بسم الله الرحمن الرحیم

نبارک هذا الیوم العظیم.. هذا الیوم التاریخی العصیّ علی النسیان فی التاریخ.. یوم ولادة الزهراء الطاهرة - و الذی یصادف و الحمد لله ذکری ولادة قائدنا المحبوب و إمامنا الخمینی (رضوان الله و رحمته علیه) - نبارکه لکم جمیعاً أیها الإخوة الأعزاء و الأخوات العزیزات مدّاحو أهل البیت و ذاکرو الفضائل البارزة الناصعة لخیرة خلق الله.

معرفة أهل البیت و محبّتهم نعمة کبیرة. لو أنفقنا أعمارنا کلها لشکر هذه النعمة الکبری بأن لم یجعل الله تعالی أعیننا کلیلة عاجزة عن إدراک الحقیقة، و استطعنا أن نبصر هذه الأنوار الطالعة المضیئة بقدر استطاعتنا و مواهبنا، و ندرکها و نعشقها و نحبّها و لا نغفل عنها، لکان ذلک قلیلاً و الحق یقال. رحمة الله علی الآباء و الأمهات و الماضین و الروّاد و القادة الذین فتحوا لنا هذه النافذة المضیئة نحو هذه الشموس المعنویة، و رتلوا فی أسماعنا زمازم محبة أهل البیت منذ بدایة حیاتنا و فی فترة طفولتنا و حین کنا فی المهد، و جعلوا أفئدتنا ترتوی من محبة هؤلاء العظماء. اللهم اجعل هذه المحبّة و المعرفة أعمق و أرسخ فی قلوبنا و أرواحنا یوماً بعد یوم، و لا تسلبنا هذه النعمة حتی للحظة.

و إنها لنعمة أخری أن یصبح المرء من مدّاحیهم و المثنین علیهم. أحیاناً یری المرء حقیقة و یعرفها، لکنه أحیاناً یعبّر عن هذه المعرفة و هذه المحبة بقوالب الشعر و النثر و ینشرها. هذه نعمة أخری منّ بها الله علی المدّاحین و المثنین العاملین فی هذا السبیل. علیکم أن تعرفوا قدر هذا. نفس هذا المدح العلنی هو مدح للمادح نفسه. یقول الشاعر:

مدّاح الشمس مدّاح لنفسه، فهو یقول إن عینیه بصیرتان و لیستا کلیلتین (1).

حینما یمدح المرء نوراً و جمالاً و یثنی علیه، یمدح نفسه فی الحقیقة، لأنه یثبت بأنه عارف بالجمال، و أن له عینین تریان، و أنه یفهم و یدرک. أضف إلی ذلک أن نشر هذه الفضائل و المعنویات بین الناس یساعد علی تربیتهم. الناس بمعرفة النماذج و باتباع هذه النماذج یستطیع الارتقاء للمدارج العلیا و المقامات السامیة. إذا سرتم فی هذا الدرب تکونوا قد أنجزتم عملاً کبیراً.

اجعلوا النوایا إلهیة.. هذا هو أساس القضیة. إذا کانت نوایانا فی هذا المدح و الثناء نوایا إلهیة و بقصد تنویر القلوب و إجلاء الأذهان، و إذا عبّر الإنسان عن هذا و قاله عندئذ سیکون واحداً من جنود الله.. «و لله جنود السماوات و الأرض» (2). أحد جنود الله هو الشخص الذی ینشر هذه الحقائق بلسانه و بیانه و قریحته و ذوقه.. سیکون جندیاً من جنود الله. أما إذا کانت النیّة شیئاً آخر فلا. ما هو أعلی و أرقی من الجهاد؟ یقول إذا سار المرء للجهاد من أجل هدف مادی فلا هو مجاهد و لا یکون شهیداً إذا قتل. مع أنه سار إلی ساحة الحرب. إذا خضنا هذه المیادین لأجل أهداف مادیة - ناهیک عن أن تکون أهدافنا لا سمح الله وضیعة - فإنها لن تسبب لنا الرفعة و السمو. و لیس هذا و حسب بل ستؤدی إلی هبوطنا و سقوطنا. و هذا أمر لا یختص بالمدح.. بل کذلک الأمر بالنسبة للتفقه فی الدین، و التوفر علی علوم الدین، و الاجتهاد. النیّة هی الروح التی فی جسد أعمالنا. «إنما الأعمال بالنیات» (3).. النوایا هی التی تخلع القیمة علی الأعمال.

