بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للَّه ربّ العالمين. و الصّلاة و السّلام على سيّدنا و نبيّنا أبي ‏القاسم المصطفى محمّد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، الهداة المهديّين المعصومين المكرّمين، سيّما بقيّة اللَّه في الأرضين، و صلّ على أئمّة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين. قال اللَّه الحكيم في كتابه: «واستعينوا بالصّبر و الصّلاة و إنّها لكبيرة الّا على الخاشعين».(1)
في البدء أودّ أن أُهنئ الشعوب الإسلامية و أبارك للأمّة الإسلامية العظيمة في كافة أرجاء العالم و لشعبنا الكريم و للحضور فرداً فرداً ذكرى حلول عيد الفطر المبارك. هذا بالرغم من إنّ جرائم الصهاينة البشعة التي ترتكب في فلسطين لم تبق للمسلمين عيداً.
إنّ عيد الفطر، هو يوم يتلقى فيه المسلمون الأجر و تتجلي فيه الرحمة الإلهية بعد مضي شهر رمضان الكريم. فبحمد الله قد أتممتم هذا الشهر ـ شهر الصلاة و الصيام ـ بخير و عافية، بعد أن وفقكم الله سبحانه بفضل دعائكم و ذكركم و مناجاتكم، لأداء فريضة الصيام و التوسّل و الخشوع و الخضوع له تعالى. فهذا يوم يجزل الله فيه العطاء لكم إن شاء الله. و قد يكون من أبرز مصاديق العطاء في هذا اليوم، أنْ يشملنا الله برحمته حتى حلول شهر رمضان القادم. و الرحمة الإلهية التي تتجلّى في شهر رمضان، هي نتيجة لما تدّخرونه في هذا الشهر الفضيل من حسنات. فهناك الانقطاع لله سبحانه و تعالى، و الإحسان للفقراء، و صلة الأرحام، و إعانة الضعفاء و العفة و الحلم، و وصول القطيعة، و مجازاة الظالمين لنا بالنصح، فهذا شهر الرحمة و المغفرة و الانقطاع و التوسّل، شهر ترقّ فيه القلوب و تشرق فيه الأرواح بنور الرحمة و الفضل، فتكون مؤهّلة أكثر من أي وقت لعمل الخير و اكتساب الحسنات. عليكم أن تديموا هذه الحالة حتى رمضان القادم، اجعلوا من شهركم الحالي فصلاً دراسياً تربوياً يؤهلكم لاجتياز العام بأسره حتى حلول شهر رمضان الذي يليه. و هذه خير نعمة قد يشملنا الله تعالى بها. اطلبوا من الله تعالى أن يمنّ عليكم بالرضا و الرحمة و القبول و العفو و العافية، و بذلك تكونوا قد أدركتم العيد الحقيقي.
كما أود التنويه في هذه الخطبة إلى أنّ أكبر درس يقدمه لنا شهر رمضان المبارك هو تربية النفس، و أوّل و أهم خطوة في تربية النفس هي أن ينظر المرء إلى أخلاقه و سلوكه نظر الناقد لها، يتفحصها و يعثر على عيوبه و يحاول جادّاً التخلّص منها. و هذا ما علينا القيام به في هذا الشهر الفضيل.
كما أذكّركم بأنْ تتراحموا فيما بينكم كي تُرحموا. و لا تمتد يد الموسر منكم لتطال من المعسر، و لا يستغل أحدكم فطنته أو منصبه أو تفوّقه المالي أو البشري في ابتزاز الآخرين. علينا أن نجد أنفسنا عبيداً لله تعالى. متساوين في العبودية مع الآخرين، ملزمين بإنصافهم و الإحسان إليهم. لنكون مؤهلين لهطول غيث الرحمة الإلهية، الغيث الذي يطهرنا الله به، و يغمرنا ببركاته. و لا يخفى أنّ هذه مهمّة الجميع، لكنّها تتأكد أكثر بالنسبة للفئات الميسورة و المتمكنة و التي تمتلك السلطة و المنصب و النفوذ، و التي تمتلك كلمة مسموعة و مؤثرة في الناس، فمسؤولية هؤلاء ـ في التحكّم بسلطتهم و نفوذهم و كبح جماح أهوائهم من مغبة التجاوز على الآخرين ـ أشد و أكبر.
