بسم الله الرحمن الرحيم

بارك الله هذا العيد السعيد و هذه الولادة الكبيرة، و هذا اليوم الميمون في تاريخ الإسلام.. باركه عليكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء الذاكرون و المداحون و المرددون لمناقب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) و على جميع الشعب الإيراني. نحمد الله و نشكره من أعماق وجودنا على أن زودنا بهذه القلوب المفعمة بالمحبة و بهذا الحبّ المتفجر ليكون ذخراً لشعبنا و لسعادتنا و لماء وجهنا.
لو لا محبة أهل البيت (عليهم السلام) و الحبّ المتدفق لهذه الشخصيات الإلهية و الربانية لما بقي - دون شك - تيار التشيع على امتداد الزمن و التاريخ و وسط كل هذه العداوات رغم كل معارفه و عقائده المتينة. يجب عدم الاستهانة بلهيب المحبة و العواطف هذه. لا مراء في أن للمنطق تأثير كبير في تكريس كلمة الحق و إعلائها، و لا يمكن الحفاظ على أي حق من دون المنطق و الحكمة، لكن اتساع رقعة النـزوع إلى الحق و بقاء هذا الحق الخالد على امتداد تاريخ الإسلام غير ممكن من دون المحبة و المودة و الأواصر القلبية و العاطفية. لذلك لاحظوا أن الأواصر الفكرية و العقلانية كانت منذ فجر الإسلام مصحوبةً بالوشائج العاطفية و القلبية.
إذا كنتم تلاحظون في التاريخ أن الرسول الأكرم (ص) في أيام فتح مكة - أي ثمانية أعوام بعد الهجرة - حينما كان يتوضأ كان أصحابه يتسابقون ليأخذوا ماء الوضوء المتساقط من الوجه المبارك لهذا الإنسان العظيم فيمسحون به وجوههم و رؤوسهم للتبرك، فما ذلك إلا بدافع هذه الأواصر العاطفية. هذا شيء يختلف عن الخضوع القلبي و الإيمان بالمعارف النبوية. ذلك شيء آخر. هذا هو ما يحيّر و يدهش عدواً عنوداً مثل أبي سفيان. شاهد هذا المنظر فقال: لقد شاهدت الكثير من الحكومات و الملوك و السلطات لكنني لم أشاهد أبداً مثل هذه السلطة التي تنفذ إلى قلوب الناس كما أراها اليوم في سلطة الإسلام. هذه هي طبيعة الرابطة القلبية و العاطفية. ينبغي المحافظة عليها. الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) أعظم سيدة في تاريخ الإنسانية و فخر الإسلام و مفخرة هذا الدين و هذه الأمة. مقام فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) من جملة المقامات التي إما لا يمكن تصورها بالنسبة للبشر العاديين من أمثالنا، أو أن تصورها أمر صعب. إنها بالتالي معصومة. ليست بحسب المسؤولية الرسمية رسولاً، و لا هي بحسب المسؤولية الرسمية أماماً أو خليفة للرسول، لكنها من حيث المرتبة في مستوى الرسول و الإمام. يذكر الأئمة الأطهار (عليهم السلام) الاسم المبارك لفاطمة الزهراء بعظمة و إكبار، و كانوا يروون عن معارف الصحيفة الفاطمية.. هذا أمور على جانب كبير من العظمة. هذه هي فاطمة الزهراء (سلام الله عليها).
