بسم ‌اللَّه ‌الرّحمن‌ الرّحيم

و الحمد للَّه ربّ العالمين، و الصّلاة و السّلام على سيّدنا و نبيّنا أبي ‌القاسم محمّد، و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيّما بقية اللَّه في الأرضين.

إنني منذ مدّة مديدة أعرف منطقة كرمانشاه و أهاليها معرفة جيّدة عن بعد، و عن قرب أيضاً، غير انني على مدى هذه الأيام القليلة التي وفّقني الله فيها لمقابلتكم أنتم الأهالي الأعزاء في مختلف القطاعات، و تسنّى لي فيها دراسة الأوضاع و ملاحظة السلوكيات، ازددت محبّة لكرمانشاه و أهاليها. نشكر الباري تعالى لما غمر به هؤلاء الناس الطيّبين، المؤمنين، الصادقين، و ذوي المروءة و الشهامة و الرجولة، من توفيق و هداية. و بحمد الله قد ورث الجيل الجديد الصاعد لهذه المنطقة و هذه المحافظة تلك الصفات الايجابية و الحميدة لأسلافهم و ما خلّفوه لهم من سجايا اجتماعية. و الأهم من ذلك هو ان فكر الثورة، و تيّار الثورة، و الروح الثورية، و منطق الثورة، و لغة الثورة، حيّة نابضة في هذه المحافظة.

كان جدول أعمال اليوم مفيداً. و نحن نشكر الاخوة الكرام الذين خطّطوا و رتّبوا لهذه الجلسة. لقد كان نشيدهم الجماعي جيّداً و كذلك ما عرضوه من تمارين الرياضة التراثية القديمة. إنّني ادعو بكل جدّ جميع الشباب الذين لديهم ميول رياضية، و لديهم الاستعداد لممارسة الرياضة، أدعوهم إلى أن يكرّسوا في أنفسهم هذا الشعور بالقدرة. و على أبناء الجيل الحالي أن يحرصوا على تأهيل أنفسهم بدنياً إلى جانب ما وفّرته لنا الثورة من تقدّم معنوي، و تقدّم فكري، و غير ذلك من الأُمور التي سأعرضها على مسامعكم. فالسلامة الجسمية و القوّة البدنية أمر ضروري للرجال من أصحاب التوجهات المعنوية، و لذوي الفكر، و لكلّ من يحمل أهدافاً كبرى.

اليوم موضوع البحث في جلستنا هذه هو الحرس الثوري و قوّات التعبئة الشعبية. فالحرس الثوري بصفته مؤسسة و فرعاً انبثق بفخر مِن جذور هذه الثورة و هذا النظام، و كذا قوى التعبئة الشعبية باعتبارها حادثة فذّة من الأحداث الباهرة للثورة، ينبغي أن يكونا موضع اهتمام.

من الأُمور الضرورية في كلّ حركة عامّة و في كلّ نهضة ان توضع بناءً على الافكار و المتبنّيات الأساسية لتلك النهضة أو لتلك الحركة «صياغات اصطلاحية» خاصّة بها من جهة، و أن تكون لها «تشكيلاتها الخاصّة» بها من جهة أُخرى. فعندما يُطرح فكر جديد ـ مثل فكر الحكومة الإسلامية و النظام الإسلامي و الصحوة الإسلامية ـ فانّه يلقي إلى المجتمع مفاهيم جديدة. و لهذا ينبغي أن تكون لهذه الحركة و لهذه النهضة ما يناسبها من اصطلاحات. فهي ان استعارت لنفسها مفردات و اصطلاحات أجنبية، فإن الأفكار تتشابك، و يبقى الموضوع طي الغموض.

نحن نقرّ مبدأ الديمقراطية و سيادة الشعب، و نقرّ مبدأ الحرية أيضاً، إلا اننا لا نقبل مبدأ الليبرالية الديمقراطية. فرغم أنّ المعنى اللغوي لـ «الليبرالية الديمقراطية» هو ذات معنى الحرية، و ذات معنى الديمقراطية، إلا ان مصطلح الليبرالية الديمقراطية اقترن في الاصطلاح الشائع لدى جميع الشعوب و في أذهان و ثقافت الشعوب بمجموعة من المفاهيم التي نشمئز منها، و لا نريد وضعها على مفاهيمنا النقية السليمة الصالحة الخالصة. و لهذا فنحن نضع تسمية جديدة لنظامنا المنشود لدينا و نقول: الديمقراطية الإسلامية، أو سيادة الشعب إسلامياً، أو الجمهورية الإسلامية؛ أي ان نختار تسميةً جديدة. و لا نستخدم مصطلح الاشتراكية مثلاً في ما يخص تقسيم الثروة بشكل صحيح و انتفاع الجميع من الثروات العامّة، و هو واحد من الأهداف العليا للإسلام، رغم أنّ الاشتراكية من حيث معناها اللغوي دالّة على هذا المعنى، غير انّها مقرونة بمفاهيم أُخرى نستهجنها، و تداخلت مع وقائع تاريخية و اجتماعية نرفضها نحن و لا نستسيغها. و لهذا فنحن قد طرحنا بدلاً من الاصطلاحات التي كانت متداولة لدى اليساريين و الماركسيين و غيرهم، طرحنا و أوجدنا اصطلاح «الاستكبار» و اصطلاح «الاستضعاف» و اصطلاح «النظام الشعبي». و حين أقول طرحنا و أوجدنا، فأنا أعني ان الثورة قد طرحت ذلك، و ليس معنى ذلك ان أشخاصاً معيّنين كان لهم في هذا المجال تأثير قطعي و حتمي.