إنّ أحد أهم واجبات المرء ـ في أيّ موقع كان ـ أن يعرف حدوده فلا يتجاوزها. فتجاوز الحدود هو عبارة عن ذلك المفهوم المعيب و المخزي للاستبداد و الاستكبار. و أكبر خطر قد يتعرّض له الإنسان هو أن يُصاب بالاستكبار و الاستبداد. و لا يخفى أن الجميع عرضة للإصابة بهذا الخطر، فلا بدّ من توخّي الحذر من ذلك.
طبعاً كلما كان نفوذ المرء ـ اجتماعياً ـ أكبر، كان احتمال إصابته بداء الاستكبار و الاستبداد أشد.
و لا شك إنْ كان المصاب بداء الاستكبار، يتمتّع بنفوذ مادي و اجتماعي واسع، كان الخطر الذي قد يسببه لنفسه أو للمجتمع أكبر. لذا فمن الضروري لهذا النمط من الأشخاص أن يحاسبوا أنفسهم و يضعوها تحت المراقبة الشديدة.
إنّ المصابين بداء الفساد ـ سواء أكان فساداً مالياً أو أخلاقياً أو سياسياً ـ إضافةً لما يتسببون به من أذىً لأنفسهم، فإنّهم يعرّضون المجتمع للخطر، و السبب وراء ذلك يكمن في شعورهم بالضيق من التقيّد بالحدود القانونية و الشرعية، و سعيهم للتخلّص من جميع القيود التي قد تقف في طريقهم. و عندما يصاب الإنسان بذلك ـ و العياذ بالله ـ فإنّه لن يجد قيداً أو مانعاً يقف حائلاً بينه و بين مطامحه، و هو من أجل ذلك سوف لن يتورّع عن اللجوء إلى أي وسيلة كانت من أجل تحقيق مآربه. و هكذا يستحيل إلى خطر يهدّد الكيان الاجتماعي برمّته.
من هنا جاء تحذيرنا و تأكيدنا على المسؤولين بضرورة العمل على مكافحة الفساد المالي. فالمشكلة لا تكمن في أنّ الفاسد يستولي على المال العام فحسب، إنّما المشكلة تكمن في صيرورة هذا الشخص جرثومة فساد تكتسح كل ما يقف في طريقها فتصيبه بالعدوى أو تستغل كل قواها لإزاحته عن الطريق. و لا فرق بين إنْ كان الذي يقف في طريقها هو الشرع المقدّس، أو الدستور، أو القوانين، فالجميع تحت طائلة المناوئة.
طبعاً لا أخفيكم فبحمد الله قد بدأت السلطة القضائية و جزء من السلطة التنفيذية ـ تعقيباً على تأكيدنا ـ باتخاذ بعض الإجراءات الفاعلة في هذا المضمار، و أنّا أوصي الجميع بأنْ يمدّوا لهم يد العون. يجب أن لا يجد الفاسد أو الفساد من يعينه أو يقف إلى جانبه.
و كلّ مَن يساهم في تشويه هذا المشروع ـ القانوني و المنطقي ـ فهو يدعم الفساد، و بالتالي يشكّل مظهراً للاستبداد و الاستكبار، فهو بعمله هذا يتطاول على القانون و يستكبر عليه.
طبعاً لا أخفيكم، فقد أكدت كثيراً على أن تكون السلطة القضائية شديدة الحرص في أدائها لهذه المهمّة، و أن لا تتجاوز الحدود بأي حال من الأحوال. فلا تظلمنّ أحداً أو تنتهك حرمته الشخصية من دون سبب. و على الصحف أنْ تقوم بدورها و تراقب جيداً أداء هذه السلطة. و مهما يكن، فهذا المشروع، يعد من المشاريع المهمّة و الصحيحة و الأصولية، و لا بدّ من الاستمرار فيه.
... اللهمّ ! نسألك بحق هذا اليوم الشريف و بأوليائك و بنبيّك العظيم، و أهل بيته و الأئمة الطاهرين و بجميع الصالحين و بدماء شهداء الإسلام منذ البدء و حتى اليوم، أن تثبّتنا على دينك، و أن تؤيد و تنصر و توفّق كل من عمل و جاهد في سبيلك.
