بسم الله الرحمن الرحيم

لقد كان لقاء اليوم لقاءً حافلاً، نسأله سبحانه أن يبارك هذه المساعي و النوايا الصادقة و المشاعر الحميمة، كما نرجو أن يكون هذا اللقاء مفيداً لنا جميعاً، و لشعبنا، و حكومتنا، و مسؤولينا، و يساهم في تذليل الطريق أمامنا، الطريق المفعم بالعز و الفخر، و في الوقت نفسه المليء بالصعوبات و العقبات.
أولاً أهنئكم بمناسبة أسبوع الحكومة المتوّج بذكرى شهيدين من شهدائنا الأبرار، و أبارك لأعضاء الحكومة المحترمين هذه المناسبة. كما أود أن أعبر عن اعتزازي الكبير بذكرى هذين الشهيدين الذين أسسا و عملا على مشاريع و إنجازات غاية في الأهمية، في فترة صعبة و معقّدة جداً، أسأل الله سبحانه و تعالى علوّ الدرجات لهما و لكافة شهدائنا الأبرار.
كما أجد من الضروري في هذه المناسبة أيضاً، أن أتوجّه من صميم قلبي بالثناء و التقدير لشعبنا الكريم الذي خلق حماسة كبرى بمشاركته الواسعة في مسيرة يوم القدس. لقد كان هذا اليوم حقاً و إنصافاً رمزاً تجسد عبر مشاركة الشعب الإيراني و إقباله الواسع، و هذا هو ما ينثر الأمل في فضاء المنطقة و يحمل شعوبها على الثبات و الصمود و الإصرار.
كما أجد من الضروري أيضاً أن أتقدّم بالشكر للمنجزات التي قدمتها الحكومة، و التي تم الإشارة لبعضها اليوم خلال التقارير التي قدّمت. و بمناسبة التقارير، أود أن أقول للأخوة الأخوات الأعزاء الذين شرفونا هنا، إنّني طلبت من السيد رئيس الجمهورية أنْ يوعز للوزراء المحترمين بتقديم تقارير تتعلق بمنجزات وزاراتهم. حسناً، فهذا اللقاء، كان لقاء جيداً؛ و تقاريركم كانت تقارير جيدة أيضاً؛ موثقة و منطقية و معزّزة بالإحصائيات، و في موارد عديدة كانت هناك إحصائيات مقارنة أيضاً؛ و كل ذلك يعتبر ضرورياً، كان من اللازم القيام به، و يجب القيام به.
و الملاحظة التي أودّ أن أضيفها، هي أنّه من خلال اللقاءات المتعدّدة التي جرت بيننا و بين النخب و الكوادر ـ الجامعية و الحوزوية ـ في مختلف المستويات، كان لهؤلاء عتاباً عليكم لعدم زيارتكم لهم و مشاركتكم إياهم التطورات و الإنجازات. و هذا إشكال يرد عليكم. و قد طرحت هذا الموضوع أيضاً قبل عدة أيام لدى لقائي مع عدد من أساتذة الجامعات، فذكروا لي ذلك مرات عديدة، فطرحته بدوري.
و لا يخفى أن أبرز القضايا التي يدور حولها لقائنا اليوم هي قضايا تتعلق بالوضع الاقتصادي للبلد؛ و هي بلا شك قضايا أساسية و محورية بالنسبة لبلدنا كما أنّها تعدّ أحد أبرز القضايا التي تستثير سجالاً واسعاً بين مسؤولينا في مختلف القطاعات من جهة، و بين المعارضين و النقاد من جهة أخرى. فإذا كان الأمر كذلك، فاذهبوا و اطرحوا ذلك بين النخب و بيّنوا وجهة نظركم و اشرحوها. فلنفرض أن وزير المالية المحترم أو رئيس البنك المركزي زار إحدى الجامعات و التقى حشداً من طلابها و أساتذتها، فبطبيعة الحال ستكون هناك أسئلة و انتقادات، و من المحتمل أن يكون عدد من الأسئلة أو الانتقادات، موجّهة أو مغرضة أو غير تقنية؛ حسناً، لا بأس، فهذا أمر طبيعي. فأنتم باشروا بالذهاب، و لتتوجّه أنظاركم للمائة أو المائتين أو الخمسمائة شخص الذين حضروا للقاء بكم، و غير متوجهة للأشخاص العشرة الذين يفكرون بطريقة مختلفة [فيطرحون مثل تلك التساؤلات أو الإشكالات المغرضة أو العبثية]. فمن بين الخمسمائة شخص ركزوا على الأربعمائة و تسعین شخصاً، و قولوا لهم كلمتكم، و بيّنوا لهم رأيكم. فأحياناً قد تحصل انتقادات نافعة و هامة بالنسبة لكم. أي قد يكون لها تأثير إيجابي على مشاريع البنى التحتية، أو المشاريع الاقتصادية، أو على إيجاد فرص العمل و مكافحة البطالة و ما إلى ذلك. فمن وجهة نظري إنّ هذا العمل يعتبر ضرورياً، و أنا أوصي به.
