بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين. نحمده و نستعينه و نؤمن به و نتوكّل عليه و نستغفره و نتوب عليه، و نسلّم على حبيبه و نجيبه و خيرته في خلقه، حافظ سرّه و مبلّغ رسالاته، سيّدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمّد، و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين. سيّما بقية الله في الأرضين. و صلّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين.
أوصي جميع إخوتي و أخواتي الأعزاء المصلين و نفسي بمراعاة التقوى و الخوف من الله، و رعاية الأمر و النهي الإلهي، و الشعور بإرادة الله و قوته في كافة مراحل الحياة. يمضي اليوم عشرون عاماً على إقامة صلاة الجمعة في طهران. نسأل لإمامنا العظيم - ذلك الحكيم الفاضل في هذا الزمان و هذه الفترة - و كذلك للمرحوم آية الله طالقاني الذي أقام الخطب و الصلوات الأولى نسأل لهما علو الدرجات، و نسأل الله خیر الجزاء لجميع أولئك الذين بذلوا جهدهم في هذا الطريق الزاخر بالفيض طوال الأعوام العشرين الماضية.
بما أن صلاة يوم الجمعة تقوم على اجتماع الجماهير و التقوى و التوصية بها، لذا أخصص الخطبة الأولى اليوم لعدة أحاديث - حيث أن أفضل المواعظ تكمن في أحاديث أولياء الدين - حتی نستفيد في هذه الذكرى العظيمة الخالدة من وصايا الأئمة الهداة و نجعل منها زاداً لأنفسنا إن شاء الله. في الخطبة الثانية أيضاً سنذكر بعض القضايا التي حدثت لشعبنا منذ عدة أسابيع، و سأذكر ما يجب علي ذكره.
نُقل في حديث عن الإمام السجاد (عليه الصلاة و السّلام) إنه قال: يا ابن آدم لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك (1) أي يجب أن ينصحك من يكون في ذاتك، و أن ينصحك و يوصيك قلبك و عقلك و ضميرك و إيمانك. موعظة الآخرين مفيدة، لكن الأكثر فائدة هو أن يقوم المرء بموعظة نفسه: ما كان لك واعظ من نفسك و ما كانت المحاسبة من همك. علينا أن لا نترك أنفسنا، و علينا محاسبة أنفسنا. قلنا مثلاً هذا الكلام؛ فلماذا قلناه، و لماذا قمنا بهذا العمل، و لماذا أخذنا هذا المال أو منحناه، لماذا أخذنا و منحنا؟ علينا محاسبة أنفسنا. محاسبة المرء يمكن أن تكون أدق من محاسبة الآخرين. لأن الإنسان لا يستطيع أن يخفي شيئاً عن نفسه. و ما كان الخوف لك شعاراً و الحزن لك دثاراً(2). طالما كان الخوف لك شعاراً و الحزن لك دثاراً، ستكون في خيرٍ عظيم. أي عليك أن تخاف الله تعالى و تدخل في حساباتك عذاب الله و غضبه، و تراقب نفسك حتى لا تقع في زلة تثير غضب الله عليك. إذا راعیتم هذه النقاط، أي إذا قمتم بموعظة أنفسكم و محاسبتها و كنتم حذرين عن عذاب الله و غضبه، فإنكم في خير عظيم. و بالتالي ستتحسن دنياكم و آخرتكم و سلوككم و نقاء حياتكم، و لا يتفشى انعدام الأمن و عدم الإخلاص فيما بينكم و ستحلو الحياة. ابن آدم إنّك ميّت و مبعوث و موقوف بين يدي الله عزوجل، مسؤول فأعد جواباً. ذلك اليوم سنقف فيه جميعاً. أنا و أنتم بما لدينا من مثل هذه المشاعر و مثل هذا الاستيعاب، سنُبعث ذات يوم من التراب، و يجمعنا الله تعالى في يوم القيامة و يسألنا. فأعدّ جواباً.
الحديث الآخر أيضاً من الإمام السجاد عليه السّلام(4) حيث يقول: المؤمن يجلس ليعلم. و ينصت ليسلم. حيثما ينصت فإن السبب في صمته هو أنه يجد في القول و الكلام خطراً و إشكالية على دينه. و لا يحدث بالأمانه الأصدقاء. و لا يكتم الشهادة للبعداء. و لا يعمل شيئاً من الحق رئاء. و لا يتركه حياء. يقولون للبعض سيدي! لماذا لم تؤدّ صلاتك و نافلتك و صلاة أوّل وقتك في المكان الفلاني؟ فيقولون: تركناها حياء. كلّا، لا تتركوا أي عمل حياء. يقولون بأنه يتظاهر. فليقولوا. سيقولون بأنه يريد تجميل صورته! ليقولوا. إذا كان الكلام حقاً و إذا كان العمل جيداً، فلا تتركوه من أجل الآخرين؟ إن زكّى خاف مما يقولون. الميزة الأخرى للمؤمن هي أنّهم إذا قاموا بتمجيده و الثناء عليه فإنه يخاف مما يقولون. يستغفر الله لما لا يعلمون يستغفر الله من الأعمال السيئة التي لا يعلمها من يقوم بتمجيده. و لا يضره جهل من جهله. إذا كان البعض لا يعلمون أعماله الحسنة، فلا يلحق به أي ضرر، فهو لا يهتم بهذه الأمور . قام بعمل صالح فلا و الآخرون لا يعلمون، فليكن.
أعزائي؛ خاصة الشباب الأعزاء! عليكم أن تبذلوا جهودكم لاستيعاب هذه الأمور و العمل بها. و عليكم أن تهذّبوا ذواتكم بهذه الكلمات و بهذه الإرشادات. أي شعب و بلد تزيّن بشباب مؤمنين و أناس مهذّبين من هذا القبيل، فإن ذلك البلد و الشعب لا يتخلّف في أي ساحة من الساحات، و ستعمر دنياه و آخرته.
علي أن أشير هنا إلى الفيضان الذي حدث في محافظة مازندران. هذا الفيضان، يمثل مصيبة عظمى لأهالي هذه المحافظة. لقي عشرات الأشخاص من شعبنا العزيز مصرعهم في هذه الحادثة، كما أصيب البعض و جرحوا و فقد عدد كثير منهم منازلهم، و تدمّرت مزارعهم و أراضيهم و محالهم و إمكانات حياتهم. لقد أرسلنا بعض السادة المحترمين إلى هناك، ذهبوا و لاحظوا الوضع عن كثب، ثم جاءوا و نقلوا لي - و كان كلامهم يثير الحزن و الألم - إنه كان فيضاناً مدهشاً. ثم حدث هذا الفيضان في محافظة كلستان و في منطقة من محافظة خراسان و في بعض المناطق الأخرى. طبعاً على الحكومة و الهلال الأحمر، أن يزيدوا من سرعة عملهم في الواجبات التي تقع على عواتقهم و التي يقومون بها حالياً، و يجب أن يتم تنفيذ أي عمل ضروري في أسرع ما يمكن، لكن خطابي موجّه إليكم أيها الشعب العزيز في كافة أنحاء البلد: عليكم أن تتعاونوا فيما بينكم، إنها مصيبة عظمى. لتعاطفكم و تعاونكم مع الحكومة في مساعدة هؤلاء الأعزاء، أجر عظيم، و هو واجب عظيم.