طیّب، إذا تقرر أن تکون النوایا إلهیة، إذن یجب أن تنظروا و تروا ما هو البیان و المنقبة و الفضیلة التی تؤدی إلی هدایة متلقیکم. هذه هی النقطة التی کررتها طوال هذه الأعوام المتمادیة التی قد تصل إلی نیّف و عشرین عاماً حیث نجتمع فی مثل هذا الیوم مع مدّاحی و بلابل هذه الروضة المغرّدین. أنظروا ماذا تقرأون للناس و ما تقولون لیتنوّر مستمعکم بنور فاطمة الزهراء (سلام الله علیها). ثمة أشیاء لا یؤدی ذکرها و قولها إلی أی فتح أو فائدة فی أذهان مستمعیکم، و لا یفضی إلی أی بهجة فی أرواحهم.. فلا تقولوها. اذکروا الأشیاء التی ترقق القلوب و تزیدها خشوعاً و ترّغب فی اتباع فاطمة الزهراء (سلام الله علیها). اذکروا الأشیاء التی یمکنها أن تشجع و تشوّق مستمعیکم علی السیر فی الدرب الذی سارت علیه الصدیقة الطاهرة. و هذا ما یحتاج إلی تفکیر و تعلیم و هو لیس بالأمر السهل الهیّن.

مدّاحو أهل البیت فی الوقت الحاضر یشکلون و الحمد لله جماعة کبیرة فی کل أنحاء البلاد. مهمة المدّاح استخدام الفن للتعبیر عن الحقیقة. هذا الوقوف بحد ذاته، و قراءة أشعار بصوت حسن و لحن جمیل - الشعر فن، و اللحن فن، و الصوت فن - أن یعبّر الإنسان بعدة فنون عن حقیقة فهذا ما یمکنه أن یترک تأثیراً مضاعفاً فی أذهان المستمعین و الحضور فی المجلس و المتلقین. هذه نعمة کبیرة جداً و فرصة کبیرة جداً. و جماعة مدّاحی أهل البیت و الحمد لله تنمو و تزداد یوماً بعد یوم، و الناس یتقبلونهم و یحبّونهم و یتشوّقون و یرحّبون، و إذن، فکل الأشیاء مجتمعة. إذا انقضی وقت الجلسة بشیء آخر، و إذا أنفقت عدة فنون - فن الشعر، و فن الصوت، و فن اللحن - فی شیء لا فائدة فیه لمستمعکم إطلاقاً، لکان هذا خسراناً. لذا فمهمة المدح مهمة صعبة. لا یصحّ أن نقول لأن أصواتنا حسنة و نحفظ بعض الأشعار - و المدّاحون الآن یقرأون عن الورق و الحمد لله! و فی الماضی کان من العیب علی المدّاح أن یستخرج من جیبه ورقة و یقرأ عنها، بل کانوا یقرأون القصائد الطوال من خمسین أو ستین بیتاً عن ظهر قلب، و طبعاً لا ضرورة لهذا الیوم، و لا ضرر فی القراءة عن الورقة - و نأخذ شعراً عن أحدهم و نقرأه بصوت حسن.. لیست هذه هی القضیة. یجب أن تنظروا و تدققوا و تفحصوا الأمور. هذه مسألة تتعلق بمدّاحی أهل البیت الأعزاء.

إنکم تعلمون أننا نحبّکم یا مدّاحی أهل البیت و نخلص لکم و نعتبر عملکم قیّماً. لکننی اشترطت دوماً هذا الشرط الکبیر علی المدّاحین.. و أغلبکم شباب و فی محل أولادنا، و هذه نصیحة أبویة سوف تتابعونها إن شاء الله: علیکم بالأشعار الجیدة و العمیقة و طبعاً الجمیلة. فن الشعر نفسه یترک تأثیراته. حینما یکون الشعر جیداً و تکون هیکلیته و ألفاظه جیدة - الشعر الجید بالمضامین الجیدة - فإن تأثیراته ستکون أکبر، مضافاً إلی أنه سیرفع مستوی ذهنیات الناس و أفکارهم.