إنّنا نطلب أن يتم نشر هذا اللقاء بكل تفاصيله؛ بمعنى أن واحداً واحداً من هذه التقارير التي استعرضها أحبتنا الوزراء و معاونو رئيس الجمهورية المحترمون، لا بدّ أن يتم نشرها ليقف الشعب على مضمونها، لكن في الوقت نفسه أقول لكم: بأنّ هذه الإحصائيات و الأرقام لن تبقى في أذهان عموم الشعب؛ إنّما يستثمرها الخبراء و النخب و يبنوا عليها بحوثهم و دراساتهم ليخرجوا بنتائج معينة. حسناً إذن، إذهبوا إلى هؤلاء و التقوا بهم و اعرضوها عليهم. و هذا العمل قد ينجم عنه ردود أفعال معينة، فقد يطرح هؤلاء بعض الإشكالات، و قد يكون بعضها نافعاً و مفيداً بالنسبة لكم. إنّني أوصي بذلك و أؤكد وصيتي هذه. إذن، لا نبقى جالسين ننتظر أن يقوم رئيس الجمهورية بذلك؛ كلا، فالوزراء يمكنهم فعل ذلك أيضاً. طبعاً إذا تسنّى لرئيس الجمهورية المحترم أن يشترك في أندية النخب و ملتقياتهم و يطرح هذه الأمور فهو بلا شك أمر إيجابي للغاية.
و هنا أود أن ألفت نظركم لبعض الملاحظات، و هي ملاحظاتنا التي طالما نوصيكم بها، و نؤكد عليها باستمرار. لقد كانت و لا زالت الشعارات التي رفعتها الحكومتان التاسعة و العاشرة شعارات مرغوبة و مستحسنة من قبل شعبنا المؤمن؛ فعلى سبيل المثال تكريس العدالة، و مناهضة الاستكبار، و الحياة البسيطة، و مناوئة الترف و الارستقراطية، و مكافحة الوساطات و المحسوبيات، و استغلال العلاقات و المناصب في القضايا الاقتصادية و غير الاقتصادية، و النزاهة في تأمين الخدمات. فأنا سأقولها لكم، و أنتم تعلمون ذلك جيداً؛ إنّ سبب إقبال الشعب على الحكومة و منحه الأصوات لرئيس الجمهورية ـ سواء في العام 84 أو 88 ـ هو هذه الشعارات. هذا يعني أنّ الشعب قد عقد أمله على تحقيق هذه الشعارات، و شعر بأهميتها الشديدة. فلا ترفعوا أيديكم عنها. و من أبرز و أهم الشعارات، الثبات على الأصول و المبادئ التي أسّس لها إمامنا الخميني الكبير و كرّسها في المجتمع؛ و هي ذاتها التي تقف وراء التعلّق بالثورة الإسلامية و الإقبال عليها. فمن دون أن يكون لنا وسائل إعلام، و من دون توفرنا على خبرات كافية لإنتاج برامج إعلامية، بدأ ذكر إمامنا الخميني الكبير و شعبيته يملآن الآفاق؛ و السبب في ذلك يعود لهذه الشعارات و لهذه المبادئ و التوجّهات. إنّ وقوفكم بوجه القوى الاستكبارية المتفوقة ظاهرياً ـ المتمثلة اليوم بأمريكا و الصهيونية العالمية ـ هو بحدّ ذاته يوجد قيمة و يوجِد أهمية و يخلق شعبية؛ و يزرع أملاً لدى الشعوب؛ فيجب أنْ لا نفقد ذلك. و إياكم و تجاوز هذه الشعارات، في المناهج، أو في الخطابات، أو في أساليب التعاطي، أو في طرق الأداء.