بسم الله الرحمن الرحيم
و العصر، إن الإنسان لفي خسر. إلّا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصّبر (5).
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين. و الصلاة و السلام على سيدنا و نبيّنا و حبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد، و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين. سيّما علي أمير المؤمنين، و الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين، و الحسن و الحسين سيّدي شباب أهل الجنة، و علي بن الحسين، و محمّد بن علي، و جعفر بن محمّد، و موسى بن جعفر، و علي بن موسى، و محمّد بن علي، و علي بن محمّد، و الحسن بن علي، و الخلف القائم المهدي، حججك على عبادك و أمنائك في بلادك، و صلّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين. أوصيكم عباد الله و نفسي بتقوى الله.
أوصي جميع الإخوة و الأخوات الأعزاء المصلين بمراعاة التقوى، و أركّز في هذه الخطبة على الوعي و دقة الرأي و التفكير و التدبّر من بين شُعب من التقوى. القضايا التي حدثت منذ عدة أسابيع، كانت قضايا ملفتة للنظر و الاهتمام. مع أنه بفضل تواجدكم أيها الشعب - التواجد القوي و الشامخ و الراسخ للشعب الإيراني - تمّ توجيه ضربة محمكة إلى المتآمرين و بالرغم من أن الأجهزة المعنية عملت بواجبها بشكل جيّد للحقّ و الإنصاف، لكن ما لم تُعرف على هذه القضايا بشكل صحيح و ما لم يتخذ الشعب -المستعد للدفاع عن الحق و الحقيقة بوعي و بسالة - قراره للمستقبل بشكل واضح، فإن احتمال المؤامرة و الفتنة قائم دوماً. لذلك بعد مضي عدة أسابيع على هذه القضايا و الكشف عن جوانب جديدة منها، ربما حان الوقت لأن نلقي نظرة شاملة علی هذه القضية من شتّى جوانبها. من أشدّ هذه الأحداث خطورة الحادثة التي تكون الفتنة. الفتنة تعني حادثة مضبّبة لا يتسنّى للمرء أن يفهم فيها من هو الصديق و من هو العدو، و من دخل الساحة لأغراضه الخاصّة، و ما هي الجهة التي تحرّضه. يجب إحباط فاعلية الفتن بالتنوير. حيثما كان التنوير، ستقطع يد من يثير الفتن. و أینما كان هناك حديث بلا هدف و أينما كان هناك عمل و إطلاق نار و توجيه تهم بلا هدف فسيسرّ المتآمر لذلك، لأنّ الساحة ستزدحم بالفوضى و الصخب. إذن، على شعبنا العزيز الذي أثبت وعيه الحقيقي في القضايا المتنوعة على مدى السنوات العشرين الماضية و الحمد لله، عليه في هذه القضية أيضاً أن يحلّل المسائل بوعي.
منذ فترة قصيرة كانت هناك مشاعر توحي بأن مراكز العداء الرئيسية للشعب الإيراني تترقّب وقوع بعض أحداث في إيران. و كان هذا المعنى واضحاً من خلال تصريحاتهم. في العام الماضي حيث قال رئيس المركز الاستخباري الأمريكي في تقرير أعدّه، قال هكذا: في عام 1999 - أي هذا العام المیلادی الجاري - نتوقع في إيران أحداثاً لا سابقة لها في هذه الأعوام العشرين التي مضت، أعني منذ بداية الثورة إلى يومنا هذا. في الحقيقة كان يريد أن يقول بهذه اللهجة أنه مطلع على أحداث تجري وراء الستار. و قد أطلق البعض من الهاربين الذين يتعاونون مع العدو ممّن لجأوا إلى أمريكا، مثل هذه الأحاديث. واحد من هؤلاء الهاربين العملاء - كما ورد في الأخبار - قال بأننا سنذهب إلى إيران في العام المقبل! هذه أحلام حلوة لا تتحقّق، و كثيراً ما تراودهم هذه الأحلام! إذن، كان واضحاً أن الصهاينة و الأمريكان و مراكز السلطة الرئيسية، كانوا يفكرون بوقوع أحداث في إيران، و كان من المقرر أن تقع أحداث.
طبعاً كان يفترض أن هناك أرضيات أيضاً لأحداث من هذا القبيل؛ على سبيل المثال العائدات النفطية للبلد وصلت فجأة إلى أقل من النصف، أو ما يقارب من الثلث. إن المشاكل الاقتصادية للحكومة و تقليل العائدات الوطنية يتمثل خطراً لأي بلد، و يمكن أن يمهّد الأرضية لأمور أخرى. من جانب آخر، جاء البعض من الصحفيين الأجانب إلى إيران من أجل بعض القضايا و المراسيم المتنوعة، و ذهبوا و قابلوا أشخاصاً صنفهم و عكسوا نقلاً عنهم بعض التصوّرات. جاء في بعض البرقيات المرسلة من قبلهم أن امرأة فلانية أو شاباً فلانياً أو رجلاً فلانياً في كذا موضع من مدينة طهران صرّح لنا بأننا سئمنا الإسلام و الحكومة الإسلامية! خطر ببالهم أن الأرضيات أخذت تتمهّد. طبعاً من المناسب أن نشكو من بعض الصحف التي كانت عناوينها تبشّر هؤلاء بالأمل، فهم كانوا يظنون بأن الناس رجعوا عن الإسلام! كانت هناك مغريات لكي يفكرّوا أو يخطّطوا أو يقوموا بأعمال و أن یتصوّروا أفكاراً في أذهانهم!