بسم الله الرحمن الرحيم
قل هو اللَّه أحد. اللَّه الصّمد. لم يلد و لم يولد. و لم يكن له كفوا أحد.(2)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للَّه ربّ العالمين. نحمده و نستعينه و نستغفره و نؤمن به و نتوكّل عليه و نصلّى و نسلّم على حبيبه و نجيبه، سيّد الأنبياء و المرسلين، أبى‏القاسم المصطفى محمّد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، الهداة المعصومين، سيّما عليّ أمير المؤمنين و الصّدّيقة الطّاهرة سيّدة نساء العالمين و الحسن و الحسين سيّدى شباب أهل ‏الجنّة و علي ‏بن ‏الحسين سيّد العابدين و محمّد بن ‏عليّ باقر علم‏ النّبيّين و جعفر بن ‏محمّد الصّادق و موسى ‏بن‏ جعفر الكاظم و عليّ‏ بن‏ موسى الرّضا و محمّد بن ‏علي الجواد و عليّ‏ بن‏ محمّد الهادي و الحسن‏ بن‏ علي الزكي العسكري و الحجّة بن ‏الحسن القائم المهدي صلوات اللَّه عليهم أجمعين. أوصيكم عباد اللَّه بتقوى اللَّه.
أوصيكم إخوتي و أخواتي بتقوى الله و طاعته، راجياً منه سبحانه في هذا اليوم الشريف أن يدرء عن الأمّة الإسلامية كل سوء و يصرف عنها كل بلاء.
نريد من خلال هذه الخطبة أن نلقي نظرة على واقع العالم الإسلامي. فالعالم الإسلامي اليوم يعاني من معضلات كبيرة. و المسلمون جميعاً مسؤولون إزاء هذا الواقع. فالدول الإسلامية، بعلمائها و مفكريها و مثقفيها و طلابها و فنانيها، و كل من لكلمته وقع و تأثير، يتحمّلون المسؤولية.
إنّ بعض الدول الكبرى اليوم، تسير وفق أجندة الشر و الفساد، و قد تجاوزت حدودها كثيراً، و هي تستخدم كل وسائل العنف و القوّة لتحقيق مآربها. فهي تلجأ لممارسة كافة الضغوط، سياسية و اقتصادية و إعلامية، لإخضاع كل دولة تريد العيش بسلام و حرية، و تروم قطع الأيادي الغاصبة و المنتهكة لثرواتها الوطنية.
فما يرتكب بحق فلسطين اليوم من فجائع، يمثل قمّة البشاعة و الدناءة. فالذنب الوحيد الذي ارتكبه الشعب الفلسطيني ليتّهم بالإرهاب هو أنّه أراد العيش بسلام و أمان في بلاده! و هذه من أشد صور الظلم التي شهدها و يشهدها التأريخ. فالشعب الفلسطيني يشاهد المغتصبين قد استحوذوا على أرضه و صادروا داره و سلبوا حياته و هيمنوا على مصادر ثروته، ليس ذلك فحسب بل و يمارسون بحقه أبشع صور الإهانة و التحقير. فإذا عزم الشاب الفلسطيني المسلم على أداء فريضة الجمعة، تعرّض للتفتيش من رأسه إلى أخمص قدمه، و من ثمّ يهان و يذلّ و يمنع من الصلاة. و لو أشتبه العدو بشاب أو رجل أو امرأة فلسطينية تسير في الشارع، فسيعرضهم لكل أشكال الإهانة و التحقير. فإذا نطقوا بشيء أو امتعضوا من ذلك، فلن يمنعه شيء من جرّ الآليات العسكرية إلى الشوارع الآهلة بالسكّان و هدم الدور على رؤوس قاطنيها.
و عندما يريد هذا الشعب المسكين الدفاع عن نفسه، أو إطلاق صرخات الاستغاثة بأحد أو بالعالم الإسلامي، فإنّه سيتهم بالإرهاب و العنف؟! في الوقت الذي يصرّ الكيان الصهيوني على التصعيد من إجرامه بكل وقاحة و بشاعة، مغضياً الطرف عن أفعاله الشنيعة، و متهماً الشعب الفلسطيني المظلوم بالإرهاب! و هذا هو أبشع أنواع الظلم. على العالم الإسلامي أنْ يعي المرحلة و أنْ يتحمّل مسؤوليته تجاه ذلك.
