بسم الله الرحمن الرحيم
أرحّب بجميع الإخوة و الأخوات الأعزاء، نواب الشعب الإيراني المحترمين في مجلس الشورى الإسلامي، کما أرحب بموظفي المجلس الكرام الذين تحمّلوا أعباء جسيمة على عواتقهم على مدى هذه الأعوام و هم یتحملونها اليوم أيضاً و يقومون بواجبات مهمة.
فيما يتعلق بالمجلس، قلنا أحاديث مكررة و سمعنا أحاديث مكرّرة. المجلس هو عصارة الشعب، و مظهر الحكومة الشعبية، و هو مقر تعيين مسيرة حركة الحكومة و الشعب، و مظهر مطالبات الشعب في مجال السياسات المتنوعة - سواء الداخلية أو الخارجية - و هو أمل الشعب و ثقته و سند الحكومة، و يحلّ الأعمال الرئسية لمسؤولي النظام و القائمين بأمر إدارة البلد. هذه من القضايا التي أصبحت اليوم - و الحمد لله - جزءاً من واقع بلدنا و طرحها ليس كلاماَ جديداً. عليّ أن أقول نقطتين بسيطتين من أجل أن تترتب على لقائنا السنوي مع الإخوة و الأخوات النواب الأعزاء فائدة تعود على الطرفين و تکون سبباً في رضا الله.
النقطة الأولى هي أن الحديث حول المجلس الذي يمثل محور آراء الشعب و مظهر إرادته و هو المدبّر الحقيقي لإدارة شؤون البلد في ظل القوانين شيء، و العمل به و تحقيقه شيء آخر. ما نقتخر به نحن في الجمهورية الإسلامية هو الجانب الثاني، و إلّا فإن مثل هذه الأحاديث تطلق في كافة أنحاء العالم و جميع الأزمنة. مثل هذه الأحاديث كانت موجودة في بلدنا في العهود التي تلت نهضة الدستو، حيث كانوا يتحدثون حول المجلس و القانون و الانتخاب، لكن هنالك بون شاسع بين الحقيقة و بين ما كان يقال. الحقيقة هي أن شعبنا لم يذق طعم المساهمة في إدارة البلد، عن طريق سن القوانين منذ عهد المشروطة إلى ما قبل انتصار الثورة. ربما كان الأمر كذلك في الدورتين الثانية و الثالثة في بداية عمل مجلس الشورى الوطني - على سبيل المثال، الدورة الثانية و الثالثة، مع الكثير من الجدل و المؤاخذات - إلى حد ما، لكن ما كان موجوداً، كان مجرد كلام و حبر على ورق و كلمات کانت تذهب أدراج الریاح.و شيئاً فشيئاً لم يعد هنالك حتّى ذلك المقدار! من الواضح أن الانحراف حينما يضرب بجذوره في الأعماق، لا يجد الناس أنفسهم ملزمين حتى بذكر اسم الحقيقة، و هنا یكمن الخطر. هكذا كان الوضع في فترة ما قبل انتصار الثورة. في أعوام متمادية أخرى، لم يكن هنالك حتى مجرد ذكر لآراء الشعب و لم تكن هنالك مزاعم و لا تفاخر بمثل هذه الأحاديث، كان كل شيء كاذباً و مزيّفاً و مصطنعاً، سواء في عهد الدكتاتورية الصريحة من قبيل ما كان في عهد رضاخان و أواخر عهد محمد رضا، أو في العهد الوسيط الذي اتخذت فيه الدكتاتورية طابعاً خفياً و مبطناً، إذ لم يكن خلال هذه الفترة للشعب رأي أو صوت و لم يكن هنالك مجلس، و لا نواب، كان كل ذلك صورياً و مزيّفاً. حينما يقرأ المرء تاريخ ذلك العهد - هنالك مرحلة منها عشناها بأنفسنا في هذه الفترات الأخيرة و كذلك حينما يقرأ المرء المراحل السابقة - سيدرك حقيقة القضايا. حينما كان موعد الانتخابات يحين و تبدأ الاستعدادات لها، كان يبدأ حينذاك عمل الأوساط و المحافل المختلفة، و تبدأ أساليب التزییف، و التضرع و الرجاء و التشفع من أجل أن يدخل البعض أنفسهم في قائمة مرشحي الحكومة، و كانوا يقولون بصراحة و بلا حیاء إن قائمة الحكومة قائمة البلاط! من جملة الإنجازات الكبرى التي حققتها للثورة الإسلامية في هذا البلد و في تاريخنا، هي أن شعبنا ذاق طعم حكومة الشعب عن طريق سن القوانين، فأنتم ممثلو الشعب، و قد كانت هذه السنوات و الدورات التي مرّت على هذا المجلس المحترم، و الفريد في العالم، سنوات مهمة في تاريخنا حقيقة، حيث ذهب أبناء الشعب بإرادتهم و بطرق التحقيق التي توفرت لديهم و حققوا في أحوال المرشحين و أرسلوا أشخاصاً إلى المجلس لمعالجة مشاكل البلد. و الآن هذه هي تركيبة المجلس و الحمد لله، و حتى إن وجدت هناك حالات شاذة. عليكم الحفاظ على هذا الواقع، هذا شيء عزيز للغاية، و على الجميع الحفاظ عليه، هذه مسؤولية تقع على عاتق نواب المجلس، و على عواتق أبناء الشعب و المسؤولين.