لقد وقعت طوال السنة أو السنة و النصف الماضية قضايا لا يصدق الإنسان الواعي إذا نظر إليها أنها غير مترابطة في ما بينها. كل واحد من هذه القضايا حدثت في فترة، لكن الإنسان الذي يتحلّى بالتدبّر و التأمل في القضايا يشعر بأن هذه الأمور ترتبط ببعضها حيث دوّنت هنا بعضاً منها و أذكرها لكم:
من جانب، أوجدوا شبكة حرب نفسية على إيران و النظام الإسلامي على مستوى الدعايات العالمية. غير الإذاعات العادية التي كانت تتحدث دوماً ضد النظام الإسلامي - كإذاعة أمريكا و إذاعة الكيان الصهيوني، و إذاعة انجلترا - قام الأمريكان بتأسيس إذاعة للتهجّم على النظام الإسلامي و سموها إذاعة الحرية! خصّصوا ميزانية عظيمة لهذه الإذاعة، و أعلنوا بأنهم خصّصوا مائة مليون دولار أو ما يقارب هذا الرقم لهذه الإذاعة! تحمّلوا متاعب كثيرة أيضاً، و نازعوا ذلك البلد الأوربي الذي لم يكن موافقاً علی استقرار هذه الإذاعة على أرضه، و مارسوا الضغط عليه إلى أن أجبروه لكي يكون لهذه الإذاعة مركز إرسال في أوربا، ثم قالوا بصراحة - و هذا لا يعتبر تحليلاً - بأن هذه الإذاعة هدفها مواجهة الاتجاه الفلاني في إيران، و إننا نريد أن نكافحه. هؤلاء الأشخاص الذين هم مدراء هذه الإذاعة صرحوا بهذه الكلمات بألسنتهم و تم تسجيلها، و أنا بنفسي سمعتها. لاحظوا أنّ أحد الأمور التي يمكن أن تزعج دوماً شعباً أو بلداَ أو إنساناً أو أحد الأقرباء هو نشر الإشاعات. كيف كانوا يقومون بنشر الإشاعات في الماضي؟ شخص أو خمسة أشخاص، أو عشرة أشخاص كانوا يذهبون إلى الناس و يقومون بنشر الإشاعات. لكن الآن، يتم نشر الإشاعات عبر الإذاعات. تقوم إذاعة بتزييف و تحريف خبر، و تكبر شيئاً صغيراً، و تخفي أمراً مهماً، هذا يعني بث الشائعات. منذ حوالي عام أو عام و نصف، قاموا بنشر إشاعات عظيمة ضد النظام الإسلامي أكثر مما مضی. طبعاً كانت الإشاعات متواصلة على مدى هذه السنوات العشرين الماضية، إلّا أنها اتخذت خلال هذه المدّة بعداً أوسع.
من جانب آخر، شجّعوا الثعابين المنكفئة داخل جحورها في داخل البلد على النزول إلى الساحة و المجاهرة بالكلام! الذين ينبغي أن یُلقّبوا بالمخذولين السياسيين - و هذا أسوأ من المفلسين السياسيين- ممّن تلقّوا الصفعات من الشعب الإيراني و اندسوا في أوكارهم، دفعوهم و شجّعوهم و جرّوهم إلى ساحة إبراز الرأي السياسي و إبداء الوجود. هذه أيضاً كانت ظاهرة حيث كانت تثير دهشة المرء في الوهلة الأولى و تدفعه إلى التساؤل عن كيفية نزول هذه العناصر إلى الساحة.
من جانب آخر قاموا بإثارة الفتن بين التيارات السياسية في الداخل عن طريق الأيادي الخبيثة و المبغضة. طبعاً بين التيارات و الفئات السياسية اختلاف أذواق، و لكن ليس بينها بغضاء و الحقد و عداء. كانت هناك عناصر قامت بهذا العمل، حيث كان المرء يفهم أغراضهم بكل وضوح. في الدعايات الخارجية و في هذه الأعمال التي كان يتم تنفيذها، كان يفهم المرء أن هؤلاء قرّروا أن يثيروا تياراً ضد تيار آخر، و أن يظهروا لكل تيار من التيارات الداخلية في البلد، بأن عدوها الحقيقي ليس في خارج هذه الحدود، بل عدوك الحقيقي هنا و هو التيار المقابل! أضرموا و ألهبوا نار النزاعات الفئوية.
من جانب آخر، وقعت أحداث مروّعة لا مثيل لها أبداً، كأحداث القتل الغامضة و هي حقّاً حوادث مثيرة للعجب و الحيرة. حيث وقعت هذه الأحداث فجأة الواحدة تلو الأخرى، و أثارت القلق في نفوس الجماهير و في نفوس المسؤولين على حدّ سواء، كما أوجدت شعوراً بانعدام الأمن و إضعاف وزارة الأمن و التي تمثل مركز الثقل في الدفاع الأمني عن النظام و عن البلد و عن الشعب. لقد لاحظتم الضجّات العظيمة التي أثيرت! هنيئاً لمن لا يستمعون لهذه الإذاعات؟ هؤلاء هادئو البال و أنفسهم في راحة من سماع الكذب. الذين يستمعون إلى تلك الأخبار أو الذين تصلهم هذه الأخبار، كانوا يلاحظون ماهية التحليلات و مدى الصخب و كيفية الاستغلال الفاضح الذي كانت تمارسه الإذاعات الأجنبية لتلك الأحداث. لكن بعد تعمّقهم في القضايا، لاحظو أن الأيادي الأجنبية و الأنامل الدخيلة، كانت تتدخّل في هذا العمل بشكل مباشر و من وراء الستار.
كما حدثت بعض حالات العنف في الداخل، حيث هجمت فئة في المكان الفلاني و ضربت جماعة، و سرعان ما كان ینتشر الخبر في الإذاعات و في بعض وسائل الإعلام التي تمیل إلی الأعداء التي راحت تكرّر: هؤلاء المهاجمون ينتسبون إلى النظام، و يرتبطون بالنظام، فيوفّرون بذلك مادّة تشويش النفوس و الأذهان.. كان هذا أيضاً نوعاً من الأحداث.
من جانب آخر، كانوا يبثون إشاعة الاختلاف بين المسؤولين الكبار في البلد، حيث توجد بينهم حرب على السلطة و هم يتصارعون و يتنازعون فيما بينهم! إننا نلاحظ هؤلاء الساسة الموجودين في البلدان المختلفة، تشتعل حربهم على السلطة و نزاعاتهم السياسية إلى حدّ لا يتجنبون ارتكاب أي جريمة ضد بعضهم، لكن في بلدنا - و خاصة بين المسؤولين - لا توجد مثل هذه الأمور على الإطلاق و الحمد لله، لكنهم كانوا يبثّون الإشاعات: أجل، بدأت الحرب على السلطة بين مسؤولي إيران! هذه أيضاً ظاهرة أخرى تثير دهشة المرء، و تدعوه إلى التساؤل عن مصدر إطلاق مثل هذه الأحاديث، و من أين يقولون و ما هي دوافعهم من وراء القيام بهذا العمل.
من جانب آخر، وضعوا شيئاً فشيئاً علامة استفهام أمام كافة الأجهزة التي بوسعها الحيلولة دون الفتنة في حال ظهورها و وجّهوا الضربة لها. على سبيل المثال وجّهوا التهم إلى الحرس. كما وجّهوا التهم إلى الجهاز القضائي بشكل، و إلی قوات التعبئة بشكل، و إلى قوات الأمن بشكل، و إلى الإذاعة و التلفزيون بشكل آخر، لكي يجعلوا الناس يسيئوا الظن بها، و لكي لا يثق الناس بهم في اليوم الذي يكونوا بحاجة إلى تواجدهم و ممارسة دورهم.