ما يوجد في الحياة الظاهرية لهذه الإنسانة الجليلة هو من جهة العلم و الحكمة و المعرفة، بحيث حينما تنظرون في خطبة كالخطبة الفدكية الشهيرة لها سلام الله عليها، و التي يرويها الشيعة، و يروي أهل السنة بعض فقراتها على الأقل - و البعض يروونها بتمامها - حينما تنظرون في حمد و ثناء هذه الخطبة و في مقدماتها ترونها كلها حكمة و معرفة تجري كالجواهر و الدرر على لسان هذه الإنسانة العظيمة و تنتشر في الأجواء، و قد بقيت لنا اليوم و الحمد لله. و ذلك في موقف لم يكن موقف تعليم أو علم و معرفة، بل كان الموقف في الحقيقة موقف محاججة سياسية. ثمة في هذه الخطبة المباركة معارف إلهية و إسلامية في أعلى المستويات مما يمكن بالنسبة لنا إدراكه. و من جهة ثانية كانت حياتها عليها السلام مكتظة بالجهاد فقد كانت كجندي مضحّ في الميادين المختلفة لها تواجدها و دورها الفعال و المؤثر. منذ فترة الطفولة في مكة و في شعب أبي طالب و مساعدة والدها العظيم و شحذه بالمعنويات، إلى مواكبة أمير المؤمنين في مراحل حياته الصعبة في المدينة.. في الحرب، و في غربته، و حيال التهديدات التي واجتهه، و في صعوبات الحياة المادية و مختلف الضغوط، و كذلك خلال فترة محنته - أي بعد رحيل الرسول (ص) - سواء في مسجد المدينة أو على فراش المرض، خلال كل هذه المراحل و الأطوار كانت هذه الإنسانة الكبيرة مجاهدة ساعية مكابدة.. كانت حكيمة مجاهدة و عارفة مجاهدة. كذلك على صعيد واجباتها كإمرأة، و كزوجة، و واجباتها كأم في تربية الأبناء و رعايتهم، و العطف على الزوج، كانت على هذا الصعيد أيضاً إمرأة نموذجية. ما ينقل في مخاطبتها للإمام أمير المؤمنين (ع) فيه الكثير من الخشوع و الخضوع و الطاعة و التسليم حيال الإمام علي (ع)، ثم هناك تربية هؤلاء الأبناء.. أبناء نظير الإمام الحسن، و الإمام الحسين، و زينب الكبرى، هذا كله يدل على آية عظمى و عليا للمرأة المثالية النموذجية في أدائها لواجباتها كإمرأة على مستوى التربية و العاطفة و المحبة التي تختص بالمرأة. و كل هذه الكنوز القيمة الفذة و هي في عمر الثامنة عشرة. فتاة في الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة و لها كل هذه المقامات المعنوية و الأخلاقية و السجايا السلوكية. إن وجود مثل هذه الشخصية في أي مجتمع و في أي تاريخ و في أي شعب إنما هو مبعث فخر، و ليس لدينا نظير لهذه الإنسانة العظيمة. الإطلاع على هذه المعارف يعرّف المرء على سجايا هذه العظيمة، و لكن من دون الرابطة العاطفية و المحبة و من دون نيران الشوق و الوجد التي تجري الدموع من أعين الإنسان - سواء حينما يسمع المرء مصيبتها و محنتها، أو حينما يسمع مناقبها - لن يصل المرء إلى نتيجة. هذا شيء آخر.. هذا هو الرباط العاطفي و المعنوي و الروحي الذي ينبغي الحفاظ عليه.
لقد كان هذا التيار العاطفي عنصراً أصلياً و أساسياً في التشيع و مسيرة الشيعة منذ بداية تاريخ التشيع و إلى اليوم. طبعاً العاطفة هنا هي العاطفة المعتمدة على المنطق و المستندة إلى الحقيقة، و ليس العاطفة الفارغة. لذلك تلاحظون في القرآن أيضاً أن أجر الرسالة إنما هو في محبة ذوي القربى و مودّتهم. »قل لا أسألكم عليه من أجر إلا المودة في القربى«.(1) هذه نقطة على جانب كبير من الأهمية يجب التفطن لها. النيل من هذه المحبة بأي شكل من الأشكال خيانة للتيار الهائل لمحبة أهل البيت و إتباعهم. ينبغي المحافظة على هذه المحبة. لذلك تلاحظون في فترة الأئمة (عليهم السلام) وجود كل هؤلاء المحدثين و كل هؤلاء التلامذة الواعين و الفقهاء العظام في محضر الإمام الصادق (عليه السلام) و الإمام الباقر (عليه السلام) و الأئمة الآخرين، كانوا يروون المعارف و الأحكام و الشرائع و الأخلاق، و سمعوا و رووا و سجلوا، و لكن إلى جانب كل هذا، حينما يعود و ينظر الإنسان بدقة يرى نظرةً إيجابية لدعبل الخزاعي، و للسيد الحميري، و للكميت بن زيد الأسدي، و الحال أن أمثال زرارة و محمد بن مسلم و شخصيات كبيرة من هذا القبيل كانوا موجودين في منظومة الأئمة (عليهم السلام)، و مع هذا يحنو الإمام الرضا (عليه السلام) على دعبل، و يهتم الإمام الصادق (عليه الصلاة و السلام) بالسيد الحميري و يودّه. السبب هو وجود الجانب العاطفي في شعر الشعراء و مدح المداحين على أتم و أوفى نحو و بشكل غير متوفر في مواطن أخرى، أو إذا كان موجوداً فبنحو ضعيف، أو لنقل إن تأثيره ضعيف. الشعر و المدح و ذكر المناقب له مثل هذا الدور في تاريخ التشيع.