و هكذا الحال في ما يخص المأسسة. فحين تظهر إلى الوجود حركة و ثورة؛ فلا بدّ لها أن تكوّن لنفسها أجهزتها التنفيذية، و هي عبارة عن تلك المجموعة من المؤسسات التي تتولّى تنفيذ تلك الاهداف و تطبيقها على أرض الواقع ـ و احدى تلك المهام هي أن تتولى تلك الأجهزة تغيير المجتمع، و الجانب الآخر هو أن تؤسس الأجهزة المتناسبة مع غاياتها و تطلّعاتها. إلا ان كلا هذين الجانبين صعبان؛ و كلاهما يدخلان في عداد الأعمال و المهام الصعبة. بيد أن الثورة الإسلامية أنجزت كلا المهمّتين. و من ذلك في المجال العسكري على سبيل المثال أن الجيش الذي كان من إعداد و صياغة ثقافة أُخرى و نظام آخر و أُناس آخرين، تحوّل إلى جيش ثوري، و إلى جيش مؤمن و متديّن، و قد تغيّرت مكوّناته أيضاً، كما تغيّرت أيضاً سياقاته و أساليبه، و تغيّرت كذلك شعاراته. و على العموم فقد حصل فيه تغيير و تبدّل. وإلى جانب ذلك انبثقت مؤسسة فتية و جديدة من بين أحضان الثورة؛ و تلك هي حرس الثورة الإسلامية؛ و لو لا هذه المؤسسة الثانية، لما كان بالإمكان حصول تلك الاولى. و هذا طبعاً من ابداعات الثورة، و كان إمامنا الخمیني الكبير مظهر تطبيق هذه الابداعات و الفهم الدقيق لحاجة المجتمع و حاجة المستقبل، و كان يتولّى ذلك بقوّة و حزم و مثابرة.

و امّا بالنسبة إلى هذه الحركة الكبرى و هي تأسيس قوات التعبئة الشعبية؛ فإن هذه المبادرة التي أقدم عليها الإمام الخمیني بتأسيسه لقوات التعبئة الشعبية، ـ و الإمام الخمیني هو الذي دعا إلى تنظيم القوى الشعبية، و فكرة تأسيس جيش العشرين مليوناً كان الإمام الخمیني هو الذي طرحها ـ تمثّل واحدة من تلك الإنجازات الإعجازية للثورة، و قد حقّقها الإمام الخمیني.

كنت قد قُلت بالأمس انه حينما يكون هناك نظام، و بلد، و شعب ينادي بمثل هذه الأهداف الكبرى التي تبدو في الظاهر و كأنّها بعيدة المنال ـ و هي مقارعة الظلم العالمي، و مجابهة الهيمنة الدولية للقوى الكبرى، و التصدي لنظام الهيمنة، و مناهضة الاستضعاف و الاستكبار؛ كليهما معاً ـ فمن الطبيعي أن يكون له أعداء أقوياء و أعداء كبار، و ان تأتي القوى الكبرى إلى ساحته بهدف مواجهته. و لهذا يُفترض به أن يوفّر لذاته الاستعدادات اللازمة لهذا الغرض. و من أركان هذه الاستعدادات إعداد قوات التعبئة الشعبية.

قال الإمام الخمیني إنه حينما يكون لدى شعبٍ ما عشرون مليون انسان متأهب للمنازلة بالسلاح، فلن تطمع أيّة قوّة في العالم في السيطرة عليه؛ لأنّها تدرك أن ثمن الهجوم على مثل هذه الجماعة يكلّفها غالياً. و انطلاقاً من هذه الرؤية طرح الإمام الخمیني فكرة جيش العشرين مليوناً، طبعاً فكرة العشرين مليوناً طرحت في ضوء سكّان البلد الذي كان عدده يومذاك يناهز الأربعين مليوناً. ثم انّنا قلنا لاحقاً إن هذا الجيش يجب أن يكون «جيش عشرات الملايين».

هذا هو واقع القضية. و هذا لا يعني بطبيعة الحال عسكرة المجتمع و أن أبناء الشعب يصبحون كلّهم عسكراً و يحملون البنادق في أيديهم، و انّما يعني أن يصبح الجميع متأهّبین للدفاع، و مستعدّین للقتال. إنّ الشعب الذي يكون كل أبنائه على أهبة الاستعداد للقتال، لن يُدحر أبداً. و كل مؤامرة ضد مثل هذا الشعب الذي يكون على هذا المستوى من الاستعداد ستنتهي إلى الاحباط. و كان الإمام الخمیني هو الذي طرح هذه الفكرة الجديدة في نوعها؛ إذ أعلن عن تشكيل قوات التعبئة الشعبية في شهر كانون الأول من عام 1979. و بقي سماحته إلى آخر عمره ينظر إلى قوات التعبئة الشعبية بمثل هذا الاهتمام. و من التعابير التي كان يستعملها سماحته لوصف هذه القوات إنه كان يقول: «قوات التعبئة مدرسة العشق»، و «قوات التعبئة مدرسة الشاهدين و الشهداء المجهولين»، و «قوات التعبئة جيش الله المخلص». و هذا دليل على المعرفة الصحيحة لحاجة هذا البلد و هذا الشعب و هذا النظام في الحاضر و المستقبل. و هذا الشيء ممّا تبقى الحاجة إليه قائمة على الدوام، فمثل هذه الحاجة ستبقى قائمة إلى ما بعد خمسين سنة أُخرى.