من جانب آخر، قاموا بتعزیز الشبكات التجسّسية في داخل البلد، حيث تمّ الكشف عن شبكة تجسّسية خطيرة في بداية العام، و كان أعضاؤها عدد من اليهود و غير اليهود الإيرانيين. طبعاً هؤلاء لم يقولوا أيّ شيء على مدى شهر أو شهرين، مع أنهم فهموا منذ اللحظة الأولى بأن أعضاء الشبكة المذكورة، اعتقلوا! و اعترفوا أنفسهم فيما بعد بأننا فهمنا القضية منذ البداية، و هنا يجب القول، إذا لم تكونوا مرتبطين بهم، فكيف فهمتم؟! حينما لم يكن الشعب الإيراني يعلم بعد أن هناك جواسيس تمّ اعتقالهم، كيف يمكن للمسؤولين الأمريكيين و الصهاينة أن يقولوا بأننا اطلعنا على القضية منذ اليوم الأول، لكننا لم نتحدث بشيء لكي لا تصعب ظروفهم! فهموا منذ اليوم الأول أن هؤلاء الجواسيس قد اعتقلوا، لكن بعد ما لاحظوا عدم فاعلية وساطاتهم و ضغوطهم بالواسطة، بادروا الی إثارة الضجيج، لماذا ألقيتم القبض على ثلاثة عشر شخصاً من اليهود!؟ تحدث رؤساء البلدان الأوربية و الأمريكية حول ثلاثة عشر جاسوساً تم اعتقالهم في إيران هاتفياً! ألا يثبت هذا الأمر أهمية القضية بالنسبة لهم؟
لاحظوا، هذه أحداث عجيبة. على مدى العام و نصف الأخير تقع هذه الأحداث الواحد تلو الآخر. حينما كانت تقع حادثة، لم تكن ترتبط بحادثة أخرى على الظاهر، لكن، عندما ينظر إنسان متأمّل إلى كل هذه الأحداث فإنه يدرك ارتباط هذه الأمور ببعضها. من جانب آخر، القيام بإفساد الأرضيات الذهنية للجماهير، و من جانب آخر، جعل الخواص في الداخل ينشغلون بالأمور الفرعیة. و من جانب آخر، إيجاد هوة بين الجماهير و النظام، و من جانب آخر، توظيف جواسيسهم. و أخيراً عبّر أحد المسؤولين الأمريكيين عن قلقه من هذه القضايا و قال: ليس لدينا سفارة في إيران لكي نشرف على قضاياها بدقة! فاتضح ما هو السبب في إصرارهم خلال هذه المدّة على العلاقة، و لماذا يريدون السفارة في طهران! يتضح أنهم كانوا يريدون أن يفوضوا أمور السفارة إلى هؤلاء الجواسيس و أمثالهم لكي يعملوا لهم! عندما يضع الإنسان كل هذه الأحداث إلى جانب تصريح مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية حيث قال: من المقرر أن تقع حادثة عظيمة في إيران في عام 1999 م، عندئذ يتضح أن هذه الأحداث، ليست أحداثاً تلقائية و صدفة و ليس عمل أربعة أشخاص عاطلين من هنا و هناك، هؤلاء قد برمجوا.
الآن، لو افترضنا أن هذه الأحداث كانت توجّه بواسطة الأيادي خلف الستار - و الحق و الإنصاف أنّه فرض قريب من الذهن - فمن الطبيعي أنّهم كانوا يترقبون وقوع بارقة داخل البلد. كانوا يظنون أن الناس بسبب أوضاعهم الاقتصادية السيئة لا يأملون في النظام، و ليسوا راضين عنه، لذلك لا يدعمون النظام، و ليس بوسع الحرس و قوات الأمن و الأجهزة من هذا القبيل القيام بعمل كبير، و وزارة الأمن أيضاً قد شلّت، فإذن ليأتوا و يضرموا شرارة و يفجروا مخرن بارود في إيران! كانوا يتصورون أن النتيجة التي تحدث على الأقل، هو أن أمن الناس العام و الاجتماعي سينعدم. هذه هي الفائدة التي كان سیجنیها العدو على الأقل. على سبيل المثال، أعمال شغب يوم الاثنين و ثلاثاء من ذلك الأسبوع - يوم الواحد و العشرين و الثاني و العشرين من شهر تير، حيث نزل البعض إلى الشوارع و أحرقوا و كسروا زجاج المحال و سرقوا المصارف و دمّروها - لو لم تدفع بواسطة الأيادي و القبضات القوية للنظام الإسلامي، و لو لم يقم الناس بتلك الحركة العظيمة و لو لم يوقفوا هذه الأعمال، فلاحظوا أنتم، ماذا كان سيحدث في البلد على مدى السنة! كانت ستقع في كلّ عدّة أيّام مثل تلك الأحداث في طهران و في الشارع الفلاني و الركن الفلاني و الحي و القضاء الفلاني و الناس في محالهم و دوائرهم و التلاميذ في مدارسهم. كان من المتوقّع أن تحدث مثل هذه الأحداث على التوالي حتّى يتزعزع أمن الناس و كان يسأموا و يتبرموا. هذا هو الهدف و ا لبرنامج.
عندما قلت للشعب الإيراني في الإثنين من ذلك الأسبوع انهم استهدفوا الأمن القومي، لم تكن الحرائق قد بدأت بعد. في ذلك اليوم الذي أطلقت فيه ذلك الحديث، لم تكن أعمال الشغب في الشوارع قد بدأت و لم يكن هذا الدمار و هذه الحرائق قد بدأت بعد، و لكن كان من الواضح أن الهدف هو القضاء على أمن البلد. أي حينما يخرج أبناء الناس من المنزل قاصدين مدارسهم، لا يطمئنّ الناس أنهم سيصلون إلى المدرسة، و لو أرسلوا شبابهم إلى جامعة طهران، أو جامعة المدينة الفلانية، فلا يطمئنوا أن رسائلهم ستأتي الأسبوع المقبل. و أن تفقد أماكن كسبهم و عملهم و حياتهم الأمن و الهدوء، هذا هو البرنامج و الخطّة. أنهم كانوا يتوقعون وقوع شرارة لتحدث هذه القضايا. ما هي تلك الشرارة؟ إنها حادثة الحي الجامعي المرّة للغاية.
طبعاّ ليس عندي استنتاج حازم حول حادثة الحي الجامعي و ماهية القضية. بالرغم من أننا نعلم ما حدث، لكن لم تتضح لنا بعد ماهية الحادثة، و مصدرها و كيفية وقوعها.
