بسم ‌الله ‌الرّحمن ‌الرّحيم‌
ابتداءً أتوجه بالشكر إلى الإخوة الأعزاء سماحة الشيخ جنّتي و الإخوة العاملين في مجلس التنسيق، إذ كما قالوا إنهم على مدى سنوات متمادية، كانوا ينزلون إلى الساحة متى ما شعروا أن مهمة توجيه هذه التحركات الجماهيرية العامة تستدعي ذلك. نحن جميعاً نعلم طبعاً أن القلوب بيد الله، و أنه هو تعالى الذي يأتي بجماهير الشعب إلى الشارع، و هذه الحشود الجماهيرية الهائلة، و كيان المجتمع الذي يعبّر عن روحه الهادرة ـ في شتّى المراسم و المناسبات مثل: الثاني و العشرين من بهمن، و يوم القدس، و أخيراً في هاتين السنتين، في مناسبات مثل التاسع من دَيْ؛ إذ أن القلوب في قبضة قدرته. نحن لا نتحدث عن حشود مليونية هائلة كتلك التي تحصل بمناسبة ذكرى التاسع من شهر دَيْ و أمثاله، بل حتى لو أراد ألف شخص التجمّع في مكانٍ ما، فلا بدّ من جهة تتولّى مهمة إدارتهم. و للإنصاف أقول إن المجلس الأعلى للإعلام قد نهض بهذه المهمة على ما يُرام. و نحن نشهد على ذلك و نشكر الإخوة المتصدّين لهذه الأمور.
في قضية التاسع من شهر دَيْ من عام 1388هـ.ش. هناك مسألة أساسية تعود إلى هوية الثورة و إلى ماهية الثورة؛ أي إنها أظهرت و عكست ذات الروح التي كانت سائدة في أساس ثورتنا، و تلك هي الحشود المليونية التاريخية الفريدة التي انطلقت في عام 1357هـ.ش، عكستها في حادثة التاسع من دَيْ، مثلما انعكست قضايا أُخرى أيضاً، و لكن في التاسع من دَيْ انعكست على نحو بارز بحيث أنها لم تُبق أيّ مجال للشك و الترديد و التأمّل لأي من الأصدقاء و الأعداء و المحبين و المبغضين و غيرهم. فما هي تلك الروح؟ روح التدين السائدة على قلوب الناس. إذن هنا لدينا عنصران إلى جانب بعضهما: أحدهما عنصر الشعب و هو أن الشعب في أيّ بلد، إذا عقد العزم و إذا تبصّر في أموره، و تأهب عملياً، و دخل إلى الساحة، يستطيع حلَّ المشاكل كلّها. أي إن أعظم الجبال ليزول في مقابل حضور جماهير الشعب، و الشعب بحضوره في الساحة السياسية يستطيع أن يزيل أعظم الجبال. و هذه حقيقة جليّة لم يلمسها و لم يدركها بشكل صحيح الكثير من المحللين الاجتماعيين في البلدان الإسلامية و لا في غيرها من البلدان الأُخرى. و لكننا لمسناها. و هنا تكمن حنكة إمامنا الكبير.