من الطبيعي ان قوات التعبئة التي تأسّست في عام 1979 كانت تلبي متطلبات ذلك الوقت ـ التي كانت يومذاك حاجة ـ امّا اليوم فإن قوات التعبئة تلبّي متطلبات من نوع آخر. إذ ان القضايا المطروحة اليوم لم تكن مطروحة آنذاك. إنّ قوات التعبئة اليوم سبّاقة في مجال العلم، و في مجال الابداع، و في مجال التطوّر. و هذا أيضاً كان من حنكة الإمام الخمیني. ففي المدوّنة التي كتبها سماحته في شهر كانون الأول من عام 1988 ـ أي في أواخر عمره الشريف، و تقريباً بعد عشر سنوات من تلك المدوّنة الاولى ـ دعا طلبة الجامعات و طلاب العلوم الدينية إلى تأسيس قوّات تعبئة؛ قوّات تعبئة لطلبة الجامعات، و قوات تعبئة لطلبة العلوم الدينية. و هذا ممّا يدل على ان حاجة البلد إلى الروح التعبوية، تمتدّ إلى جميع المجالات، و منها الميادين المتعلّقة بنطاق الحوزات العلمية، و الميادين المتعلّقة بنطاق الجامعات. اليوم في الحوزات العلمية يتواجد الفضلاء التعبويون، كما يتواجد أيضاً علماؤنا الكبار التعبويون، و هم يتفاخرون بهذا. و كان سماحة الإمام الخميني يتفاخر بذلك أيضاً. إذ كان سماحته مع كل ما كانت له مكانة جليلة، يقول إنّ مفخرتي انني تعبوي. و هكذا الحال في الجامعات أيضاً. ففي الجامعات هناك ظاهرة التعبئة الطلابية، و تعبئة الأساتذة، التي تُعدُّ ظاهرة ريادية و طليعية.

في كلّ المجالات لدينا اليوم قضايا و أُمور لم تكن موجودة يومذاك. ففي ذلك اليوم لم يكن هذا التقدّم العلمي الموجود اليوم. في بداية الثورة كانت كل جهود و هموم و هواجس النظام و قوات التعبئة و الحرس الثوري و كلّ مسؤولي البلد و الثورة، منصبّة على حفظ هذا الكيان الفتيّ؛ و رعاية هذه النبتة التي نمت توّاً في أرض هذا البلد، لكي لا يدعوها تُجتثّ و تُزال. هنا في غرب البلد، و في المنطقة الجنوبية الشرقية من البلد، و في المنطقة الشمالية الشرقية من البلد، و في المنطقة الجنوبية الغربية من البلد، و في مناطق مختلفة أُخرى، أثار المستكبرون، و أعداء الثورة، و أعداء الإسلام، و أعداء ايران، أحداثاً متعدّدة. يومها هرع إلى الساحة الشبان المؤمنون و الموالون للثورة، بروح تعبوية تلقائية، و قدّموا أنفسهم قرابين من أجل حماية الثورة، و قد ذكرت بالأمس عند لقائي بأُسَر الشهداء بعض الأمثلة منهم مِن أهالي كرمانشاه، كما أشرت إلى هذا في كلمتي في الأمس الأول؛ حيث كان المراقب يرى ان تلك الحركات التلقائية الشعبية التي ظهرت بعد شهر من انتصار الثورة، و اولئك الشبان المتحمّسين، كانوا ينطلقون من مدينة كرمانشاه هذه. هذه هي قوات التعبئة. إنّ حركة التعبئة حركة منبثقة من الايمان، و من العشق، و من الثقة بالنفس، و مقرونة بروح الابداع.

ينبغي ممارسة الابداع في جميع المجالات. كنت أنظر الآن إلى هذه الرياضة التراثية و هي الزورخانة. و حسب تعبير القدماء فإن هذه التمارين (نصف المقعّر) التي أجراها هؤلاء الرياضيون، كانت زاخرة بالابداع. لقد رأينا في أيّام الشباب تمارين الرياضة التراثية (الزورخانة)؛ رأيناها مرّات و مرّات، و في كلّ مكان، و رأينا كلّ أنواعها، فكانت كلّها من نمط واحد و ثابت. و كان هذا النمط ذاته يتكرّر على الدوام و في كلّ مكان. و كان هذا بطبيعة الحال لا ضير فيه، بل كان جيّداً أيضاً، بيد انه كان خلواً من هذا التجديد. بينما نلاحظ اليوم ان هؤلاء الشبّان قد أخذوا بتلك الركائز الرياضية القديمة، ثمّ وشّحوها و طرّزوها و لوّنوها بأنواع و أشكال شتّى من الابداع و الجمالية، و صاغوا منها شيئاً بديعاً. و هذا طبعاً ابتكار. هذا في مجال الرياضة التراثية المعروفة بالزورخانة. و لا ريب في أن هذا الابتكار ممكن في جميع المجالات الأُخرى؛ الابتكار في طريقة القيادة العسكرية، و الابتكار في اسلوب الحرب، و الابتكار في نوع الأدوات الحربية، و الابتكار في نوع السياقات التنظيمية. و هذا يتعلّق طبعاً بما يخصّ عمل القوات المسلّحة. فإذا خرجنا من اطار عمل القوات المسلحة، هناك أيضاً الابتكار في نوع الدبلوماسية. إنّ ميدان الدبلوماسية الهائل مقرون بانواع الحيل و الشیطنة. ان ميدان الدبلوماسية هو مجال الشيطنة. و هو ما تلاحظونه بأنفسكم.

