بسم الله الرحمن الرحيم

أهلاً و مرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء، لقد تأخر اللقاء بكم مدةً من الزمن كما قالوا. نشكر الله و نشكر حضرة السيد محمديان على إعداده لهذا اللقاء الذي حصل و الحمد لله.
وجود رجال الدين في الجامعات مسألة مهمة جداً. و مثل سائر المسائل المهمة فقد تعودنا على هذه الظاهرة و لم نعد ندرك أهميتها بصورة صحيحة. لاحظوا كيف كانت بنية الجامعات في البلاد، و ما هو الاتجاه الذي رسم للجامعات منذ بداياتها، و كيف تم إعداد الدروس من الناحية القيمية و من حيث التوجهات الفكرية، ثم قارنوا فترة ما قبل الثورة بالوضع السائد الآن في الجامعات بفضل الثورة الإسلامية و ببركة الإسلام من حيث تواجد رجال الدين و الفضلاء و أهل المعرفة و المعنى، و العلاقات الودية التي تربطهم بالأساتذة و الطلبة الجامعيين، و عندئذ ستلاحظون مدى أهمية وجود رجال الدين و الفضلاء المحترمين بين طلبة الجامعات و في الأجواء الجامعية.
حينما نلاحظ هذه الأهمية فإن الأثر الأول الذي ينبغي أن يترتب على ذلك هو أن نغتنم أنا و أنتم - ممن لنا صلة بالجامعة - هذا الوضع و نعرف قدره و نشكر هذه النعمة الكبيرة بالمعنى الحقيقي للكلمة. الشكر هو معرفة النعمة و اعتبارها من الله و استخدامها في الموضع الذي أراده الله. هذا هو المعنى العملي و الكامل للشكر. اشكروا هذه النعمة، و عندئذ ستكون أمامنا لائحة من الواجبات و المسؤوليات و التنبيهات.
و في إطار حالة المقارنة هذه أذكر لكم أنه كان لبعض رجال الدين قبل الثورة و منهم أنا علاقاتهم بالطلبة الجامعيين. لم تكن هذه العلاقات علاقات تنظيمية و حزبية و لم تكن لغرض قضايا نضالية شديدة، بل كانت علاقات فكرية و معرفية و تبيينية، أي كانت لنا جلسات يشارك فيها الطلبة الجامعيون أو كنا نشارك نحن أحياناً في بعض جلسات الطلبة الجامعيين في الجامعات. في تلك الفترة كانت لي في مشهد جلسة تقام بين صلاتي المغرب و العشاء. كنت أقف أمام السبورة و أتحدث لمدة عشرين دقيقة أو نصف ساعة و كان تسعون بالمائة من المستعمين من الشباب و معظمهم من الطلبة الجامعيين أو طلاب الثانويات. ذات ليلة كان المرحوم الشهيد باهنر (رحمة الله عليه) في مشهد و جاء معي إلى مسجدنا، فذهل حينما رأى ذلك الوضع. و كان السيد باهنر شخصاً له علاقاته مع الأوساط الشبابية و الطلابية في طهران. قال إنني لم أر في عمري هذا العدد من الطلبة الجامعيين و الشباب في مسجد. و كم كان في مسجدنا من الشباب؟ أقصاه ثلاثمائة و أربعون أو ثلاثمائة و خمسون شخصاً، و مع ذلك، كان هذا الحال بالنسبة لرجل دين مستنير على علاقة بالشباب كالسيد باهنر، و كان هو نفسه جامعياً أمضى دورات جامعية و على معرفة بالأجواء الطلابية و الأنشطة الدينية العصرية الحداثية، كان اجتماع نحو ثلاثمائة أو ثلاثمائة و خمسين شاباً - ربما كان منهم مائتان من الطلبة الجامعيين - شيئاً عجيباً أذهله و أدهشه.. يجتمع مائتا طالب جامعي في مكان واحد و يتحدث لهم رجل دين!
و لكم أن تقارنوا تلك الحال بالحال التي تعيشها الجامعات اليوم.. وصول رجل الدين الفاضل الشاب - مثلكم - للبيئة الجامعية و الطالب الجامعي و الأساتذة الجامعيين.. قارنوا هذا بذاك و لاحظوا كم هي فرصة عظيمة قيمة. عليكم المحافظة على هذه الفرصة و اغتنامها و الانتفاع منها، هذه هي النقطة الأصلية.