هذا الاستقلال الذي تحظی به السلطة التشريعية لدينا و الحمد لله شيء ثمين للغاية. الاستقلال لا يعني الدخول في صراع مع الحكومة و مع المسؤولين التنفيذيين، و لا يعني التضاد و التعارض - على كافة السلطات التعاون و التعاضد مع بعضها البعض - الاستقلال يعني أن مصلحة البلد و الشعب يجب أن لا تذهب ضحيّة لأي شيء آخر. طبيعة واجبات السلطة التشريعية تفرض عليها رسم الخطوط التي تسير عليها السلطة التنفيذية في إطار تمشية شؤون البلد عن طريق السلطة التنفيذية، و يجب عليها أن تقوم بهذا العمل بدقة، و بما يمليه عليها ضميرها الحقيقي. هكذا كان الأمر حتى الآن. و إنني أرى من المناسب و من الواجب، أن أتقدم بالشكر لكل واحد من النواب المحترمين، و خاصة للهيئة الرئاسية في المجلس، لا سیما رئيسه المحترم، لحسن إدارة هذه الاجتماعات. يتصف مجلسنا و خلافاً لما يلاحظه المرء في الكثير من المجالس في العالم التي هي محور النزاعات و الصراعات و الاضطرابات و التصرفات القبيحة المنافية للدين و الشريعة، بعدم وجود مثل هذه المظاهر. هذه قيمة، و عليكم الحفاظ عليها بكل وجودكم.
إعلموا يا أعزائي! أن أيّاً منا غير مصون و لا منزه عن الوقوع في المفاسد، حتى المؤمنين و الصالحين، حيث تشير الرواية: و المخلصون في خطر عظيم(1). فإذاكان المخلصون في خطر، فما بالك بنا! يجب علينا مراقبة أنفسنا دوماً. فالفساد قد يبدأ من نقطة صغيرة، ثم يتّسع و يتسرب في الإنسان. و يشعر الإنسان فجأة أنه هلك أو على وشك الهلاك. عندها يصبح من الصعب اتخاذ القرار. لأن الإنسان يصعب عليه اتخاذ القرار بعد أن يفهم أن المرض سرى في جسده لا سمح الله. فإذن يجب المراقبة، هذه المراقبة هي التي أكّدتها الأديان كلها و ركّز عليها القرآن الكريم و نهج البلاغة، و هي التقوى. السبب في أنكم تلاحظون أن أمير المؤمنين يوصّي بالتقوى كثيراً في عهد حكومته - ربّما لا تجد في نهج البلاغة موضوعاً حظي بالاهتمام مثلما حظي به موضوع التقوى - كما طلبت التقوى من الله كثيراً في الأدعية و الروايات، كما ذكّر الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) كثيراً في كلماته بمراعاة التقوى، فالسبب هو أن التقوى تعتبر حصن. التقوى تعني المراقبة الدائمة لأنفسكم، و هي بمثابة سور يحيط بكم. فإياكم أن يتحطّم حولكم هذا السور، لأن هذه المكانة مكانة مهمة. يمكن أن تتحمّلوا نفس هذه المسؤوليات في السنوات القادمة أيضاً، أو يمكن أن لا تتحملوها، هذا ليس مهماً، المهم هو أن تراعوا هذا الجانب في كل لحظة - إلى الساعة الأخيرة و اليوم الآخر - مادمتم تتحملون هذه المسؤولية فعليكم مراعاة ذلک .