طيب، معظم الحضور اليوم في هذه الجلسة من مداحي أهل البيت و ذاكري مناقبهم، إذن، فهذه مرتبة سامية. لا أقصد من كلامي هذا تثبيتكم في هذا الدرب الذي اخترتموه أو المسؤولية التي حملتوها على عواتقكم - و المصحوبة يقيناً بالمحبة و العشق - فهذا تحصيل حاصل. لقد سرتم في هذا الدرب برغبتكم و إرادتكم و حبكم، و سوف تشملكم إن شاء الله رعاية الله و ثوابه و عطف أهل البيت (عليهم السلام)، لكني أقصد أن نتعرف بنحو صحيح على هذا التيار و نستفيد منه بالصورة التي أرادها الأئمة (عليهم السلام). أريد أن أقول لكم أيها الإخوة الأعزاء ذاكرو مناقب أهل البيت و مداحو أهل البيت إن هذا العمل عمل شريف و قيم، و له دوره في بقاء التشيع و الحفاظ على الإيمان الشيعي و المعرفة الشيعية و اتباع أهل البيت (عليهم السلام) فاعرفوا قدره.
جلستنا تقام كل سنة في مثل هذا اليوم منذ أكثر من عشرين سنة. قيل الكثير عن مديح أهل البيت و مداحيهم، و قلنا نحن أيضاً ما قلناه - و يلاحظ الإنسان بالطبع تقدماً جيداً و تجليات حسنة - لكنني أروم القول إن هذه الإمكانية المتوفرة عظيمة و هائلة جداً. ربما ذكرت مراراً الأعزاء الذين يشاركون سنوياً في هذه الجلسة إنه قد يكون بيت شعر واحد تقرأونه أكثر تأثيراً في القلوب من ساعة كاملة من البحوث الاستدلالية و البرهانية التي يقدمها خطيب حاذق. حسناً، هذه إمكانية كبيرة جداً، و ينبغي الاستفادة منها بشكل جيد. يمكن بهذه الإمكانية الكبيرة نقل معارف أهل البيت عبر الاستعانة بالجوانب العاطفية إلى أعماق قلوب الناس في شتى أنحاء هذا البلد و تكريسها و تعميقها.. هذا ليس بالشيء القليل. نحن اليوم بحاجة لهذا الشيء.. و بحاجة له على الدوام. نحن بحاجة إلى تعزيز إيماننا، و أن يكتسب هذا الإيمان ركائز و أسساً واضحة، و يمتاز بالثبات و الديمومة، فلا تضعضعنا الأمواج المتنوعة لإعلام الأعداء. نحن دوماً بحاجة لهذا الشيء. لقد نزل أعداء الحقيقة و الإعلام و أعداء معرفة أهل البيت (عليهم السلام) اليوم إلى الساحة بأدوات قوية و هم اليوم متسلحون أكثر من أي وقت مضى، و يستخدمون مختلف الأساليب لزعزعة هذا المجتمع الذي نهض حالياً نهضة حق و لفت إليه أنظار العالم الإسلامي و وجّه ضربة لقبضات الاستكبار القذرة - و أعني به مجتمع الجمهورية الإسلامية و المجتمع الإسلامي في إيران - عسى أن يقللوا من قدراته و يهتكوا سمعته عند الشعوب المسلمة و الأمة الإسلامية، إنهم يسعون لمثل هذا الشيء.