كل من کان و ما کان فقد كانت حادثة مرة للغاية، و من الصعب جداً أن يصدق المرء بأن هذه الحادثة كانت صدفة، أعني بهذه المقدمات التي ذكرتها سينصرف ذهن الإنسان إلى ألف احتمال. لا يمكن للمرء أن يصدق بأن هذه الحادثة كانت حادثة عادية و طبيعية، بل سيظن أن هناك من أوجد هذه الحادثة. إلّا أن من وقع عليهم هذا الجور و استهدفهم هذا البلاء هم عدد من الطلبة الجامعيين الشباب المظلومين، و هذا ما يؤلم الإنسان و يعصر قلبه. جاء هؤلاء الشباب إلي. في تلك اللیلة التي جاء إلي فيها هؤلاء الشباب الجرحى و المصابين من الحي الجامعي، بذلت كل جهدي لكي ينصرف ذهني عن هؤلاء الإخوة، لكنه لم ينصرف. ليس بوسع المرء أن يبعد نفسه عن مرارة هذه الحادثة. كان هؤلاء شباباً طيّبين و صالحين و مؤمنين و صادقين و متوثبين حقيقة، و كانوا غالباً من أهالي مدن أخرى - مدينة إصفهان و مدينة خراسان و مدينة يزد - طبعاً كان البعض من مدينة طهران أيضاً. جاء جماعة من هؤلاء الشباب إلي و رأيتهم عن كثب. في الحقيقة يتحرق قلب الإنسان حينما أيدي الأعداء لا تتورع هكذا عن ارتكاب الجرائم، حيث لو اعتبرت هذه الحادثة، حادثة مبرمجة و كان قصد العدو أن يوجدها، فقد اختار لها أشخاصاً من أفضل عناصر البلد من الشباب و الطلبة الجامعيين بهذه الصفات الحسنة. ظنّ العدو أن الشرارة أضرمت بهذا الشكل. لكنهم أخطأوا في حساباتهم، حيث أنني أشير الآن إلى أخطاء الأعداء في الحسابات، و أنا حينما أشير إلى الخطأ في الحسابات، أعلم بأن العدو لا يستطيع إصلاح هذا الخطأ في الحسابات، أعني لا طريق أمامه لذلك. لا أريد أن أقول للعدو بأنك أخطأت هنا، ليذهب و يصحح خطأه، كلّا، لا يستطيع العدو أن يخرج نفسه من هذا التناقض و هذا الموقع و الموقف الخاطئ.
طبعاً بدأوا بشکل كان یبعث فيهم الأمل. جماعة من الطلبة الجامعيين حزنوا من حادثة الحي الجامعي و غضبوا. جامعة طهران تمثل محور جامعات البلد و هي مصدر أمل الجميع. غضب الشباب، فجاء هؤلاء و أرادوا أن يستغلوا غضبهم، دخلوا صفوفهم و بدّلوا الشعارات من شعارات طلابية إلى شعارات معارضة للنظام. ثم جرّوا التيار إلى الشوارع و حدثت القضايا التي سمعتموها و تعلمونها. ظنوا بأنهم تقدموا في عملهم إلى الأمام، إلّا أن قوات الشرطة خاضت الساحة بكل قوة. بالرغم من أنهم وجّهوا تلك الضربة لقوات الشرطة في اليوم الأول و اليوم الثاني، لكن للحق و الإنصاف نزلت قوات الشرطة إلى الساحة بشكل جيد. كان يتوقع أن لا تتمكن قوات الشرطة من الدفاع على الإطلاق بعد أن تلقّت تلك الضربة الأولى - ضربة حيثية - لكن للحق و الإنصاف دخلت الساحة و دافعت بشكل جيد. ثم دخلت قوات التعبئة - تلك الطاقة الرئيسية و العظيمة للشعب الإيراني - دخلت الساحة بتنظيم من قبل الحرس الثوري و اعتصروا العدو كما تعصر الورقة في اليد. و في اليوم التالي انطلق الشعب إلى الشوارع بشكل عفوي حقيقة و أقاموا تلك المظاهرات العظيمة والمتوثبة و الجماهيرية و التي حاولت أيادي الأجانب أن تحطّ من شأنها. في أنظار من يريدون أن يحطّوا من شأنها؟ في أنظار الناس في البلدان الأخرى. يمكن أن ينجحوا في إظهار حادثة بشكل آخر، و لكن هل يمكنهم أن يقلبوا الحقائق في أنظار هؤلاء الذين كانوا في مدن طهران و إصفهان و شيراز و مشهد و تبريز و في المدن الأخرى ممّن اطلعوا على الأخبار بأنفسهم؟
الحسابات الخاطئة الأولى كانت حساباتهم الخاطئة حول الشعب الإيراني. تصوّروا أن الشعب الإيراني رجع عن الإسلام و عن الثورة و عن الإمام. لم يفهموا أن هذا الشعب، هو نفس الشعب الذي استطاع بفضل اقتداره العظيم أن يقضي على النظام الفاسد الذي قد صنع الأمريكان و الآخرون سبعة أسوار لحمايته. هذا الشعب هو نفس الشعب الذي انطلق بأمر الإمام إلى الشوارع في الانقلاب الأمريكي في شهر بهمن 1357 هـ.ش و أنهى الأمر في ظرف عدة ساعات. هذا الشعب هو نفس الشعب الذي تواجد في الساحة لدفع الانقلاب الأمريكي المفتوح في هذا البلد في عام 1359 هـ ش بحيث قطع عليهم كل الآمال. هذا الشعب هو نفس الشعب الذي أثبت اقتداره في أعمال شغب المنافقين في عام 1360هـ ش حيث بثّ اليأس في نفوس العدو الذي كان يأمل في العناصر العميلة و سوداء الوجوه و القلوب المنافقة. هذا الشعب هو نفس الشعب الذي استطاع أن ينهى على مدى ثمانية أعوام حرباً دعمت فيها كافة القوى الموجودة و المادية في العالم الطرف المقابل لنا، و ذلك بفضل تواجده في الساحة و تواجد قوات التعبئة، و بفضل هؤلاء الطلبة الجامعيين و هؤلاء الشباب، و بفضل هؤلاء العمال و هؤلاء القرويين و هؤلاء المدنيين. هذا الشعب هو نفس الشعب الذي دخل الساحة على مدى هذه الأعوام العشرين التي مضت، عندما اشتدت مؤامرة العدو بنحو من الأنحاء، و ذلك بفضل تواجده الفيضاني في الشوارع و المظاهرات و الاجتماعات و الذي يهدر الأدغال و الزوائد و يفشل العدو. هذا هو نفس الشعب، هؤلاء هم نفس الشباب، و هذا هو نفس الجيل. هذا الجيل الجديد الذي ظهر اليوم، هو جيل الإسلام. خطأهم في حساباتهم يتمثّل في تصورّهم بأن الشعب الإيراني رجع عن الإسلام، كلّا. فهموا أن الشعب الإيراني متمسّك بالإسلام و بالثورة و متصل بالنظام، و يعرف قدر هذا النظام المقتدر الصالح و يريد أن يعالج مشاكله بفضل مقاومته.