تبرز أهمية هذا الحدث و الظاهرة حينما نعلم أن المناخ الجامعي هو المستهدف في الكثير من الإساءات و الإعلام السيئ. تلاحظون أن من الأمور التي يشددون عليها في إعلامهم قضية أسلمة الجامعات و يقولون لماذا تريد الجمهورية الإسلامية أسلمة الجامعات؟ و هذه إحدى مظاهر أسلمتها.
النقطة الثانية تتعلق بوضع الجامعات و الطلبة الجامعيين في البلاد. إنني أوفق تماماً ما قاله حضرة السيد محمديان حول أفكار الطلبة الجامعيين و توجهاتهم الفكرية و العقلانية في الوقت الراهن. البعض ينظرون للنقاط السلبية فقط، و أحياناً حينما نثني على الجامعات و الطلبة الجامعيين و الشباب، يقولون في أنفسهم لا بد أنهم غير مطلعين على المفسدة الفلانية و الإشكال الفلاني الموجود، لا، القضية هنا ليست قضية عدم اطلاع، لسنا عديمي الإطلاع كثيراً على الجوانب السلبية و النواحي المظلمة، و لكن ينبغي النظر لطبيعة العمل و المسألة و طبيعة الشباب، خصوصاً إذا كانوا طلبة جامعيين و في أجواء جماعية و معرضين للإعلام العجيب الذي تنشر اليوم و يبث، و الإغواءات و الإغراءات الموجودة و التأثيرات التي تمارس على أفكار شبابنا الواعين الجامعيين. بالنظر لهذه الحقائق لاحظوا الواقع المتألق في المناخ الجامعي من الناحية الدينية، و هنا سيجد المرء أن هذا الواقع على جانب كبير من الأهمية. هذه الأحوال التي أشاروا إليها - أعمال الاعتكاف و صلاة الجماعة و المشاركة الناشطة في المواطن و المراكز الحساسة، و المخيمات الجهادية، و أنشطة البناء - الطالب الجامعي الشاب في بلادنا لا نظير له للحق و الإنصاف. و كذا الحال بالنسبة لأساتذتنا، كل هؤلاء الأساتذة المتدينين المؤمنين الناشطين المحبين للمصير الديني و الإسلامي للبلاد و الشعب ؛ هذه حالة لم يكن لها وجود في أي وقت من الأوقات في بلادنا، و ليس هذا و حسب و لم تكن لتخطر على بال أحد. و هي حالة غير موجودة في العالم اليوم. هذه هي بيئة جامعاتنا.. إنها بيئة دينية و إسلامية. و هذا لا يعني أننا راضين بهذا المقدار، لا، القضية هنا ليست قضية رضا و اقتناع، و لكن لا يمكن للمرء أن يكون غير راض و غير مرتاح من أعماق قلبه. هذه نعمة إلهية كبيرة. إذن، هذا هو الواقع. المناخ الجامعي مناخ مناسب حقاً و هو مناخ متميز حقاً من الناحية الدينية حسب ما يتوقع منه.
ينبغي أخذ التوقعات بنظر الاعتبار. التوقع من كل بيئة يكون على شكل معين. المتوقع من البيئة الجامعية و طلبة الجامعات يختلف عن التوقع من بيئة طلبة الحوزات. المقتضيات هنا و العوامل المؤثرة، و العوامل التاريخية، ينبغي أخذ كل هذه الأمور بنظر الاعتبار حتى يمكن للإنسان اجتراح تقييم صحيح. إذن، البيئة الطلابية الجامعية بيئة جيدة جداً، لذا ينبغي الاستفادة منها.
الشيء المهم بالدرجة الأولى في رأيي هو أفكار المتلقين و قلوبهم. الفكر أولاً ثم القلب. الفكر يعني أنه يجب تعزيز البنية العقيدية لهذا الشاب. الشاب عرضة للتحول و التغيير. المؤثرات في العالم اليوم كبيرة و واسعة جداً. ينبغي تقوية البناء الفكري للشاب بحيث لا يتأثر بالعوامل و التيارات السلبية و المعارضة و المعاندة، و ليس هذا فقط بل و يستطيع هو التأثير على بيئته. يجب أن يستطيع الإشعاع و التنوير و تعريف بيئته بالمباني و المعارف الإسلامية و يكون السبّاق و الرائد في هذا الطريق. ينبغي أن يتحلى بمثل هذه الحالة من الناحية الفكرية.