لقد أنجزتم أيها الشعب الإيراني خلال هذه الأعوام الثلاثين الكثير من الأعمال الكبيرة. أعداء الشعب الإيراني أعداء عتاة أشداء. كل المتغطرسين و كل الناهبين و كل الرأسماليين الكبار و كل عصابات القوة و كل مافيات الثروة و المال تقف في مجابهتكم. لقد قطعتم الطريق عليهم و خلقتم لهم المشاكل و المتاعب. لقد تحرك الشعب الإيراني طوال هذه الأعوام الثلاثين بنحو مؤثر. هذا العداء الذي يمارسونه و هذه الأحقاد التي يبدونها تجاه الشعب الإيراني لم تأتِ اعتباطاً. إذا لم تكونوا قد عرقلتم طريق هذا النهب و لم تخلقوا المشاكل لهيمنة الاستكبار و سيطرته لما أبدوا تجاهكم كل هذا العداء. هؤلاء الأعداء يريدون في الوقت الراهن إفراغ الشعب الإيراني من مضمونه الذي يدفعه و يحفّزه ألا و هو الإيمان الساطع القائم على البراهين. يستخدمون مختلف الأساليب و يشيعون الأقاويل الباطلة و يختلقون التسلية الفكرية و الشهوانية و السياسية، و يفتعلون الفتن.. هذه كلها سياسة. ما الذي ينبغي فعله حيال هذا؟ ينبغي تعزيز هذا الإيمان الذي يعد الرصيد للقيام و النهضة و الثبات و الصمود الذي أبداه الشعب الإيراني.
من العوامل التي يمكنها المساعدة على النهوض بهذه المهمة الكبرى، نشر المعارف الإسلامية و المعنوية و الثورية بشكل واضح، و إشاعة محبة أهل البيت بين القلوب و في أرواح الناس أكثر فأكثر. هذه مسؤولية نتحملها جميعاً في الظرف الراهن. و مدّاحو أهل البيت يتحملون جانباً من هذه المسؤولية، و هو جانب مهم. انظروا لمهمة المدح و ذكر مناقب أهل البيت من هذه الزاوية. حينما تقفون للذكر اشعروا أنكم تقفون كداعية ديني و كرسول يحمل الحقائق الدينية و ينقلها بشكل مؤثر. إذا كان هذا هو شعوركم عندئذ يحصل تقيّد في اختيار الأشعار، و في كيفية الأداء، و سيشعر الذين يريدون القيام بهذه المسؤولية بقيود و حدود، و لا مندوحة من هذه القيود. هذا شيء يجب أن تقوموا به أنتم أنفسكم.. إنها مهمة المداحين أنفسهم. إذا سألوا اليوم: »ما الذي تحتاج له مهمة مديح أهل البيت؟« و »ما الذي يحتاجه من يريد أن يصبح مداحاً و يبدأ مهمته من اليوم؟« سوف تعدون بضعة أشياء طبعاً منها أن يكون له صوت حسن، و له ذاكرة جيدة، و يتعلم الأشعار، و طبعاً يجب أن تكون للعملية روحها. إذا كان للإنسان صوت حسن و ذاكرة جيدة يمكنه أن يصبح مداحاً. نعتقد أن هذا لا يكفي. انظروا للمداح باعتباره معلماً يريد تعليم شيء معين لمستمعيه. كلكم لديه هذه الصلاحية. و يجب عدم إخراج أي شخص عن هذه الدائرة. كل من لديه تشوق لهذه العملية فليتفضل، لا بأس، و لكن ليوجد في نفسه صلاحية هذه المهمة.
الشعر الذي تقرأونه ليكن شعر معرفة و تعليم، سواء حول قضايا الساعة - كالأشعار التي قرأها اليوم بعض السادة و المعنية بأحداث الساعة و المجتمع، و هذا شيء قيم جداً و له جانبه التوعوي - أو حتى الأشعار التي لا يتوفر فيها هذا العنصر، و لكن لنفترض حينما تريدون تعريف فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) عرفوها بحيث يستطيع الإنسان المسلم و المرأة المسلمة و الشاب المسلم استلهام الدروس من تعريفكم، و الشعور بالخشوع و الخضوع و الارتباط بصرح القدسية و الطهر و الحكمة و المعنوية و الجهاد هذا. هذه طبيعة الإنسان. نحن البشر ميّالون إلى الكمال. إذا استطعنا تحقيق الكمال في أنفسنا حققناه، و إذا لم نستطع فسوف يميل الإنسان إلى من يجد الكمال متحققاً فيه. لنشرح للمستمعين هذا الكمال الذي نجده في فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) و في الإمام أمير المؤمنين (عليه الصلاة و السلام) و في الأئمة الأطهار (عليهم أفضل الصلوات و السلام)، فينتهل المستمع هذه المعارف كالماء الزلال على شكل أشعار و كلام رصين و بأصوات حسنة و ألحان جيدة سليمة، فيصل هذا الزلال إلى جميع أنحاء جسده. هذه مهمة لا يستطيعها الكثير من الخطباء و المحاضرين و الفنانين و المعلمين، لكنكم تستطيعون القيام بها فلا تقصروا في القيام بها.