هذا الشعب، لا يريد أن يخضع لهيمنة أمريكا، كما لا يريد أن يقبل كبعض الشعوب الأخرى، حكومةً تستأذن أمريكا في القيام بأعمالها الصغيرة و الكبيرة، و إذا أرادت أن تتصل بحكومة أو أرادت أن تجمد علاقاتها فيجب عليها أن تستأذن أمريكا، و إذا أرادت أن تصنع الأسلحة، يجب عليها أن تستأذن أمريكا. قبل عدة أيام قرأنا في الأخبار أن بلداً استأذن أمريكا لكي يصل مدى سلاحه الفلاني من القدر الفلاني إلى القدر الفلاني! الشعب الإيراني يلاحظ هذه الأمور في العالم و لا يريد أن يعيش هكذا. الشعب الإيراني ذاق طعم الاستقلال و الحرية و العزة و طعم عدم هيمنة الأجانب عليه. لذلك لن يخضع لهيمنتهم. إذن، خطأهم الأول في حساباتهم، هو خطأهم في تقييم و تقدير الشعب الإيراني.
خطأهم الثاني يمثّل في حساباتهم بالنسبة لطلبتنا الجامعيين. قالوا و فرحوا لأنفسهم، قالوا إنّ الطلبة الجامعيين يعارضون النظام و لا يقبلون الإسلام! أي طلبة جامعيين؟ أجل، يمكن أن يكون أربعة أشخاص من عملائكم في ركن و يكون بنوهم أو بناتهم من الطلبة الجامعيين - طبعاً ليس من الواضح أن يكون الأمر هكذا، لكننا نفترض أن هناك أربعة أشخاص - لكن الطلبة الجامعيين مؤمنون و واعون و يتمتعون بالشجاعة و الوعي. لقد لاحظتم بالرغم من أن مشاعرهم قد جرحت - قضية الحي الجامعي أثارت الغضب و الحزن في نفوس الطلبة الجامعيين حقيقة - بمجرد أن لاحظوا أن العدو يروم إلى استغلال القضية، أعلنوا براءتهم منه و قالوا لا ندخل اللعبة. طلبتنا الجامعيون، أبناؤنا و ليسوا أبناءكم. إنّهم أبناء هذه العائلة. ابن هذه العائلة حتّى لو كان سلبياً إذا شاهد عدوّاً يهجم على بيتهم سيلبس قلبه على الدروع. بل إن هؤلاء السلبيين يلبسون قلوبهم على الدروع أفضل من غيرهم أحياناً! و ابن الأسرة أثبت ذاته من خلال الدفاع المقدّس. لقد توجّهت من جامعة طهران و من الجامعات الأخرى جموع كثيرة إلى الجبهة و استشهدت منهم أعداد غفيرة، و كان أغلب الطبقة الأولى التي تشكّل منها حرس الثورة من طلبة الجامعات، و الطبقة الأولى التي تشكّل منها جهاد البناء كانت من طلبة الجامعات، و هؤلاء الطلبة هم الذين ينهضون اليوم بالمهام العلمية للنظام على شكل عملي و تجريبي في مختبرات الجامعات. فما الذي يدور في خلد الأعداء حول طلبتنا؟!
يكمن الخطأ الثالث الذي وقع فيه الأعداء في ما تصوّروه حول وحدة المسؤولين حين ظنّوا أنّ الإشاعات التي أثاروها ستتحقق؛ و مثلهم في ذلك كمثل ذلك المجنون الذي أراد أن يشغل الأطفال عن إيذائه، فخدعهم بأنّه توجد وليمة في المكان الفلاني، و بعد ما ركض الأطفال باتجاه ذلك المكان، انطلق هو وراءهم قائلاً: لعلّه توجد هناك وليمة حقّاً! فالأعداء هم الذي بدأوا ببثّ الإشاعات حول وجود اختلاف بين المسؤولين، ثمّ أخذوا يصدّقون. كلّا، لا يوجد اختلاف بين المسؤولين. في عصر نفس يوم الثلاثاء حيث اقتضت الضرورة عقد اجتماع يحضره كبار المسؤولين في البلد؛ و كان من جملتهم رؤساء السلطات الثلاث و رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام و وزيرا الأمن و الداخلية و غيرهم، و قد لاحظت بدقّة أنّهم حينما كانوا يتحدّثون، كانوا يتحدّثون بلهجة واحدة و يرومون غاية واحدة و يسعون باتجاه هدف واحد. و الأعداء واهمون لأنّهم يجلسون يفصّلون و يخيطون كما يحلوا لهم، و يصدرون وفقاً لذلك أحكامهم على كلّ شخص.
إنّني أقول الآن - و أنا على بيّنة من أن الشعب الإيراني يعلم ذلك، إلّا أن تكرار هذا الكلام يبعث في نفسه الارتياح و السرور، و أدري أن العدو يعلم و يسوؤه تكرار هذا الكلام - فليعلم الجميع أن مواقف كبار المسؤولين، و خاصّة موقف رئيس الجمهورية المحترم، إزاء هذه القضايا، موضع قبول و دعم مطلق منّي؛ فأنا أؤيّد و أدعم المسؤولين دعماً قاطعاً، و أعلن دعمي و مساندتي لرؤساء السلطات الثلاث، و خاصّة لشخص رئيس الجمهورية. و إذا كانت لديّ مؤاخذة على بعض قطاعات الحكومة أخبر رئيس الجمهورية بها و كلّي ثقة بأنّه يتولّى أمر متابعتها. كلّ قضايانا تجري على هذا المنوال، إلّا أن العدو فهمها على نحو آخر.
أمّا خطؤهم الرابع فيتمثّل في سوء تقديرهم لطبيعة التيارات السياسية في الداخل؛ فهم بعد أن رأوا التيارات السياسية يزعق أحدها بوجه الآخر أحياناً، فهموا الأمر على نحو آخر، و ظنّوا أنّ هذه التيارات المعدودة ستقف ضدّ بعضها في مثل هذه القضايا و تدخل في صراع لا نهاية له. و لكنّهم ذهلوا حين لاحظوا أنّ التيارات السياسية كلّها أعلنت عن عزمها على المشاركة في المسيرة الجماهيرية الحاشدة في يوم الأربعاء، و لم يبق حينها أي ذكر لليمين و اليسار. و في الحقيقة لا تعجبني تسمية اليمين و اليسار، غير أن الفصائل التي تستخدم هذه التسميات أعلنت كلّها عن عزمها على المشاركة في المسيرة الجماهيرية و شاركت فيها فعلاً.