و نحن نشكر الله إذ انّه جعل أعداءنا ممّن لا يعون ما الذي ينبغي عليهم فعله؛ فهم يتّخذون اجراءً، ثمّ يجدون انّهم قد اخطأوا، و وقعوا في مطبّ؛ ثمّ انّهم لا يتخذون عبرة من ذلك الخطأ، و انّما يعاودون ارتكاب ذلك الخطأ مرّة أُخرى. مثلما هو الحال بالنسبة إلى الكلام الذي يطلقونه في إعلامهم و في تصريحاتهم،؛ يقولونه و يمارسونه. إنّ الميدان الدبلوماسي من هذا النوع من الميادين؛ فهو يتطلّب وعياً و مبادرة، و يستلزم نوعاً من الابتكار في المبادرة. و هذا كلّه ناتج عن هذه الروح الثورية التي نعبّر عنها باسم الروح التعبوية؛ فهي روح شابة، و ابداعية، و سبّاقة، و ذات ثقة بنفسها.

و هكذا الحال في المجال الاقتصادي أيضاً، و كذا في مجال النشاط الانتاجي، و أيضا في مجال التطوّر العلمي و البحثي. و انطلاقاً من ذلك فإن المجال الذي نُطلق عليه كلمة التعبئة، و ننشر الروح التعبوية و نوسّعها فيه، ليس مجالاً محصوراً و لا مقيّداً في حدود معيّنة، و لا ينحصر في الاطار العسكري فقط؛ فهناك الروح التعبوية في طلب العلم، و الروح التعبوية في كسب الثروة، و الروح التعبوية في العمل الدبلوماسي، و الروح التعبوية في العمل السياسي، و الروح التعبوية في العمل الإداري، و الروح التعبوية في النظم؛ حيث ينطبق مفهوم التعبئة على كلّ هذه المجالات؛ و المعنى العام لكلّ ذلك هو التجديد، و الابداع، و الاخلاص.

الركيزة الأساسية التي يقوم عليها العمل التعبوي هي الاخلاص. و امّا صفة الجندي المجهول، فهي من الأوصاف التي أطلقها الإمام الخميني في قولته: «إنّ مدرسة التعبئة هي مدرسة الشاهدين و الشهداء المجهولين». تعبير «الجندي المجهول» هنا يشير الى أن التعبوي لا يسعى وراء الجاه و الشهرة. قال الشاعر: «في معتقدنا تجرّد العنقاء يبقى منقوصاً؛ و يبقى حبيس التسمية من لا يرنو نحو المحتوی».(1) أي انهم قد عملوا لوجه الله. و هذا مردّه إلى روح الثقة بالله و اليقين ان الأجر لا يضيع عنده. أنتم تعبدون الله في الخلوات و تناجونه بما في ضمائركم، و لا أحد يعلم بذلك، و لكنكم على ثقة بإنّه تبارك و تعالى يرى، و يحسب لكم هذا العمل عبادة. و الكرام الكاتبون لا يتركون هذه العبادة تذهب سدى و كأنّها لم تكن، كلا طبعاً، بل يسجّلونها في كتاب أعماله عبادة، و يلقاها يوم «فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره».(2) و هكذا الحال تماماً في سائر الأعمال الاجتماعية؛ فأنت قد تقوم بعمل لوجه الله، أو تتخذ قراراً تريد به وجه الله، و لا يعلم بذلك أحد، و أنت لا تتباهى بعملك هذا أمام أحد، غير انّه تبارك و تعالى يعلمه و يكتبه لك. و مردّ هذا العمل هو الثقة بالله و حسن الظن به. حتّى لو افترضنا ان الآخرين لم یعلموا بما تفعله، فما هو مقدار الأجر الذي يقدّمه لنا الآخرون؟ و ما مدى أهمية هذه الاجور الدنيوية في مقابل الأجر الإلهي؟ هكذا يفكّر التعبوي. و لذلك يخلص في عمله و يجعل عمله خالصاً لله. إنّ الاخلاص صفة من الصفات؛ فإن توفّر الاخلاص فسوف تتبدّد عند ذاك كلّ صور الأنانية و حبّ الذات و ما شابه ذلك؛ و ستزول دواعي اكتناز الثروة لذاتها، و مدّ يد الاستجداء إلى هذا و ذاك. إذ ان كلّ هذه الممارسات ناجمة عن الشرك؛ و أقصد هنا الشرك الخفي. و حينما يكون هناك اخلاص فلن يكون هناك شرك؛ لأن هذه الخصال ستتلاشى و تزول. هذه هي الروح التعبوية التي نتحدّث عنها. و هذه الروح يمكن أن تعبّر عن ذاتها و تنعكس في إدارة شؤون الدولة، و في النظام العام للبلد، و في تنظيم الشؤون العامّة للدولة، و في مختلف النشاطات، و في الأعمال الحكومية المتّبعة، و في الأعمال و النشاطات الشخصية، بل و في كلّ مكان.