لقد أوصيت مراراً و أوصي مرة أخرى: قسموا منبركم و مجلسكم إلى قسمين: القسم الأول خاص بالمعارف و الأخلاق. فنحن اليوم بحاجة للأخلاق و بحاجة للمعارف. نحتاج اليوم إلى تربية جيل الشباب على الأمل و الحيوية و التفاؤل بالمستقبل و الإيمان بالله و الارتباط القلبي بأهل البيت. نحتاج اليوم أن يفخر شبابنا بانتمائه لإيران الإسلامية، و بالإمام الخميني، و بالجمهورية الإسلامية.. أن يفخر بدينه و بمذهبه و بإتباعه لأهل البيت. إننا نحتاج اليوم إلى شباب يعلمون أن مصيرهم و مصير مجتمعهم و مصير عائلتهم الكبيرة رهن بعملهم و جدهم و سعيهم.. شباب يكونوا من أهل الجهد و العمل و الجد و المتابعة و لا يكونوا كسالى و منهزمين و لا أباليين. كيف تحصل هذه التربية؟ أنتم بوسعكم أن تمارسوا دوراً في هذا المجال. إذن، ليكن جزء من المنبر أشعاراً تبث هذه المعاني. و أفضل أسلوب للتعبير هو التعبير غير المباشر.
أشيعوا معارف أهل البيت في قالب الشعر، و هنا يتبين دور الشعراء. و لحسن الحظ ليس الشعراء المجيدون اليوم قلائل. بعض هذه الأشعار التي قرئت اليوم تعد من الأشعار الجيدة. لدينا اليوم و الحمد لله شعراء جيدون و خطباء و مداحون لأهل البيت أصحاب ذوق في التعبير و البيان و ذكر الحقائق و نظم هذه الحقائق شعراً. ابحثوا عن هذه الأشعار. أنتم المداحون حينما تطلبون الأشعار تتفجر عيون الشعر لدى الشعراء. حينما تطلبون الشعر سينظمون هم الشعر. حينما يقرأ شعر الشاعر من قبلكم تتضاعف محفزاته لنظم الشعر، و تحدث حالة تكاملية.. أنتم تساعدونه و هو يساعدكم.
و قسم من المنبر يختص بمدائح و مراثي أهل البيت (عليهم السلام). طبعاً لدينا الكثير من الكلام حول قراءة المراثي. و قد ذكرنا لكم أيها المداحون الأعزاء مراراً في هذه الجلسة، و ذكرنا في جلسات و مناسبات أخرى أنه ينبغي الالتزام بصدق الوقائع في قراءة المراثي. صحيح أنكم تريدون إبكاء مستمعيكم و لكن حققوا هذا الإبكاء عن طريق التفنن في البيان و التعبير عن الواقعة و ليس في ذكر واقعة أصل لها و لا صحة. كنا نعرف في الماضي - و لن يكون مثل هذا في الوقت الحاضر إن شاء الله - أشخاصاً يخترعون أشياءً ارتجالاً في المجلس.. يخطر بباله شيء في تلك اللحظات و يجد أنها جيدة و الظرف مناسب فيذكرها و ينتزع دموع الناس. هذا غير صحيح. ليس الهدف انتزاع دموع الناس.. الهدف هو مزج القلب الدامع - و الذي يوصل الدمع إلى العيون و يجعلها باكية دامعة - بالمعارف الزلال، طبعاً بشكل فني مؤثر.
كان لدينا في مشهد رجل منبر معروف - رحمه الله - قبل خمسين سنة.. المرحوم ركن الواعظين. كان يرتقي المنبر و يذرف الناس الدموع تحت منبره كشآبيت المطر.. و الحال أنه هو نفسه قال عدة مرات أنه لا يذكر اسم الرماح و الخناجر. و الحقيقة أنه لم يكن يذكر هذه الأشياء. حضرت أنا منبره عشرات المرات. كان يصور الحدث بشكل فني مؤثر بحيث يتأثر الناس أشد التأثر. و من دون أن يقول »قتلوا« أو »رموا السهام« و »هكذا ضربوا بالسيف« أو »ضربوا هكذا بالخناجر«.. لم يكن يذكر هذه الأشياء. يمكن إلقاء تعزية جيدة و إبكاء الناس بأساليب فنية.