و حينما نتحدث عن الناحية القلبية فلأن الجانب الفكري وحده لا يكفي - و الحق يقال - لعروج الإنسان، بل و لثباته على الصراط المستقيم. إذ لا بد من الجانب القلبي و الروحي إلى جوار الجانب العقيدي. لا بد من حالة الطوع و الخشوع و الذكر و التوجه إلى الله، فهذه كلها ضرورية للإنسان، و إذا توفرت عوضت الكثير من النواقص. و إذا لم تتوفر فإن القوى الفكرية و قدرات البرهنة و الاحتجاج لن تساعد الإنسان في الكثير من المواطن. ينبغي تأليف قلب الشاب بالنصيحة و الموعظة الحسنة و السلوك الحسن، و تعريفه على الخشوع و التوسل و التوجه لله و ذكره. يجب تبيين الصلاة له بشكل جيد، و تبيين الذكر الإلهي له بنحو صحيح. و سيكون كل هذا رصيداً لذلك الفكر. إذا كان هذا فلن تزول تلك الاستقامة الفكرية بل ستبقى. لين القلب و التوجه و الذكر ينفع الإنسان في الميدان العملي و هو الذي يبقي على الإنسان ثابتاً قوياً، لذلك فهو شيء ضروري. ينبغي تعزيز هذين الشيئين لدى الشاب.
يجب أن تؤسسوا صفوفاً و دروساً للمعارف الدينية.. المعارف الدينية المتينة و بلغة العصر و المناسبة لأفكار الطالب الجامعي و أدبياته. هذه أمور ضرورية و لا مناص منها. هنا يتجلى أحد مصاديق الحكمة التي توصي بالتحدث بلسان القوم. ينبغي التحدث بلغة الطالب الجامعي.. بأدبيات يستطيع أن يفهمها الطالب الجامعي. قد تكون هناك أدبيات نافعة و مجدية في بيئة و غير نافعة في بيئة أخرى. هذا شيء يشبه تماماً اختلاف اللغات. الحق أن الاختلاف بين الأدبيات كالاختلاف بين اللغات. كما لو أن إنساناً يتحدث في بيئة فارسية باللغة الغجراتية مثلاً. لن يفهم أحد منه شيئاً. إذا لم يكن المرء عارفاً بأدبيات المناخ الشاب و الأجواء الطلابية الجامعية و لم يستخدم هذه الأدبيات فسيكون طريق التواصل الفكري مسدوداً و التأثير قليلاً. إذن من الضروري جداً التحدث بلغة القوم.
و على صعيد الموعظة الحسنة - و لا أعبّر عنها بكلمة التربية لأن للتربية معنى أعم - أعتقد أنه علاوة على قضية اللسان هناك مسألة السلوك و هي مسألة ضرورية و لازمة. هنا يتبيّن معنى »كونوا دعاة الناس بغير ألسنتكم«.(1) الشيء الذي يؤلف القلوب بل و يخضع حالات العناد، و يستقطب المعاندين هو السلوك الجيد. طبعاً السلوك الجيد يشمل الأخلاق الجيدة و التواضع و صدق الحديث و صدق المواقف و الصراحة في ذكر الحقيقة و علو النظر في الأمور المادية و الدنيوية.. هذه أشياء تدل على الإخلاص في العمل. إذا توفّر لنا الإخلاص في العمل بتوفيق من الباري، فسوف ينعكس ذلك يقيناً في سلوكنا و أقوالنا. و على ذلك فالسبيل الأنجع للنقطة الأساسية المهمة الثانية هو أولاً لسان الموعظة و النصيحة الأخوية - و أحياناً الأبوية المشفقة - و ثانياً العمل و السلوك.
من الأمور التي اعتقد أنها تساعدكم هو ما قاله الإمام علي بن أبي طالب حول النبي الكريم: »طبيب دوّار بطبه قد أحكم مراهمه و أحمى مواسمه« (2). ينبغي عدم حبس الذات في الغرف و خلف المناضد. ليس في صالحنا نحن رجال الدين و المعممين أن نتخذ شكلاً إدارياً. مهما كانت مسؤولياتنا هنا يجب أن لا نفقد طبيعتنا الطلابية الروحانية المتمثلة في التآلف مع الناس و العيش بينهم و التحدث بلغتهم و الاستماع لهمومهم.