احرصوا على أداء عملكم لوجه الله، لا لأنّ للناس رغبة فيه؛ كلا. فإن كان الهدف استمالة قلوب الناس سيؤول مصير عملكم إلى الفشل. يوجد حديث قدسي، حسب ما أتذكره، منقول بسند معتبر عن قول الله سبحانه: ((لأقطعنّ أمل كلّ آملٍ غيري))؛ لا بد أن لا يكون أملنا معقوداً إلاّ بالله سبحانه و تعالى، و لا نبتغي في عملنا إلاّ وجهه؛ لكن مع ضرورة أن نعلم بأن ما كان لله ينمو. فهذه الشعارات، شعارات إلهية. فلو تراجع تمسكنا بها، أو ضعف التزامنا و ثباتنا عليها، سيزول التوفيق الإلهي شيئاً فشيئاً. فلم يكن النجاح الذي أحرزتموه و التقدّم الذي حققتموه إلاّ بفضل التسديد و العون الإلهي. فلو لم يكن العمل لوجه الله اعلموا أنّنا سنحرم التوفيق و التسديد الإلهيين. لا بدّ أن يستمر الاندفاع و النشاط و المثابرة و الخدمة النزيهة الصادقة بدون رجاء الجزاء و الشكر و المنّة. و هذه ملاحظة أساسية.
الملاحظة الثانية: سبق و أن أکدت ضمن أحد لقاءاتي بمسؤولي البلد علی ضرورة أن يبينوا للشعب نقاط القوة، و يبينوا نقاط ضعفهم أيضاً؛ و هذا أمر مهم و مؤثر. فعلى سبيل المثال لاحظت من بين التقارير التي استعرضها الأخوة، موارد يشار فيها لنقاط الضعف، لكنّها مذيّلة بالقول: ((يجب أن تنجز هذه الأعمال)). إنّ هذا ((الوجوب)) يعكس أهميّة العمل الذي كان من الواجب إنجازه لكنّه لم ينجز. عليكم أن تعلنوا عن هذه الحقيقة بكل صراحة و شفافية. قولوا كان يجب أن نقوم بهذا العمل، لكنّنا لم نتمكّن من القيام به لحد الآن. فإنّ المرء لن يتعرّض للمؤاخذة بسبب عدم استطاعته. لكن قد تقولون: حسناً، مقابل الأعمال العشرة المنجزة، بقي اثنان أو ثلاثة أو خمسة لم يتم إنجازها؛ و نحن عازمون على إنجازها. عليكم بيان ذلك، عبّروا عن هذه الحقيقة بكل صراحة، فما الضير في ذلك. و لا تتوجّسوا من تطابق كلام أحد المنتقدين، الذي قد يكون مغرضاً، مع كلامكم؛ فليكن متطابقاً، و ما الضير في ذلك؟ قولوا: نعم، الانتقاد المذكور وارد. اطرحوا ذلك، لكن قولوا: نحن عازمون على معالجة هذه القضية أو هذا الموضوع. قولوا: أنجزنا هذه الأعمال، و سننجز الأعمال الأخرى. هذه نصيحتي لكم.
طبعاً هناك منهجان لمواجهة الانتقادات التي تستهدف الحكومة و التي ترد عبر القنوات الإعلامية أو عبر الصحافة أو عبر بعض المراكز القانونية: المنهج الأول يتم من خلال الإيضاح و التوجيه، و هذا حسن؛ و الثاني يتم من خلال الخصام و النزاع، و هذا غير حسن. فمن غير الصحيح أن تقولوا: بما أنّهم يهاجمون الحكومة، و يوجهون لها انتقادات مغرضة، فعلينا أن نواجههم بالمثل؛ كلا، حاولوا أن توضحوا و تشرحوا و تبينوا. نعم، فالبيان واجب. و طريقته أن تشتركوا في الندوات و المؤتمرات العامة، و تشرحوا للجماهير، و توضحوا لها، و تسمحوا بطرح الأسئلة، و تجيبوا عليها، فلتتوضح الأمور؛ و ليتم بثها عبر القنوات الإعلامية. فإذا تكشفت الأمور و توضحت بشكل جيّد، ستبوء محاولات المغرضين بالفشل.