و كان خطؤهم الخامس هو عدم الدقّة في تقييم العناصر التي كانت تعمل لصالحهم؛ و ذلك بتصوّرهم أن العناصر العميلة لهم استطاعت تنظيم شبكة قوية من الأوباش و الأشقياء بحيث أن أعضاء هذه الشبكة إذا نزلوا إلى الشوارع فلن يتمكّن أحد من الوقوف بوجوههم! غير ملتفتين إلى أن الأموال التي قدّموها لعملائهم قد أنفق معظمها على مصاريفهم الخاصّة. لقد بالغوا في تقديراتهم لمدى فاعلية القوى المرتبطة بهم و لم يفهموا أن حركة واحدة من الجماهير أو من قوات التعبئة كفيلة بإرغام تلك العناصر على التقهقر نحو جحورها كالحشرات. و خطؤهم ناجم هنا عن مقارنة هذا الموقف بما حصل في يوم 28 مرداد عام 1332 هـ .ش حين نزل الأوباش و الأشقياء إلى الشوارع و هم مسلّحون بالسكاكين و ما شابه و سيطروا على الأوضاع، و بعدما استتب لهم الأمر، جاء عند ذلك دور جيش الشاه، تصوّروا أن الظرف اليوم مشابه لما كان عليه بالأمس، بدون أن يحسبوا حساب الشعب و قوات التعبئة و القوى الثورية.
أمّا خطؤهم السادس فهو عدم الدقّة في تقييمهم لمدى فاعلية الأجهزة المختصّة؛ إذ لم يتصوّروا أن قوى الأمن الداخلي أو وزارة الأمن أو مسؤولي القطاعات الأخرى ستكون لديهم القدرة على التصرّف على هذا النحو الفاعل المقتدر، متصوّرين أن هذه القوى لم يعد لديها رمق كاف للنهوض. لقد ارتكبوا أخطاء فظيعة في حساباتهم، و قد دحرهم الله بهزيمة مريرة و كبتهم بسبب ما اقترفوه من أخطاء.
طبعاً الأجهزة الأجنبية اتخذت مواقف عجولة و عبّرت عن ارتياحها؛ فتلك الأجهزة التي تتبجّح دوماً بحقوق الإنسان أخذت تصف العناصر الشقية التي نزلت إلى الشوارع و حطّمت الزجاج و سلبت البنوك و أضرمت النار في سيّارات الأهالي أو سيارات الدولة، و قطعت الطرق، على أنّها تمثّل القوى الإصلاحية و تمثّل الشعب الإيراني. و هكذا اتّضح معنى الإصلاح الذي يقصدونه! أمّا وقفة الشعب الإيراني يوم الأربعاء فلم يأخذوها في الحسبان! لقد وصفت تلك الأجهزة العناصر التي وقف الشعب ضدّها بأنّها هي الشعب، و لو أنّها صبرت يوماً أو يومين و لم تتكلّم بشيء لما وقعت في هذا المأزق المحرج! و أغلبهم صرّح و تكلّم.. تلك المراكز المعادية للنظام الإسلامي، تسرّعت كلّها في الإدلاء ببعض التصريحات. و حتّى رجل الدولة الأمريكي الذي قال إنه لا يريد التصريح بما يفضي إلى إلحاق الضرر بالقوى المناوئة للنظام، لم يستطع أن يمسك لسانه و صرح في نهاية المطاف بكلام عبّر فيه عن مساندته للعناصر الفوضوية المشاغبة. و كذلك بالنسبة لعملاء الصهيونية في البرلمانات الأوربية و غير الأوربية و في الدول المجاورة لم يسعهم إلّا أن يدلوا بآرائهم في هذا الصدد.
أعزائي! يا أبناء الشعب الإيراني العظيم، يا من تمثّلون عظمة و اقتدار الإسلام في هذا العصر، يا أيّها الشباب، و يا أيّها الرجال و النساء، و يا أيّتها القلوب المؤمنة و الأرواح الدافئة، أنظروا إلى يد القدرة الإلهية في هذه الحادثة؛ أنه لمن الخطأ أن يتصوّر المرء أن الشعب الإيراني الذي نزل إلى الساحة، أو القوى المؤمنة التي برزت بكلّ اقتدار، إنّما كان منها ما كان، استجابة لكلام فلان؛ كلّا، و من يكون فلان؟ و من نكون أنا و أمثالي؟ إنّما هي الإرادة و يد القدرة الإلهية، و هي ذات اليد المقتدرة التي قادت هذا الشعب و هذا النظام و هذه الثورة إلى الأمام منذ عشرين سنة و ستبقى تقوده رغم كلّ الأعداء. و سيبقى هذا الشعب صامداً و سيواصل إلحاق الهزائم بالأعداء. و أمّا أنا و أنت فعلينا أن نستعبر، فما من شعب يستقي العبر و الدروس من الأحداث و الوقائع إلّا و يكون النصر حليفه.
دوّنت بعض الملاحظات التي اعتبرتها بمثابة دروس و عبر و أنهي كلامي، لأن الكلام قد طال. و الدروس المستقاة من هذه الحادثة مهمّة للجميع:
الدرس الأوّل يجب أن يأخذه أعداؤنا، و هو أنّهم يجب أن لا يناطحوا الصخر و لا يدخلوا في صراع مع الإسلام، إذ لا جدوى من التورّط في صراع مع نظام يستند إلى جماهير مليونية من أبناء الشعب.
الدرس الثاني لعامّة الشعب هو أن شعبنا العزيز يجب أن يعرف عدوّه - و هو يعرف عدوّه طبعاً - و ليعلم إن السلاح الأمضى و الأفضل هو سلاح الإيمان و الوحدة و اليقظة. حافظوا على إيمانكم، و صونوا وحدتكم و حافظوا على وعيكم و يقظتكم. و لو فعلتم ذلك لما استطاع أيّ عدوّ أن يلحق الضرر بكم.
الدرس الثالث للمسؤولين حيث يجب عليهم معرفة قدر هذا الشعب، و أن يجعلوا رفع مشاكله هدفهم الحقيقي و الدائم، و خليق بهم مضاعفة الجهود على هذا السبيل، فهذا الشعب جدير بأن يقدّم له المرء كلّ وجوده. و على المسؤولين الأعزّاء في الحكومة و في مجلس الشورى و في السلطة القضائية و في القوات المسلّحة، أن لا يدّخروا وسعاً في تقديم الخدمات لأبناء هذا الشعب و العمل من أجله. فهذا الشعب شعب شريف و كريم، و اعلموا أن هذا النظام قوي و هو أرسخ من الجبل بفضل اتّكائه على هذا الشعب.
