية. لا يتوقع منهم أكثر من ذلك، لكن على شعوب العالم أن یعبروا من موقفهم. و لحسن الحظ فإن شعبنا يتحلى بالوعي و اليقظة الكاملة. على شعوب العالم التي طالما سمعت من أمريكا في القضايا المختلفة شعارات الدفاع عن حقوق الإنسان و حقوق الأكثرية و الدفاع عن الديمقراطية حسب ظنهم حيث كانوا يفخرون بها، عليهم أن يشاهدوا الوجه القبيح الحقيقي للسياسة الأمريكية من خلال مرآة فلسطين.
لكن الجمهورية الإسلامية الإيرانية أفصحت منذ اليوم الأول عن موقفها تجاه هذه الظاهرة القبيحة. موقف الجمهورية الإسلامية هو ما صرح به الإمام الراحل و المسؤولون مراراً و أكدناه مراراً و هو أنه يجب استئصال هذه الغدة السرطانية - إسرائيل - من المنطقة. و لهذا الموقف معادلة إنسانية تماماً تحظی بالقبول و هي عودة جميع أبناء الشعب الفلسطيني - لا أولئك الناس الذين قدموا إلى فلسطين من مختلف أنحاء العالم - الذين يعيشون في المخيمات و سائر دول العالم إلى فلسطين، و عليهم تعيين حكومتهم التي يجب أن تتشكل من قبلهم. طبعاً من الواضح أنه ليس هناك فلسطيني - سواء كان مسلماً، حيث أن غالبيتهم من المسلمين، أو مسيحياً أو يهودياً حيث يشكلون الأقلية - يرتضي أو يسمح بأن تأتي شرذمة من صعاليك أزقة لندن أو العوائل البائسة في موسكو أو أمريكا ليقيموا دولة في فلسطين و يتحكموا بأبنائها. من الواضح أن الشعب الفلسطيني و العالم الإسلامي يرفضان أن تأتي تلك الجماعة من الأراذل الذين لا يحسنون سوى الاعتداء و الضرب و العمل بما يرغبه الصهاينة و اليهود للتحكم بفلسطين. هذا ما يرفضه الشعب الفلسطيني و العالم الإسلامي أيضاً. هذه المعادلة، معادلة يتقبلها العالم. الذين يقولون بأنهم يحترمون أصوات الشعب و الديمقراطية... حسناً، هذه هي الديمقراطية! هذه المنطقة من العالم لها أهلها الذين لا يزالوا أحياء و هنالك بضعة ملايين يسكنون هناك و بضعة ملايين يسكنون خارجها - في لبنان و الأردن و المناطق الأخرى - فليأتي هؤلاء و يجتمعوا هناك و ينتخبوا حكومتهم بأنفسهم... هذا أسلوب في غاية الصواب. واضح جداً أن الحكومة الصهيونية التي تحكم اليوم و أية حكومة صهيونية أخرى لا حق لها في البقاء و التسلط على أرض فلسطين.
نحن نقول لإخواننا الأعزاء في فلسطين الذين يواجهون المشاكل: إذا ما قاومتم و صبرتم فإنكم ستنالون الأجر و الثواب بالإضافة إلى الانتصار. فالنصر يقترن دوماً بالصبر و السير في سبيل الله ( و لينصرن الله من ينصره)(16). و لا شك في ذلك، طبعاً فإن النصر آت. لكن عليهم أن يتحلوا بالصبر و الجد. و نقول للشعوب و الدول الإسلامية إن المسؤولية الشرعية المفروضة على الشعوب و الدول هي أن تمد يد العون لتلك الجماعة المؤمنة و ذلك الشعب المظلوم، و أن لا يتركوهم وحيدین في الساحة. طبعاً هناك مساعدات نأمل أن يتم وضعها في محلها و أسأل الله أن يكون لها الأثر النافع في التخفيف من آلام الشعب الفلسطيني إن شاء الله. نسأل الله تعالى أن يعالج مشاكل الإسلام و المسلمين و الشعب الفلسطيني.
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا جاء نصر الله و الفتح. و رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً. فسبّّح بحمد ربّك و استغفره أنه كان توّاباً. (17)
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الهوامش:
1 - نهج‏البلاغه، رسالة 53
2 - سورة آل عمران: الآية110
3 - نهج‏البلاغه، خطبة 224
4 - نهج‏البلاغه، خطبة 224
5- نهج‏البلاغه، خطبة 200
6- نهج‏البلاغه، رسالة 5
7- نهج‏البلاغه، رسالة 53
8- نهج‏البلاغه، رسالة 53
9- نهج‏البلاغه، رسالة 53
10 - نهج‏البلاغه، رسالة 53
11- تفسير الصادقى، ج 1، ص 339
12- تهذيب الاحكام، ج 6، ص 176
13 - بحارالانوار، ج 40، ص 45
14- كتاب سليم‏ بن قيس، 802
15- سورة التوحيد:الآية 1 - 3
16 - سورة حج - الآية 40
17 -سورة نصر: الآية 1 - 4