هذا الكلام قلته ذات مرّة قبل ما يقارب خمسة عشرة سنة أو ربّما قبل عشرين سنة خلت، لأحد الشخصيات الناشطة في ميدان الكفاح ضد الاستعمار، - و هو شخص معروف، و لا أرید ذكر اسمه ـ فذهب مباشرة و عمل بهذه الوصفة. و هذا ما لمسناه. قلت إن حنكة إمامنا تكمن في أنه نزل بالجماهير إلى الساحة. فأبناء الشعب قد حضروا بأنفسهم و بأبدانهم و كرّسوا بحضورهم ما كانوا يتطلّعون إليه و ما كانوا قد عقدوا العزم عليه. بهذه الحادثة أزيلت كلّ الموانع السياسية و غير السياسية، و أُرغم الاستعمار و القوى العالمية الكبرى المهيمنة على شؤون الشعوب، أُرغم على التراجع في مقابل هذه الحادثة. و هكذا الوضع الآن أيضاً. الآن في أيّ مكان في العالم إذا دخلت الشعوب إلى الساحة. بهدف واضح و بشعارات واضحة، إذا دخلت إلى الساحة بإيمان راسخ إلى جانب هذا العمل الصالح، لن يستطيع أيّ مانع أن يصمد أمامها. و هذه وصفة؛ هذه الوصفة أخذ بها و طبّقها إمامنا الكبير في وقائع الثورة. و قد آزر الله العليّ القدير إمامنا و جعل في بيانه هذا التأثير و هذه الجاذبية بحيث أثّر في قلوب الناس. و قد آمن الشعب بذلك المنهج و بذلك الهدف، و في أعقاب هذا الإيمان قاموا بما عليهم من عمل. العمل الصالح هو ذلك العمل الذي يتناسب مع الإيمان. و هكذا الحال في أيّ مكان آخر. و لهذا فقد تحقّق هنا من العمل ما لم يكن قابلاً للتصديق لدى كلّ المحللين السياسيين في العالم، و بقوا في حيرة منه، سواء أصحاب السلطة، أو الحواشي، أو الأتباع، أو القواعد. و على هذا فإن العنصر الأوّل هو عنصر حضور الشعب.
العنصر الثاني هو عنصر الإيمان الديني للشعب. الإيمان الديني هو ذلك الإعجاز القادر على حشد و تعبئة كلّ أبناء الشعب أوّلاً، و إبقائهم في الساحة ثانياً، و تذليل المصاعب لهم ثالثاً. و أيّ إيمان آخر لا يتصف بهذه الخصوصية. الإيمان الديني يقول إنكم إذا تفوّقتم و سرتم قُدماً فأنتم المنتصرون، و إذا قُتِلتم فأنتم المنتصرون أيضاً. و حتى إذا سُجنتم فأنتم المنتصرون، لأنكم قد أدّيتم ما عليكم من واجب و تكليف. و حين يكون لأحد مثل هذا الإيمان و الاعتقاد فلا معنى للهزيمة عنده. و لذلك فهو يدخل إلى الساحة. و هذا هو ذات العنصر الذي أثّر أثره في صدر الإسلام أيضاً. و كان له أثره في ثورتنا أيضاً. و هذا ما أظهره التاسع من دَيْ. لقد كان التاسع من دَيْ نموذجاً لتلك الخصوصية التي كانت موجودة في الثورة ذاتها؛ أي إن أبناء الشعب شعروا بما عليهم من واجب ديني، و على أثر ذلك نهضوا بعملهم الصالح. و كان العمل الصالح أن ينزلوا إلى الشوارع، و يعبّروا عما يريدون، و يقولوا ها هو الشعب الإيراني. و بهذه الحركة الجماهيرية أُحبط ذلك الكم الهائل من الإعلام المعادي الذي كان يحرص على أن يصوّر مثيري الفتنة و كأنهم هم الشعب الإيراني، و يوحي و كأن الشعب الإيراني قد تراجع عن ثورته و تراجع عن نظامه. و معنى ذلك أن الشعب قد أثبت يومذاك أن الشعب الإيراني هو ذا. و عندما نظر المحللون الأجانب، قالوا إنه من بعد رحيل الإمام الخميني، أو ربما قال البعض منهم إنه من بعد الوقائع الأولى للثورة، لم ينزل من الشعب الإيراني إلى الساحة مثل هذا الحشد الجماهيري الهائل، و بكل هذا الاندفاع و الحماس. هذه هي حقيقة التاسع من دَيْ.