أنظروا إلی المجتمع، و لاحظوا ما الذی یحتاج إلیه؟ هذه لیست أموراً خافیة الیوم علی أمثالکم من الشباب، و أنتم و الحمد لله متعلمون و مثقفون و فاهمون و أصحاب بصیرة. مستوی تفکیر الناس فی مجتمعنا حالیاً مستوی عال و الحمد لله، و شعبنا صاحب بلوغ و نضج فکری. و أنتم جماعة مدّاحی أهل البیت أیضاً. أنتم تعلمون ما الذی یحتاجه الناس. الناس الیوم بحاجة إلی الدین و الأخلاق و الإیمان الراسخ و البصیرة و معرفة الدنیا و معرفة الآخرة.. کلنا بحاجة لهذا. أن تقولوا إن فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) تدخل المحشر و یتأثر المحشر کله بعظمة ابنة الرسول (ص) فیجب أن نعرف المحشر، و نعرف القیامة، و نعلم هیبة الجلال الإلهی فی المحشر. و هذه أمور تحتاج إلی معرفة و وعی. و القرآن الکریم زاخر بالبیانات التی تدلنا علی هذه المعانی، و کذا الحال بالنسبة للروایات و الأحادیث. عبّروا عن هذه الأمور بلغة الشعر، و بالفن الذی تحملونه.

تعلمون أن البدء بأی عمل حالة صعبة. و لکن بعد أن یبدأ الأمر و یستمر فإنه سوف یسهل. أن یستطیع الرسول الأکرم (ص) أن یستخرج من مجتمع جاهل متعصب بعید عن الأخلاق أسیر لشتی صنوف الفساد، أمثال عمار و أبی ذر، فهل هذه عملیة سهلة؟ ما الذی فعله الرسول (ص)؟ ما هو المحرّک الثقیل الذی استطاع تحریک هذه الماکنة؟ أنظروا فی الآیات المکیة، فیها بالدرجة الأولی ذکر القیامة و العذاب الإلهی و التخویف من النقمة الإلهیة للکافرین و الذین لا یبصرون. هذا هو الشیء الذی حرّک الناس الحرکة الأولی. یجب أن لا نغفل عن هذه النقطة. الشفاعة محفوظة فی محلها، و المحبة محفوظة فی محلها، و الولایة محفوظة فی محلها، لکن الله تعالی له رحمته و له سخطه. یجب أن نتذکر السخط الإلهی أیضاً. یجب أن نذکّره لأنفسنا أولاً و من ثمّ نذکّره للناس. هذا ما یهزّ قلوبنا و ینتشلنا من أعماق الجهل و المادیات و المشکلات. هذا جانب مما نحتاجه. لنعرف الدنیا و لنعرف الآخرة و لنعرف واجباتنا و لنعرف الجهاد.

شعبنا الیوم شعب حدیث الولادة فی عالم غارق فی المشکلات، بخلقة أخری و هیئة أخری و شاکلة أخری و أبعاد جدیدة. فی عالم تتظافر فیه کل العوامل و تسعی و تواصل العمل من أجل إبعاد القلوب و الناس عن المعنویة ولد شعب یتخذ من الإیمان بنیة تحتیة له. فهل هذا بالشیء القلیل؟ إن هذا یتلألأ کالماس، و لا ضرورة لأن نزید من الزخارف و الحلی، فهو شیء یشع بالنور کالشمس. إن لنا مثل هذا الشعب. المعنویة و الوعی بالدنیا و جواهر العلم و المعرفة و المساعی السیاسیة و العمل الإعلامی الصحیح و البناء و الإعمار و بناء المجتمع و الوصول إلی البنیة الاقتصادیة المتینة و الوصول إلی البنیة الأخلاقیة الرصینة.. هذه کلها من أعمالنا و مهماتنا. انظروا ما الذی تستطیعون فعله فی هذه القطاعات و الجوانب المختلفة و کم تستطیعوا أن تعملوا علی توعیة الآخرین. لینتبه شعراؤنا إلی هذه النقاط، و لینتبه خطباؤنا إلیها و کذلک مدّاحو أهل البیت. و انظروا عندئذ ماذا سیحدث.