النقطة الثانية - و التي أشرت إليها خلال حديثي - هو يجب أن يُعتبر انقضاء الزن، عبرة من العبر في جميع شؤون الحياة.. كل شيء ينقضي. هذه المناصب الظاهرية، و العناوين كلها تزول. كما تلاحظون فإن الإنسان يتحمّل مسؤولية في هذا الموقع يوماً ما و يتركها في يوم آخر. والسادة من أمثالكم الذين اجتازوا مرحلة الشباب يعلمون جيداً كيف أن الشباب و الحياة يمضيان سريعاً. ستمضي المدة المتبقية من العمر سريعاً على هذا المنوال. المهم هو ما تستطيعون أن تقدموه بين أيديكم في نهاية المطاف أثناء محاسبة النفس و فيما بينكم و بين الله. فإذن، الملاك هو نيل رضا الله، و لا تعتبروا أي شيء آخر ملاكاً لعملكم.
لو كانت مشاعرنا و سلوكنا على هذا النحو و استطعنا إقناع أنفسنا بأن رضى الله أهم و أسمى من أي رضى و من أي واقع آخر، فستحلّ أكثر المشاكل و ستنتهي الكثير من الخلافات و الصراعات و التناقضات، و سيسهل الكثير من العقبات التي يتصور المرء أن الدخول فيها صعب. هذه الثورة أيضاً انتصرت هكذا. حيث في برهة من الزمن تغلّبت فيها الروح الدينية على أبنائها بفضل وجود الإمام الخميني، و علماء الدين بين الناس، حيث انزاحت الكثير من العراقيل أمام الشعب. لم يكن بوسع أي عامل آخر أن يقوم بمثل هذا العمل الخارق. يجلس البعض لتحليل دوافع الثورة فيذكرون أن الأجواء التي كانت سائدة آنذاك إضافة إلى الظروف الاجتماعية و الاقتصادية هي التي حققت ذلك الانتصار. طبعاً بعض هذه الظروف مقدّمات و تمهيدات تساعد و تسهل و تقرب و تبعد، لكن أيّاً منها لم يكن هو العامل. نحن قد لمسنا الأوضاع. كان هناك أشخاص شهدوا الأوضاع السياسية لفترة ما قبل الثورة و عاشوا أحداث النهضة بكل وجودهم، و يعلمون أن الظروف كانت تشتد يوماً بعد آخر، و كان الأمل بالنصر، يقلّ يوماً بعد يوم، و كان القمع يزداد شدة، و اتخذت سبل التغلب على حركة النهضة صيغاً أكثر شمولاً و تعقيداً و تطوراً، لكن القضية هي أن الشعب كان يشعر بالتكليف بسبب وجود الدين و الإيمان الديني في المجتمع. لو كان هناك الدين و الشعور بالتكليف، فستكون كافة المشاعر الأنانية في خدمة هذا الشعور. طبيعة المجتمعات البشرية هي أنها تتأثر ببعضها الآخر. إذ أن بعضهم يدفع البعض الآخر للدخول إلى معترك الصراع. هكذا ظهرت تلك الحركة العظيمة. كان المحرك ذلك الرجل الذي لم يكن يهتم طول المدة التي عرفناه فيها - بيننا و بين الله - بشيء سوى رضى الله و أداء التكليف. العمل بالواجب، شي مهم للغاية. طبعاً كان هذا الرجل يتصف بسجايا و جوانب و أبعاد مختلفة، إلّا أن المعيار الأساسي الذي كان مهمّاً لديه هو أداء تكليفه الشرعي. هذا درس بليغ لنا.