و أقولها لكم إنه لا داعي لما يقوله المداحون و قراء التعزية سابقاً - و توفيقنا لحضور التعازي الآن أقل، لكننا ننتفع أحياناً و ننتهل من فيض مداحي أهل البيت - للناس أن ابكوا بصوت عالٍ.. يمكن البكاء بصوت منخفض. و حينما يريدون اللطم، يصرون على أن »الصوت لا يناسب هذه الجماعة الحاشدة من الناس«. أو حينما يصلي الناس على محمد و آل محمد، يصرون بالقول: »إن هذه الصلوات لا تناسب هذا الجمع الحاشد«. اطلبوا من الناس أن يصلوا على محمد و آل محمد حتى لو فعلوا ذلك في قلوبهم. تأجيج المجلس بهذه الطرائق ليس هو الأصل و الأساس في الأمر.. أعملوا ما من شأنه كسب قلوب المستمعين. حينما تكسبون قلب المستمع يحصل المقصود و تتحقق الغاية، حتى لو بكى بصوت واطئ فإن الغاية قد تحققت. و إذا توجّه بقلبه لكم أيضاً تكون الغاية قد تحققت.
إذن، حصيلة كلامنا لهذا اليوم هي أن مهمة مدح أهل البيت مهمة و عمل كبير. إنه عمل مهم و عملية مؤثرة جداً. يمكن أن تكون مصداقاً كبيراً و بارزاً للجهاد في سبيل الله. حين تقولون إننا مستعدون للتواجد في الساحة فالتواجد بالنسبة لكل شخص له شكله الخاص. تارةً يشارك الإنسان في ساحة الحرب الظاهرية، و تارة يخوض الإنسان غمار معركة ضد أعداء يشنون حرباً ثقافية أو حرباً ناعمة. هذا نوع آخر من القتال له ضروراته و مقتضياته. بالنسبة لعملكم أنتم المداحين فإن التواجد في الساحة و ممارسة الجهاد معناه تقديم كلام مؤثر و بيان له دور في هداية القلوب.. طبعاً بأساليب فنية. و حينما نقول الأساليب الفنية نقصد بها الصوت الحسن و هذا ما تتوفرون عليه جميعكم و الحمد لله. و هناك الألحان المألوفة. طبعاً بعض الألحان التي يسمعها الإنسان هنا و هناك أو تصل سمع الإنسان ليست ألحاناً مناسبة. حتى لو افترضنا أنها اجتذبت بضعة أشخاص، لا، يجب أن يكون اللحن رزيناً ثقيلاً مناسباً للمضمون الذي تعرضونه. لا تتجّه الألحان لا سمح الله نحو الألحان المحرمة و التي يكتسب الإنسان منها المعاصي. هذه بدورها نقطة أساسية و مهمة. لا يمكن تقليد أية أغنية أو لحن يظهر هنا و هناك. ثمة أشياء محرمة بحد ذاتها، و إذا أدخلت في مجال مدح أهل البيت و بيان الحقائق و الحديث عن الله و الرسول ستكون حرمتها مضاعفة. إذن من اللازم و المهم توفر الألحان الفنية و الجيدة و المناسبة و الأشعار الجيدة و الصوت الحسن، و ربما فوق كل هذا القلب الطاهر و الإخلاص لدى المداح المحترم.
نتمنى أن يوفقكم الله تعالى و يؤيدكم جميعاً ببركة الزهراء المرضية (سلام الله عليها) و يتقبل منكم هذه الجهود.
اللهم بحق محمد و آل محمد أدم بركات الزهراء المرضية على بلادنا و مجتمعنا و قلوبنا. اللهم لا تبعدنا عن أهل البيت في الدنيا و لا في الآخرة. اللهم اشملنا بأدعية الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه). ربنا اجعلنا معه في الدنيا و الآخرة. اللهم احشر شهداءنا الأبرار و إمامنا الجليل مع فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) و الأئمة من أهل البيت.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الهوامش:
1 - سورة الشورى، الآية 23.