إذا کان لنا أرصدة فیجب أن نعرفها بصورة جیدة و نعمل بها، و سوف یکون شعبنا و المسلمون أغنی خلق الله. هذه الصلاة بحد ذاته أحد الأرصدة. نؤدی الصلاة و نتجاوزها بغفلة. کإنسان مصاب بفقر غذائی و نقص فی الفیتامینات و البروتینات، و یحتاج إلی المواد التی یحتاجها، و تتوفر له علبة ملیئة بکل هذه المواد التی یحتاجها، فیشمّها و یضعها جانباً! علیه طبعاً أن یفتحها و یتناول منها و یمتص الطاقة إلی جسمه. لکنه یشمّ العلبة و یضعها جانباً؟! أما الذین لا یأبهون أصلاً فلا کلام عنهم. إننا نشمّ الصلاة هکذا و نضعها جانباً! کل کلمة فی الصلاة إنما هی درس. و کل کلمة فی الصلاة إنما هی لذة معنویة لو عرفنا قدرها. و کذا الحال بالنسبة للصیام، و کذا الحال بالنسبة للزکاة، و کذا الحال بالنسبة للجهاد. هکذا هو الأمر بالنسبة لتعالیم الدین. و هکذا هو الحال فی ما یخص مدح أهل البیت (ع). المدح الذی تقومون به کل کلمة فیه یمکنها أن تکون مغذیة و بوسعها أن تنمّی المستمع و تعمل علی رشده. کان هذا کلاماً حول مدح أهل البیت.

و ثمة کلام عن السیدة فاطمة الزهراء (سلام الله علیها). إننی - للحق - و لیس من باب المجاملة، و لا من باب کلام جری تکراره آلاف المرات، إننی قاصر، و اللسان قاصر، و القلب قاصر، و الذهن قاصر إذا أراد مدح و تمجید هذا المقام الشامخ.. هذا الموجود الإنسانی، و هذه البنت الشابة، و کل هذه الفضائل، و کل هذا التألق، و کل هذا الکبریاء و العظمة، إلی درجة أن شخصاً مثل الرسول الأکرم (ص) عندما کانت تدخل علیه فاطمة الزهراء کان یقوم إلیها (4)، و لا یقوم فقط بل یقوم و یسیر إلیها. أحیاناً یدخل شخص للغرفة فتقوم احتراماً له. و أحیاناً یدخل شخص إلی الغرفة فتقوم و تسیر نحوه شوقاً. فهل هذا مزاح أو هزل؟ لیست هذه قضیة أب و ابنته. رسول الله یکرّم فاطمة الزهراء بهذه الصورة، و یعتبر رضاها رضاه، و رضاه رضا الله، و سخطها سخطه و سخطه سخط الله. هذه مقامات فاطمة الزهراء. ذاک عن الحیاة مع الإمام علی أمیر المؤمنین، و ذاک عن تربیة أولئک الأبناء. فهل یمکن لأمثالنا التحدث عن هذه الإنسانة الجلیلة؟

و مع کل هذا فإن هذه المرأة الجلیلة نموذج و قدوة.. هذه هی النقطة المهمة. أئمتنا (علیهم السلام) مراتبهم و مقاماتهم بلا شک أعلی من الملائکة المقربین، و مع ذلک لم یعیشوا و لم یتحدثوا و لم ینهجوا نهجاً خارج متناول أیدینا. لا.. علی حد تعبیر المرحوم العلامة الطباطبائی إنهم کالذی یقف علی قمة الجبل و یقول للناس اصعدوا إلی هنا إلیّ و إلی القمة، و یدعوهم نحو الذری. لم یکونوا مثل الشخصیات الکاذبة فی العالم المادی و أصحاب المواهب المعنویة الزائفة یقبعون فی أبراجهم العاجیة و غرفهم الزجاجیة و لا یصل إلیهم أحد، لا.. بل یقولون لنا تعالوا تعالوا، هذا هو الطریق. علینا أن نسیر خلف الأئمة الأطهار فحیواتهم نموذج و قدوة لنا. نعم «ألا و إنکم لا تقدرون علی ذلک» (5) لا نستطیع أن نسیر مثلهم و لیست لنا لیاقة ذلک، و لا طاقة لنا بذلک، لکننا نستطیع أن نجعل الدرب الذی ساروا علیه مساراً لحیاتنا، و اتجاهاً لنا، و نسیر فی هذا الاتجاه.