الدرس الرابع للطلبة الجامعيين؛ أعزّائي، يجب أن تلاحظوا كيف أن العدو بدأ بإدخال العنصر الطلّابي في حساباته، و لا شك طبعاً في أنّه أدخل هذا العنصر ضمن حساباته منذ مدّة مديدة، إلّا أنّه يريد حالياً أن يلعب عملياً بالعنصر الطلّابي. و انطلاقاً من هذا الواقع يجب أن يكون وعيكم و إيمانكم و فطنتكم سبباً لإحباط مآرب العدو، و يجب أن تتصرّفوا ما استطعتم من موقع الإنسان الواعي المدرك؛ فالبلد بلدكم، و نحن ذاهبون، و أنتم الّذين يجب أن تأخذوا بزمام هذا البلد. لقد استطاع آباؤكم و الجيل السابق لكم انتزاع هذا البلد من قبضة الناهبين الأجانب و خاصة أمريكا. و هؤلاء الناهبون يتشبّثون اليوم بأيديهم و أرجلهم لاستعادة هيمنتهم على هذا البلد، و أنتم الذين يجب أن تستعدوّا و تتأهبوا لحماية بلدكم و لا تدعوه يقع - بما فيه من ثروات و بما له من موقع حسّاس - في أيدي الأعداء.
الدرس الخامس للتيارات السياسية التي أنظر إليها كلّها من زاوية واحدة، بدون اهتمام للأسماء و المسمّيات، و لكن المهم بالنسبة لي هو العقول و القلوب و الأعمال، و أعزّها عندي هو أكثرها حرصاً على الإسلام و القيم و نهج الإمام و المصالح الوطنية و مصير هذا البلد، بغض النظر عن التيّار الذي ينتمي إليه. عليكم بالسعي لكي تتطابق توجهاتكم مع هذه المعايير، لأن الشعب هو الذي يريد هذا منكم. فالشعب يريد الإسلام و يريد سيادته و اقتداره الإسلامي، فلا تثقوا بالعدو و عملائه. هناك حالة سيئة تلاحظ لدى التيارات السياسية و هي أنّها تتصرّف مع التيار المقابل بعداء، و لكنّها تنتهج سياسة الانفتاح الكامل مع الأعداء. و هذه الحالة لا أحبّذها أنا و لا تروق لأبناء الشعب، بل و يمكنني القول بكلّ جرأة أنّها حالة لا يرتضيها حتّى الله.
يشار في بعض الأحيان إلى وجود المخالف و المؤالف. فهل يوجد لدينا حالياً مخالف و مؤالف؟ إذا أردنا أن نحسب حساب الشعب فأبناء الشعب كلّهم مؤالفون. أمّا بالنسبة إلى التيارات السياسة فيوجد منها ما هو مؤالف، و يوجد منها ما هو مخالف أيضاً. فمن هو المؤالف؟ هو الذي ينبض قلبه للإسلام و للثورة و يسير على نهج الإمام و يحترم الشعب احتراماً حقيقياً و ليس كمجرّد مزاعم. أمّا المخالف فهو ذلك العنصر الذي يتلقّى التعليمات و الأوامر من الأجانب، و قلبه ينبض للأجانب و لعودة أمريكا إلى التسلّط على شؤون إيران، و كان يفكّر منذ بداية الثورة بإقامة علاقات صميمة مع أمريكا، و كان يستهين بالإمام و في المقابل يحترم أمريكا، و إذا رأى أحداً ينال من الإمام لا يسوؤه ذلك، و لكنّه يغضب إذا ما تناهى إلى سمعه ما يسيئ إلى الأعداء الأجانب و أعوانهم! هؤلاء أجانب عنّا بقطع النظر عن عناوينهم و أسمائهم. و لا أريد ذكر اسم أحد في خطبة صلاة الجمعة. و كلّ من يكون على هذا المنوال فهو غريب عنّا. و أسأل الله أن لا يكون لدينا من هو على هذه الشاكلة. يجب على الأجهزة المختصّة كالأجهزة الأمنية - وزارة الأمن و وزارة الداخلية - و قوى الأمن الداخلي، و حرس الثورة الإسلامية، و قوات التعبئة، و ما شاكلها أن تتحلّى بالوعي و اليقظة. و أمّا ما يبديه بعض الحريصين من تذمّر إزاء عمل الصحافة فهو ناجم عن هذه الحالة، و إلّا فليس هناك من يعارض حرّية الصحافة، لأن فلسفة هذه الثورة قائمة على الحرّية - حرّية الفكر و حريّة التعبير عن الرأي - و لكن يجب أن لا تُستغل هذه الحرّية بحيث يُقدّم كلام و توجهات و تحليلات و إرادة الأعداء على الآراء الأخرى. على الصحافة أن تضع هذا كمبدأ و معيار لها؛ لأنّ من يكون للعدو صديقاً، لا يمكن للصديق أن يثق به و يركن إليه.
يجب على الفئات و التيارات السياسية أن تتصافى في ما بينها و تنسجم و تتعاون مع بعضها و أن لا تتعامل مع بعضها بسوء الظنّ و التهم و الإساءة و البغضاء. تزعم هذه التيارات أنّها تختلف مع بعضها في المزاج و الذوق السياسي، و أنا لا أدري إلى أيّ حد تختلف هذه التيارات في ما بينها من حيث المبادئ و الأسس. فإذا كانت مختلفة في المجالات الاقتصادية و السياسية - إن لم تكن اختلافاتهم عاطفية فقط - لا بأس عليها بالتنافس في إطار تلك الاختلافات، و يكن يجب أن لا ينتهي بها هذا التنافس إلى العداوة و الحقد و الخصومة؛ لأن العدو يتربّص بانتظار حلول الفرصة المناسبة، و يحسب حساب الصراع و التناحر الموجود بين هذه التيارات.
اللهمّ! أنّا نسألك بحقّ محمّد و آل محمّد أن لا تسلب من هذا الشعب رحمتك و لطفك، و أنزل عليه النصر من عندك. اللهمّ بحقّ محمّد و آل محمّد اجعل ما قلناه و ما سمعناه خالصاً لوجهك، و أكرم شهداءنا الأعزّاء بعلوّ الدرجات و احشرهم مع شهداء كربلاء و شهداء صدر الإسلام، فكلّ ما لدينا إنّما هو بفضل هؤلاء الشهداء - علماً أن جثمان عدد من هؤلاء الشهداء سيجري تشييعه اليوم بعد الصلاة - بلّغ اللهم التحيّة و السلام من أعماق هذه القلوب لمولانا الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه)، و اجعل الرضا في قلبه عنّا و اشملنا بدعائه.
بسم الله الرحمن الرحيم
قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد و لم يولد. و لم يكن له كفواً أحد (6).
الهوامش:
1) تحف العقول، ص 280.
2) الأمالي، الشيخ المفيد، ص110.
3) الأمالي، الشيخ المفيد، ص 110.
4) تحف العقول، ص 280.
5) سورة العصر، الآيات 1-4.
6) سورة الإخلاص، الآيات 1-3.