و هناك ملاحظة أخرى أودّ أن أشير لها في ذيل هذه المسألة، و هي: إنّ من نقاط الضعف أن نتجاهل ترتيب الأعمال حسب الأولوية. فقد أشار أحد السادة ـ و كانت إشارة صحيحة ـ إلى ضرورة إكمال المشاريع الناقصة غير المكتملة. و هذا أمر حسن للغاية؛ بل يعتبر من الواجبات؛ و هو ما أؤكّد عليه بشكل دائم؛ لكن عليكم أولاً أن تحدّدوا الأولويات، فلا بدّ من تشكيل لجنة، تجلس و ترصد المشاريع غير المكتملة ـ و قد ذكر الأخوة رقماً معيناً يشير إلى المشاريع غير المكتملة ـ و تضع جدولاً بالأولويات، و تحدّد أيها يستحق التقديم، و أيّها تمّ قطع الوعود للشعب بشأنها، و أيّها يعقد الشعب أمله على إكمالها، اجلسوا و حدّدوا هذه المشاريع، و باشروا بإكمالها. و قدّموها على المشاريع الجديدة. فكم هو رائع أن تفي الحكومة بالوعود التي قطعتها للشعب. فإنّ قطع الوعود و عدم الوفاء بها، هو الذي يخلق هذه المشاكل؛ ليس فقط للحكومة، بل للنظام بأسره.
ذكر السيد رئيس الجمهورية بأنّهم يقولون لنا: إنّكم رفعتم مستوى التوقّع لدى الناس. و هذا الارتفاع في مستوى ما يتوقّعه الناس منكم، ليس سببه أنّكم كشفتم عن نقاط ضعفكم أو النقص في مشاريعكم، كلا؛ فمستوى التوقّعات يرتفع بسبب الوعود التي تقطع. فإذا تمكنّا من الإيفاء بهذه الوعود، ستتحوّل هذه التوقّعات إلى إيمان الناس بنا، و هذا لا شك أمر حسن. علينا أن نفعل كل ما قلناه، كي يشاهد الشعب أن الكلام قد تحوّل إلى فعل. لقد رأينا أن الإحصائيات التي قدمتموها اليوم كانت إحصائيات مقارنة ـ و هذا شيء رائع ـ فلتكن إحدى المقارنات هي: مقارنة بين ما وعدنا به الشعب أن ننجزه له، و بين ما تمّ إنجازه بالفعل. فلنستخرج نسبة مئوية و لننظر كيف هي النتيجة. و هذا أمر مهم للغاية.
المسألة الأخرى، تتعلق بالجهاد الاقتصادي الذي تكرّر الحديث عنه، و تعرّض له الأخوة اليوم أيضاً. إنّ مبادئ تسمية هذا العام بـ ((عام الجهاد الاقتصادي)) و الدوافع التي تقف خلف ذلك لا تخفى عليكم باعتباركم أفراداً حكوميين، بمعنى أنّنا وجدنا أن الجهاد الاقتصادي ضرورة و حاجة ماسة للبلد، و ليس أولوية فقط؛ بل حاجة ملحة. و ذلك أولاً، لأنّ الاقتصاد و التطور الاقتصادي و الازدهار الاقتصادي له صلة مباشرة و مساس مباشر بالوضع المعيشي الشعب. و هذا الوضع يعدّ من أولى أولويات الدول في كافة أرجاء العالم و على مدى التاريخ؛ طبعاً نقصد الدول التي تحترم شعوبها، لا الدول المستأثرة الطاغية المتجبرة. فأية دولة تريد أن تخدم شعبها، يكون في مطلع اهتمامها الوضع المعيشي للشعب، و أن تكون قادرة على إدارة أموره و تأمين رفاهيته. و هذا الأمر مرتبط بالمسألة الاقتصادية. و لا يخفى أنّ الاقتصاد الجيد، السليم، الوافر، المتطوّر يساهم مساهمة أكيدة في رفع المستوى المعيشي للشعب. إذن، فهذا دليل واضح يلزمنا بالجهاد في المجال الاقتصادي.
المسألة الأخرى، مسألة الوصول للأفق العشریني. و هذا الأفق الذي تمّ تحديد أهدافه يعتبر وثيقة الرقي؛ و هي وثيقة يجب الإلتزام بها. فبدون الجهاد الاقتصادي، لن نصل إلى هذا الأفق. و في إطار الحديث عن هذا الأفق تدخل مسألة القوة الاقتصادية الأولى في المنطقة. فإذا تخلفنا في هذا الميدان ـ ميدان التنافس ـ سنتلقى ضربة. في ذلك اليوم و في تلك الجلسة تم التطرّق إلى أن القضية ليست قضية غيرة و حسد؛ بل القضية تتلخّص في أنّ هناك مضماراً للتحدّي العام و مضمار للحراك الشامل و في خضم هذا الحراك، إذا تخلّفت جهة ما، سيتم سحقها. فالغاية من التطور الاقتصادي بالنسبة لنا و السبب وراء ضرورة تحقيق الأهداف التي تحرز وصولنا للأفق، هو أنّ الإخفاق في الوصول إلى هذه المرحلة، سيعرّض شعبنا و بلدنا لضربات قاسية جداً؛ و قد يكون بعضها مدمراً. علينا أن نصل إلى هناك؛ هذا ما نحتاج إليه. فلا خيار أمامنا خصوصاً و نحن نرفع شعاراً كهذا، و نضع أهدافاً كأهداف الثورة الإسلامية. فالحقيقة هي أنّ النظام الإسلامي، بدأ يتحدّى اليوم أنظمة الاستكبار و السلطة و الإلحاد، و قد بدأ هذا التحدّي بالفعل. و الهزيمة في هذا الميدان، لا توصف خسائرها، و لن يتحمّل تبعاتها شعبنا فقط، لذلك لا بدّ من الانتصار المؤكد في هذا الميدان. و هذا النصر لن يتحقق بهذه الأدوات؛ بل لا بدّ من توفر أدوات أخرى؛ من ضمنها التطوّر الاقتصادي.