طبعاً بالنسبة إلى القطاع العسكري و الاستعداد العسكري هناك امتياز. فنحن حين نقول إنّ الروح التعبوية ينبغي ان تسود في كلّ مكان فذلك لا يعني ان نتناسى جيش العشرين مليوناً الذي دعا إليه الإمام الخميني ـ أو جيش عشرات الملايين، من بعد الإمام ـ كلا طبعاً؛ فذلك له ضرورته. ففي ضوء ما يرنو إليه شعبنا من آمال و تطلعات كبرى و رؤى بعيدة المدى، يبقى الاستعداد الدفاعي ضرورياً و ينبغي أن يكون على الدوام؛ و يفترض أن يقارنه ابداع و تجديد. و لهذا فنحن ندعم بكلّ قوّة الجهود الرامية إلى تنظيم القوات التعبوية. و ينبغي أن يؤخذ بنظر الاعتبار عمق الفكر و البصيرة في تنظيم هذه القوات. أي على شبابنا الأعزاء أن يكونوا على بيّنة من الغاية التي يرومون الوصول إليها، ثمّ عليهم السعي نحوها بوعي.

من بين الوقائع و الأحداث التي تجري في بقاع العالم، هناك ظاهرة اختلاط الحقّ بالباطل، و هناك التسلط و الهيمنة الظالمة و الشيطانية لأُناس شيطانيين على مقدّرات الآخرين؛ في هذه الأجواء، أجواء الاستكبار، أجواء نظام الهيمنة، قلنا مراراً و كراراً انه قد برز إلى الوجود شعب ينطق بالحقّ، و يسعى إلى الحقّ، و يتطلّع إلى احقاق حقوق الشعوب، و يهفو إلى تطبيق العدالة. و هذا الشعب هو الشعب الايراني الكريم. إنّ الشعب الايراني بفضل الإسلام و بفضل الثورة ملتزم بكلمته هذه. و لأجل هذا الصمود الذي يبديه الشعب الايراني، أخذت هذه الاطروحة تتخذ موقعها و مكانتها تدريجياً في المنطقة، بل و في العالم. و هذا ما نلاحظ مجرياته اليوم في المنطقة. و هذه حقيقة ملموسة.

من البديهي أن شياطين العالم لا يكفون عن ممارستهم ما لم ينهاروا. فالحكم السوفيتي المنحرف و المغلوط طالما كان قائماً كان مناهضاً للإسلام و للجمهورية الإسلامية، شأنه في ذلك شأن هذا النظام الليبرالي الرأسمالي ـ أو الليبرالي الديمقراطي حسب تعبيرهم ـ تعلمون انّهم كانوا مختلَفين في ما بينهم حول مائة قضية لکنهم كانوا متّفَقين حول مجموعة من القضايا الأُخرى. و من القضايا التي كانوا متّفقين حولها، بل على رأس تلك القضايا هي قضية الوقوف ضد نهوض الإسلام و تقدّمه، و ضد نظام الجمهورية الإسلامية. إنّ النظام السوفيتي المنحرف الشيطاني قد تلاشى و ولّى، و ان هذا الآخر سيتلاشى أيضاً. إلا انهما ما داما باقيين فانّهما يستخدمان كلّ ما لديهما من قوّة و يحشدان كلّ قواهما لمجابهة النظام الإسلامي. و لكن لا شك في ان كل مساعيهما هذه لا جدوى منها. إذ ان هذا الطرف إذا صمد و صبر و لم يفقد الأمل و بقي ساعياً وراء أمله، فمن المؤكد ان النصر سيكون حليفه. و هذه واحدة من السنن الإلهية. فقد قال الباري عزّ و جلّ و هو أصدق القائلين: «و لينصرنّ اللَّه من ينصره» (3) و قال أيضاً: «ان تنصروا اللَّه ينصركم» (4).

هناك جبهة تسير على الحقّ، و في المقابل هناك جبهة تسير على الباطل. اتباع جبهة الحقّ إذا اعتراهم الخوف في وقتٍ ما فمن الواضح انّهم سيُهزمون. فهُم على الحق و لكنهم يُهزمون. و تارة أُخرى قد يستحوذ عليهم الهلع و ينعدم عندهم الصبر، فمن الطبيعي أن يُهزموا. و تارة أُخرى قد يكون لديهم كلام حقّ، غير انّهم لا يعملون بمستلزماته و متطلّباته؛ فيتكالبون على الدنيا و المادة و اللهو، و في هذه الحالة من الطبيعي أن يُهزموا أيضاً. فالباري عزّ و جلّ لم يوقّع لهم شيكاً على بياض بأنّکم ستنتصرون حتماً لأنّكم على الحقّ. كلا طبعاً، و انّما يقول لهم إنّكم ستنتصرون لأنكم على الحقّ و لأنكم تصمدون. فإن صمدتم و صبرتم فستنتصرون. غير ان الصراع و التحدّي و المناوشات مستمرّة إلى حين حصول النصر النهائي.