لقد كانت هذه الحركة حركة كبرى و كان عملاً جبّاراً. لقد أصاب سماحة الشيخ جنّتي في ما أشار إليه. فإن فتنة عام 1388هـ.ش لا تقتصر على ما ظهر في الشوارع على يد حفنة من الأشخاص، و إنّما كان شيئاً له امتداداته و جذوره، لقد زرعوا مرضاً عميقاً و كانت لهم أهداف يسعون إليها، و كانوا قد مهّدوا لها أرضيات و مقدّمات، و قاموا بأعمال كبيرة من أجل ذلك و كانت وراء هذا العمل أهداف في غاية الخطورة، مما لا يمكن حلّه بالأساليب السياسية و الأمنية المختلفة، و إنّما كان يتطلب حركة جماهيرية كبرى. و هذه الحركة كانت حركة التاسع من دَيْ. الجماهير التي جاءت، طوت بساط الفتنة و مثيريها. و لهذا فإن واقعة التاسع من دَيْ واقعة خالدة في تاريخنا. لقد قلت في ذلك العام أيضاً ـ في العام الماضي أو العام الذي قبله ـ إن هذه الحادثة ليست حادثة بسيطة. هذه الحادثة شبيهة بحوادث أول الثورة. و هذه الحادثة يجب أن تُحفظ و تخلّد.
أنتم السادة الذين توليتم إدارة هذه المسألة احرصوا على أن لا تغلّبوا جانب الشعارات على هذه الحادثة. و أكرر مرّة أُخرى أن عمل مجلس التنسيق الإعلامي هو إدارة الأمور، و إلا فإن الجماهير هي التي تقوم بالعمل، و القلوب بيد الله. إن الله تبارك و تعالى هو الذي جاء بالشعب إلى الساحة؛ أي إن الإيمان الإلهي و التوفيق الإلهي و التأييد الإلهي هو الذي جاء بالشعب إلى الساحة، إلا أن هذا العمل يتطلّب إدارة و توجيهاً طبعاً، و أنتم الذين تديرونه، و إدارتكم ناجحة. و على هذا الأساس احرصوا على أن لا تطغی على هذ الواقعة حالة الشعارات. من الطبيعي أن الشعارات ضرورية، بل هي شيء حتمي و ضروري. إذ إن الحماس و الاندفاع و الهياج ضروري. غاية ما في الأمر أنه ينبغي تبيين عمق الشعارات، أي تبيين هذه الأعمال التي أشاروا إليها: ماذا كانت كلمة الشعب الايراني بالأمس، و ما هي كلمته اليوم؟ و ما هي حركة الشعب الإيراني اليوم، و ما هو اتجاه الحركة، و ما هي كيفية هذه الحركة؟ نحن نسير في ضوء الدين. و نسير بعون الله تبارك و تعالى و صاحب الدين. و هدفنا تحقيق الغايات الإلهية. و هذا هو ما وعد به الدينُ الناس و بشّرهم به.
و بالمناسبة، لاحظوا أن إحدى السِمات الأُخرى في واقعة التاسع من دَيْ، و هو ما يقرّبها تماماً إلى أحداث الثورة، هي مسألة عاشوراء. ففي أحداث أول الثورة كان يصادف شهر محرم أيضاً، و قد بيّن الإمام هذه الملاحظة التاريخية اللافتة: «شهر انتصار الدم على السيف». هذه الكلمة ليست هيّنة: انتصار الدم على السيف. لقد اعتدنا على تكرار هذا الكلام إلى حدّ و كأنّنا ننسى أحياناً ما فيه من عمق. ينتصر الدم على السيف، و يتفوّق المظلوم على الظالم، و يتغلّب المقتول على القاتل. و هذا هو ما حصل في عاشوراء. هذا ما طرحه الإمام في شهر محرم من عام 1357هـ.ش. و في واقعة التاسع من دَيْ دخلت قضية الإمام الحسين و قضيّة عاشوراء في خضّمها. فلولا حصول تلك الممارسات السخيفة، و المبكية في الواقع، من قبل تلك الجماعات السخيفة أيضاً في شهر محرم، لما كان من المؤكد أن تحصل هذه الحركة الكبرى و هذا التحرّك الجماهيري على هذه الدرجة من الضخامة. فهنا أيضاً كان عاشوراء في خضم القضية.
أرجوا أن يعينكم الباري تعالى إن شاء الله. أرجو إن شاء الله أن نعيش دوماً في كنف الإمام الحسين، و في كنف عاشوراء، و في كنف الدين و الإيمان الديني، و أن يوفقكم الله جميعاً.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.