أمّا المسألة الأخرى فهي أن أعداء الإسلام و أعداء الشعب الإيراني اليوم بدأوا يستخدمون الأدوات الاقتصادية لمحاربتنا، و كمثال على ذلك أنماط الحصار الاقتصادي المذكورة. طبعاً أنا بدوري هنا أتقدم بالشكر الجزيل للجان التي تعمل على مواجهة الحصار الاقتصادي. عليكم استخدام كافة السبل الصحيحة و المنطقية و الذكية و العقلانية لاحتواء الحصار. أبطلوا مفعول استراتيجية العدو الضخم بحسب الظاهر و الضعيف في الواقع. فنحن عندما نشاهد الحجم الكبير الظاهري للقوة العسكرية و الاقتصادية التي يتمتع بها العدو يتبادر إلى ذهن المرء قصة الفأر و القط ((توم و جيري))! حركته كثيرة و صخبه مرتفع و حجمه كبير، لكن نتيجة فعله لا تتناسب مع ذلك، و ليست كالتي يتوقعها المشاهد. و الحقيقة هي هذه. فالأمر منوط بفطنتكم و حنكتكم.
لقد وصف هؤلاء العقوبات بالذكية تارة، و بالمشلّة تارة أخرى، لكننا نرى أنّها لم تكن ذكية كما وصفوها، و لا مشلّة. بل إنّها دفعتنا لتحقيق الاكتفاء الذاتي في كثير من الأمور التي لم نكن قد حققنا الاكتفاء الذاتي فيها؛ كما دفعتنا للتطوير العلمي؛ و إنجاز مشاريع كبرى في المجالات الصناعية و العسكرية و المدنية؛ و استخدام طرق و آليات جديدة لمواجهة الحصار و إبطال مفعوله.
و اعلموا أنّ هذه العقوبات سيتم في النهاية حتواؤها و إبطال مفعولها. فليس الأمر كما يتصور البعض من أنّ هؤلاء سيتحمّلون و يستمرون في سلوكهم هذا لمدة طويلة؛ فهذا شيء غير ممكن؛ بمعنى أنّ العالم يرفض مثل هذا الواقع. فالعالم اليوم لا يسير وفق ما تمليه الولايات المتحدة عليه؛ بالرغم من أنّها قد ترسل مبعوثها إلى هذا البلد أو ذاك من أجل توبيخه، أو تهديده أو ما إلى ذلك. فهذا الواقع سيستمر لفترة معينة، لكنّه من غير الممكن أن يبقى على هذا المنوال. طبعاً أنا نوهّت إلى ذلك قبل عدة أشهر، و يمكنكم اليوم أن تلاحظوه بأنفسكم؛ فما وصفه هؤلاء في بداية هذا العام بأنه سيشل حركتنا، كانوا يأملون في غضون ثلاثة أو أربعة أشهر أن نصاب بالشلل جرّاءه. لكن هذه الثلاثة أو أربعة أشهر، بل أكثر من ذلك، انقضت و ليس فقط لم نصب بشلل، بل بحمد الله أدّى ذلك إلى مضاعفة نشاطنا. إذن، فالهدف من الجهاد الاقتصادي هو هذا. بمعنى أنّه يجب إن شاء الله الشروع في العمل الجهادي، و البدء في حركة هادفة ذكية بالاتكال على الله سبحانه و تعالى و الاعتماد على نصره و تأييده.