و إنّي و من على هذا المنبر أتوجّه من صميم قلبي بالشكر الجزيل لشعبنا الكريم على مشاركته الواسعة بيوم القدس. و إنّي على علم بأنّ شعوب العالم مستاءة من هذا الواقع و متألّمة، و هي تعلن عن ذلك بالحد الذي يسمح لها به، لكنّ المطلوب هو أن يتحوّل ذلك الاستياء إلى قرارات تتخذها الدول. على الدول الإسلامية أن تشعر بأنّها مسؤولة تجاه هذه القضية.
و على الرأي العام الإسلامي أن يعلم: بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية و غيرها من دول الاستكبار العالمي لن تدخل يوماً كطرف للنوايا الحسنة يسعى للصلح أو السلام بالنسبة لقضايانا، إنّما موقفها تجاهنا ـ على الدوام ـ هو موقف العداوة و الدفاع عن الظالم و المحتل.
إنّنا مسؤولون إزاء ذلك، و مسؤوليتنا لن تقف عند هذا الحد، إنّها مسؤولية مستمرة تقع على عاتق الجميع. على الجميع أن يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، أن يمدّ له يد العون و الدعم و الإسناد و المواساة ليتمكّن من مواصلة جهاده ضد المحتل.
و أودّ أن أخبركم: بإنّ الشعب الفلسطيني اليوم قد أثبت بمقاومته و ثباته و شجاعته منقطعة النظير أنّ بإمكان الدم أن يصمد أمام السيف، و سيثبت إن شاء الله، بأنّ الدم سينتصر على السيف.
أمّا بالنسبة للقضية الأفغانية فنحن قلقون إزائها أيضاً. فالظروف التي تمرّ بها أفغانستان التي نشترك معها في الجوار و الإسلام و الثقافة، هي ظروف غاية في الخطورة.
إن الواقع الأفغاني الحالي المستقر نسبياً ـ الذي حاز تأييدنا أيضاً ـ يمكنه أن ينهار إذا ما حصلت تدخّلات للقوى الكبرى و النفوذ الأجنبي. فالاستقرار النسبي الذي حصل مؤخراً بعد سنوات طوال من الحروب و النزاع، سيتعرّض للانهيار بتدخّل الدول الأجنبية التي تسعى لضمان مصالحها ـ و ليس المصالح الأفغانية ـ و ستذهب كل صفحات الجهاد التي سطّرها الشعب الأفغاني، و كل العذابات و الآلام التي تجرعها أدراج الرياح.
فلا بدّ أن يتم تشكيل الحكومة الأفغانية بعيداً عن مساومات الأطراف الدولية. و لا بدّ أن يتولّى زمان الحكم في أفغانستان أناس عاشوا المحنة الأفغانية بكل تفاصيلها، أناس شهدوا و تحمّلوا ما شهد الشعب و ما تحمّله.
أمّا أن يأتوا بأشخاص من الطرف الآخر للكرة الأرضية، أشخاص لم يعرفوا ما هي أفغانستان و ما هي معاناتها، عشرات السنين و هم بعيدون عن هذه الدولة، و بينما كان الشعب يمر بأصعب محنه، كان هؤلاء يعيشون حياة مترفة في أوربا و غيرها من الدول، فما الذي يعرفه هؤلاء عن أفغانستان و عن آلامها؟!
على من يتولّى زمام الحكم في أفغانستان أن يعيش الهمّ، أن يشعر بالمعاناة، أن يتحرّق من أجل الشعب الأفغاني، أن يتلمّس آلام الشعب و معاناته بجلده و بلحمه و بعظمه.
إنّ كل ما تجرّعته أفغانستان من غصص طيلة الخمس و العشرين عاماً المنصرمة كان سببها التدخّل الأجنبي. و إذا تسنّى لهذا الشعب أن يتولّى أموره بيده، فستجد المعاناة طريقها إلى الزوال إن شاء الله.
نسأل الله تعالى أن يمنّ على الشعب الأفغاني المسلم بالسعادة و الخير و البركة.
اللهم! بحقّ محمد و آل محمد، منّ على الشعب الأفغاني، و الشعب الفلسطيني، و سائر الشعوب المسلمة برحمتك و فضلك، و اجعل النصر حليفهم، و اقطع دابر الظلمة عنهم، يا أرحم الراحمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
و العصر. إنّ الإنسان لفي خسر. إلّا الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات. و تواصوا بالحقّ و تواصوا بالصّبر.(3)
و السّلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته

الهوامش:
1) البقره: 45
2) التوحيد: 4 - 1
3) العصر: 3 - 1