و بالطبع، فقد شاهدنا كلا الحالتين بين رجال الدين. ثمة أشخاص ليس لهم أية مواقع رسمية أو إدارية و مع ذلك كان سلوكهم مع من يواجهون من الناس كسلوك الإنسان الإداري الجاف غير اللين و عديم الاهتمام و المحبة و الابتسام. و شاهدنا العكس، حيث كان هناك أشخاص لهم مسؤولياتهم الإدارية لكنهم حيث يلتقون بالناس في مواقعهم يتعاملون معهم تعاملاً ودياً أبوياً مشفقاً مخلصاً.. هذا هو الشيء الصحيح و الحسن. إذن، هذه أيضاً مسألة و هي عدم حبس الذات داخل القوالب و الأطر المؤسساتية. و هذا لا يعني أنني أعارض التنظيم و العمل المؤسساتي، لا، الإدارة غير ممكنة من دون تنظيم و مؤسسات، و الأعمال لا يمكن إنجازها من دون ذلك. أبداً، إنني أومن بالنظام و العمل المؤسساتي المنظم، لكنني اعتقد في الوقت ذاته أن هذا النظام المؤسساتي يجب أن لا يخرجنا عن هويتنا.. إننا على كل حال رجال دين و علينا العيش على طريقة رجال الدين و بالنحو المعروف لرجال الدين الشيعة. و طبعاً، هذه الحالة ليست معدومة كلياً لدى المذاهب و الأديان الأخرى، إنما يوجد نظير لها في بعض المواطن و هي مفيدة جداً لهم، لكنها سنّة دارجة بين الشيعة هذه الحالة المشهودة بين رجال الدين الشيعة و المتجلية بألفتهم مع الناس و اعتمادهم على الناس في معيشتهم، و إشفاقهم على الناس، و اشتراكهم في هموم الناس.. هذه حالة ينبغي المحافظة عليها و هي مهمة جداً.
حسناً، أشاروا إلى الأعمال التي تم انجازها. هذه أعمال جيدة جداً. و توصيتي الأخرى - و هي توصية لمنظومتكم الإدارية - هي أن تتجهوا في أنشطتكم نحو القطاعات الميدانية مقابل اللجان.. بمعنى أن تولوا الأهمية الأكبر للحالة الميدانية دون حالة اللجان. الطاقات اللجانية إنما هي للتخطيط و البرمجة و تنظيم الأفكار و رسم الخطوط و الخطط الطويلة الأمد و المتوسطة الأمد و ما إلى ذلك. ينبغي المحافظة على اللجان في هذه الحدود، أما إذا اتسعت اللجان و نمت فسوف تفرز المشكلات و تثقل على الجسد.
على كل حال العمل مهم جداً و قد أنجزت منظومتكم و الحمد لله طوال هذه الأعوام أعمالاً جيدة. نرجو أن يساعدنا الله تعالى لتستطيعوا مواصلة هذا الجهد و الجهاد المقدس إن شاء الله.
طبعاً، تتحمل الحوزات العلمية واجبات كبيرة جداً في الإسناد البشري و العلمي لهذه المنظومة. للحوزات العلمية واجباتها و للأجهزة و المؤسسات الحكومية أيضاً واجباتها الجسيمة. و لحسن الحظ فإن الأرضية مهيئة لكم في هذه الحكومة. هذا ما أقوله عن علم و إطلاع على مواقع القرار. الأعمال يسيرة مرنة بالنسبة لكم في هذه الدورة و في هذه الحكومة، و لم تكن الأمور بهذا اليسر و السهولة في بعض الحكومات. البعض لم يكونوا يوافقون أساس القضية و البعض كانوا قليلي المساعدة. و هذه أيضاً من أسباب الشكر حيث ينبغي شكر هذه النعمة.
وفقكم الله تعالى جميعاً و أيدكم و ستكون أعمالكم إن شاء الله مقبولة عند الله و مرضية عند سيدنا الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه)، و عسی أن تقدموا أعمالاً بنوعية أفضل و مستوى أعلى على الدوام.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الهوامش:
1 - مشكاة الأنوار، ص 46.
2 - نهج البلاغة، الخطبة 108.