و أحد معالم الجهاد الاقتصادي يتمثل في مشروع التغيير الاقتصادي الذي طرحته الحكومة منذ عامين أو ثلاثة. أحد فقرات هذا المشروع هو ترشید الدعم؛ و الذي قد تم بحمد الله التصويت عليه و البدء بتنفيذه. و أنا لديّ سؤال فيما يتعلّق بموضوع (دعم الإنتاج). فالسادة أشاروا في تقريرهم إلى ذلك؛ لكن الشيء الذي تضمّنه قانون دعم الإنتاج لم يتحقق بعد. عليكم المباشرة بدعم الإنتاج. و لا يخفى أنه على المدى البعيد ستتمكن الجهات الإنتاجية من الوقوف على قدميها، و إن شاء الله سيستطيعون يوماً بعد آخر ترسيخ دعائمهم و تحقيق التمويل الذاتي، لكن على المدى القريب لا بدّ من مدّهم بالموارد. طبعاً بالنسبة لحالات الفساد، أو حالات الاقتراض من البنوك بهدف الاستثمار و الإنتاج لكن من دون استثمارها في الإنتاج حقاً، يجب التصدّي بشدّة لمثل هذه الحالات، و عدم الرأفة بالنمور المكشرة عن أنيابها؛ لكن إن وجدتم أن هناك استثماراً حقيقياً و حاجة حقيقية، يجب المباشرة في دعمها. و عليه، فبالنسبة لمشروع ترشید الدعم لا بدّ من أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار.
أمّا بالنسبة للفقرات الأخری من مشروع التحول أو التغییر الاقتصادي فلا بدّ من الاهتمام بها أيضاً؛ منها موضوع الكمارك ـ و قد ذكر أحد السادة اليوم بأن مشروع قانونها قد تمت إحالته للمجلس ـ و منها موضوع السياسة المالية و المصرفية للبلد. فهذه الخمسة أو ستة موارد التي تضمّنها مشروع التغيير الاقتصادي لا بدّ من الانتهاء منها. افعلوا ما بوسعكم لتنتهوا من هذه الأعمال ضمن الفترة المتبقية للحكومة، و لا تجعلوا المشاريع معلّقة. فهذه الأعمال لا تنتهي في غضون سنتين. لكن تحديد الأهداف هو بحد ذاته يتم على مراحل؛ فأنتم قد بدأتم، و تقدّمتم إلى الأمام. و هذا التقدّم في واقع الأمر معنى من معاني الإتمام. فالتقدّم بإنجاز الشيء، هو معنى من معاني إتمامه؛ لكن بشرط أن تكون البداية صحيحة و مخططاً لها بشكل صحيح.
أما موضوع الاستيراد و قد تم استعراض التقرير الخاص به، و هو من المواضيع التي تشغلني و تثير قلقي، و قد أضيف لهذا القلق التقارير التي استعرضت اليوم، فما يلاحظه المرء قد يثير بعض المخاوف. صحيح؛ أن حجم الاستيراد بالنسبة لحجم الصادرات غير النفطية قد تراجع، و هذا التراجع ـ هو بحد ذاته أمر إيجابي ـ لكن يجب أن لا يُكتفى به. خصوصاً في مجالات الزراعة و البستنة و غيرها ممّا ذُكِر، فهذه من الأمور التي يجب قدر الإمكان التخلي عن استيرادها. حاولوا أن تتجهوا نحو التصنيع الزراعي و تصديره؛ و هو الشيء الذي أشير إليه ضمن التقارير التي تم استعراضها. فهذه من الأمور الهامة؛ و إن شاء الله سيتم الاهتمام بها. و الشعب سيصبر و يتقبل هذا الواقع.
بناءً على ذلك لا بدّ لكم من القيام بمراجعة جدية في مجال سياسة الاستيراد؛ خصوصاً فيما يتعلق بالبضائع التي نمتلك القدرة على إنتجاها، صناعية كانت أم زراعية. كما يجب تجنّب التوجّه التجزيئي للاستيراد، بأن يلجأ كل مفصل من مفاصل الدولة إلى الاستيراد وفق ما تمليه عليه حاجته.