و النقطة الثالثة تتعلق بمناسبة الیوم.. یوم المرأة. قال الإمام الخمینی (رضوان الله علیه) فی إحدی کلماته مخاطباً النساء: إنکم حین رضیتم بأن یکون یوم ولادة فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) یوماً للمرأة، فهذا یستتبع مسؤولیات و تکالیف علی عواتقکن. یومکم یوم المرأة و یوم الأم هو یوم فاطمة الزهراء (سلام الله علیها)، فما معنی هذا؟ إنها خطوة رمزیة و عمل رمزی. و معناه أن المرأة یجب أن تسیر علی هذا الصراط. و العظمة و الجلالة و علوّ المقام و القدر یتحقق للمرأة فی هذا الدرب.. الدرب الذی تتوفر فیه التقوی و العفاف و العلم و الخطابة و الصمود فی مختلف المیادین التی تحتاج إلی الصمود، و تربیة الأبناء، و الحیاة العائلیة، و فیه کل الفضائل و الجواهر المعنویة. علی النساء السیر فی هذا الاتجاه.

لحسن الحظ فإن نساء مجتمعنا کن هکذا للحق و الإنصاف، لا فی الثورة فقط، بل لقد کنّ هکذا منذ القدم. النساء الإیرانیات المتدینات کن من الروّاد فی مختلف المیادین و فی کل القضایا. لقد کنّ فی الساحة قبل بدأ الکفاح الشدید فی الثورة الدستوریة. و خلال برهة معینة من الزمن خمد کفاح الثورة الدستوریة ثم اشتد و دخل فیه الجمیع. یوم لم یکن الجمیع قد دخلوا فی هذا الکفاح، و کان هناک فی الواقع عدد من العلماء و الخواص یتابعون هذه الأمور قامت النساء و شکلن اجتماعاً و جئن و سددن طریق الحاکم یوم ذاک فهرب منهن و ذهب و اختبأ فی قصره! فلحقنه و إذا بمأموری الحکومة ینهالون علیهن بالضرب. نزلن إلی الساحة یومذاک بالشادر و الشاقشور. غالبیتکم بل ربما جمیعکم لم یروا الشاقشور. الشادر و الشاقشور و الروبند نوع من الحجاب الإسلامی - الإیرانی المغلق. نزلن إلی الساحة بهذه الحالة. و یظن البعض أن المرأة ما لم تکن سافرة و عدیمة الأخلاق فلن یستطیع الدخول فی المیادین الاجتماعیة و السیاسیة المختلفة. فی ثورتنا و فی بعض مناطق البلاد شکلت النساء التجمعات قبل الرجال و سرن فی الشوارع و واجهن السلطة، و لدینا معلومات أکیدة عن هذا. لقد کان الحال هکذا فی فترة الثورة و فی حالات الکفاح المتنوعة بعد انتصار الثورة، و کذلک فی الحرب المفروضة.

لقد قلتها مراراً.. إننی فی زیاراتی لعوائل الشهداء غالباً ما أجد أمهات الشهداء أشجع و أکثر مقاومة من آباء الشهداء. و هل یمکن مقارنة محبة الأم و عاطفتها بعاطفة الأب؟ الروح النسویة اللطیفة و خصوصاً تجاه فلذة کبدها بعد أن ربّته و کبّرته و أنشأته و کأنه زهرة یانعة ثم ترضی بأن یتوجّه لساحات الحرب و یستشهد، ثم لا تبکی علی جنازته من أجل أن لا یفرح أعداء الجمهوریة الإسلامیة! و قد قلت لعوائل الشهداء مراراً إبکوا، لماذا لا تبکون؟ لا عیب فی البکاء. لکنهم لا یبکون و یقولون نخشی أن یفرح بذلک أعداء الجمهوریة الإسلامیة. «لا تسمّها امرأة بل سمّها صانعة رجال العصر» (6).. هؤلاء هنّ نساء إیران، و قد خرجن من الامتحان مرفوعات الرؤوس.