يجب أن تكون في داخل كيان النظام الإسلامي دائماً، قوّة دفاعية رصينة، و واعية و متأهبة لكلّ طارئ. و هذا هو ما يُسمّى بالروح التعبوية. الجيش أيضاً يمكن أن يكون ذا روح تعبوية. و كذلك الحرس الثوري يمكن أن يكون ذا روح تعبوية أيضاً. و وحدات التعبئة التي تمّ تشكيلها انطلاقاً من هذا المبدأ أيضاً، يمكن أن تكون ذات روح تعبوية. و الأجهزة الحكومية يمكن أن تكون ذات روح تعبوية. و كذلك أجهزة الأمن الداخلي يمكن أن تكون ذات روح تعبوية. و الجهاز الدبلوماسي يمكن أن يكون ذا روح تعبوية. فإن حصل هذا و تحقّق فسيكون النصر مؤكداً و سريعاً. ينبغي ان ننظر إلى الشخص التعبوي بهذه النظرة. و يجب ان ننظر إلى الروح التعبوية بهذه النظرة؛ و ان نحيي و نكرّم هذه الروح جهد المستطاع.

ان من أهم الواجبات التي تقع على عاتق قوات التعبئة و تدخل ضمن النسيج الذاتي للهوية التعبوية هو الذود عن المبادئ الإسلامية المسلّم بها. و هذا ما جاء أيضاً في كلمات الإمام الخميني؛ الذي أكّد على المبادئ الإسلامية التي لا تقبل التغيير. هنا تتبنّى قوات التعبئة دوراً يتعدّى المراحل. فقوات التعبئة تنظر لترى ان الحركة العامّة للثورة و النظام لم تنحرف عن مسارها الصحيح؛ و تراقب لكي لا يحصل انحراف. و متى ما حصل انحراف فعلى قوات التعبئة ان تقف في وجهه. هذا من الخصائص المرتبطة بقوات التعبئة؛ أي انّها تقف في وجه الانحرافات. فهناك خط مستقيم يمتد نحو الأهداف الكبرى للثورة الإسلامية بلا أيّ انحراف و لا منعطفات. و هذا يأتي انطلاقاً من النظر من أعلى؛ حيث تكون النظرة فوق الأدوار و المراحل؛ أيّ انّها في الواقع فوق الزمان. من المحتمل طبعاً ان تحصل اشكالات في بعض القطاعات، إلا ان الحركة العامّة يجب ان تحافظ على استقامتها. هذه الرؤية هي الرؤية التعبوية.

من الأُمور الاخرى التي ينبغي ان اتحدّث عنها هي ان قوات التعبئة بما ذكرناه لها من الخصائص، تخضع للقوانين و اللوائح و القيم المتجسّدة في قالب النظام. يجب أن يحصل ابداع، و يفترض أن يحصل تجديد، و امّا الانفلات و عدم الانضباط فلا. إنّ البعض يُخطئ حين يتصوّر ان التعبوي هو من لا يخضع للقوانين، و لا يلتزم بالتعليمات واللوائح، و لا يبالي للضوابط السائدة في المجتمع. كلا طبعاً؛ فهذا خطأ. طبعاً إذا كانت الهوية العامّة للتعبئة التي تجسّد و تمثّل ذاتها أحياناً في المجموع الكلي للنظام ـ و هو ما يشمل القيادة و الكيان التشريعي، و ما إلى ذلك ـ تلاحظ وجود ضابطة مانعة، فهي تبدّل تلك الضابطة. أيّ انّها تبدّل الضابطة و لا تعمل بلا ضوابط أو خلافاً للضوابط. شاع على الألسن منذ أيّام الحرب ان التعبوي يتحرّك دون کوابح ـ حيث كانوا يقولون إنّ التعبوي بلا كابح ـ و يعود سبب أمثال هذه التقوّلات إلى أن افراد قوات التعبئة في ميادين الحرب و في سوح القتال، كانوا يصرّون على القيام بالهجوم على العدو، كانوا يريدون الهجوم مبكّراً. تلك الروح الحماسية و ذلك الاندفاع و النشاط الشبابي هو الذي كان يجتذبهم نحو ميادين الحرب. و لم يكن صغار القادة العسكريين على معرفة بالمصلحة في كلّ مكان؛ فكانوا يتحفّظون على ذلك. و لهذا السبب كان هناك على الدوام نوع من المشاحنات على هذا المنوال في مختلف مناطق جبهات الحرب. في ذلك الوقت كانوا يقولون إنّ التعبوي ينطلق بلا كوابح. غير ان هذا الكلام لا يعني ان التعبوي غير منضبط، أو ينبغي أن يكون غير منضبط، أو ان عدم الانضباط يمثّل قيمة و فضيلة؛ كلا و أبداً. إنّ الانضباط بحد ذاته، و الالتزام، و التمسّك بالنظم يمثّل قيمة. أمير المؤمنين (عليه ‌السّلام) يوصي ولديه قائلاً: «أوصيكما ... بتقوى اللَّه و نظم أمركم» (5)، أي يجب أن تكونوا منظّمين، و أن يكون عملكم منظَّماً. فإذا انفرط النظم، و إذا انتقض هذا النسق الصحيح، حلّت الفوضى. و هكذا الحال في كلّ موضع و مكان. إنّ النظم يمهّد أرضية النجاح. و القوّة العسكرية إذا كانت من غير نظم فلا جدوى منها أبداً. و هذه التشريفات التي تلاحظونها في الوحدات العسكرية، و هذا الاستعراض و المسير المنتظم و الرُتب و الزيّ و النظم، لا يُراد من ورائها كلّها الاعتناء بالظاهر، و انّما الغاية منها تعويد القوات العسكرية على النظم و الانضباط. حين يُقال: يجب ان تسير من هنا، و لا ينبغي ان تضع قدمك وراء هذا الخط خطوة واحدة، فهذا نظم. إنّه لمن دواعي الارتياح اليوم ان هذه الأُمور تُراعى تماماً في قوات الحرس الثوري، و في الجيش. فالنظم شيء ضروري. و لو أنّ وحدة من الوحدات العسكرية جُرّدت من النظم، فلن تكون لها أيّة فائدة. افترضوا أنّ اللواء العسكري يتألّف من ألف شخص، و الألف شخص لیس لهم عادة هذه الکفاءة و القدرة. لکن الألف شخص إذا كانوا منتظمین في لواء، و اللواء يُقسّم إلى عدّة أفواج، و كلّ فوج يتألّف من مجموعة من السرايا، و في كلّ سرية مجموعة من الفصائل، مع وجود آمرين منظّمين، و بحدود معيّنة و مرسومة، إضافة إلى العمل وفق سياقات منظّمة، عندئذ ستكون لهذا اللواء قوّة و مقدرة، في حين أنّ الألف شخص إذا لم يكن لهم مثل هذا النظم و لا مثل هذه السياقات و التعليمات، فهم غير قادرين على النهوض بمهمة. نعم.. ان النظم على هذه الدرجة من الأهمّية. و على هذا الأساس يتّضح ان الانضباط قيمة، و عدم الانضباط ليس بقيمة. و عدم الالتزام بالقانون ليس قيمة، و العمل وفقاً للوائح قيمة. عليهم أن يعوا ذلك. هذا في ما يتعلّق بهذا الجانب، و امّا من الجانب الآخر فعلى البعض ان لا يتشبّث ببعض القرارات و اللوائح المقيّدة لاستبعاد و تهميش الفعل الابداعي، و الممارسات المنبثقة من الروح التعبوية. و هذا هو الجانب الآخر من القضية. فإن لوحظ في وقت ما ان هناك قرارات و لوائح تعيق الحركة و تكبّل الابداع و التقدّم، ينبغي لمن يمكنهم تبديل تلك اللوائح أن يُبدّلوها لإزالة ما ينتج عنها من معوّقات. من ذلك الجانب ينبغي عدم الخروج على القانون و لا تجاوز اللوائح، و من الجانب الآخر ينبغي إزالة القيود و الإرباك الذي تخلقه اللوائح. و على الجهات الأساسية في مختلف القطاعات الالتفات إلى هذه الأُمور. و على كلّ حال فقد كان هذا جانب من نظرتنا إلى قوات التعبئة.