المسألة الأخرى ـ و هي مسألة لا صلة لها بالموضوع الاقتصادي ـ تتعلّق بالثقافة؛ و لم یُقدم تقرير بهذا الشأن إنما أجّل لما بعد. و الذي أودّ أن أوصي به الأخوة في الحكومة هو أن يأخذوا موضوع الثقافة على محمل الجد. فلو تقدّمنا بالمشاريع الاقتصادية ـ كما هو مخطط لها و كما نودّ أن تسير ـ لكنّنا تخلّفنا بالمشاريع الثقافية، فلنعلم أن البلد سيتلقى صفعة. ذلك أنّ أحد الأسلحة التي يعتمدها العدو في ممارسة عدوانه هو السلاح الاقتصادي، و السلاح الآخر هو السلاح الثقافي. طبعاً لا الوقت و لا ظرف اللقاء يسمحان بالخوض في تفاصيل هذا الموضوع؛ لكن نشير إجمالاً إلى أنّ العمل الثقافي، يعد عملاً مهمّاً للغاية؛ و ذلك مع الحفاظ طبعاً على الإطار الثوري و الإسلامي. و إياكم و الخجل أو التردد في العمل الثقافي. و احرصوا على الإطار الثوري و الإسلامي في كافة الحقول الثقافية، سواء كانت كتاباً، أو عملاً فنياً، أو ضمن المؤسسات الثقافية. و لا بد هنا من مراعاة الأولوية أيضاً، و ذلك لأن المصادر محدودة. و لا شك أنّ الميزانية التي خصصتها الحكومة للثقافة ضمن قانون الموازنة، تعتبر ميزانية جيّدة؛ بالرغم من أنّنا سمعنا أنّ كثيراً من المبالغ التي تضمّنها قانون الموازنة للشؤون الثقافیة لم تخصص؛ لكن حتى لو خصصت جميعها، فلن يكون بمقدورها تغطية كافة النشاطات الثقافية. بناءً على ذلك فالمصادر [المالية] محدودة. و بالنظر لهذا الأمر يجب أن تدرسوا و تحددوا الأولويات. طبعاً أنا قد وضعت مجموعة من الأولويات و قدمت بها مقترحاً للحكومة؛ و فيما لو تم الأخذ بها، فبالنظر للرؤية التي نملكها بخصوص المسرح الثقافي، فسيكون لهذه المجموعة الأولوية؛ بمعنى أن تأثيرها سيكون أكبر من سواها. نعم، عليكم أن تتابعوا هذه الأمور و ستتحقق إن شاء الله.
الموضوع الآخر الذي يطرح نفسه و الذي أود الإشارة إليه بشكل إجمالي، هو: مع حجم العمل الموكول للحكومة، من الضرورة بمكان تجنّب الخوض في القضايا الهامشية. فالحكومة تعمل و تسعى و أرضیة العمل بحمد الله أرضیة خصبة، و هناك حاجة للعمل أيضاً. حسناً، فميدان العمل موجود، و الحاجة للعمل ماسة، و الحكومة أثبتت أنّها جديرة بالمجازفة و اقتحام ميادين العمل، و حريصة على العمل بكل كيانها؛ و هذا شيء رائع، إذن ففي مثل هذه الحالة، من غير المناسب إثارة قضايا هامشية؛ سواء كانت قضايا أنتم أثرتموها عن غير قصد، أو قضايا أثارها الآخرون و أنتم انجررتم بدوركم إليها؛ لا بدّ من تجنّب الخوض في الأمور الهامشية. لا تجعلوا فضاء البلد، و أفق العلاقة بين الحكومة و الشعب، فضاءً قلقاً مشحوناً بالنزاعات و التوتر الأمر الذي يتسبب في ردعكم عن العمل.
و هناك جملة أمور أخرى. فوصيتي لكم فيما يرتبط بمقولة حبّ إيران، و التعلّق بالوطن، و النزعة الإيرانية، تتلخّص في عدد من النقاط. الأولى، إنّ أبرز ما يمثل هوية البلد هو اللغة و الأدب. فالتعلّق بإيران، يتحقق عبر هذا الأمر. فبلدنا يزخر بلغات متعددة؛ لكن اللغة الوطنية، هي اللغة الفارسية. و حتى الذین يتكلّمون بلغة ثانية، يعتبرون من أبرز و أهم المروّجين للغة الفارسية. فأفضل المقالات و الدراسات التي كتبت حول اللغة الفارسية، كتبها من يتكلمون اللغة التركية [أتراك إيران]؛ و أقول هذا عن علم و دراية... (1) و سيكتب الأكراد أيضاً إن شاء الله؛ لا بأس، فنحن نستقبل بكل رحابة صدر. فقد كتب المحققون البارزون الذين يتحدثون باللغة التركية، طيلة العقود الماضية، أبرز المقالات التي تتعلق باللغة الفارسية. لذلك من غير الصحيح أن يتصور البعض أن اللغة الفارسية لا ترمز للهوية الإيرانية؛ بلی، إنها ترمز لها. و من المهم التأكيد على هذا الأمر.