طبعاً الإنسان معرض للزلل، الرجال معرضون للزلل، و النساء معرضات للزلل، و الشباب معرضون للزلل، و الشیوخ معرضون للزلل، و العالم و الجاهل و الکل معرضون للزلل.. «و المخلصون فی خطر عظیم». أین المخلص الآن؟ کلنا خاضعون لهذه القیود و السقف. حتی لو وصلنا إلی هذا السقف و کنا من المخلصین فإن المخصلین فی خطر عظیم! لذلک علینا أن نراقب. أعداء دنیانا و أعداء آخرتنا و أعداء عزتنا و أعداء نظام الجمهوریة الإسلامیة ینتهزون نقاط ضعفنا، ینتهزون مشاعر الشهوات عندنا، و مشاعر الغضب عندنا، و مشاعر حبّ السلطة عندنا، و حبّنا للاستعراض و التبجح.. یجب أن نراقب. و السیدات العزیزات أیضاً یجب أن یراقبن، و الفتیات الشابات أیضاً یجب أن یراقبن.

هذه الحیاة تنقضی.. ملذاتها و صعابها تنقضی بطرفة عین. إنکم فی فترة الشباب لا تدرکون هذا الکلام جیداً. الإنسان فی فترة الشباب یتصوّر أن الدنیا ثابتة و ساکنة.. هکذا هو الأمر دائماً. حینما تصلون إلی أعمارنا و تلقون نظرة تجدون کم الدنیا سریعة الانقضاء. تنقضی بطرفة عین. و فی ذلک الجانب: «و إن الدار الآخرة لهی الحیوان» (7).. الحیاة هناک. «ذلک الذی یبشر الله عباده» (8) - التی قرأوها الیوم فی جملة الآیات الکریمة - و هناک البشارات الإلهیة. من أجل العالم هناک و من أجل صیانة عزة البلاد و تقدمها، علی النساء أن یراقبن وضع الحجاب و العفاف و التقیّد و الالتزام.. هذا واجب. الاستعراض و التمظهر بالزینة لحظة واحدة و آثاره السیئة علی البلاد و علی المجتمع و علی الأخلاق و حتی علی السیاسة آثار تخریبیة باقیة. و الحال أن مراعاة العفاف و الحدود الشرعیة فی سلوک السیدات و تحرکاتهن حتی لو کان فیه صعوبة فهی صعوبة قصیرة الأمد لکن آثاره عمیقة باقیة. السیدات أنفسهن یجب أن یراقبن بدقة قضیة الحجاب و العفاف.. فهذا من واجبهن و فخر لهن و یمثل شخصیتهن.

الحجاب مدعاة لرفعة شخصیة المرأة و حریتها. خلافاً للدعایات البلهاء و السطحیة للمادیین، لیس الحجاب مدعاة لأسر المرأة. المرأة بترکها حجابها و بتعریة الشیء الذی أراد الله تعالی و الطبیعة أن تستره إنما تصغر نفسها و تحط من قدرها و تهین نفسها. الحجاب وقار و رصانة و قیمة للمرأة. إنه رجحان کفة سمعتها و احترامها. ینبغی معرفة قدر ذلک حق المعرفة، و یجب تقدیم الشکر للإسلام لقضیة الحجاب هذه. فهذا من النعم الإلهیة.

علی کل حال الکلام فی هذا السیاق أیضاً کثیر. نتمنی أن یوفقکم الله تعالی و إیانا لنستطیع النهوض بواجباتنا. إذا بقینا أحیاء للعام القادم و استطعنا المشارکة فی اجتماعکم إن شاء الله نتمنی أن یشعر المدّاحون بأنهم قطعوا خطوات واسعة بالاتجاه الذی جری ذکره.

و السلام علیکم و رحمة الله.

الهوامش:
1 - المولوی جلال الدین الرومی، مثنوی معنوی، الدفتر الخامس.
2 - سورة الفتح، الآیة 4 .
3 - التهذیب، ج 1، ص 83 .
4 - فضائل الخمسة، ج 3 ، ص 127 .
5 - نهج البلاغة، الکتاب رقم 45 .
6 - عمان سامانی، دیوان الأشعار.
7 - سورة العنکبوت، الآیة 64 .
8 - سورة الشوری، الآیة 23 .