أقول لكم إنّ مستقبل البلد مستقبل مشرق جداً. فعلى الرغم ممّا كان يريده الأعداء، و ما انفكوا يكررون قوله، ثمّ ان الحناجر المغرضة و الألسن المدنّسة بأحقادهم تردده من ورائهم، و تطبّل لهم، ثمّ ان البعض يصدّق ذلك بكلّ سذاجة، أقول إنّ انطلاقة الثورة الإسلامية انطلاقة ناجحة؛ و هذا ما تعكسه لنا تجربتنا التي نراها على أرض الواقع. فنحن لا نأتي بشيء من نسج الخيال و لا نريد بناء أوهام و مخادعة أنفسنا بها، كلا، بل ننظر إلى الواقع و نرى ان نظام الجمهورية الإسلامية و الشعب الايراني في ظل هذا النظام قد أحرزا على مدى هذه الاثنين و ثلاثين سنة، تقدّماً مضطرداً. ثمّ ان هذا التقدّم أبرز و أكثر بكثير من التقدّم الذي تحرزه الشعوب الأخرى. إنّ بعض الشعوب التي يتولّى إدارة شؤونها مدراء كفوءون، تقوم بإنجازات لا يُستهان بها، إلا ان انطلاقة الشعب الايراني كانت انجح و أكثر توفيقاً ممّا هو موجود و متعارف في العالم. و هكذا الحال في جميع المجالات و الميادين. لقد أحرزنا الكثير من التقدّم.

إن شعبنا يعاني من بعض المشاكل. و التقدّم ليس معناه القضاء على كلّ المشاكل، بل يعني السير نحو التكامل و نحو الأفضل. و هذا ما هو موجود. و الحال على هذا المنوال في كلّ الساحات و الميادين؛ في المجال السياسي و في المجال العلمي، و في مجال التجارب المختلفة في شتّى الحقول، التي يمكن أن تكون نموذجاً يستلهمه المدراء في القطاعات المختلفة للبلد، أو في المفاصل الإدارية الأساسية؛ فهذه التجارب يمكن أن تكون بمثابة العون لهم.

و أمّا الشيء الأهم من كلّ ما ذكرناه فهو التمسّك بالقيم. فالتمسّك بالمبادئ و القيم التي جاءت على أساسها الثورة، شيء في غاية الأهمية. فحسب اعتقادي، و حسب رؤيتي و تشخيصي، إن هذا التمسّك أصبح اليوم أقوى ممّا كان عليه في الماضي. إذ من الطبيعي أن حماس الشبّان كان قويّاً في أوّل الثورة ـ و هو حماس مبعثه لهيب الثورة ـ غير انّه لم يكن ذا عمق في كلّ مكان.