عليكم أن تنظروا إلى تكليفكم الشرعي. فأنتم حينما تعملون بواجبكم الشرعي، فإن لكم أجركم عند ربكم. طبعاً على الإنسان أن يفتح عينيه و يسعى لفهم الموضوع و الحكم الشرعي - و لا شك في هذا - لكن إذا عملتم من أجل أداء التكليف و وقعتم في خطأ، فأجركم عند الله في الوقت ذاته، هل في هذا ما يسيء؟! هل هذه معاملة خاسرة مع الله؟! ( من كان لله كان الله له)(2)، أي إن كل من يعمل في سبيل الله، سيسخّر له الله كل قدراته العظيمة، و هو القائل (و الذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا)(3). بل يهديه أيضاَ. لقد رأيتم كيف انتصرت الثورة و انتصرنا في الحرب و انتصرنا في مواجهتنا المبدئية ضد الاستكبار. أحياناً يكون ثمة صراع بين قطبين، و يسعى أحدهما إلى إطاحة القطب الآخر، و القضاء عليه و ثنيه عن مسار. و يعتبر أكبر انتصار لهذا القطب هو أن لا يسقط و لا يتوقف و لا يتراجع عن مسيرته. هذا ما حدث في مجتمعنا. ازدادت ثورتنا قوة يوم بعد يوم و تقدمت إلى الأمام يوماً بعد آخر، و ازدادت اتساعاً و انتشاراً. هذا هو حالنا اليوم. ستتواصل هذه الحركة التكاملية للثورة إن شاء الله و تقرّ بها أعين مسلمي العالم، مثلما كان عليه حالها إلى يومنا هذا، و الحمد لله. تحقق هذا ببركة ذلك السبيل و الخط الذي رسمه الإمام في هذا المجتمع، عمل به هو نفسه، و تقدم المجتمع أيضاً على ذلك النحو. و هذا ما يجب أن يكون درساً لنا.
في هذه القضايا الفئوية و الصراعية و النزاعات و التناحر و غيرها - نحن لا شأن لنا بصحة هذه الأمور أو عدم صحتها - المهم هو أن جميع أطراف القضية التي تعتقد بمبادئ الإسلام و بقيم الثورة، إذا كان المعيار لديها هو نيل رضا الله، فلن يتسبب أي منها في إلحاق أي ضرر بالثورة، أمّا إذا افتقد هذا المعيار و الملاك، و لم تكن غايتها نيل رضا الله، و اتبعنا أهواءنا و رغباتنا و نزعاتنا الأنانية، فمن الطبيعي أن تحدث عشرات بل مئات المشاكل، و تتوفّر للعدو عشرات بل مئات المنافذ للتغلغل بين صفوفنا، و لا يهدينا الله تعالى أيضاً. إننا إذا لم نجعل رضا الله هدفنا، فسنحرم حتماً من الهداية الإلهية. طبعاً يمكن أن يتفضّل الله بهدايته، و تطمئن لذلك أنفسنا. و هذه الطمأنينة إنما تتحقق فيما لو جعلنا هدفنا رضا الله، خاصة بالنسبة لكم أيها الإخوة و الأخوات النواب الأعزاء لأنكم تحتلون مكانة مهمة. هذا ما يجب أن تجعلوه معياركم في جميع المواطن.
بالدرجة الأولى يجب عليكم تفسير علاقات الصداقة و العداء على هذا الأساس. لا أن تفسروا رضا الله على أساسها. لقد قمتم - و الحمد لله - بأعمال كبرى على مدى السنوات الثلاث الماضیة على هذه الدورة من دورات المجلس، و لا زالت أمامكم مهام كبرى على مدى العام المقبل، فأمامكم خطة التنمية الثالثة، و أمامكم قانون ميزانية السنة المقبلة، يجب عليكم في كل ذلك أن تأخذوا رضا الله بنظر الاعتبار، و تلاحظوا ما هي علامة إسلامية هذا النظام و اتباعه للقرآن، عليكم الحفاظ على هذه العلامات و المؤشرات بشكل محكم. و سيساعدكم الله تعالى أيضاً، كما كان في عونكم حتى اليوم و الحمد لله. نرجو أن تشملكم جميعاً و تشملنا الأدعية الزاكية للإمام المهدي المنتظر( عج) و أن تكون الروح الطاهرة للإمام الخميني راضية عنا، و أن نستطيع أن ننال رضا الله من خلال أعمالنا و نوايانا.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الهوامش:
1) المراقبات، ج1، ص150.
2) تفسير منهج الصادقين، ج6، ص 45.
3) سورة العنكبوت، الآية 69.