و كذلك من الضروري التأكيد على مقولة إيران بعد العهد الإسلامي. فالمفاخر التي حققتها إيران في العهد الإسلامي، لم تحققها في أي فترة من الفترات التاريخية؛ و أنا لا أقول ذلك اعتباطاً بل عن دليل و برهان و هو أمر ثابت في محله. فاتساع رقعة البلد، و الانتصارات العسكرية العظمى، و التقدّم العلمي الكبير في مختلف المجالات، كلّها أمور حدثت بعد العهد الإسلامي. و لا نقول إنّ الحقبة التي سبقت العهد الإسلامي لم تشهد مثل هذه الأمور؛ كلاّ، لكنّها أمور بسيطة و ناقصة إذا ما قورنت بما حدث بعد العهد الإسلامي. طبعاً هناك أمور تنقل من هنا و هناك، لكنّها لا تستند إلى دليل، و بالتالي فهي قضايا غير مسندة، و لا يمكن لأحد إثباتها. لكن ما حدث في العهد الإسلامي قضايا واضحة جليّة و قابلة للإثبات. فانظروا مثلاً إلى التطوّر العسكري و العلمي و الثقافي الذي حدث في العهد الديلمي، و في العهد السلجوقي، و في العهد الصفوي، و حتى في عصرنا الحاضر، و انظروا إلى عهد الحكم المغولي أيضاً. فحين غزا المغول إيران وقعوا تحت تأثير الثقافة الإيرانية؛ كما حدث لهم ذلك حين غزوا الهند و تأثروا بالثقافة الهندية. فكم هي الأعمال البارزة و العظيمة العلمية و الثقافية و الفنية التي أُنجزت خلال هذا العهد. لذلك من يريد أن يتحدّث لصالح إيران و الهوية الإيرانية، فإيران العهد الإسلامي ستكون في الطليعة لأنّ أخبارها مدوّنة و مسجّلة، و مثبتة، و مقبولة، و واضحة للعيان؛ فكتب و مدوّنات و تراث هذا العهد متوفرة بين يدينا، و كذلك فن العمارة، و المنجزات العلمية، كلّها مدوّنة و واضحة للعيان.
الأمر الآخر ـ و ها نحن نقترب من وقت الأذان ـ هو ضرورة أن تعالجوا قضية التعاون بين السلطات. فأنا غالباً ما أوصي السلطات؛ و ها أنتم قد حضرتم اليوم هنا، فأتوجّه بوصيتي إليكم أيضاً. ففي المواضع التي تسمح بالتنازل، تنازلوا، فما الضير في ذلك؟ و المواضع التي تتطلّب إيضاحاً، وضحوا مواقفكم. و في المواضع التي تستدعي إيجاد علاقات أخوية، حاولوا معالجتها عن هذا الطريق. فما الذي يا ترى يدفعني للتأكيد و الإصرار على عقد اجتماع رؤساء السلطات الثلاثة؟ ما يدفعني لذلك هو أنّ عقد هذا الاجتماع سيساهم في حلحلة الكثير الكثير من المسائل العالقة. فالاجتماعات التي تضع الأطراف وجهاً لوجه، تسمح بالجلوس و تبادل أطراف الحديث؛ و هذا من شأنه المساهمة في علاج الكثير من المشاكل. و هذه تجربتنا من السابق. لكن لنفرض أن الأخوة استخدموا طرقاً مختلفة لحلحلة المشاكل؛ لكنهم لم يفلحوا، حسناً، هناك طرق أخرى. بالتالي اختلاف الأذواق أو اختلاف الرأي أو التعددية في تفسير القانون إنّما يعالج من خلال هذا الطريق. افعلوا ما بوسعكم لجعل العلاقات علاقات حميمة. و في حال شاهدتم سلوكاً غير مرض من الطرف الآخر، فلتكن لنا عودة لأنفسنا، و لننظر هل كان لنا دور في إيجاد هذا الجو المشحون أم لا. فلنراقب جيداً؛ فإذا كان لنا دور في ذلك فلننه هذا الدور.
و أخيراً دعائي موصول للمسؤولين المحترمين، و لكم، و لرؤساء السلطات، و لكافة الكوادر العاملة في هذا البلد فرداً فرداً. أسأل الله أن يضاعف توفيقه لكم و يسددكم لإنجاز كل ما يُتأمَل منكم إنجازه بأفضل و أتم نحو ممكن. و ادخلوا ميدان العمل بنوايا خالصة، و بألفة و صفاء، و لا تتخلوا عن صفة الجد و المثابرة و السعي التي عرفتم بها و لله الحمد.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
(1) أحد المسؤولین: و کذلک الأکراد.