كنت يومذاك على احتكاك و تواصل مع طلبة الجامعات، و كنت أذهب إلى الجامعة مرّة في كلّ اسبوع، و أجيب عمّا كانوا يطرحونه من أسئلة. و هكذا كان الحال أيضاً في طهران و حيثما كنت أذهب؛ حيث كنت أعيش وجهاً لوجه مع أسئلة طلبة الجامعات و مع أذهان طلبة الجامعات. و أمّا اليوم فقدت غدت الرؤى أعمق، و أكثر جذرية، و منبثقة من رؤية أكثر استيعاباً للمبادئ. يومئذ كان هناك حماس، و حركة، و لقد كانت حركة في غاية النجاح و ذات قيمة، و حصلت تضحيات كثيرة. أمّا شبابنا اليوم فهم أكثر عمقاً. إنّ دواعي ذلك الحماس لم يعد لها وجود اليوم، ناهيك عن كثافة الإعلام المعادي، و لكن رغم كلّ ذلك نجد أن شبابنا اليوم على هذا الحال. إنّ البعض يغضّ الطرف عن كلّ هذه الجوانب الايجابية، و ينظر فقط إلى السلبيات و إلى الجوانب المعيبة، و لا يرى إلا مواطن الخلل. و هذا خطأ طبعاً. إنّ السلبيات موجودة، و لكن ينبغي النظر هل تلك السلبيات تتجه نحو التعافي و السلامة أم لا؟ فإن رأينا انّها تسير نحو الصلاح و التحسّن، و تسير نحو فهمها، ندرك حينذاك أن العمل عمل ناجح؛ و هذا طبعاً في هذا العالم الذي يشنّ فيه الإعلام هجوماً من كلّ حدب و صوب على شبابنا المؤمنين الطيّبين.

أيّها الشبان الأعزّاء! اجعلوا هذه الرؤية مرتكزاً لحركتكم. حاولوا التأثير في محيطكم. و اسعوا إلى زيادة هذا التعمّق. و عليكم بتوسيع الوعي الإسلامي العميق في مجالات عملكم. و من حسن الحظ ان متطلّبات هذا العمل و مستلزماته متوفّرة اليوم. إنَّ مؤلّفات الشهيد مرتضى المطهري، و كتابات الفضلاء و العلماء البارزين الموجودين اليوم في قم و طهران و أماكن أُخرى، ذات مواضيع ثرّة، و معارف غنيّة، و هي زاخرة بالروح المعنوية، و الجوانب العقلانية، و تتّسم بالدقّة، و الرؤية المستقبلية. نوّروا أذهانكم بهذه المعارف و انشروها في ما حواليكم.

بطبيعة الحال يوجد هنا جانب روحي أيضاً إلا و هو الارتباط بالله. عليكم السعي بأقصى ما تستطيعون لتعزيز ارتباطكم المعنوي و الروحي بالله العلي القدير. فهذه القضية ذات قيمة عليا. إنّ نظراتكم الشبابية هذه، و مناجاة الله من القلب، و استغفار، و تهليل و تكبير، و استغاثة بالله، و تضرّع إليه، إذا جاءت منكم أنتم أيّها الشباب، فإنّها تترك تأثيرات كثيرة جداً. فلا تنسوا هذا.

هذه المجالس التي تقيمونها ـ مجالس المعنوية و الدعاء و ما شابه ذلك ـ حاولوا أن تمزجوها بالمعرفة. فليقترن دعاء كميل بمعرفة مفاهيم دعاء كميل و بمعرفة دعاء كميل؛ و هكذا بالنسبة إلى دعاء الندبة أيضاً؛ و كذا بالنسبة إلى سائر الأعمال التي تقومون بها، إذ ينبغي ان تقترن بها معرفة. و ليُستفاد في هذا المجال من العلماء الكرام الصالحين و أصحاب الفكر ـ و هم و الحمد لله موجودون.

إن هذه الحركة حركة حليفها التوفيق، و ان الشعب الايراني بمساعدة هذه الروحيات الشابّة و المؤمنة و التعبوية و ذات الفكر الخلاّق سيبلغ قمم الاقتدار العالمي بإذن الله، و ينالها. و سوف تركزون راية الإسلام إن شاء فوق تلك القمم. مثلما لم يكن أحد يظن بالأمس أن شعار الإسلام و القرآن و الإيمان بمبادئ الإسلام سيُرفع في بلد مثل تونس أو بلد مثل مصر. أنتم اليوم تشاهدون هذه الشعارات ترفع هناك. و إن هذا التوجّه يسير نحو الاتساع إن شاء الله.

اللّهم! بحقّ محمّد و آل محمّد أنزل فضلك و رحمتك و كراماتك عل هذه القلوب الطاهرة النيّرة. اللّهم! بحقّ محمّد و آل محمّد حيثما كُنا في أيّة بقعة من بقاع بلدنا و في أيّ قطاع من قطاعات هذا البلد، وفقنا للعمل وفقاً لما فيه رضاك. اللّهم! اجعل الهزيمة و الدمار على أعداء هذا الشعب. اللّهم! هيّء لهذا الشعب دواعي العزّة و الشرف و الافتخار الديني الإسلامي يوماً بعد يوم. اللّهم! احشر الأرواح الطيّبة لشهدائنا الأعزاء مع النبي و أوليائه. اللّهم! احشر الروح المطهّرة لإمامنا الخميني مع أوليائه.

و السّلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته.‌

الهوامش:
1 - كليم الكاشاني‌.
2 - الزلزال: 7 .
3 - الحج: 40 .
4 - محمد: 7 .
5 - نهج ‌البلاغة، الكتاب 47 .